المدنيون المصريون في مرمى المتشددين في سيناء .


العريش, 13 ديسمبر 2013 (إيرين)
كان هاني عايش، وهو أحد سكان مدينة العريش في شبه جزيرة سيناء المصرية، في طريقه إلى عمله عندما تعرضت الحافلة التي يستقلها لهجوم بقذيفة صاروخية أو صاروخ أطلقه متشددون كانوا يستهدفون سيارة عسكرية قريبة.

توفي ثلاثة أشخاص وأصيب 22 آخرون في ذلك الصباح، يوم 15 يوليو. وكانت قدرة عايش على السمع لا تزال ضعيفة عندما التقت به شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بعد ثلاثة أشهر؛ ولا تزال 40 قطعة من الشظايا مغروسة في جلده.

وقالت مصادر أمنية لوسائل الإعلام أن مدنياً آخراً توفي في شهر أكتوبر جراء هجوم مسلح على حافلة للشرطة كانت متجهة من رفح إلى العريش.ويشكو سكان شمال سيناء - وهي منطقة صحراوية قليلة السكان على طول الحدود مع غزة وإسرائيل - من تضررهم على نحو متزايد بسبب التمرد ضد قوات الأمن المصرية.

وقال أحد سكان بلدة رفح الحدودية المصرية: "لم يكن المسلحون يشكلون تهديداً للمدنيين، بل كانوا يستهدفون فقط قوات الأمن وأولئك الذين تعاونوا معها. أما الآن، فتحدث عمليات قتل عشوائية، وقد بدأ الناس يخشونهم بنفس قدر خوفهم من الجيش".

ووفقاً لإحصاء أجرته شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، استناداً إلى مقابلات مع بعض السكان، قُتل ما لا يقل عن 10 مدنيين على أيدي مسلحين بين شهري يوليو، عندما اشتدت قوة التمرد، وأكتوبر، عندما زارت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)المنطقة، بما في ذلك الضحايا الثلاث الذين قضوا نحبهم أثناء الهجوم على الحافلة.

ويقول السكان أنهم قد يصبحون مستهدفين بسبب التعاون مع الشرطة، أو لرفضهم السماح للمتشددين بوضع العبوات الناسفة (IED) أمام منازلهم، أو حتى لارتداء القمصان التي تدعو إلى دعم عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة المصرية، بينما يجد آخرون أنفسهم عالقين ببساطة وسط تبادل إطلاق النار بين الجيش والمتشددين المسلحين.

صراع قديم
ويشن متشددون مسلحون تمرداً منخفض المستوى في سيناء لسنوات. وهم يشملون البدو المحليين الذين لديهم مظالم ضد الدولة بسبب سنوات من الإهمال، والجهاديين القادمين من البر الرئيسي أو الذين يرتبطون بعلاقات مع غزة، وفي الآونة الأخيرة، وصلت أعداد صغيرة من الجهاديين الأجانب الذين يبحثون عن ملجأ في منطقة أصبحت تعاني من المزيد من انعدام القانون. وتتسم الخطوط الفاصلة بينهم بعدم الوضوح، حيث يستغل الجهاديون المظالم المحلية لكسب التأييد.
"وليس كل الأشخاص الذين يقاتلون القوات الأمنية من المتطرفين دينياً، بل إن بعضهم ببساطة من المجرمين،" كما أوضح أحمد علي المتحدث باسم الجيش.

ومن الجدير بالذكر أنه خلال الفترة من عام 2004 إلى عام 2006، هاجم مسلحون قوات حفظ السلام الدولية ومنتجعات سياحية في جنوب سيناء، وكانت هناك هجمات متفرقة خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي دام لفترة طويلة. ووفقاً للسلطات المصرية، بدأت أيديولوجية متطرفة نشأت في قطاع غزة التأثير على سيناء في عام 2005، بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة. وفي أعقاب الثورة التي أطاحت بمبارك في عام 2011، ازدهر المتشددون بسبب الفراغ الأمني.

وقد انخفضت حدة الهجمات على موظفي الدولة والأمن تحت حكم أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، وهو محمد مرسي، وازدادت زيادة كبيرة بعد أن أطاح به انقلاب عسكري بدعم شعبي في شهر يوليو الماضي. وينتمي مرسي إلى حركة الإخوان المسلمين، التي تفضلها الجماعات الاسلامية عن القادة العسكريين العلمانيين الذين حكموا مصر تقليدياً.

ولد اتهمت الحكومة العسكرية الجديدة جماعة الإخوان المسلمين بارتباطها بصلات مع متشددين في سيناء، وما عزز تلك الادعاءات أن العضو البارز في جماعة الاخوان المسلمين محمد البلتاجي أعلن على شاشة التلفزيون في شهر يوليو الماضي أن الهجمات في سيناء ستتوقف إذا أعيد مرسي إلى الحكم، ولكن جماعة الإخوان المسلمين تصر على أنها حركة سلمية وأنق قد أُسيء تفسير تصريحات البلتاجى.

الأهداف
وفي الأشهر الأخيرة، شنت السلطات المصرية حملة أمنية ضد المسلحين في سيناء، ويُزعم أن هذه العمليات أسفرت عن سقوط ضحايا من المدنيين. في الوقت نفسه، لا تستهدف الجماعات المسلحة قوات الأمن فقط، بل تستهدف أيضاً زعماء القبائل الذين يدعمون الحكومة والأقليات مثل المسيحيين.

في شهر أغسطس الماضي، قُتل فرج أبو بخيت، القيادي المحلي في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل الذي كان يرأسه مبارك، في مدينة الشيخ زويد، بالقرب من الحدود مع غزة.

كما قُتل الشيخ خلف المنيعي، أحد زعماء القبائل الرئيسية في سيناء، مع أحد أبنائه في أغسطس 2012 بسبب الجهر بادانته للمجموعات الجهادية. وفي أكتوبر، لقي سليمان خلف المنيعي، وهو ابن آخر له، مصرعه أيضاً على أيدي مسلحين اتهموه بالتعاون مع الجيش.

وقُتل الشيخ نايف السواركة، وهو شخصية قبلية مهمة كانت له علاقات جيدة مع الحكومة، في مايو 2012.

وفي شهري سبتمبر [يوتيوب ، فيسبوكوأكتوبر، وجهت جماعة مسلحة تطلق على نفسها سم السلفية الجهادية تهديدات إلى زعماء القبائل الذين تعاونوا مع الجيش.

جماعات جهادية جديدة
ومنذ عام 2011، أعلنت جماعات متشددة عديدة عن تأسيسها في شبه جزيرة سيناء، وأصبحت جماعة أنصار بيت المقدس أكثرها شهرة، وهي المجموعة الجهادية التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات على خط أنابيب شمال سيناء، وكذلك الهجمات على قوات الأمن و"المتعاونين معها" في سيناء، وعلى وزير الداخلية في القاهرة في شهر سبتمبر.

ومن بين الجماعات الأخرى مجموعة إقليمية تسمى التوحيد والجهاد، وهي أقدم الجماعات المتشددة في سيناء وأكثرها تنظيماً، وقد اتهمت بتنفيذ تفجيرات خلال الفترة من 2004 إلى 2006؛ والسلفية الجهادية؛ وجيش الإسلام الذي أعلن مسؤوليته عن خطف الجنود المصريين وهجوم انتحاري على الجيش في شهر مايو، وكذلك الهجوم على مقر المخابرات في رفح في سبتمبر الماضي؛ وكتائب الفرقان؛ وجماعة أنصار الشريعة؛ وجماعة التكفير والهجرة، التي أعلنت في يونيو 2011 عن إنشاء إمارة إسلامية في سيناء. وبعد شهر، ادعت منشورات تم توزيعها في العريش أن تنظيم القاعدة فتح فرعاً جديداً له في شبه جزيرة سيناء، على الرغم من عدم اعتراف قيادة تنظيم القاعدة بذلك.

وتشير تقديرات الباحثين إلى أن العدد الإجمالي للمتشددين المسلحين يتراوح بين عدة مئات و5,000، من بينهم عدد قليل من المقاتلين المخضرمين الذين شاركوا في صراعات في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا. وقد أعلن الجيش المصري أنه ألقى القبض على مئات المتشددين المصريين في الأشهر الأخيرة، وأكثر من 150 أجنبياً، من بينهم مواطنون فلسطينيون وإريتريون وأمريكيون ونرويجيون ورومانيون وألمان وبريطانيون.

وبحسب السلطات المصرية، فإن أعضاء الجماعات المتشددة مسلحون بأسلحة ثقيلة، بما في ذلك مدافع الهاون والأسلحة المضادة للطائرات والقذائف الصاروخية.

من جانبه، أشار ديفيد بارنيت من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، إلى مسؤولية تلك الجماعات مجتمعة عن أكثر من 200 هجوم منذ شهر يوليو الماضي.

هجمات طائفية
وقد تم استهداف المسيحيين بالذات، فقد لقي الأب مينا عبود شاروبيم، وهو قس قبطي أرثوذكسي في العريش، مصرعه في أوائل يوليو. وفي وقت لاحق من نفس الشهر، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، قُتل مجدي لمعي، وهو صاحب متجر مسيحي في الشيخ زويد، و"قطعت رأسه وكان جذعه مربوطاً بسلاسل". كما قُتل قبطي آخر من العريش اسمه هاني سمير كامل في الأول من سبتمبر.
من الجيشسيناء وأماكن أخرى في مصر - إلى الاعتقاد الشائع بأن الطائفة المسيحية شاركت بأكملها تقريباً في مظاهرات ضد الإخوان المسلمين خلال الفترة التي سبقت الانقلاب.

 وتنسب جماعات حقوق الإنسان في مصر الهجمات على الأقباط - في سيناء وأماكن أخرى في مصر - إلى الاعتقاد الشائع بأن الطائفة المسيحية شاركت بأكملها تقريباً في مظاهرات ضد الإخوان المسلمين خلال الفترة التي سبقت الانقلاب.  
 

 ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن قتل الأقباط الثلاثة في شمال سيناء، ولكن إسحاق إبراهيم، مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR)، يؤكد أن هذه الهجمات ذات دوافع دينية وسياسية.

"لا يمكن فهم الهجمات الطائفية بمعزل عن كراهية الأقباط التي يغذيها بعض الزعماء الإسلاميين وتهديداتهم بالانتقام من الأقباط لمشاركتهم على نطاق واسع في الاحتجاجات التي أدت إلى عزل الرئيس السابق [مرسي]. ولا يمكن للمرء أن يتجاهل رد الفعل الباهت من جانب أجهزة الدولة المختلفة على الهجمات الطائفية، والذي يضمن أن يرتكب المشتبه بهم الجرائم ويفلتون من العقاب. ولم تعتقل الشرطة أحداً في تلك القضايا حتى الآن،" كما أوضح في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من العائلات المسيحية فرت من مناطق رفح والعريش في يوليو أو أغسطس، حسبما ذكر إبراهيم وسكان العريش، ولكنهم يعودون الآن بناءً على تأكيدات الشرطة بأنها تتولى تأمين المنطقة.

المخاوف والتهديدات
ولكن بعض السكان الآخرين يقولون أن المتشددين لا يهددون المسيحيين فقط. "فكل من ليس على صلة بهم في خطر،" كما أشار وليد المنيعي، نجل الشيخ الراحل خلف المنيعي، موضحاً أن التهديد يشمل "كل شخص لديه مصانع أو علاقات جيدة مع الدولة، وجميع الأشخاص والصحفيين المحترمين، وليس فقط أولئك الذين يقدمون معلومات".

فر سعيد عتيق من سيناء مع عائلته بعد تلقي تهديدات من جماعات إسلامية. وكان عتيق يقود حملة تمرد في سيناء، وهي الحملة التي جمعت ملايين التوقيعات في جميع أنحاء البلاد كجزء من عريضة تدعو إلى نزع السلطة من مرسي. وقد انتهت الحملة بمظاهرات حاشدة في نهاية يونيو وأدت إلى الإطاحة بمرسي.

وعلى الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين أدانت باستمرار هجمات المتشددين المسلحة، تقول السلطات المصرية والكثير من وسائل الإعلام أن "الإرهابيين" في سيناء مدعومين من قبل حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، وذلك بهدف إعادة الإخوان المسلمين إلى السلطة مرة أخرى.

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) من القاهرة، قال عتيق: "لن أشعر بالأمان إلا بعد الإطاحة بحماس".

وأفاد زعيم محلي في العريش، وهو عضو مجلس إدارة أحد المساجد في البلدة ولكنه طلب عدم ذكر اسمه بدافع الخوف، أن ابن عمه قُتل برصاص الجماعات المسلحة بسبب ارتباطه برموز النظام السابق والحزب الوطني المنحل. وقد كان يرتدي قميصاً يدل على تأييده للسيسي عندما لقي مصرعه.

كما بدأ الزعيم المحلي نفسه يتلقى تهديدات عبر الهاتف واتُهم بأنه عميل للسلطات الأمنية. وجاء رجال ذوو لحى طويلة ويرتدون جلابيب قصيرة إلى مسجده للتحقق مما إذا كان يؤدي صلاة الفجر بانتظام، وفقاً للالتزامات الشرعية.

وأضاف قائلاً: "قد أكون مكروهاً بسبب آرائي السياسية".

وفي سياق متصل، قالت مؤسسة جيمس تاون أن قوات الأمن المصرية حاولت حشد القوى القبلية البدوية لمواجهة السلفية المتشددة بين الشباب في قبائلهم، ولكنها فشلت بسبب نقص الثقة بين الجانبين.

كما يتردد رجال القبائل الآخرون في مساعدة أجهزة الأمن الحكومية خوفاً من انتقام الجماعات المسلحة.

وقال محمد، وهو رب أسرة من قرية المهدية، أن "كبار قادة البدو يتعاونون بطريقة ما مع الأمن، ولكن الناس العاديين يحجمون عن ذلك. لن أعرض نفسي للخطر لمساعدة السلطات الأمنية".

التعاطف مع المتشددين
ويذهب العديد من سكان سيناء إلى أبعد من ذلك في الواقع ويظهرون دعماً للمتشددين.


"إنهم يقولون في كافة وسائل الإعلام أن المنطقة مليئة بالإرهابيين، ولكن هذا ليس صحيحاً،" كما أكد رجل من قرية المهدية تضرر منزله الراقي بشدة من جراء هجمات الجيش. وأضاف قائلاً: "قد يتمكن الجيش من القبض على بعضهم، ولكن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً. إنهم يقتلون الأبرياء أيضاً حتى الآن، الأمر الذي يجعل الناس في سيناء يتعاطفون أكثر فأكثر مع المتشددين".

وقال عن الجيش: "ربما يكون هدفهم الحقيقي هو تخويفنا لكي نغادر المنطقة ويتم تحويلها إلى منطقة عازلة خاوية".

وفي السياق نفسه، قال بعض السكان أنهم ليسوا منزعجين من أولئك الذين تعتبرهم الدولة متطرفين. في الواقع، يعيش المتشددون في بعض المجتمعات في ظل القبول الهادئ أو حتى التعاون من قبل السكان، كما يقول الخبراء والمقيمون الموالون للحكومة.

وتقول السلطات المصرية، على سبيل المثال، أن مسجد التوحيد في قرية المقاطعة كان يستخدم كمخبأ للجهاديين. ولكن رجلاً من تلك قرية يرى الأمور بشكل مختلف: "كان الرجل الذي بنى المسجد مطلوباً لأنه قد تم القبض على أبنائه خلال عمليات جهادية... ولكن بالنسبة لي، ذهبت إلى هذا المسجد عدة مرات ولم ألحظ أي شيء غير عادي على الإطلاق".

وبالنسبة للكثير من سكان القرى البدوية، تعلو الولاءات القبلية فوق أي التزامات بمساعدة قوات الأمن في العثور على المتشددين بينهم. "لا يمكننا التعاون مع الدولة. هذا ليس مبدأ مقبولاً هنا،" كما أوضح رجل من قرية المهدية.

ويذهب البعض الآخر إلى حد إنكار وجود الإرهاب. كما أن هناك نظرية مؤامرة يتم تبنيها على نطاق واسع تدعي أنه لا توجد جماعات جهادية تمثل خطورة حقيقية في سيناء، وأن الأجهزة الأمنية تشن هجمات وهمية لتبرير حملة قمعية خرقاء ذات دوافع سياسية.

وقال أحد سكان قرية المهدية: "إنني أتساءل عن ما يقوم به الجيش بالضبط. يبدو أنهم لا يعتقلون أو يقتلون أي إرهابيين. نحن نعيش هنا ونعرف من يموت ومن يظل على قيد الحياة، والحقيقة تتنافى مع كل ما يقولون في القنوات التلفزيونية".

"لا يوجد إرهاب حقيقي عندما لا يموت أحد،" كما أضاف أحد سكان رفح. وقال أيضاً "إنهم [المتشددون] لا يهاجمون المدنيين، في حين أن الجيش هو الذي يقتل الأبرياء من أهل سيناء".

ولكن عتيق، الناشط السيناوي، يقول أنه من الصعب على الجيش شن حرب عصابات.

وأضاف أن "هؤلاء الأشخاص معروفون للقبائل والأجهزة الأمنية، لكننا نعيش في الصحراء والجبال، وهذا لا يساعد... ولهذا السبب، يحتاج الجيش إلى كل هذا الوقت الطويل للقضاء على تلك الجماعات"  




للمزيد طالع سلسلة تقارير : سيناء ... موعد مع المعاناة؟