الصحة 'قنبلة موقوتة' في اليمن في ظل شح المياه

                                                                    الصورة: المقداد مجلّي/إيرين
سد مختان في صنعاء جاف الآن بشكل كامل

صنعاء, 5 أغسطس 2015 (TSF - إيرين)
لا يعد شح المياه مشكلة جديدة في اليمن لكن شدته تفاقمت الآن لدرجة أصبحت البلاد معها تقترب من حافة الجفاف. ولا يحصل الغالبية العظمى من السكان على مصدر للمياه النظيفة، في حين أصبحت شركات المياه التابعة للدولة معرضة لخطر الإفلاس.

وقبل الجولة الأخيرة من النزاع التي اندلعت في شهر مارس، كانت التقديرات تشير إلى أن ما يقرب من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 26 مليون نسمة يستخدمون مصادر مياه غير مأمونة. وقد ارتفعت هذه النسبة الآن إلى ما يقرب من 80 بالمائة، أو ما يقدر بنحو 20.4 مليون مواطن يمني، وذلك وفقاً لمحبوب أحمد باجو، رئيس عمليات المياه والصرف الصحي لدى اليونيسف في البلاد. ويؤدي هذا إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية والأمراض المنقولة عن طريق المياه، لا سيما في المناطق الريفية حيث غالباً ما يكون شراء المياه النظيفة أمراً مستحيلاً.

وقال باجو أنه "في غياب الوصول إلى إمدادات المياه المحسنة، تنتشر موجات مستمرة من الإسهال، خاصة بين الأطفال الصغار، مما سيؤثر في نهاية المطاف على أوضاعهم التغذوية. فهم سيخسرون الوزن وسيتأثر نموهم بشكل كبير. نحن نجلس على قنبلة موقوتة".

عدم توفر الوقود يعني عدم توفر الماء


وقام اليمن، الذي يعد أحد أكثر الدول فقراً بالمياه في العالم، لفترة طويلة من الزمن بتبديد الكثير من موارده الثمينة على زراعة القات، النبات المخدر الذي يمضغه معظم السكان.

ولكن حجم المشكلة الحالية ينبع إلى حد كبير من أزمة منفصلة وهي النقص الهائل في الوقود. ولأن مياه اليمن موجودة في طبقات الأرض العميقة، من المستحيل أن يتم إخراجها بمضخات يدوية - لذا هناك حاجة إلى مولدات الكهرباء.

ومنذ أن بدأ التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بقصف اليمن في مارس في محاولة لإجبار المتمردين الحوثيين على التخلي عن السلطة، فرض التحالف قيوداً صارمة على السفن، مما أدى إلى نقص كبير في الوقود. ونتيجة لذلك، أضحت غالبية البلاد من دون طاقة ولا يوجد فيها وقود كاف لتشغيل المضخات.

وقبل نقص الوقود، كانت المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي تزوّد العاصمة صنعاء بنحو 50,000 متر مربع من الماء يومياً من 97 بئراً. أما الآن، فهي توفّر 15,000 متر مربع فقط من 45 بئراً، بحسب تصريحات نائب المدير العام، أشرف حسن معاذ، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

وأوضح باجو قائلاً: "إذا تحسنت إمدادات الوقود، سوف يتحسن الوضع على الفور". كما أدت حملة القصف التي تقودها السعودية إلى الإضرار بالبنية التحتية الحيوية في البلاد.

وقال معاذ: "قصف السعوديون خزان المياه في منطقة النهدين الذي بلغت تكلفه 3,000000 دولار وكان يوفر المياه لـ 30,000 عميل، وقصفوا العديد من الآبار في جبال نقم إلى الشرق من مدينة صنعاء".

ومع تدهور الأوضاع، توقف الآلاف من العملاء عن الدفع - مما ترك المؤسسة المحلية على حافة الهاوية المالية. وأخبر معاذ شبكة الأنباء الإنسانية أنها تواجه الإفلاس المحتمل.

وتابع حديثه قائلاً: "عندما يتوقف العملاء عن دفع فواتيرهم، لن نكون قادرين على دفع ثمن وقود الديزل، ودفع رواتب الموظفين. كنا نستهلك 100,000 لتر من الديزل قبل انقطاع التيار الكهربائي (تم قطع إمدادات الكهرباء الحكومية إلى حد كبير)، ولكننا الآن نحتاج إلى 600,000 لتر شهرياً (لتشغيل المولدات)" 


واليمنيون الذين يمكنهم تحمل التكاليف، يدفعون المال ثمناً لشحنات المياه، ولكن معظمهم لا يستطيع ذلك. وفي بعض المساجد التي لا تزال توفر المياه من صنابير المياه العامة، تصطف الطوابير على طول الشوارع.

وقال جمال المطري: "في بداية الحملة، دفعت لشاحنات المياه، لكن كان من المستحيل بالنسبة لي أن أستمر في ذلك لأنني كاتب محكمة وراتبي لا يكاد يكفي الطعام وإيجار المنزل. لكننا بحاجة إلى الماء، ولذلك ليس لدي خيار سوى أن أذهب أو أرسل النساء أو الأطفال لجلب المياه من المساجد".

الاتجاهات على المدى الطويل

وقد فاقم النزاع الاتجاهات السائدة من قبل. فقد هبط منسوب المياه الجوفية في اليمن إلى مستويات منخفضة بشكل خطير في السنوات الأخيرة. وفي منطقة صنعاء، على سبيل المثال، انخفض المنسوب من 30 متراً تحت سطح الأرض في سبعينات القرن الماضي ليصل إلى 1,200 متر، وفقاً لبعض التقديرات.

وقد كان أثر ذلك شديداً على الزراعة - حيث فقد الكثير من المزارعين محاصيلهم. واشتكى حسن النجار أنه فقد حصاد العنب: "لقد فقدت هذا العام حوالي 1,000,000 ريال يمني (أقل قليلاً من 5,000 دولار) لأنني لم أجد الديزل لري أرضي، وكما ترون، لم يكن هناك أي هطول للأمطار هذا العام".

وتستهلك أشجار القات - التي يمضغ اليمنيون أوراقها التي تسبب الإدمان الخفيف - ما يصل إلى 65 بالمائة من مياه الري في البلاد. لذا يذهب أكثر من ثلث إجمالي إمدادات المياه في اليمن - وتشير بعض التقديرات إلى أنها أقرب إلى النصف - لزراعة نبات لا يتغذى عليه أحد، في بلد يستخدم ما يقرب من 80 بالمائة من السكان المياه غير الآمنة.   




                                                                   الصورة: المقداد مجلّي/إيرين
شهد العديد من المزارعين فشل محاصيلهم
علاوة على ذلك، قال معاذ أن عدم وجود حكومة متماسكة في السنوات الأخيرة شجّع نمواً مطرداً في حفر الآبار غير القانونية، التي أدت إلى استنزاف موارد المياه بشكل إضافي.

وأضاف: "هناك 3,000 بئر تم حفرها دون الحصول على إذن من السلطات. من ضمن هذه، 700 إلى 800 بئر فقط لا تزال تضخ الماء. أما الآبار الأخرى فقد جفّت. كما أن حوض صنعاء مهدد بالجفاف".

وقد أصبح سد شاحك الآن، وهو أكبر سد في محافظة صنعاء وثاني أكبر سد في البلاد، فارغاً من المياه إلى حد كبير، وكذلك سد مختان، الذي كان يوفر الكثير من الماء للأجزاء الشرقية والشمالية من المنطقة.

الاستجابة


وتقوم المنظمات غير الحكومية الدولية بتوفير ما يكفي من وقود الديزل للدولة لوقف تفاقم الأزمة في العاصمة، ولكن الوضع في كثير من أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق الريفية النائية، غير معروف. وقال باجو أن "اليونيسف توفر إمدادات المياه لثلاثة ملايين شخص في 11 مدينة من مدن اليمن مما جنّب [جزئياً] حدوث النزوح من المدن".

وأكد معاذ أن هذا الدعم قد منع الانهيار الكامل للنظام في مدينة صنعاء: "لدينا ثلاث اتفاقيات مع اليونيسف: أولها كان يتعلق بتقديم 100,000 لتر من الديزل، وقد دعمونا في الاتفاقية الثانية بـ 200,000 لتر، ووقعنا الآن الاتفاقية الثالثة الأسبوع الماضي لتقديم 300,000 لتر بهدف توفير إمدادات المياه".

وتساعد منظمات الإغاثة أيضاً في توفير بعض الأحياء بخزانات سعة 2,000 ليتر وتدفع تكلفة الإمدادات الطارئة للفقراء والنازحين.

وقال عبد الله الأشموري: "لقد قدم لنا فاعل خير هذا الخزان. ونحن ممتنون جداً لعمله، ولكنه ليس كافياً لأن حيّنا مزدحم جداً ويفرغ الخزان في نفس اليوم [الذي يتم فيه ملؤه]، ويتم تعبئته فقط كل يومين أو ثلاثة أيام".