خطة استخدام البطاقة الذكية لمواجهة أزمة الوقود في مصر



 مصر (إيرين)2014
يستهلك دعم الوقود في مصر 22 بالمائة من الميزانية السنوية للدولة، ويحرم بذلك قطاعات أخرى مثل الصحة والتعليم من الأموال. وتعتقد الحكومة أن خطة خمسية طموحة تبدأ بتداول البطاقات الذكية للوقود سوف ترشد استهلاك الوقود وتقضي على الفساد المتفشي وتؤدي إلى إلغاء تدريجي لدعم الوقود.
وتشير التقديرات إلى أن دعم الوقود هذا العام سيصل إلى ما يعادل 20.1 مليار دولار.

"إننا ننفق على دعم الوقود حوالي سبعة أضعاف ما ننفقه على الصحة وثلاثة أضعاف ما ننفقه على التعليم،" كما أوضح هيثم طرابيك، مدير أول الاستراتيجيات وتطوير الأعمال في شركة تكنولوجيا تشغيل المنشآت المالية (E-Finance)، وهي شركة مملوكة لوزارة المالية واختارتها الحكومة لتشغيل نظام البطاقات الذكية الجديد، الذي يعتبر جزءاً من خطة لإصلاح دعم الوقود. ويتم استخدام البطاقات في البداية لمراقبة توزيع الوقود المدعوم للمساعدة في تحديد مواطن الاحتيال والفساد - وهو ما يقول محللون أنه مشكلة واسعة الانتشار في مخطط الدعم، الذي يهدف بالأساس إلى مساعدة الناس الأكثر فقراً في المجتمع.


ويستفيد جميع المصريين حالياً من دعم الطاقة، بغض النظر عن دخلهم. وعلى الرغم من الوقود الرخيص متاح للجميع إلا أن الأغنياء يستهلكون معظمه، ولذلك يتعرض أشد الناس فقراً للإهمال على أرض الواقع.

وقال طرابيك: "لدي راتب جيد ولكنني أستفيد من الدعم كمن يكسب دولاراً واحداً في اليوم. في الواقع، أنا أحصل على دعم أكبر".
من جانبه، يرى طارق سليم، أستاذ اقتصاد واستراتيجية الأعمال، أن الاستحقاق المعمم لدعم الطاقة غير المحدود يجعل النظام الحالي مختلاً.

وأضاف سليم في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "دعم الوقود يجب أن يكون مصمماً خصيصاً لمساعدة الفقراء، مع ذلك، فإن أصحاب السيارات الأثرياء يستفيدون أكثر بكثير من هذا الدعم". وبحسب تصريحات وزير التخطيط أشرف العربي، يتم إنفاق 80 بالمائة من دعم الطاقة على الأغنياء.

مع ذلك، فإن دعم الوقود لا يخفض التكاليف بالنسبة للفقراء، لاسيما في قطاعات الإنتاج الغذائي والنقل، والحكومة تدرك أن أي تخفيضات كبيرة قد تؤدي إلى خطر زيادة التضخم والاضطرابات الاجتماعية، كما حدث في "انتفاضة الخبز" في مصر عام 1977، عندما حاولت الحكومة، تحت ضغط من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (IMF)، الحد من دعم المواد الغذائية دون تحقيق نجاح يذكر. وفي السنوات الأخيرة، سعت الحكومة جاهدة لتنفيذ إصلاحات الدعم في محاولة للتوصل إلى اتفاق على قرض من صندوق النقد الدولي.

تخفيضات تدريجية

ومنذ بداية العام، بدأت الحكومة تدريجياً في تطبيق نظام البطاقة الذكية كجزء من خطتها للتخلص التدريجي من دعم الطاقة خلال خمس سنوات.
وقال طرابيك خلال حواره مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "الفائدة الكبرى لمشروع البطاقة الذكية الخاص بنا هي أنه سوف يمكن الحكومة من تكييف السياسات وتطبيق الدعم بطريقة أكثر استهدافاً".

وأضاف أنه "يمكن أن يكون لإعادة توجيه دعم الطاقة تأثير حقيقي على حياة الناس".
دعم الوقود يجب أن يكون مصمماً خصيصاً لمساعدة الفقراء، مع ذلك، فإن أصحاب السيارات الأثرياء يستفيدون أكثر بكثير من هذا الدعم
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الوقود المدعوم يكتسب أهمية خاصة بالنسبة للفقراء الذين يشكلون ربع السكان. وقد تضرر من نقص الوقود خلال الأشهر الـ12 الماضية المزارعون الذين يسعون لري وجني محاصيلهم، والخبازون الذين ينتجون الخبز المدعم في البلاد، وحتى سيارات الإسعاف التي تحاول الوصول إلى المرضى.

قاعدة بيانات جديدة

وفي محاولة للتصدي لأزمة الوقود التي خلفت طوابير طويلة عند محطات البنزين، وأثرت على إنتاج الغذاء، وجعلت العديد من رفوف المتاجر الكبيرة خاوية، أطلقت وزارتا المالية والبترول مشروع البطاقة الذكية في يناير 2013.

ولتحقيق الهدف المتمثل في خفض دعم الوقود، يهدف مشروع البطاقة الذكية إلى إنشاء قاعدة بيانات توفر معلومات دقيقة بشأن إمدادات واستهلاك البلاد من المنتجات البترولية.
ومن الجدير بالذكر أن مصر تحولت إلى مستورد للنفط منذ العام المالي 2008-2009، ويقول سليم أنه من دون خفض لدعم الطاقة، يمكن أن تصبح مصر مستورداً صافياً للغاز الطبيعي في عام 2020.
وقال وزير البترول السابق أسامة كمال في فبراير أن إيرادات السوق السوداء السنوية من تهريب المنتجات النفطية مثل وقود الديزل، تعادل 4.3 مليار دولار.

تنفيذ البطاقة الذكية

وقد استهدفت المرحلة الأولى من مشروع البطاقة الذكية، التي اكتملت في يونيو 2013، محطات الوقود وكبار العملاء لمراقبة حصص الوقود التي تم الحصول عليها من الإمدادت المخزنة في المستودعات.

وأفاد طرابيك أن كل مستودع مجهز بنظام بطاقات يسجل كافة البيانات المتعلقة بمالك السيارة، بما في ذلك كمية الوقود المشترى، ويعطي الحكومة انطباعاً جيداً عن المناطق التي يتم نقل الوقود إليها وبيعه فيها.

وقال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لقد قمنا بتركيب 15,000 نقطة بيع في محطات الوقود لتسجيل العمليات، كما قمنا بتدريب حوالي 20,000 عامل على كيفية استخدام النظام الالكتروني الجديد".
وتهدف المرحلة الثانية من المشروع إلى أخذ خطوة أخرى إلى أسفل سلسلة التوزيع واستهداف المستهلكين عند المضخات. ويجري حالياً التنفيذ التدريجي لذلك. وفي فبراير الماضي، أعلنت وزارتا المالية والنفط عن تسجيل 1.3 مليون من أصحاب السيارات في المخطط، وقد حصل مليون منهم على بطاقات الوقود الذكية.

وقالت مصادر بوزارة المالية أن نحو 400 محطة وقود تعمل حالياً بالنظام الإلكتروني لتوزيع الوقود.
من جهته، قال محلل الطاقة المستقل شريف الحلوة: "إنها فكرة ذكية. يمكنك التحكم في كمية الوقود التي تدخل أو تخرج، ولا تدع مجالاً لممارسات السوق السوداء".
وتعد البطاقة الذكية أداة لجمع البيانات، ولكن السلطات تخطط في المرحلة المقبلة للبناء على أساس هذا المخطط والمعلومات التي تم جمعها بشأن استخدام الوقود المدعوم، لبدء تحديد الحصص.

ضعف الرسائل

بدوره، قال إسلام الجمل، مدير التسويق بشركة تكنولوجيا تشغيل المنشآت المالية، أن الحكومة لم تبذل جهداً كافياً في مجالي الإعلام والشفافية. وأضاف أن "معظم المصريين يجدون صعوبة في فهم فكرة البطاقة الذكية، وأنها سوف تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني. ويعتقد الناس أن أسعار الوقود سوف ترتفع دون أن يحصلوا على أي شيء في المقابل".

كما ألمح طرابيك إلى انعدام الثقة في الحكومة، قائلاً أن "المصريين لا يرون وعوداً يتم الوفاء بها. ولا يدرك العديد منهم قيمة النظام الجديد، وبالتالي فإنهم قد يتجاهلونه تماماً". وفي الوقت الراهن، يعتبر استخدام البطاقات الذكية طوعياً، ولكن المسؤولين يقولون أنه سيكون إلزامياً في وقت قريب.
وفي السياق نفسه، قال الحلوة: "نحن بحاجة إلى خلق بيئة تتيح تثقيف الناس بشأن كفاءة استهلاك الوقود، وما هي البطاقات الذكية، وكيف نستخدمها ولماذا. سوف يستغرق المصريون وقتاً طويلاً حتى يصبح هذا النظام مألوفاً لديهم".

وأضاف أن التسجيل عبر الإنترنت للحصول على البطاقات الذكية ينطوي على قيود. ووفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كان هناك 35.95 مليون مستخدم للإنترنت في مصر في يونيو 2013، وهذا عدد قليل بالنسبة لبلد يبلغ تعداد سكانه أكثر من 80 مليون نسمة. علاوة على ذلك، فإن ما يقرب من نصف المصريين أميون.