تحليل: هل ينزلق العراق فعلاً إلى حرب أهلية؟

الصورة: DVIC
العنف في العراق يقترب من المعدلات التي كان عليها في يوليو 2007 (صورة أرشيفية)
دبي, 30 أبريل 2014 (إيرين)
بينما يجري العراق أول انتخابات منذ انسحاب القوات الأمريكية في أواخر عام 2011، تواجه الدولة صعوبات في احتواء تزايد أعمال العنف الطائفي التي يخشى البعض أن تدفع البلاد نحو الحرب الأهلية.في هذه الأثناء، قام انتحاريون ومسلحون باستهداف تجمعات حزبية، ومبان حكومية، ومراكز اقتراع، ومواقع دينية وجامعات، فضلاً عن شن هجمات عشوائية على المطاعم والأسواق والمناطق السكنية. 

وفي محافظة الأنبار الغربية، تقوم القوات الحكومية بقصف مدينتي الفلوجة والرمادي في محاولة لمواجهة ما تقول أنه تمرد إسلامي. وقد أدى هذا إلى تشريد حوالي 440,000 شخص في غضون أربعة أشهر، مما آثار أزمة إنسانية تجد الوكالات المعنية صعوبة في الاستجابة لها بسبب الافتقار إلى التمويل وتدهور الوضع الأمني.
ووفقاً لإحصاءات مؤسسة ضحايا حرب العراق وهي قاعدة بيانات مستقلة مقرها المملكة المتحدة  تعمل على تتبع عدد القتلى في العراق، فقد لقي نحو 863 شخصاً مصرعهم في الفترة الممتدة من 1 إلى 26 أبريل من العام الحالي، في حين يقترب إجمالي عدد القتلى منذ بداية هذا العام بسرعة إلى 4,000 شخص.

وعلى الرغم من أن معدل القتلى في الوقت الحالي لا يزال أقل بكثير من معدل 2,000 شخص في ذروة تمرد تنظيم القاعدة في عام 2006، إلا أنه يعتبر الأعلى منذ ست سنوات- ما يزيد المخاوف من تأجيج أعمال العنف عقب انتخابات 30 أبريل وذلك في ظل تنافس الكتل السياسية المختلفة على النفوذ والسلطة.

وقد بدأ عدد من المعلقين المرموقين، بما في ذلك ديفيد اجناتيوس، المحرر وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست، وباتريك كوكبيرن، مراسل الشؤون الخارجية البريطانية المخضرم، يتساءلون عما إذا كانت العراق تتجه إلى حرب أهلية.

وفي هذا الصدد، قالت إيرن إيفرز، الباحثة في الشأن العراقي في منظمة هيومان رايتس ووتش، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "على الرغم من أننا من حيث الأرقام الصرفة، لم نصل بعد إلى معدلات عام 2006، إلا أنه فيما يتعلق بالخطاب الذي يتم استخدامه وظهور ميليشيات الشيعة الذين يقاتلون إلى جانب الحكومة، فهذا يعني نعم، نحن نعود بالتأكيد لعام 2006 حيث أن الأمور تتجه أكثر وأكثر نحو الطائفية".

تزداد سوءاً قبل أن تتحسن


ويتفق دانيال سروير، وهو دبلوماسي أمريكي سابق، وأستاذ متخصص في بحوث إدارة الصراع في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، على أن معدل القتلى لم يصل بعد إلى المستوى السيء الذي كان عليه في عام 2006، لكنه يحذر من أن "الأمور قد تزداد سوءاً عن الوضع الحالي، ومن المرجح أن تصبح كذلك، على الرغم من أنني ما زلت أعتقد أن هذه الانتخابات تمثل فرصة لتغيير نهج الحكم وتشكيل حكومة أكثر فعالية".

ومع ذلك، تمثل الانتخابات أيضاً خطراً جدياً لتصعيد التوتر.

وقال ستيفن فيكين، وهو محلل مستقل في الشأن العراقي، يعمل في واشنطن لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "سياسياً، تتخذ جميع الأطراف مواقف متطرفة على نحو متزايد... ومن الصعب أن نرى كيف يمكن أن تساهم الانتخابات، مهما كانت النتائج التي تفرزها، في تنقية هذا الجو المسموم".

وأضاف قائلاً: "على الرغم من أنني لا أعتقد أن الحرب الأهلية تخيم على الأفق، إلا أنني أعتقد أن المخاطر أعلى من مثيلاتها في أي مرحلة في السنوات السابقة. على المدى القصير، ربما تتفاقم الأمور قبل أن تتحسن". وأضاف أن "العراق يتمتع بقدرة مذهلة على الانحناء دون أن ينهار".

وتعليقاً على تلك الأفكار الأخيرة، قال عباس ياسين، رئيس "جمعية الهلال الأحمر العراقي"، إحدى وكالات المعونة القليلة التي تمكنت من إيصال المعونة داخل محافظة الأنبار المضطربة، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) في شهر مارس أنه ليست هناك إمكانية لحدوث حرب أهلية. 

وأضاف قائلاً: "لقد عانى الشعب العراقي كثيراً خلال عامي 2006 و2007، ولن يكون من السهل العودة لمثل تلك الفترة مرة أخرى. لن يقبل العراقيون أبداً وضعاً كهذا مرة أخرى، فالجميع يريدون أن يعيشوا ويريدون أن يأمنوا لأطفالهم حياة أفضل".

مع ذلك، أعرب فيكين عن مخاوفه من تنامي الدور الذي تلعبه مجموعة الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران التي يطلق عليها اسم "عصائب أهل الحق"، والتي تنشط الآن في سوريا وتقاتل إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد. وتتحالف الكتلة السياسية لعصائب أهل الحق، التي تعرف باسم الصادقون، بشكل غير رسمي مع الائتلاف السياسي الشيعي لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

وأوضح أن "عصائب أهل الحق هي أكبر وأكثر جرأة عما كانت عليه في أي وقت مضي منذ انسحاب قوات التحالف...في الوقت الراهن أود أن أقول أنها مشغولة بشكل أساسي بسوريا.. ولكن إذا وصل القتال في سوريا إلى مأزق حقيقي، أو إذا حدث شيء في العراق يستدعي تركيزها، فقد يسير العراق في طريق الحرب الأهلية".

أجراس إنذار


وربما تكون أجراس الإنذار قد دقت بالفعل، ففي 25 أبريل، هاجم انتحاريان حشداً لجماعة الصادقون في بغداد، مما أسفر عن مقتل 36 شخصاً. وفي وقت لاحق تبنى شن هذا الهجوم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام"، الجماعة الجهادية التي كانت تنتمي في السابق إلى تنظيم القاعدة، والتي تقول قوات الأمن العراقية أنها تكافحها في محافظة الأنبار.

إلى ذلك، تلقي الحكومة العراقية باللائمة على "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في تصاعد أعمال العنف في البلاد منذ مطلع عام 2013، قائلة أن قوة المجموعة قد تعززت من خلال أنشطتها عبر الحدود في سوريا.

العراق يتمتع بقدرة مذهلة على الانحناء دون أن ينهار

مع ذلك، وخلافاً للخطاب الرسمي، فإن العديد من أولئك الذين حملوا السلاح ضد قوات الأمن العراقية في محافظة الأنبار لا ينتمون إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بل هم في الواقع أعضاء المجالس العسكرية السنية المحلية، الذين قاموا بدعم القوات الأمريكية في مكافحة تنظيم القاعدة في محافظة الأنبار في عام 2006.

ونتيجة للإحباط بما يعتبرونها حكومة يقودها الشيعة وتنتهج خطة إقصاء طويلة الأمد ضد السنّة (بما في ذلك استهداف البرلمانيين بتهم الإرهاب، وقتل واعتقال بعضهم وإرغام آخرين على هجرة العراق والعيش في المنفى)، قررت أعداد كبيرة منهم الآن حشد نفسها ضد قوات الأمن العراقية للدفاع عن محافظاتهم.

وقالت ايفرز من منظمة هيومان رايتس ووتش: "إذا سألت أهل الأنبار حول ما يحدث هناك، فسوف يقولون لك أن الأمر لا يتعلق بالدولة الإسلامية في العراق والشام على الإطلاق، وإنما هو عقاب جماعي ضد السنّة ...هذا هو اعتقاد نحو 99 بالمائة من الناس الذين تحدثت معهم".

وأضافت: "كما أن هناك الكثير من الناس الذين لا يرون الدولة الإسلامية في العراق والشام كقوة حقيقية. إنهم يعتقدون أنها كيان شيعي تموله إيران يتم استخدامه لتقسيم المعارضة في سوريا، فضلاً عن تأجيج التوتر الطائفي ضد أهل السنّة في العراق"، موضحة أنه بينما قد تبدو هذه النظرية وكأنها مؤامرة يصعب تصديقها، إلا أنها تعكس عمق انعدام ثقة السنّة في الحكومة.

مع ذلك، وفي حين أن السُنّة غاضبون من قصف قوات الأمن العراقية للفلوجة والرمادي، فقد أبهج الهجوم العديد من الشيعة الذين يدعمون المالكي ويعتبرونه إجراءً حاسماً ضد التمرد.

توظيف العنف لتعزيز الخطاب السياسي


وعلى الرغم من أن القتال الدائر في محافظة الأنبار قد ظهر في البداية على أنه سيقتصر على داخل المحافظة فقط، تبدو الدولة الإسلامية في العراق والشام أكثر جرأة وتسعى لبسط نفوذها.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، ادعت التحكم في سد استراتيجي على نهر الفرات، وإغراق منازل في أبو غريب على الأطراف الغربية لبغداد. ووفقاً للدعاية الخاصة بها على شبكة الإنترنت، تستعد المجموعة لشن هجوم كبير على العاصمة.

وقال فيكين أنه من الواضح أن التوترات الطائفية "تزداد في شتى أنحاء البلاد" قبيل الانتخابات. 
"بشكل أساسي، كلما ارتفع مستوى المشاعر الطائفية عبر العراق، كانت هناك فرصة أكبر- وربما الدعم- الذي يتاح للجماعات التي تسعى لاستغلال هذا الجو".

وفي إشارة إلى هجوم وقع مؤخراً في محافظة ديالى، أوضح كيف أن وسائل الإعلام العربية السنية قد صورت الهجوم على أنه "إبادة جماعية قامت بها قوات الأمن والمسلحين الشيعة"، بينما أصرت القنوات الشيعية والحكومة على أنها عملية مشروعة لمكافحة الإرهاب.

وأضاف أن "كلا الجانبين قد استخدما هذا النوع من العنف بغية تعزيز ذلك الخطاب السياسي في الوقت الذي يعاني فيه المدنيون".

                                                                                الصورة: جيمس جوردون/ فليكر
العنف يؤثر على الحياة اليومية


التداعيات على العراقيين العاديين

وفي محافظة الأنبار، يتناثر آلاف الناس، الذين لا يجدون مأوى بسبب أعمال العنف، في المساجد والمباني الخارجية دون مرافق صرف صحي أو إمدادات غذائية كافية. وفي الواقع، يؤثر الوضع الأمني المتدهور عبر البلاد بشكل سلبي على الحياة اليومية.

من جانبه، أوضح فابيو فورجيوني، رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في العراق أن "العنف قد يشكل تهديداً ليس فقط للناس وحياتهم ولكن للنظم أيضاً، التي تتأثر بصورة متزايدة.

"يمكنك أن تشاهد، لاسيما في المناطق الريفية، أن إمكانية الحصول على الخدمات الصحية الأساسية تتراجع، وهذا الأمر يشكل مصدر قلق بالنسبة لنا. إما أن الخدمات غير متوفرة، أو أن الناس لا يشعرون بأنهم قادرون على السفر بسبب المخاوف الأمنية أو أن الكوادر الطبية لا تريد الذهاب إلى هذه المناطق".

وقال فورجيوني أن انهيار مرافق الرعاية الصحية الأولية يزيد الضغوط على المستشفيات المنهكة بالفعل، وأن الخدمات الصحية نفسها يتم تقسيمها من أجل خدمة مجتمعات معينة.

وقال: "إنها غريزة طبيعية ولكن كلما استمرت أكثر، ترسخت أكثر مما يجعل الناس يشعرون بأننا نعود إلى الوراء إلى أوقات سابقة عندما كان يتم تقسيم الخدمات على أسس طائفية".
وأشارت ايفرز، من منظمة هيومان رايتس ووتش، إلى أنه على الرغم من أن العديد من العراقيين العاديين لم يدعموا الطائفية، إلا أنهم اضطروا إلى التماس الحماية مع الجماعات التي تنتمي إلى السُنّة أو الشيعة من أجل سلامتهم وسلامة أسرهم، الأمر الذي ساهم في تعزيز الانقسامات.

وأوضحت بقولها: "أعتقد أن الناس بشكل عام يشمئزون حقاً من الخطاب الطائفي ولكن أعتقد أيضاً أنهم خائفون جداً... لقد فشلت الحكومة تماماً في حمايتهم ولذلك ليس لديهم خيار سوى اللجوء إلى هذه الجماعات... الناس لا يرون أي بديل، وفي نهاية المطاف هم خائفون".

وقالت موظفة إغاثة غربية، أمضت السنوات الأربع الأخيرة في بغداد، أنه لأمر "مخيب للآمال" و "حزين" أن ترى أن العراق على ما يبدو "ينزلق إلى الوراء" بعد أن كان هناك أمل كبير ووعود بتحسن الأمور.

وختاماً، قالت: "الناس خائفون جداً إلى درجة أنهم يخشون إرسال أبنائهم إلى المدارس، مخافة أن لا يعودوا إلى المنزل مرة أخرى...ولكن من ناحية أخرى، أعتقد أنهم أيضاً مستميتون جدًا لئلا ينجرفوا مرة أخرى إلى حرب أهلية ومنهكون جداً من جراء المعارك لدرجة أنني لا أعرف إذا ما كانت الأمور سوف تتصاعد حقاً أم لا". 




[ لا يعكس هذا التقرير بالضرورة وجهة نظر نشطاء بلاحدود ]