الصورة: جوزيف مايتون/إيرين
دبي,30 أبريل 2014 (إيرين)
في الوقت الذي تدور فيه غالبية الصراعات اليوم في بلدان إسلامية أو يشارك فيها مقاتلون مسلمون، تواجه المنظمات الإنسانية - وربما أكثر من أي وقت مضى - حالات تخضع لحكم المعايير الإسلامية في المناطق التي يعملون فيها.وتتضمن الشريعة الإسلامية مجموعة غنية، ولكنها معقدة، من القواعد لحماية المدنيين. ولكن هل يستطيع هذا القانون الديني الذي يمتد عمره لعدة قرون أن يتوافق مع المعايير الإنسانية الدولية الحديثة؟
في هذه السلسلة من التقارير، نستكشف التوتر (والتداخل) بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني: وننشر تقارير عن كيفية تفسير الجهاديين للفتاوى الإسلامية، وكيفية استخدام هذه المبادئ نفسها من قبل العاملين في المجال الإنساني لتحسين فرص الوصول إلى المحتاجين.
هل توجد معايير إنسانية في الشريعة الإسلامية؟
"دائماً ما يغل الإسلام أيدي مقاتليه"، على حد تعبير أحد الخبراء في كل من القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية. فالمعايير الإسلامية تشدد على ضبط النفس وعلى أهمية تجنب الأضرار غير ضرورية لتحقيق الهدف المحدد.
ما هي مصادر الشريعة الإسلامية؟
المصادر الأساسية للشريعة الإسلامية هي القرآن، وتعاليم وممارسات نبي الإسلام محمد، أي السنّة، وسلوك الخلفاء والقادة العسكريين في ذلك الوقت. مع ذلك، في بعض الأحيان، يمكن أن يُنظر إلى هذه المصادر على أنها تتعارض مع بعضها البعض. وعلى هذا النحو، فإن "الشريعة الإسلامية هي قانون الفقيه"، كما يقول أندرو مارتش، أستاذ الشريعة الإسلامية المشارك في جامعة ييل، مضيفاً أنها "تحدد من قبل العلماء [المسلمين]". وقد ترجم العلماء المسلمون هذه المصادر إلى نظام قانوني من خلال الطريقتين المعترف بهما - إجماع العلماء والقياس، أي التفكير القياسي أو الاستنباطي - واللتين أصبحتا من مصادر القانون. كما تتشكل الشريعة الإسلامية أيضاً من خلال التعليقات والأحكام المعروفة باسم الفتاوى، التي يصدرها العلماء المسلمون. وقد طور الفقهاء القانون الإسلامي الدولي - والمعروف باسم السير - لتنظيم السلوك مع الدول غير الإسلامية خلال فترة النهضة الإسلامية. وهذا هو أساس قواعد الحرب التي كان أول من قننها الفقيه المسلم محمد بن الحسن الشيباني في القرن الثامن الميلادي. |
ويقول وزير الخارجية الباكستاني السابق آغا شاهي في كتابه دور الإسلام في العلاقات الدولية المعاصرة: "على الرغم من أن [القرآن] يجيز القتال دفاعاً عن النفس... إلا أنه يفرض في الوقت نفسه القواعد الإنسانية للحرب من أجل التخفيف من المعاناة الإنسانية التي تسببها هذه الحرب". |
وكما يقول القرآن الكريم: "وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ".
وفي أحد كتبه، ذكر خالد أبو الفضل، أستاذ الفقه الإسلامي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA)، أن "الفقهاء المسلمين وازنوا بين المصالح العملية ومختلف الضرورات"، وهذا يشبه إلى حد كبير ما جاء في القانون الدولي الإنساني. وأضاف أن "الخطاب الفقهي الإسلامي لم يكن وظيفياً بحتاً ولا معنوياً. والأكثر من ذلك، أنه كان بعيداً كل البعد عن التعصب أو الجوهرية بطبيعته".
وفي السياق نفسه، تشير تصرفات ومقولات نبي الإسلام وأوائل خلفاء المسلمين إلى الالتزام القوي بالاعتبارات الإنسانية. فقد قال أبو بكر الصديق، أول الخلفاء الراشدين، في وصيته الشهيرة لأحد قادة جيوشه: "يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى: لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تدمروا مناطق مأهولة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تغلل (على سبيل المثال لا اختلاس لغنائم الحرب)، ولا تجبن ...وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له".
ووفقاً للتقاليد الإسلامية، من حق الحاكم المسلم، بل ومن واجبه تعليق إنفاذ القانون، إذا كان ذلك في مصلحة العدالة. بالإضافة إلى ذلك، فإن معايير الإثبات في العديد من القوانين الإسلامية صارمة للغاية، بحيث لا ينبغي تنفيذها، من حيث المبدأ، إلا نادراً.مع ذلك، يرى محمد فاضل، أستاذ القانون المشارك في جامعة تورونتو، أن التوتر يحدث في بعض الأحيان بين القيم والشرعية، وبعبارة أخرى، بين "القيم الدينية - التي عادة ما تكون على الجانب الأكثر إنسانية، وهذا ما ينعكس في الخطاب الإسلامي الشعبي - والخطاب القانوني التقني، الذي عادة ما يكون أكثر تجريداً بكثير ومعنياً أكثر بالمشاكل الفلسفية".
هل يمكن التوفيق بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني؟
هذا يتوقف على الشخص الذي تتحدث إليه. يرى كثير من العلماء، لاسيما الذين يتبنون وجهة نظر معاصرة للشريعة الإسلامية، أن قواعد الحرب في فجر الإسلام بها العديد من جذور القانون الدولي الإنساني الحديث.
"فمن خلال التأكيد على مبدأ الإنسانية في خضم الحرب، ساهم كل من الشيباني و[الإمام] الأوزاعي في تطوير القانون الحديث للنزاع المسلح،" كما أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي أصبحت وصية على القانون الدولي الإنساني بتكليف من اتفاقيات جنيف، في إشارة إلى أوائل مدوني قواعد الحرب في الإسلام.
كما أن القيود المفروضة على المسلمين أثناء إدارتهم للحرب "تعطي للجهاد [الكفاح أو الحرب المقدسة] بعداً أيدولوجياً في موضع أخلاقي من الواضح أنه كان مفقوداً في ممارسة الحروب في فترة ما قبل الإسلام"، بحسب ما كتبت كنينة بنون في مجلة ميشيغان للقانون الدولي. وأضافت قائلة: " قبل تدوين اتفاقيات جنيف بأكثر من ألف عام، كانت معظم الفئات الأساسية للحماية التي توفرها تلك الاتفاقيات موجودة بالفعل في شكلها الأساسي في التعاليم الإسلامية".
وتجدر الإشارة إلى أن أحد المبادئ الأساسية في الشريعة الإسلامية هو ضرورة احترام المعاهدات. لذا يقول بعض العلماء أن المقاتلين في البلدان الإسلامية عليهم التزام ديني باحترام اتفاقيات جنيف التي وقعت عليها حكوماتهم. كما يقبل كبار علماء الدين الإسلامي والسلطات الإسلامية الرئيسية، بما في ذلك الأزهر والسعودية وإيران وباكستان، مبدأ توقيع الدول الإسلامية والسلطات السيادية على الاتفاقات الدولية.
مع ذلك، فإن العلماء المسلمين الذين ينتمون إلى الفكر التقليدي الجديد - الذين أصبحوا الآن أقلية - ويفسرون الإسلام على أنه أساساً في حالة حرب مع العالم غير المسلم، ينظرون إلى الشريعة الإسلامية والقانون الدولي على أنهما متضادان ولا يمكن التوفيق بينها بطبيعة الحال.
متى يُسمح باستخدام القوة بموجب الشريعة الإسلامية؟
قد تكون هذه أهم نقطة نقاش في الفقه الإسلامي المتعلق بقوانين الحرب. إن المعنى الحقيقي لكلمة جهاد، التي غالباً ما تتم ترجمتها عل أنها "حرب مقدسة"، هو الكفاح أو بذل المجهود. وقد وصف نبي الإسلام محمد الحرب بأنها "الجهاد الأصغر" بالمقارنة مع جهاد النفس - أي المجهود الذاتي في الامتثال لما يمليه الإسلام - الذي وصفه بأنه "الجهاد الأكبر".
والجهاد العسكري هو النوع الوحيد من الحروب الذي يُعد مقبولاً في الإسلام، وهو يحظر استخدام القوة لتحقيق المكاسب المادية أو الانتقام. وعلى هذا النحو، أصبح مفهوم الجهاد نفسه بمثابة القيد الرئيسي على استخدام العنف في القرن السابع.
ولكن ما هي الظروف التي يصبح الجهاد في ظلها جائزاً في الإسلام؟
خلال الفترة التكوينية للشريعة الإسلامية في القرنين السابع والثامن، قال أوائل الفقهاء المسلمين- الذين يوصفون بأنهم العلماء التقليديون - أن الإسلام كان في حالة حرب افتراضية مع العالم غير المسلم. وبالتالي، فقد جادل العلماء التقليديون أنه إذا رفض المشركون اعتناق الإسلام أو التوقيع على معاهدة سلام مع المسلمين، جاز استخدام القوة ضدهم.
وفي حين يعتبر الجهاد لغرض نشر الإسلام واجباً جماعياً على المسلمين، يقول كثير من العلماء في العالم الحديث أن هذا يمكن أن يتم من خلال الوسائل السلمية، وهي الدعوة أو العمل التبشيري. ويزعم الشيخ يوسف القرضاوي، وهو عالم ذو نفوذ كبير لكنه مثير للجدل ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، أن لدى المسلمين العديد من الوسائل المتاحة لمواجهة المخالفات في مجتمعاتهم غير الحرب.
وعلى هذا النحو، فإن التفسير المعاصر الأكثر شيوعاً هو أن الجهاد الهجومي غير شرعي، إلا في عدد قليل من الحالات، من بينها: العدوان على المسلمين، ومساعدة ضحايا الظلم (أقرب إلى التدخل الإنساني)، والدفاع عن الوطن (بما في ذلك الهجمات الاستباقية)، وتأمين الأنشطة التبشيرية الإسلامية.
ومن الجدير بالذكر أن هناك عدة سور في القرآن الكريم تدعم هذا التفسير الأكثر محدودية لاستخدام القوة: "فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا" (4: 90)، "وَإِن جَنَحوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ" (8: 61).
وقد نشرت جمعية هنري جاكسون، وهي مؤسسة بحثية يقع مقرها في المملكة المتحدة، في الآونة الأخيرة كتيباً يضم تفنيدات لاهوتية للتشدد تدعي فيه عدم وجود واجب ديني لإعادة تأسيس دولة إسلامية توسعية.
وبالتالي، لا ينبغي أن يكون غير المسلمين هدفاً للهجوم لمجرد كفرهم بالإسلام - وكما يقول القرآن الكريم: "لا إكراه في الدين" - إلا إذا كانوا يشكلون تهديداً للمسلمين. ويشير مؤيدو هذا التفسير إلى الآيات القرآنية التي تدعو إلى القتال في حالة الدفاع عن النفس فقط.
وفي أحد كتبه، ذكر خالد أبو الفضل، أستاذ الفقه الإسلامي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA)، أن "الفقهاء المسلمين وازنوا بين المصالح العملية ومختلف الضرورات"، وهذا يشبه إلى حد كبير ما جاء في القانون الدولي الإنساني. وأضاف أن "الخطاب الفقهي الإسلامي لم يكن وظيفياً بحتاً ولا معنوياً. والأكثر من ذلك، أنه كان بعيداً كل البعد عن التعصب أو الجوهرية بطبيعته".
وفي السياق نفسه، تشير تصرفات ومقولات نبي الإسلام وأوائل خلفاء المسلمين إلى الالتزام القوي بالاعتبارات الإنسانية. فقد قال أبو بكر الصديق، أول الخلفاء الراشدين، في وصيته الشهيرة لأحد قادة جيوشه: "يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى: لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تدمروا مناطق مأهولة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تغلل (على سبيل المثال لا اختلاس لغنائم الحرب)، ولا تجبن ...وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له".
ووفقاً للتقاليد الإسلامية، من حق الحاكم المسلم، بل ومن واجبه تعليق إنفاذ القانون، إذا كان ذلك في مصلحة العدالة. بالإضافة إلى ذلك، فإن معايير الإثبات في العديد من القوانين الإسلامية صارمة للغاية، بحيث لا ينبغي تنفيذها، من حيث المبدأ، إلا نادراً.مع ذلك، يرى محمد فاضل، أستاذ القانون المشارك في جامعة تورونتو، أن التوتر يحدث في بعض الأحيان بين القيم والشرعية، وبعبارة أخرى، بين "القيم الدينية - التي عادة ما تكون على الجانب الأكثر إنسانية، وهذا ما ينعكس في الخطاب الإسلامي الشعبي - والخطاب القانوني التقني، الذي عادة ما يكون أكثر تجريداً بكثير ومعنياً أكثر بالمشاكل الفلسفية".
هل يمكن التوفيق بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني؟
هذا يتوقف على الشخص الذي تتحدث إليه. يرى كثير من العلماء، لاسيما الذين يتبنون وجهة نظر معاصرة للشريعة الإسلامية، أن قواعد الحرب في فجر الإسلام بها العديد من جذور القانون الدولي الإنساني الحديث.
"فمن خلال التأكيد على مبدأ الإنسانية في خضم الحرب، ساهم كل من الشيباني و[الإمام] الأوزاعي في تطوير القانون الحديث للنزاع المسلح،" كما أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي أصبحت وصية على القانون الدولي الإنساني بتكليف من اتفاقيات جنيف، في إشارة إلى أوائل مدوني قواعد الحرب في الإسلام.
كما أن القيود المفروضة على المسلمين أثناء إدارتهم للحرب "تعطي للجهاد [الكفاح أو الحرب المقدسة] بعداً أيدولوجياً في موضع أخلاقي من الواضح أنه كان مفقوداً في ممارسة الحروب في فترة ما قبل الإسلام"، بحسب ما كتبت كنينة بنون في مجلة ميشيغان للقانون الدولي. وأضافت قائلة: " قبل تدوين اتفاقيات جنيف بأكثر من ألف عام، كانت معظم الفئات الأساسية للحماية التي توفرها تلك الاتفاقيات موجودة بالفعل في شكلها الأساسي في التعاليم الإسلامية".
قبل تدوين اتفاقيات جنيف بأكثر من ألف عام، كانت معظم الفئات الأساسية للحماية التي توفرها تلك الاتفاقيات موجودة بالفعل في شكلها الأساسي في التعاليم الإسلامية وفي الواقع، فإن العديد من القيود التي تفرضها الشريعة الإسلامية على المقاتلين تتجاوز ما هو مطلوب بموجب القانون الدولي الإنساني، وخاصة في ساحة الصراع المسلح غير الدولي. وعندما نظمت هيومان رايتس ووتش لقاءات مع قادة المجتمع المدني في العالم الإسلامي لمناقشة حماية المدنيين، "لم نواجه حججاً تدعي أن الشريعة الإسلامية تتبع معايير مختلفة"، كما قال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، "بل كان الناس يؤكدون التطابق بين القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية، وربما كانوا يبالغون في التعبير عن هذا التطابق".
وتجدر الإشارة إلى أن أحد المبادئ الأساسية في الشريعة الإسلامية هو ضرورة احترام المعاهدات. لذا يقول بعض العلماء أن المقاتلين في البلدان الإسلامية عليهم التزام ديني باحترام اتفاقيات جنيف التي وقعت عليها حكوماتهم. كما يقبل كبار علماء الدين الإسلامي والسلطات الإسلامية الرئيسية، بما في ذلك الأزهر والسعودية وإيران وباكستان، مبدأ توقيع الدول الإسلامية والسلطات السيادية على الاتفاقات الدولية.
مع ذلك، فإن العلماء المسلمين الذين ينتمون إلى الفكر التقليدي الجديد - الذين أصبحوا الآن أقلية - ويفسرون الإسلام على أنه أساساً في حالة حرب مع العالم غير المسلم، ينظرون إلى الشريعة الإسلامية والقانون الدولي على أنهما متضادان ولا يمكن التوفيق بينها بطبيعة الحال.
متى يُسمح باستخدام القوة بموجب الشريعة الإسلامية؟
قد تكون هذه أهم نقطة نقاش في الفقه الإسلامي المتعلق بقوانين الحرب. إن المعنى الحقيقي لكلمة جهاد، التي غالباً ما تتم ترجمتها عل أنها "حرب مقدسة"، هو الكفاح أو بذل المجهود. وقد وصف نبي الإسلام محمد الحرب بأنها "الجهاد الأصغر" بالمقارنة مع جهاد النفس - أي المجهود الذاتي في الامتثال لما يمليه الإسلام - الذي وصفه بأنه "الجهاد الأكبر".
والجهاد العسكري هو النوع الوحيد من الحروب الذي يُعد مقبولاً في الإسلام، وهو يحظر استخدام القوة لتحقيق المكاسب المادية أو الانتقام. وعلى هذا النحو، أصبح مفهوم الجهاد نفسه بمثابة القيد الرئيسي على استخدام العنف في القرن السابع.
ولكن ما هي الظروف التي يصبح الجهاد في ظلها جائزاً في الإسلام؟
خلال الفترة التكوينية للشريعة الإسلامية في القرنين السابع والثامن، قال أوائل الفقهاء المسلمين- الذين يوصفون بأنهم العلماء التقليديون - أن الإسلام كان في حالة حرب افتراضية مع العالم غير المسلم. وبالتالي، فقد جادل العلماء التقليديون أنه إذا رفض المشركون اعتناق الإسلام أو التوقيع على معاهدة سلام مع المسلمين، جاز استخدام القوة ضدهم.
وفي حين يعتبر الجهاد لغرض نشر الإسلام واجباً جماعياً على المسلمين، يقول كثير من العلماء في العالم الحديث أن هذا يمكن أن يتم من خلال الوسائل السلمية، وهي الدعوة أو العمل التبشيري. ويزعم الشيخ يوسف القرضاوي، وهو عالم ذو نفوذ كبير لكنه مثير للجدل ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، أن لدى المسلمين العديد من الوسائل المتاحة لمواجهة المخالفات في مجتمعاتهم غير الحرب.
وعلى هذا النحو، فإن التفسير المعاصر الأكثر شيوعاً هو أن الجهاد الهجومي غير شرعي، إلا في عدد قليل من الحالات، من بينها: العدوان على المسلمين، ومساعدة ضحايا الظلم (أقرب إلى التدخل الإنساني)، والدفاع عن الوطن (بما في ذلك الهجمات الاستباقية)، وتأمين الأنشطة التبشيرية الإسلامية.
ومن الجدير بالذكر أن هناك عدة سور في القرآن الكريم تدعم هذا التفسير الأكثر محدودية لاستخدام القوة: "فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا" (4: 90)، "وَإِن جَنَحوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ" (8: 61).
وقد نشرت جمعية هنري جاكسون، وهي مؤسسة بحثية يقع مقرها في المملكة المتحدة، في الآونة الأخيرة كتيباً يضم تفنيدات لاهوتية للتشدد تدعي فيه عدم وجود واجب ديني لإعادة تأسيس دولة إسلامية توسعية.
وبالتالي، لا ينبغي أن يكون غير المسلمين هدفاً للهجوم لمجرد كفرهم بالإسلام - وكما يقول القرآن الكريم: "لا إكراه في الدين" - إلا إذا كانوا يشكلون تهديداً للمسلمين. ويشير مؤيدو هذا التفسير إلى الآيات القرآنية التي تدعو إلى القتال في حالة الدفاع عن النفس فقط.
ينبغي أن تُفهم الشريعة الإسلامية على أنها مجال للنقاش والخلاف. عادة ما يكون هناك أكثر من موقف إسلامي واحد بشأن مسألة ما
ويقول القرضاوي في كتابه فقه الجهاد، الذي يعتبر واحداً من النصوص الأكثر تأثيراً التي تسعى لتقديم تفسير حديث لقوانين الحرب في الإسلام، أنه لا يمكن اللجوء إلى الجهاد للقضاء على جميع الكفار ف العالم أو إجبار الناس على اعتناق الإسلام. وقدم بدلاً من ذلك تعريفاً أضيق للجهاد المقبول قائلاً أن الإسلام برر فقط محاربة أولئك الذين يقاتلون المسلمين أو يعتدون على عرضهم، أو يسعون إلى إعاقتهم والتفرق بينهم في الدين، أو يطردونهم من ديارهم، أو يقطعون طريق الدعوة، وينتهكون حقهم في نشر الإسلام عن طريق البرهان والحجة والتوضيح.وفي سياق متصل، قال نبي الإسلام لدى عودته من الغزوة الأخيرة المعروفة في التاريخ الإسلامي: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، واصفاً هذا الأخير بأنه محاربة الشياطين الداخلية التي تسيطر على الذات.
هل يمكن استهداف المدنيين؟
حدد النبي الكريم والخلفاء الأوائل (حكام المجتمع الإسلامي) محظورات محددة على أساليب الحرب في وصاياهم للمحاربين المسلمين عند ذهابهم إلى المعركة.
وقال الخليفة أبو بكر لجنوده قبل مغادرتهم لغزو بلاد الشام أن عليهم أن يتصرفوا كما ينبغي للمسلمين الصالحين عندما يلتقون أعداءهم في المعركة.
مع ذلك، وكما هو مذكور أعلاه، اختلف العلماء حول ما إذا كان يجوز قتل الكفار لمجرد كفرهم أو في حالة كونهم يشكلون خطراً على المسلمين.
وقد برر أتباع المدرسة الفكرية الأولى قتل حتى النساء والأطفال الكفار الذين رفضوا إما اعتناق الإسلام أو العيش تحت حكم الإسلام ودفع الجزية، مستشهدين بآية من القرآن الكريم: "فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكينَ حَيثُ وَجَدتُموهُم" (9 :5). وذكروا أيضاً أن النبي قال: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله".
لكن عبد الحميد كشك، أحد أبرز شيوخ الصوفية، قال خلال الهجمات الجهادية على الملاهي الليلية والحانات في مصر في أواخر ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي أن عقلية "قتل الكافر" لا أساس لها في المنطق الإسلامي. وأوضح للسلفيين في ذلك الوقت أن الشيطان وعد الله أنه إذا أمهله وأبقاه على قيد الحياة، سيرسل آدم، أول نبي، إلى جهنم. وكان هدف الإسلام هو أن يبين للناس نور الحق، لأن السلفيين بقتلهم لمن يسمونهم "كفاراً" وإرسالهم إلى الجحيم، لا يساعدون الله، بل يعينون الشيطان.
وأفاد أبو الفضل أنه بحلول القرن العاشر، كان الرأي السائد هو عدم جواز قتل غير المسلمين، إلا أولئك الذين يقاتلون المسلمين. وفي هذا يقول القرآن الكريم: "لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ"، (60: 8-9). "ولا تُفسِدوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِها" (7: 56).
وفي دراسة نُشرت عام 2009 في محاولة "لتصحيح" أخطاء بعض معتنقي هذا الفكر، قال عضو تنظيم القاعدة فاضل هارون: "أود أن أوضح لأولئك الذين يختارون أهدافاً عشوائية ويتسببون في سقوط ضحايا [أبرياء] عمداً، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين: هذا ليس أسلوبنا".
ويعد الجهاد الدفاعي أحد الاستثناءات الرئيسية للحظر العام لاستهداف المدنيين، حيث تصبح الأعمال غير المشروعة جائزة استناداً إلى ضرورة حماية الإسلام من الدمار. وهذا يوازي مفهوم "الطوارئ القصوى" الذي طرحه بعض الفلاسفة العلمانيين لتبرير قتل المدنيين من أجل أن ينقذ المجتمع نفسه من "التهديد الأعظم" وهو الإبادة.
من الذي يعتبر مدنياً؟
بصفة عامة، وحتى في التفسير التقليدي الجديد، لا يجوز استهداف النساء والأطفال والفلاحين وأفراد الهيئات الدينية أو الطبية. مع ذلك، يمكن أن يفقد المدنيون صفة الحماية إذا شاركوا في القتال. وكما هو الحال في القانون الدولي الإنساني، لا يزال تعريف المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية (DPH) غير واضح.
"بمجرد أن يحملوا أسلحة بغرض القتال، أو يساهموا بالمعلومات أو استراتيجيات الحرب أو تقديم اقتراحات للجيش، يتغير وضعهم من مدنيين إلى مقاتلين،" حسبما جاء في مقال كتبه أساتذة ماليزيون في عام 2011، ونُشر في المجلة الدولية للعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية.
ووفقاً لتفسيرات أكثر تطرفاً، يعتبر دعم العدو حتى بالرأي أو الدعاية أو الدعم المعنوي كافياً لإصباغ صفة مقاتل على شخص ما.
أما في حالة الغزو أو الاحتلال، فإن كافة الأشخاص المرتبطين بالمجهود الحربي، حتى لو لم يكونوا يحملون أسلحة، يعتبرون أهدافاً مشروعة، ويلتزم جميع المدنيين المسلمين بالقتال من أجل الدفاع عن الوطن.
المسلمون مقابل غير المسلمين
ولا تميز الشريعة الإسلامية بين الناس على أساس الوضع فقط - مقاتل مقابل غير مقاتل - ولكن على أساس الهوية أيضاً - مسلم مقابل غير مسلم. وفي بعض الحالات، تميز بين "أهل الكتاب" - اليهود والنصارى - وغيرهم من غير المسلمين، مثل الوثنيين.
وليس من المفترض أن يحارب المسلمون غيرهم من المسلمين، إلا إذا كانوا يعارضون الحكام المسلمين بسبب وجود تباين، ولكن معقول، في تفسير النصوص الدينية.
وكما هو الحال في القانون الدولي الإنساني، الذي يحتوي على مجموعة مختلفة من القواعد في النزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة غير الدولية، تميز الشريعة الإسلامية بين الحرب بين المسلمين (النزاع المسلح غير الدولي) والحرب بين الدولة الإسلامية والعالم غير الإسلامي (النزاع المسلح الدولي). ولكن خلافاً للقانون الدولي الإنساني، فإن قواعد الحرب التي تحكم الصراع بين المسلمين (النزاع المسلح الداخلي) أكثر صرامة من تلك المتعلقة بالصراع بين المسلمين وغير المسلمين.
ويؤكد أبو الفضل أنه "إذا قاتل المسلمون بعضهم البعض، لا يجوز إعدام هارب أو جريح. ولا يجوز إعدام أو استرقاق الأسرى المسلمين، ولا يجوز قتل الأطفال والنساء عمداً أو سجنهم. ويجب إطلاق سراح المسجونين المسلمين الذكور بمجرد انتهاء القتال، أو انتهاء خطر استمراره".
وفي حالة اعتبار المسلم مرتداً، كما توصف العديد من الحكومات الإسلامية من قبل المتمردين في صراعات اليوم، لا تنطبق أي من هذه الاستثناءات.
ولكن أسامة حسن، وهو باحث في الدراسات الإسلامية في مؤسسة كويليام التي تعمل على مكافحة التطرف، يقول أن هذه القيود كانت ذات صلة في الفقه الإسلامي القديم والوسيط، مضيفاً أن "الشريعة الإسلامية الحديثة لا تفرق بين مسلم وغير مسلم، لأن المبادئ الغالبة هي العدالة والصالح العام".
تدمير الممتلكات المدنية
وفي خطابه أمام المحاربين، نهى الخليفة أبو بكر جيش المسلمين عن عقر النخل أو غيره من الأشجار المثمرة، أو تدمير ثمار الأرض، أو نهب الحقول، أو حرق المنازل أو إلحاق أي دمار بلا ضرورة. كما أمر جيوش المسلمين بعدم أخذ طعام المدنيين في أراضي العدو حتى وإن نفد طعامهم وحصر ذلك في ما يكفي لوجبة واحدة فقط.
ولكن التفسيرات تغيرت مع مرور الوقت، وخلص أبو حنيفة، مؤسس المذهب الحنفي في الإسلام، في القرن الثامن إلى وجوب تدمير كل ما يفشل المقاتلون في قهره، بما في ذلك المنازل والكنائس والأشجار والماشية.
كيف يتم تفسير الشريعة الإسلامية؟
يقول مارتش: "ينبغي فهم الشريعة الإسلامية كمجال للنقاش والخلاف"، مضيفاً أنه "لا يوجد عادة موقف إسلامي واحد حول مسألة ما". بل إن المنطق المستخدم لتبرير إجابة واحدة من بين مجموعة من الإجابات هو ما يعطيها مصداقية أكثر أو أقل، بحسب ما تقرره الأمة، أو المجتمع الإسلامي. وتسمى عملية تفسير هذه المصادر الفقه أو الفقه الإسلامي. مع ذلك، فإن العديد من المقاتلين المسلمين يسيئون تفسير القرآن الكريم، كما أشار عامل إغاثة فلسطيني قام بتدريب الجماعات المسلحة في جميع أنحاء العالم الإسلامي علي الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، لأنهم لا يفهمون السياق الذي نزلت فيه آية معينة، أو لأنهم يتبنون فقط الأجزاء التي تناسبهم منه. كما تختلف التفسيرات بمرور الوقت. "فطريقة تصور العالم في العصور القديمة تختلف تماماً عن طريقة تأطيره من قبل الفقهاء في العصر الحديث،" كما أوضح محمد فاضل من كلية الحقوق في جامعة تورونتو. وعلى هذا النحو، يحتدم النقاش بين أولئك الذين يتمسكون بتفسيرات حرفية للفقه ظهرت في القرون الوسطى، وأولئك الذين يهدفون إلى إعادة تفسيره تمشياً مع التقليد العلمي الإسلامي المتمثل في التجديد. ويوجد نقاش كبير حول ما إذا كانت آيات معينة من القرآن تنطبق على عهد الرسول فقط أو على جميع المسلمين إلى الأبد، وسواء كان المقصود منها هو المعنى الحرفي أو المجازي. ولكن الكثير من العلماء يرون أن الفقه الإسلامي الصادر في القرون الوسطى قد عفا عليه الزمن بعد صدور اتفاقيات جنيف، التي صدقت عليها البلدان الإسلامية. مع ذلك، وحتى عندما تكون القواعد القانونية غير متنازع عليها إلى حد ما، فهناك استثناءات. فعلى سبيل المثال، يمكن السماح بالقيام بعمل غير قانوني بموجب الضرورة، أو إذا كان يخدم المنفعة العامة. وفي مثال آخر يُسمح للمسلمين بأكل لحم الخنزير إذا كانوا يتضورون جوعاً. وأخيراً، هناك أيضاً البعد الإقليمي. فبعض المناطق تكون ببساطة أكثر تحفظاً من غيرها. وبعض الدول تمنح تراخيص للأئمة، وبعض الحكومات تتلاعب في الفقه أيضاً لتأكيد سيطرتها السياسية. |
مع ذلك، فإن الغالبية العظمى من العلماء عارضت تدمير الممتلكات. |
أسرى الحرب
وهناك مجموعة واسعة من الآراء بشأن جواز علاج أسرى الحرب، حيث خلص معظم العلماء إلى أن الأمر متروك للإمام أو المسلم الحاكم ليقرر ما إذا كان سيعدمهم، أو يستعبدهم، أو يبادلهم، أو يطلب فدية لتحريرهم، أو يطلق سراحهم على أساس ما هو أفضل للمسلمين. ويرى عدد قليل من العلماء أن قتل الأسرى محظور، ما لم يكن من المستحيل منحهم ممراً آمناً دون الإضرار بالمسلمين.
مع ذلك، نادى أحد الأحاديث النبوية بحسن معاملة أسرى الحرب، وهناك عدد من الآيات القرآنية التي تروج لنفس الرسالة، بما في ذلك السورة 76، الآية 8، التي تقول: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا"، والسورة 47، الآية 4، التي تقول: "فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا".
وقد طلب الخليفة أبو بكر من الجيوش المسلمة معاملة الأسرى وكل من يضع نفسه تحت رحمتها بالشفقة.
حظر التعذيب
وتمنع الشريعة الإسلامية التعذيب والتشويه منعاً باتاً، بغض النظر عن العدو. ونُقل عن النبي قوله: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا".
وتقول بنون أن النبي حظر حرق أو إغراق الأعداء، إلا في حالات الضرورة، لأن هذه الأساليب تتسبب في معاناة لا داعي لها. ولكن بعض العلماء يقولون أنه في حين عارض النبي "القتل الغادر والتشويه"، إلا أنه سمح للمسلمين بالرد على هذه الممارسات بالمثل.
الأطفال الجنود
ويعتبر الجهاد الدفاعي في الإسلام فرض عين على جميع الرجال البالغين (بعد سن البلوغ). فعلى سبيل المثال، تقول مدونة سلوك طالبان صراحة أن "نشر الأطفال في صفوف المجهادين له مساوئه الأخلاقية الخاصة التي يحظرها القانون"، ولكن في شهر يناير الماضي، ألقي القبض على فتاة تبلغ من العمر أقل من 10 سنوات وهي ترتدي سترة ناسفة في إقليم هيلمند في أفغانستان. ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام، أجبرها شقيقها، وهو أحد قادة طالبان، على ارتداء تلك السترة.
التناسب
وفي سياق النزاع المسلح الداخلي (تمرد المسلمين ضد حاكم مسلم) بشكل خاص، "يؤيد الفقهاء المسلمون نوعاً من اختبار التوازن الذي يتم على أساسه الترجيح بين الشرور المحتملة والخيرات المحتملة"، وفقاً لكتاب أبو الفضل، "هذا مشابه لمفهوم التناسب في تقاليد قانون مسوغات الحرب الغربي، الذي بموجبه يمكن تبرير فعل اللجوء إلى القوة إذا كان الخير الإجمالي يفوق الشر الإجمالي المتوقع".
من جانبه، يرى القرضاوي أيضاً أن الضرر الناجم عن الحرب يجب أن يكون أقل من الضرر الذي تحاول الحرب تصحيحه.
المساءلة عن جرائم الحرب
وقد ذكرت بنون أن التقاليد الإسلامية تضع معايير واضحة للمسؤولية والمساءلة.
كما يشجع الحديث النبوي التالي المقاتلين على رفض ارتكاب جرائم حرب في ساحة المعركة: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
وفي مثال على ذلك، رفض عبد الله بن عمر، أحد صحابة الرسول، الامتثال لأمر مزعوم من قائده خالد بن الوليد، الذي كان أحد أعظم قادة جيوش المسلمين، بقتل جميع الأسرى لأن بن عمر رأى أن هذا ليس من العدل في شيء. وقد أيد النبي قراره في وقت لاحق.
بالإضافة إلى ذلك، تقول بنون أن المقاتلين الذين ارتكبوا "جرائم حرب" خلال عهد النبي تعرضوا للعقاب.
فبعد فتح مصر، على سبيل المثال، ضرب نجل الوالي عمرو بن العاص رجلاً قبطياً مصرياً دون مبرر قانوني، فما كان من الخليفة عمر بن الخطاب، حاكم المسلمين في ذلك الوقت، إلا أن جلد نجل بن العاص كعقاب له.
ولكن فاضل يقول أن المسؤولية الجنائية والمدنية لا تنطبق إلا إذا خالفت السلطة المسلمة قواعد السلوك ضد مسلمين آخرين. وأوضح أن "الشريعة الإسلامية لا تقدم أي نظام علاجي لانتهاكات هذه القيود ضد غير المسلمين. قد يكون هناك لوم أخلاقي، ولكن لا توجد مسؤولية قانونية على هذا النحو".
هل يتمتع عمال الإغاثة بالحماية؟
تم تشريع العمل الإنساني بشكل عام في إطار الشريعة الإسلامية، ويؤكد القرآن أن المحتاجين لديهم الحق في الحصول على مساعدة وأن المؤمنين يجب أن يعطوا للفقراء والأيتام والأسرى "لِوَجْهِ اللَّـهِ" (76: 8-9). ويرى بعض المحللين أن هذا يفرض التزاماً على المقاتلين المسلمين إما بتقديم المساعدات بأنفسهم أو السماح للآخرين بالقيام بذلك.
وبموجب الشريعة الإسلامية، يعد المفهوم المعروف باسم عهد الأمان، أي التعهد بتوفير الأمن، إحدى طرق ضمان المرور الآمن لعمال الإغاثة. كما أن احترام الوعود المقطوعة أو العقود الموقعة هو مبدأ مهم جداً في الإسلام.
"يتفق كل من المعتدلين والسلفيين على أن هذا مفهوم صحيح، ولكن هذه المسألة تتعلق بالتفاوض على هذا المبدأ والتأكد من أن الجماعات الأخرى تعرف أنك تتمتع بالحماية بموجبه،" كما أفاد أندرو مارتش، أستاذ الشريعة الإسلامية المشارك في جامعة ييل.
ومن الناحية العملية، عندما تتفاوض جماعات مثل منظمة أطباء بلا حدود واللجنة الدولية للصليب الأحمر مع الجماعات المسلحة من أجل الوصول الآمن إلى مناطق الصراع، فإنها تتفاوض على الأمان، حتى لو لم يتم استخدام هذا المصطلح بالتحديد.
مع ذلك، قد لا تحترم الجماعات الأخرى عهد الأمان الموقع من قبل الآخرين. وفي هذه الحالة، ينبغي على عمال الإغاثة التأكد من أنهم يفهمون ما يعنيه كل عهد أمان في كل سياق.
ويقول فاضل من جامعة تورنتو أن مبررات استهداف العاملين في المجال الإنساني هي أن "هؤلاء ليسوا سوى جزءاً آخر من الجيش الغازي، وأنهم لا يأتون إلى هنا بموافقتنا، ولم يحصلوا على أي نوع من الحماية الرسمية من قبلنا".
[ لا يعكس هذا التقرير بالضرورة وجهة نظر نشطاء بلاحدود ]