الصورة: وندي ستون/إيرين |
داكار, 15 أبريل 2014 (إيرين)
تم استخدام مبادرات مثل استبيان للرأي عن طريق الرسائل النصية القصيرة في هايتي؛ والتوعية عن طريق الراديو في الفلبين؛ ومكاتب المساعدة المجتمعية في دارفور؛ ومركز اتصال إنساني في باكستان لتعزيز التواصل مع المجتمعات المتضررة من الكوارث، وفي بعض الحالات لتحسين المساءلة أمام المجتمعات المحلية، ولكن يظل معظمها في نطاق المشروع التجريبي لصعوبة توسيع نطاقها. وقال المشاركون في اجتماع شبكة التعلم النشط للمساءلة والأداء في مجال العمل الإنساني (ALNAP) في أديس أبابا الشهر الماضي أن الأدلة على فوائد مثل هذه المبادرات لا تزال جزئية، وفي بعض الحالات تكون المشاريع عرضة لخطر كونها ذات طابع رمزي بدلاً من أن تصبح ذات مغزى. ولكن هناك أدلة على فوائد تحسين التواصل مع المجتمعات (CwC): فعلى سبيل المثال، تعمل شبكة التعلم النشط للمساءلة والأداء في مجال العمل الإنساني مع مشروع التعلم التعاوني الذي تنفذه المنظمة التعاونية للعمل الإنمائي (CDA)، وهي منظمة غير ربحية أمريكية، لاستخلاص الدروس المستفادة في هايتي وباكستان والسودان عن أثر الأساليب المختلفة للاستماع للمستفيدين واستبيان آرائهم، ولكن العديد من الوكالات لا تزال تفتقر إلى المبادئ التوجيهية لأفضل الممارسات، وتعاني من المعرفة المجزأة. وقالت لوز غوميز، مسؤولة التخطيط الإنساني والرصد والتقييم والمساءلة والتعلم (MEAL) في منظمة إنترمون (Intermon) غير الحكومية: "هناك الكثير من الأفكار المتناثرة [حول المساءلة وأفضل الممارسات] ولكن ليس هناك عمل ملموس."
وغالبا ما تظل مشاريع التواصل مع المجتمعات ذات نطاق صغير، ويرجع ذلك جزئياً لعدم وجود نهج قياسي يناسب الجميع: لدى الوكالات مفاهيم مختلفة لما يعنيه التواصل مع المجتمعات والمساءلة. إلى أي مدى سيكون نهج الوكالات قائماً على المشاركة؟ وأفادت غوميز أن هناك سياقات مختلفة - فعلى سبيل المثال، يتطلب الحوار مع الرعاة الأميين نهجاً مختلفاً تماماً عن الحوار مع سكان المدن المتمرسين في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وأكد العديد من الذين أجريت مقابلات معهم أنه مع عدم وجود تعريف موحد للتواصل مع المجتمعات، كثيراً ما يتم افتراض أنه يشمل المساءلة، بينما هو في الواقع مجرد قطعة صغيرة من الصورة المكتملة للمساءلة.
علاوة على ذلك، ستتخذ المنظمات الكبيرة التي تميل إلى امتلاك هيكلية هرمية من الأعلى إلى الأسفل وذات شفافية أقل، نهجاً مختلفاً تماماً عن منظمة غير حكومية صغيرة موجهة نحو القاعدة الشعبية، على سبيل المثال. وكما يقول ديفيد لوكيرشيو، المنسق المشترك بين الوكالات للمساءلة أمام السكان المتضررين في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في جمهورية أفريقيا الوسطى (CAR): "تمتلك المنظمات الكبيرة سياسات أكثر تحديداً بخصوص المساءلة، ولكن المنظمات الصغيرة تتميز بأنها أكثر خضوعاً للمساءلة ... إنها لا تستطيع الفرار من المساءلة. إذا لم تكن الأمور تسير على ما يرام، فسيتم إعلامهم بذلك فوراً."
ويعتبر التواصل مع المجتمعات أكثر فعالية عندما "تمتلكه" المجتمعات - على سبيل المثال، عندما يكون للناس صوت منذ البداية. ففي بوركينا فاسو، عملت منظمة إنترمون على أساليب الحد من الجفاف مع المجتمعات المحلية، الذين دفعوا تكاليف المبادرة جزئياً، ونتيجة لذلك، كان الجهد أكثر فعالية بكثير، حسبما ذكر والدن. وتتم الاستفادة من التعليقات الواردة بشكل أفضل أيضاً عند استخدام وسائل إعلامية متعددة: خط هاتف ساخن، واجتماعات مجتمعية، وصناديق اقتراحات، الخ. وقالت غوميز أنه ليس هناك نموذج عام ل"عضو المجتمع"، لذا يجب أن تهدف أساليب التواصل للوصول إلى آراء الجميع - كبار السن والشباب والأطفال والنساء والمعاقين.
ويمكن أن تنشأ التوترات بين تبني التواصل مع المجتمعات والوقت الذي يستغرقه - حيث تؤكد أبحاث شبكة التعلم النشط للمساءلة والأداء في مجال العمل الإنساني أن التفاعل الشخصي وجهاً لوجه هو الأكثر قيمة وتقديراً من قبل أفراد المجتمع - وإدارة القيادة والسيطرة التي يمكن أحياناً أن تسرع وتيرة العمليات في بيئة طارئة تشوبها الفوضى والإرهاق.
وفي حين تركز الوكالات بشكل متزايد على متابعة التعليقات الواردة - لتحسين المساءلة بخصوص المساعدات، بدلاً من مجرد جمع مثل هذه التعليقات - لا يزال هيكل صناعة المعونة يميل نحو كونه قائماً على العرض، مما يدفع المساءلة نحو الجهات المانحة بدلاً من "العملاء." ولكن التركيز المتزايد من قبل الجهات المانحة، مثل إدارة التنمية الدولية في المملكة المتحدة، على تقييم أثر المساعدات بدأ في تغيير هذا التركيز، وهناك العديد من الأمثلة على تغيير الاستجابة بناءً على ردود الفعل. ولكن لا يزال هناك الكثير مما يجب عمله قبل أن يساعد التواصل مع المجتمعات على دفع البرامج باتجاه معين على نطاق واسع.
الجاهزية
وقال لوكيرشيو أن ارتفاع معدلات تبديل الموظفين وصعوبة توسيع نطاق كافة جوانب الاستجابة لحالات الطوارئ يجعل من الصعب تطبيق المساءلة، إذا لم يتم تدريب الموظفين على ذلك قبل حالة الطوارئ: "عندما لا يوجد شيء معد مسبقاً، من الصعب أن تجعل المساءلة أولوية في سياق الأزمة بشكل مفاجئ. إن تعميم المساءلة يتطلب أن تكون جزءاً من التدريب التمهيدي للموظفين، وملفات الإحاطة والميزانية."
ومن جانبها، قالت غوميز أن هذا جزء من تحول الموقف المطلوب في هذه الصناعة - من النظر إلى التواصل مع المجتمعات باعتباره نشاطاً إضافياً أو أداة لإدارة المخاطر، إلى اعتباره جزءاً أساسياً من كل ما يقومون به.
التكاليف
وهذا أمر مكلف. قال أنطونيو دونيني الاستشاري في مركز بحوث تافتس فاينستين أن "المشاركة فكرة عظيمة، لكنها تأتي بتكلفة." يكافح عمال الإغاثة في جمهورية أفريقيا الوسطى من أجل الاستجابة للاحتياجات الضخمة بالحد الأدنى من التمويل - فقد تم تمويل نداء عام 2014 بنسبة 22 بالمائة - في بيئة عمل غير آمنة. وقال لوكيرشيو أن كل هذه العوامل تلعب دوراً ضد المساءلة.
ولكن عدداً قليلاً من وكالات الإغاثة تدمج المساءلة بشكل منهجي في بنود الميزانية الخاصة بها، وبالتالي فغالباً ما يتوفر القليل من المال في مرحلة الاستجابة، وفقاً لما قاله لوكيرشيو. فعلى سبيل المثال، يدفع برنامج الأغذية العالمي (WFP) للوكالات المتعاقدة معه 60 دولاراً للطن مقابل تسليم المواد الغذائية (ولا يدفع شيئاً إذا لم يتم توزيع المواد الغذائية بسبب انعدام الأمن أو غيره من المشاكل)، مما يحرم الوكالات المتعاقد معها من القدرة الشرائية اللازمة لإعداد أنظمة الهاتف أو آليات استبيان الآراء.
ويجب على الجهات المانحة المطالبة بالحصول على آراء وردود فعل المجتمعات وكيفية استجابة الوكالات لها. كما ينبغي أن تكون الجهات المانحة مرنة، ويجب افساح المجال لإحداث تغيير في المشاريع استجابة لردود الفعل. وقالت دينا براون مديرة برنامج الاستماع في المنظمة التعاونية للعمل الإنمائي أن هذا يرتبط بالتوقيت: "إذا أتت الردود والآراء بعد فوات الأوان، لا يمكنك تغيير البرنامج."
أثر المشاريع المتعددة
أوضحت براون أن المشاكل تنشأ عندما يتم إنشاء الكثير من الآليات الفردية لاستبيان الآراء على نطاق ضيق، مما يؤدي إلى إرباك الناس. وأضافت قائلة: "يريد الناس أن يعرفوا إلى أين يتجهون ومن الذي سيقدم المساعدة لهم."
ولكن البعض يرى فوائد في المحافظة على استمرارية المشاريع الصغيرة المنفصلة لردود الفعل. تقول فيفيان والدن، مستشارة الرصد والتقييم والمساءلة والتعلم الإنساني في منظمة أوكسفام، أنه عندما يتم توحيد معايير نظم الاتصال على نطاق واسع "فإنك تخاطر بفقدان الاتصال مع المجتمعات ... إن المشاركة المجتمعية هي المفتاح - أن تعرفهم ويعرفونك، وأن تتخذ القرارات معهم. وبمجرد تجعل هذه المشاركة منهجية، ستفقدها."
تجدر الإشارة إلى أن أوكسفام تدير خطاً ساخناً لتلقي الشكاوى في لبنان، يديره لاجئ سوري. وتابعت والدن حديثها قائلة: "إذا كانت لديك مشكلة تتعلق بالمياه، يمكنك الاتصال بالخط الساخن في المخيم، ثم يقوم اللاجئ بالتحدث إلى مهندس يجلس إلى جواره، وسيتم التعامل مع مشكلتك." وأضافت أنه من المحتمل تشغيل منفذ موحد للاستجابة من قبل الأمم المتحدة، ولكنه سيتسم بالبيروقراطية الثقيلة و"ستستغرق الإجابة على التساؤلات عدة أسابيع. إن إلغاء هذا التواصل المباشر سيحرم المنظمات غير الحكومية من العلاقة المباشرة والمسؤولية."
وفي السياق نفسه، ذكر لوكيرشيو أن مفتاح النجاح هو في الحفاظ على العلاقة الحميمة مع المجتمعات المحلية وتفويض القرار للموظفين العاملين بشكل مباشر معهم، عند توسيع نطاق آليات استبيان الرأي.
جهود توسيع النطاق
لأول مرة، أرسل رؤساء العمل الإنساني في الأمم المتحدة، المتمثلين في اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC) منسقين مشتركين بين الوكالات بخصوص المساءلة أمام السكان المتضررين في حالات الطوارئ، وتم اختبار ذلك في الفلبين وجمهورية أفريقيا الوسطى. وقال لوكيرشيو، مسؤول الاتصال في جمهورية أفريقيا الوسطى: "إنها خطوة كبيرة نظراً لإقرارها من قبل اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات والفريق القطري الإنساني، مما يعني أنها تحظى بدعم رفيع المستوى."
ويقوم لوكيرشيو بوضع خطة عمل تحدد إجراءات المساءلة عبر الوكالات - الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية على حد سواء، ويعمل مع "مجموعات عمل قطاعية" فردية (فرق من المستجيبين)، مثل مجموعة إدارة المخيمات التي تقودها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لمساعدة النازحين داخلياً، لمناقشة كيفية تحسين المساءلة. وتضمنت الاقتراحات حتى الآن: التسجيل الرقمي، ورصد ما بعد التوزيع واستطلاعات الرأي وردود الفعل الرقمية.
ومن خلال العمل ضمن مجموعات عمل قطاعية، سيتحسن التنسيق بشأن المساءلة تلقائياً. وأضاف لوكيرشيو قائلاً: "إذا عرف الجميع ما يقوم به الآخرون، ثم اشتكى شخص بخصوص خيمة، وهذا ليس من اختصاصك، سيمكنك تمرير الشكوى إلى الشخص المسؤول."
من جهة أخرى، تقدم منظمة المعونة المسيحية (Christian Aid)، التي لا تعمل إلا من خلال شركاء، الآن تدريباً عن المساءلة وآليات متابعة الشكاوى لجميع موظفيها وشركاءها في المجال الإنساني. في الفلبين، هذا يعني أن كل عضو فاعل في تحالف آكت (ACT) الذي يضم 140 منظمة ينبغي أن يكون قد تلقى تدريباً في مجال المساءلة "حتى يتكلم جميع الأعضاء نفس اللغة"، كما أفادت فيكي مورتاغ، مستشار البرنامج الإنساني لشؤون المساءلة في منظمة المعونة المسيحية.
وقد بدأت المنظمات غير الحكومية أيضاً في إثراء التعلم عن المساءلة فيما بين البلدان، حيث تدير منظمة إنترمون حالياً أول مبادرة مساءلة خاصة بها لتطبيق معايير دنيا للمساءلة في سبع بلدان في منطقة الساحل (كل منها مصمم خصيصاً ليتناسب مع إحدى البلدان).
الحاجة لتغيير المواقف
هناك حاجة أيضاً إلى الدعوة بين الجهات الإنسانية الفاعلة لتوسيع نطاق المساءلة، وسوف يرتكز هذا على قاعدة أدلة أكثر قوة.
كما أن الوكالات ومجموعات العمل القطاعية ستكون أكثر استعداداً لتغيير نهجها إذا كانت هناك أدلة أخرى تدعم ردود فعل المجتمعات المحلية، مثل استطلاعات السوق، والتقييمات المنزلية، وما شابه ذلك. ففي دارفور، استخدمت منظمة وورلد فيجن (World Vision) هذا النهج لدفع برنامج الأغذية العالمي إلى تغيير نهجه فيما يتعلق بالمساعدات الغذائية. وقد كان لذلك أثراً إيجابياً، وفقاً لشبكة التعلم النشط للمساءلة والأداء في مجال العمل الإنساني.
وشددت فيكي مورتاغ، مستشار البرنامج الإنساني عن المساءلة في منظمة المعونة المسيحية على أن التواصل مع المجتمعات المتضررة من الكوارث وتحسين المساءلة، لا يقتصر على الوكالات الإنسانية فقط؛ بل يجب على الحكومات والقوات المسلحة وشركاء التنمية وغيرهم التواصل مع المجتمعات، بدلاً من إلقاء عبء المسؤولية بأكمله على عاتق وكالات الإغاثة. وكما قال أحد الذين أجريت معهم مقابلات: "أنا دائما أقول لمشروع المساءلة الإنسانية (HAP) أنه يجب حذف كلمة إنسانية من اسمه."