تحديد نقطة التحول في الأزمات الحضري.



                                                               لصورة: تومي ترينشارد/إيرين
أحياء فقيرة في ويست بوينت في مونروفيا في ليبيريا (صورة ارشيفية)

داكار, 24 نوفمبر 2013 (إيرين)
ذكر برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل) أنه بحلول عام 2015 سيصل عدد الأشخاص الذين يعيشون في أحياء حضرية فقيرة إلى ثلاثة مليارات نسمة. ومع ازدياد عدد الأشخاص الضعفاء الذين يعيشون في مثل هذه الأحياء، تواجه وكالات المعونة صعوبات في تحديد نقطة التحول التي يتحول عندها الضعف المزمن إلى أزمة إنسانية. وقد استطلعت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) آراء عدد من العاملين في وكالات المعونة للتعرف على الجهود التي يبذلونها في هذا الشأن.
بداية ينبغي الإشارة إلى أن تتبع الفئات السكانية الضعفية بدقة يصبح أكثر تعقيداً في المدن والبلدات المكتظة بالسكان، لاسيّما في الأحياء غير النظامية مثل الأحياء الفقيرة، عنه في المناطق الريفية. وقد كانت وكالات المعونة والجهات المانحة بطيئة في مواجهة هذا التحدي، مما أدى عن غير قصد إلى خلق فجوة بين المناطق الريفية والحضرية.

وفي هذا الصدد، قالت ماري ساردير، مستشارة الأمن الغذائي وسبل العيش في منظمة العمل ضد الجوع (ACF) غير الحكومية في باريس:"نحن لا نتدخل لأنه لا توجد لدينا المعلومات اللازمة، ونسمح للناس بالعيش في ظروف نعتبرها غير مقبولة في البيئات الريفية".
يتفق مع هذا الرأي، جراهام ماكاي، نائب مدير منظمة أوكسفام الإنسانية، حيث قال: "نحن لا نتدخل في المناطق الريفية حتى يصل المجتمع المحلي إلى مرحلة لا يستطيع فيها التأقلم. ولا أعتقد أن لدينا فهماً كافياً لتطبيق هذا الأسلوب نفسه في المناطق حضرية".
من ناحية أخرى، أشارت إيلينا لوكتشي، مستشارة منظمة أطباء بلا حدود، في مقال لها عام 2012، إلى أن نُهج التقييم التقليدية تفترض مستوىً من التجانس الجغرافي في سبل المعيشة والحالة الاجتماعية والاقتصادية، وهو أمر شائع في المناطق الريفية ولكن هذا المستوى يقل في المناطق الحضرية الفقيرة. إضافة إلى ذلك، قد تكون الفئات الضعيفة من السكان متفرقة في البيئات الحضرية وقد لا ترغب في أن يتم تحديدها أو مساعدتها.
ويشير تقرير "التبادل الميداني"، طبعة سبتمبر 2013، إلى أنه على الرغم من سخاء الحكومات والأفراد عندما يتعلق الأمر بالأزمات الحضرية المفاجئة والسريعة، مثل زلزال 2010 في بورت أو برنس في هايتي، وكارثة الإعصار الحالي في تاكلوبان بالفلبين، إلا أنها لا تجيد الاستجابة للتغييرات الدقيقة التي قد تدل على أن سكان المناطق الحضرية ينزلقون بشكل تدريجي نحو أزمة، كارتفاع أسعار المواد الغذائية أو التحول السياسي أو حالات الصراع.
ويشير الفريق العامل المعني بمجموعة الأمن الغذائي في المناطق الحضرية، ومقره روما، إلى أن عملية جمع البيانات الوطنية لا تلتقط مثل هذه المؤشرات أيضاً نظراً لبطء دورات جمع المعلومات الخاصة بها وغياب نظم الإنذار المبكر في الأحياء الحضرية الفقيرة.
النسب مقابل الأعداد
وإحدى المشكلات الكبيرة في المناطق الحضرية هي تصنيف البيانات المعقدة، حيث لا تتم دائماً ترجمة المسببات الشائعة لحالات الطوارئ بشكل جيد في المناطق الحضرية. فعلى سبيل المثال، يتم بلوغ عتبة منظمة الصحة العالمية الخاصة بسوء التغذية في حالات الطوارئ عندما يعاني 15 بالمائة أو أكثر من الأطفال تحت سن الخامسة من سوء التغذية الحاد- وهو قياس غير منطقي في الحالات التي يعيش فيها الضعفاء بجوار الميسورين. ففي مثل هذه السيناريوهات، قد تكون النسبة المئوية للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية منخفضة جداً في حين يكون العدد الفعلي للأطفال الذين يعانون سوء التغذية مرتفع جداً. وتعليقاً على هذا، قال خورخي كاستيلا  إيشينيكه، منسق قطاع الصحة في المكتب الإنساني للجماعة الأوروبية (إيكو) أن "البحث عن النسب المئوية في المناطق الحضرية لا معنى له".
وكان هذا هو الحال في العاصمة الكينية نيروبي في عامي 2008 و2009، فقد تسببت أزمة ما بعد الانتخابات عام 2007، إضافة إلى الفقدان المفاجئ للوظائف، وارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم، في إصابة نحو 62,000 طفل ممن هم دون الخامسة بسوء تغذية حاد في المناطق الفقيرة، ولكن معدلات سوء التغذية الإجمالية ظلت منخفضة نسبياً. ووفقاً للمسح الصحي الذي أجرته الحكومة الكينية في عامي 2008-2009، كان نحو 1.9 بالمائة من الأطفال في الأحياء الفقيرة يعانون من سوء تغذية حاد للغاية و3.5 بالمائة من سوء تغذية حاد وفق المقياس العالمي.
 وقالت آن أوماهوني، رئيس المكتب القطري لمنظمة كونسيرن Concern  في كينيا في ذلك الوقت، أن من بين المؤشرات الأخرى التي تدل على أن الأحياء الفقيرة تعاني من الإجهاد هو تراجع نسب الالتحاق بالمدارس. وعلى الرغم من هذا، فقد ترددت الجهات المانحة في القيام بأي شيء. وفي هذا الصدد، قالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "كانوا يريدون أن يعرفوا في أي المجالات تتفق المعلومات التي لدينا مع القيم التي يستخدمونها لقياس الفقر في المناطق الريفية، مثل وصول معدل سوء التغذية الحاد إلى 15 بالمائة".
وفي كثير من الأحيان يتم تعقب معدل الوفيات أيضاً بغية معرفة حجم الأزمة، ولكن استخدامه في المناطق الحضرية يكون "غير ملائم" نظراً لأن الزيادة في معدل الوفيات قد تظهر معدلاً منخفضاً عندما يتم توزيعه على عدد أكبر من السكان، وذلك وفقاً لتقرير منظمة إنقاذ الطفولة الذي صدر في أكتوبر 2012  بعنوان سوء التغذية في المناطق الحضرية: استعراض الأمن الغذائي والتغذية بين الفقراء في المناطق الحضرية.
والسؤال الذي يطرحه المحللون المتخصصون في مساعدة الفئات السكانية الضعيفة في المناطق الحضرية، هو إذا كان يمكن أن تكييف المؤشرات الحالية مع السياقات الحضرية، أو إذا كانت هناك حاجة إلى تطوير مؤشرات مختلفة، مع الأخذ في الاعتبار الفوارق الدقيقة مثل معدلات الجريمة، وأسعار المواد الغذائية والوقود، وتدفق النازحين داخلياً، والمرافق الصحية والبيانات الصحية، ومعدلات الهجرة، من بين جملة من القضايا الأخرى.  
وأخيراً تجري وكالات المعونة تجارب على كل من النهجين.
تحديد مسببات الأزمات في المناطق الحضرية
فقد استعرضت منظمات العمل ضد الجوع وكونسيرن وأوكسفام منهجيات استهداف الأمن الغذائي من أجل تحديد أفضل المؤشرات الموجودة للأمن الغذائي في حالات الطوارئ وكيفية تكييفها للاستخدام في المناطق الحضرية. ونشروا النتائج التي توصلوا إليها عبر مبادرة التعلم النشط من أجل المساءلة والأداء في العمل الإنساني (ALNAP) في يوليو 2013.
وقد شملت التوصيات المقدمة على ما يلي: إجراء تقييمات لكل حي، وإعداد البيانات المرجعية لتحديد تكاليف المعيشة ومعدلات الجريمة ومعدلات الهجرة قبل وبعد الصدمات، واستخدام الوسائل التكنولوجية مثل أدوات رسم الخرائط الرقمية في جمع وتنظيم المعلومات.
وأضاف التقرير أنه ينبغي استخدام نظام تنسيق المجموعات لتكييف أداة تقييم الأمن الغذائي التدريجية- التي تعرف باسم IPC scale (التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي)- لكي تناسب الاستخدام في المناطق الحضرية.
ويقوم التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي بتصنيف الأمن الغذائي على مقياس يتراوح من الحالة المستقرة إلى الطارئة.
وأخيراً، شدد التقرير على ضرورة أن تكون نظم قياس ضعف الفئات السكانية في المناطق الحضرية حساسة جداً للتغيير الذي يحدث بسرعة أكبر في المدن عن القرى الريفية. 
وللمضي قدماً، ينبغي على الوكالات أن تحدد ما بين 5 إلى 10 مدن من التي تعتبر الأكثر عرضة لحالات الطوارئ في المناطق الحضرية، وأن تشكل مجموعات عمل لوضع خريطة للمناطق المعرضة للخطر داخل تلك المدن. وقد شملت الاقتراحات: نيروبي، وبورت أو برنس، وكاتماندو في ونيبال، ومانيلا في الفلبين، ودكا في بنجلاديش، وهراري في زمبابوي، وقطاع غزة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
أدوات جديدة
في الوقت ذاته، تعمل منظمة كونسيرن في كينيا منذ عامين في مشروع يمتد إلى خمسة أعوام لتطوير مؤشرات جديدة للتنبؤ بالأزمات في المناطق الحضرية، يطلق عليه اسم "نظام مراقبة الصحة في المناطق الحضرية والتغيرات الديمغرافية في نيروبي"، الذي يهدف إلى عزل ما يمثل "تغييرات حقيقية في حياة الفئات الأكثر فقراً من بين سكان المناطق الحضرية الفقيرة"، بحسب أوماهوني من منظمة كونسيرن.
فعلى سبيل المثال، تقوم المنظمة بجمع بيانات حول ما قد يمثل مؤشراً على حدوث تغيير في الظروف الاقتصادية للسكان الأكثر فقراً في الأحياء الفقيرة، مثل إخراج الأطفال من المدارس، وبيع الأصول البالغة الأهمية، وقبول عمل محفوف بالمخاطر وتمديد خط الائتمان. ويجري اختبار هذه المؤشرات في نيروبي، وسوف يتم اختبارها بعد ذلك في المدن الأخرى المعرضة للخطر في الدول المجاورة.
في السياق ذاته، أجرت منظمة إنقاذ الطفولة دراسة مشتركة في أكتوبر 2013 مع كينجز كوليدج بعنوان "مشروع المناطق الحضرية المستقبلية"، لتحديد مجالات التغيير التي ينبغي أن تقيسها أدوات الضعف في المناطق الحضرية، وهي: التركيبة السكانية، ورأس المال المحلي، ورأس المال الدولي، والإدارة والعمليات التنظيمية، والعنف والإجرام.
العلاقات مع حكومات الدول المعنية
وتشدد المنظمات غير الحكومية على ضرورة العمل مع حكومات الدول المعنية لضمان ربط الاستجابة الحضرية ببرامج الحماية الاجتماعية والتنمية الجارية وذلك لأن السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني هي الأقدر على فهم التركيبة الاجتماعية-الاقتصادية لسكانها، والمشكلات التي تواجهها المجموعات السكانية المختلفة، على الرغم من أن البعض يشير أيضاً إلى ضرورة التأكد من ديناميكيات السلطة المحلية لضمان عدم إعطاء النخب المحلية نفوذاً لا داعي له.
من جانبها، تقول منظمة العمل ضد الجوع أنه غالباً ما تكون المنظمات الدولية غير الحكومية غير متأكدة من كيفية العمل مع الشركاء المحليين في عمليات التقييم، في حين أن الشراكات تتطلب تمويلاً ومشاركة طويلة الأجل، وهي أمور لا تضعها الجهات المانحة في الغالب ضمن أولوياتها. وقالت ساردير من منظمة العمل ضد الجوع أنه في حين أن التنسيق فيما بين الوكالات، وبين الوكالات المحلية والحكومات في المناطق الحضرية "هو إحدى التوصيات الرئيسية" التي توصلت إليها الدراسة المشتركة للمنظمات غير الحكومية، إلا أنه يظل "التحدي الأكبر الذي يواجهنا".
وقالت أومانوهي أن المانحين كثيراً ما يرون الاستجابة في المناطق الحضرية "قضية هيكلية" أو "قضية تخص السياسة العامة" لتبرير عدم رغبتهم في المشاركة. ويرى المراقبون أن هناك خطراً من أن تصبح الاستجابة في المناطق الحضرية مُسيّسة، ويعزى هذا جزئياً إلى تجاور الأثرياء والفقراء الذي قد يؤدي إلى تعقيد جهود التوزيع. وعلى الرغم من أن سيبريان فابر، رئيس قطاع غرب أفريقيا في المكتب الإنساني للجماعة الأوروبية يتفق على أهمية الحاجة إلى التعلم عن طريق العمل مع الشركاء المحليين، إلا أنه يقول أن مخاطر التسييس كبيرة.
ففي الفترة من عام 2008 إلى 2009 في نيروبي، لم تستطع الحكومة ولا المجتمع المدني الوصول إلى التمويل المخصص للمناطق الحضرية من أجل الاستجابة لأزمة الجوع والتغذية المتفاقمة. وفي هذا الإطار، ذكر تقرير"التبادل الميداني" الصادر في سبتمبر 2013 أن "الجهات المانحة الكبيرة لم تطور بعد استراتيجيات تمويل للمناطق الحضرية، وعلى الرغم من وجود اهتمام بهذا المجال، إلا أن التقدم بطيء". ومنذ ذلك الحين، تعمل المنظمات غير الحكومية مع الحكومة الكينية من أجل تطوير "استراتيجية تغذية في المناطق الحضرية".
وخلص التقرير إلى أنه في ظل "غياب توافق واضح في الآراء حول ما يشكل حالة طوارئ في المناطق حضرية وما هي استراتيجية الخروج، فسوف تظل التدخلات الحضرية غير مكتملة ومتقطعة".
ثقب أسود كبير: تحديد نطاق العمل
ومن بين الصعوبات الأخرى التي تواجه وكالات المعونة والجهات المانحة هي تحديد حدودها في المناطق الحضرية، حيث قالت بياتريس بوير، رئيسة قسم بحوث الديناميكيات الإنسانية في الحضرية في المعهد الفرنسي لبحوث التنمية العاجلة: "الأمر أشبه بمحاولة تحديد حي ما، لا يمكن أبداً أن تعرف حدوده... وتحديد الحدود يصبح أكثر صعوبة في الأحياء الفقيرة التي تتوسع خارج الحدود الإدارية من دون حدود مكانية".
وترى أومانوهي أن هذه الحدود المائعة، والإحساس بالضعف، ربما ما يجعل الجهات المانحة تتردد في تمويل العمل في المناطق الحضرية حيث قالت أن "جهات مانحة أخبرتها "المناطق الحضرية مجرد ثقب أسود كبير ومن الصعب جداً أن ترى كيف تؤثر أموالك في مثل هذا الجزء الكبير من البشر".
من جهته، قال جورجيز ديكان من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، الذي يعمل ضمن الفريق المعني بالتحديات الإنسانية الحضرية التابع للجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، ومقرها جنيف، غالباً ما يتم إهمال دعم الأزمات في المناطق الحضرية، مثل العديد من مجالات المساعدات الدولية "فالجهات التنموية التي تمتلك المال لا تقوم بذلك لأنها تعتقد أن ذلك عمل إنساني، والجهات الإنسانية لا تقوم بهذا النوع من البحوث لأنها ترى أن مهمتها هي إنقاذ الأرواح".
يسعى المكتب الإنساني للجماعة الأوربية إلى الربط ما بين الأزمات الإنسانية والدعم الطويل الأجل للمناطق الحضرية. وفي العاصمة الغينية كوناكري، يقوم المكتب بمساعدة المختبرات المحلية على أن تستعد بشكل أفضل للكشف عن الكوليرا ومراقبتها ويدعم الحكومة على أن تقود عمليات مكافحة تفشي الكوليرا على نحو أفضل.  
كما يسعى المكتب للضغط على صندوق ديفكو DEVCO ، وهو الإدارة المسؤولة عن تطوير سياسات التنمية للاتحاد الأوروبي، من أجل المشاركة بصورة أكبر في تمويل الفئات السكانية الضعيفة في المناطق الحضرية.
وختاماً، قال ديكان من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية أن "إفريقيا هي أسرع القارات من حيث النمو الحضري...ولذلك فإن التعامل مع أزمة الفقر في المناطق الحضرية لا يكون من منطلق كونها قضية تنمية قُطرية، بل من كونها آخذة في التحول إلى قضية إنسانية كبرى".