نيروبي, 10 فبراير 2014 (إيرين)
من الناحية النظرية، يبدو النظام الاتحادي في الوقت الحالي أمراً محورياً للدولة الصومالية. فعبارة "الجمهورية الاتحادية" هي جزء من الاسم الرسمي للدولة. كما أن الدولة تُدار من قبل "حكومة وطنية اتحادية". "والاتحادية والسيادة والديمقراطية" هي السمات التي تحدد ملامح الدولة، وفقاً للمادة رقم (1) من الدستور المؤقت الذي أقر عام 2012، حيث تظهر كلمة "الاتحادية" 710 مرة في تلك الوثيقة.ولكن بعد أكثر من عقدين من الحرب الأهلية وانهيار الدولة، يختلف الصوماليون حول ما إذا كان النظام الاتحادي هو وصفة لتحقيق السلام المستدام، وحول مدى جدوى مثل هذا النظام من الناحية العملية.
وفيما يلي، يسعى هذا التقرير لاستكشاف هذه القضايا:
ماذا يعني النظام الاتحادي في الصومال؟
النظام الاتحادي هو فكرة غامضة، تنطوي على علاقات بين هياكل السلطة المركزية والطرفية التي تختلف بشكل كبير من بلد إلى آخر.
وفي الصومال، يحدد الدستور العلاقات بين الحكومة المركزية "والولايات الأعضاء في الاتحاد" في المستقبل، بيد أنه لا يحدد بدقة أدوار ومسؤوليات كل مستوى من مستويات الحكومة.
وتنص المادة رقم (54) على ما يلي: "يتم التفاوض بشأن توزيع الصلاحيات والموارد ويتفق عليها بين الحكومة الاتحادية والولايات الاتحادية" عند إنشائها، ما عدا في مجالات الشؤون الخارجية، والدفاع الوطني، والمواطنة والهجرة، والسياسة النقدية، التي تقع جميعها تحت سلطة الحكومة المركزية، ومقرها في العاصمة مقديشو.
وسيتم تمثيل الولايات الاتحادية في عضوية البرلمان من خلال مجلس الشيوخ ببرلمان الدولة الاتحادية، الذي لم يتم تأسيسه بعد.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال مايكل وولز، المحاضر في جامعة لندن، والخبير البارز في الشأن الصومالي، لشبكة الأنباء الإنسانية عبر رسالة بالبريد الإلكتروني: "رأيي الخاص هو أن الطبيعة الصومالية الاتحادية ما زالت بعيدة عما جرى الاتفاق عليه".
هل يعتبر النظام الاتحادي جديداً على الصومال؟
قال الكاتب والمحلل السياسي عبد القادر سليمان محمد، لشبكة الأنباء الإنسانية : "لقد جرّب الصومال العديد من أنظمة الحكم منذ حصوله على الاستقلال". وبعد الاستقلال، اتبعت الدولة النموذج البريطاني في النظام البرلماني، حتى الانقلاب الذي حدث في عام 1969، عندما قامت الحكومة العسكرية بتأسيس دولة "اشتراكية من الناحية العلمية".
ومنذ عام 2004، تحولت البلاد باتجاه نظام اتحادي، ليس لأنه أفضل بطبيعته، ولكن لأن "الشعب الصومالي لا يثق في بعضه البعض"، كما أفاد.
وأضاف قائلاً: "لقد تمت إساءة استغلال تقاسم الموارد، وتقاسم السلطة، والتمثيل السياسي، من قبل بعض الأشخاص في المناصب العليا في الحكومة. فخدمات الرعاية الاجتماعية لم تقدم أبداً. ولم تحصل الدوائر المحلية على حصتها من الموارد الوطنية. ولهذا السبب تم اقتراح العمل بالنظام الاتحادي في السياسة الصومالية".
من جانبه، يتفق عبدي أينتي، مدير معهد التراث لدراسات السياسة العامة، على أن الصومال قد رأى في النظام الاتحادي حلاً ناجعاً لاستعادة السلام. وقال في رسالة عبر البريد الإلكتروني لشبكة الأنباء الإنسانية : "نتيجة للحرب الأهلية الطويلة، وغياب الثقة الناجم عن ذلك، يتوق الصوماليون للسيطرة على السياسة المحلية. واللامركزية، أو أي شكل آخر من أشكال الفيدرالية، هي الحل لما ينشدونه".
وقال عضو البرلمان محمد نوراني بكر لشبكة الأنباء الإنسانية : "سوف يوزع النظام الاتحادي السلطة فيما بين الولايات، وبالتالي سيقلص تركيز السلطة في أيدي السلطة المركزية. إنه أفضل نموذج إدارة يمكن أن نطبقه اليوم في الصومال". وأضاف أن "النظام الموحد للحكم جلب لنا الكثير من المشكلات التي تلازمنا حتى اليوم".
من ينشئ الولايات الاتحادية؟
كانت عملية إنشاء معظم الولايات الاتحادية حافلة بالتأخيرات والخلافات والارتباكات. وبموجب الدستور المؤقت، يجب أن تتأسس جميع الولايات الاتحادية من بين المناطق الـ 18 التي كانت موجودة قبل الحرب الأهلية. وينص الدستور على أنه يجوز دمج منطقتين أو أكثر لتشكيل ولاية عضو في الاتحاد.
ولم يقم مجلس النواب في البرلمان الصومالي حتى الآن بتشكيل لجنة اتحادية مستقلة واضحة المعالم، تتولى مسؤولية تحديد عدد الولايات الاتحادية وحدودها، مما يترك المناطق في حالة من عدم يقين بشأن وضعها القانوني في ظل الدستور المؤقت.
وكان من المفترض أن يتم تشكيل اللجنة بعد 60 يوماً من تشكيل مجلس الوزراء الجديد وذلك عقب إقرار مشروع الدستور في عام 2012، غير أن هذا الأمر لم يحدث حتى الآن.
وأشار دليل صدر عن مكتب الأمم المتحدة السياسي في الصومال إلى أنه "قد ثبت خلال عقد المؤتمرات الدستورية التي قادت إلى كتابة هذا الدستور المؤقت أن هناك خلافات كبيرة بشأن تأسيس الولايات الأعضاء في الاتحاد". ولهذا السبب، حدد الدستور اسناد مسؤولية البت في عضوية الولايات الاتحادية إلى لجنة مستقلة تضم ممثلين من جميع أنحاء الصومال إضافة إلى خبراء دوليين.
ومن الناحية الرسمية، لا توجد حتى الآن ولايات أعضاء في الاتحاد، وينبغي على الحكومة تأسيس هذه الولايات بحلول موعد إجراء الانتخابات في عام 2016. ويُعتقد على نطاق واسع أن بونتلاند هي الأقرب إلى الحصول على صفة ولاية اتحادية، ويمكن أن تكون نموذجاً للولايات الأخرى. في هذه الأثناء، تبذل كل من جوبالاند وجالمودوج أيضاً جهوداً للحصول على صفة الولاية الاتحادية، على الرغم من وجود الكثير من الاقتتال الداخلي على المستوى المحلي، إذ يوجد في جوبالاند اثنتان من المحادثات المنافسة في حين يوجد في جالمودوج ثلاث أو أربع محادثات.
ما هي أهمية بونتلاند؟
وصفت بونتلاند نفسها أنها كيان شبه مستقل منذ عام 1998 وتربطها علاقات غير مستقرة مع مقديشو. ويبدو أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز بها عبد الولي محمد جاس، قد وضعت حداً لفترة العداء.
وقد قدم الرئيس الصومالى، حسن شيخ محمود، التهنئة بفوزه في بيان قال فيه: "أقدم تهنئتي الشخصية إلى عبد الولي محمد على جاس وأتطلع إلى العمل معه عن كثب في ظل تواصل الجهود الحكومية لبناء دولة صوماليه اتحادية .. بونتلاند هي نموذج لبقية الدولة، وما يحدث هناك يهمنا جداً".
من جهه أخرى، قال وولز أن عبد الرحمن محمد فارولي، الرئيس السابق لبونتلاند، قد "استخدم النزاع/التوتر مع مقديشو لتعزيز الجبهه الداخلية – أي بونتلاند- التي تمثل قاعدة الدعم، في حين أن عبد الولي جاس يحصل على دعم قوي من الجهات الدولية الفاعلة والعديد من الأطراف في مقديشو".
"ولذلك أتوقع أن تتحسن العلاقة بين بونتلاند ومقديشو في ظل رئاسة عبدالولي الذي أكدّ رغبته في أن يرى مثل هذا التحسن خلال الكلمة التي ألقاها في حفل تنصيبه".
وأضاف قائلاً: "لا أعتقد أن يقبل معظم الصوماليين بنظام اتحادي مركزي قوي ... وبالتالي فإن بونتلاند مهمة جداً لأنها تعبر عن الحالة الفضفاضة التي تبدو عليها الدولة الاتحادية".
ما الذي يحدث في جوبالاند؟
تجري عمليتان منفصلتان في جوبالاند، إحداهما محادثات تتم بوساطة من قبل الهيئة الحكومية الدولية للتنمية بين وفد برئاسة أحمد مادوبي زعيم حركة رأس كامبوني (مجموعة شبه عسكرية معارضة لحركة الشباب)، والحركة الصومالية الاتحادية. وفي شهر أغسطس، وقع الجانبان اتقاقاً في أديس أبابا، لتشكيل إدارة مؤقتة لجوبا برئاسة مادوبي، سوف تستمر لمدة عامين.
وتنص المحادثات على أنة خلال هذا الوقت، "واعتماداً على سير العملية الدستورية سيتم تأسيس ولاية اتحادية دائمة". وخلال هذه الفترة أيضاً، سوف تتولى الحكومة الوطنية إدارة كل من المطار وميناء كيسمايو الحيوي.
وفي البداية، قوبل تشكيل جوبالاند في جنوب الصومال بالمعارضة من مقديشو، التي اتهمت مؤتمراً للأطراف المعنية عقد في فبراير 2013 بأنه غير دستوري لأنه "نفذ دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية". كما احتج سياسيون في منطقتي جوبا وجدو، اللتين تقعان داخل الحدود المقترحة، على أن قيادة جوبالاند لن تكون ممثلة لجميع العشائر التي تعيش في المنطقة.
وهناك محاولة أخرى لضم المناطق في جوبالاند، إذ يسعى مؤتمر بيدوا لضم جوبا السفلى، وجوبا الوسطى، وشبيلي السفلى والخليج، وباكول وجدو معاً. ويستمر هذا المؤتمر منذ أكثر من عام، ويحظى ببعض الدعم من الحكومة الاتحادية، على الرغم من أن أنها وقعت اتفاق أديس.
وتوجد خلافات وتوترات كبيرة فيما يتعلق بالمحادثات المتنافسة لتشكيل الولاية. ففي الأسبوع الماضي، ظهرت تقارير تفيد بأن جنوداً من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال حاولوا الاستيلاء على قاعة المؤتمر التي يعقد فيها مؤتمر بيدوا لوقف الاجتماع.
وقال نيكولاس كاي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الصومال أنه من الأهمية أن تستمر الأطراف المعنية في اللاتقاء والتشاور في بيدوا ، مشيراً إلى أنه "لا ينبغي لأحد أن يخاطر بإتخاذ خطوات قد تفسد عمليات تحقيق السلام وبناء الدولة". وطالب أيضاً جميع الأطراف بالتحلي بالهدوء والالتزام بالحوار ودعم جهود المصالحة".
ومن المتوقع أن تمثل جوبالاند أهمية إقليمية كبيرة - ذلك أن الحكومة الكينية تنظر إليها على أنها منطقة عازلة حيوية بين الصومال وشمال كينيا، وتوفر حماية ضد حركة الشباب. كما تنظر إليها إثيوبيا أيضاً على أنها درع حيوي لأراضيها، شريطة أن لا تُبدي القيادة في جوبالاند تعاطفاً مع هذه المجموعة الإثيوبية المتمردة التي تعرف باسم الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين.
ما هي التحديات الأخرى التي تواجه النظام الاتحادي؟
من بين التحديات الرئيسية التربية الوطنية، وتوزيع الموارد بين الولايات والحكومات الوطنية، ووضع مقديشو أيضاً.
ويوصي عبدي أينتي، مدير معهد التراث لدراسات السياسة العامة، بإنشاء هيئة مسؤولة عن التربية الوطنية في النظام الاتحادي. ولا يدرك معظم الناس مدى تنوع النظام الاتحادي أو الخيارات المتاحة لتحقيق اللامركزية. ويعتقد أيضاً أنه يجب أن يكون هناك حوار وطني حول دور السلطات الوطنية والمحلية في الإشراف على الإيرادات التي يتم تحصيلها من الموارد الطبيعية.
وفي هذا الصدد، قال عيسى محمود فرح، المدير العام لوكالة المعادن البترولية في بونتلاند: "في إحدى المناطق التي توجد فيها إمكانية حقيقة لتحقيق الإيرادات، تم تأجيل استغلال الموارد الطبيعية إلى موعد غير محدد بسبب الجدل الذي أثير بين بونتلاند والحكومة الاتحادية الانتقالية ]الاسم السابق للحكومة الصومالية الاتحادية ".
وأضاف أنه "لا ينبغي التقليل من الأهمية المحتملة لإيرادات الموارد النفطية والمعدنية في بلد تعاني فيه الزراعة من التهميش وتغيب عنه الصناعة ويعتبر قطاع الخدمات فيه محدوداً [للغاية]".
ويعتقد فرح أنه من المرجح أن يكون ذلك مجالاً للصراع بين الولايات الاتحادية والحكومة المركزية التي تريد تحكماً أكبر في عائدات النفط.
وقد أقر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أيضاً بأن هذه القضية تمثل صعوبة كبيرة، حيث قال في فعالية أقيمت في معهد تشاتام هاوس في لندن في فبراير 2013: "نفتقر لتقاسم الموارد، وتقاسم الإيرادات، وينقصنا الكثير والكثير من الأشياء للمشاركة". وأضاف: "إذا لم نطبق هذه الأدوات والآليات، فإن النظام الاتحادي سوف يخلق المزيد من المشكلات".
ثالثاً، لم تتم مناقشة وضع مقديشيو، فقد تحتل مكان المدينة الخاصة خارج منظومة الولايات الاتحادية، مثل واشنطن دي سي العاصمة، أو كانبيرا. ويعتقد المحللون أن هذه المناقشة قد تحتل مكان الصدارة بمجرد أن يتم التفاوض على حدود الولايات الاتحادية والانتهاء من ترسيمها.
وقال أينتي: "في الفترة التي تعقب انتهاء الصراعات، عادة ما تقود عملية تشكيل الدولة إلى الصراع" مشيراً إلى أنه سيكون من قبيل السذاجة توقع نجاح النظام على الفور. وأضاف: "سوف يستمر النظام الاتحادي في أن يكون مصدراً للوئام والخصام. وهذا أمر متوقع. ففي هذه الأثناء، سيكون الوضع صعباً ولكن النظام الاتحادي سينجح في نهاية المطاف".
هل هناك معارضون للنظام الاتحادي؟
نعم، هناك بعض المعارضين. ويساور هؤلاء المعارضون القلق من أن يؤدي النظام الاتحادي إلى التفتيت والعنف القبلي.
من جهته، قال الشيخ عبدالقادر اسماعيل، الرئيس السابق للجنة البرلمانية للشؤون الدستورية لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "يعد النظام الاتحادي قوة تدميرية للصومال، وسوف تظل مشكلاته تطارد الصومال". وأضاف: "إذا تم تغليب مصالح الولايات الإقليمية على حساب المصلحة الوطنية، فسوف تضيع المصلحة المشتركة نتيجة لذلك، وهذا قد يشكل سابقة خطيرة".
كما أعرب محمد حسن حاد، أحد الشيوخ المعروفين، عن شكوكه في النظام الاتحادي، حيث قال: "الصوماليون لا يستوعبون معنى النظام الاتحادي. إنه لا يخدم الشعب الصومالي، وسيظل مشكلة مستعصية على الحل في المدى الطويل. وسوف يتسبب في حدوث خلافات بين العشائر". وأضاف: "لقد ظل الصوماليون يقتتلون نتيجة لصراعات عشائرية ودينية لمدة عقدين، وما النظام الاتحادي إلا مصدراً جديداً أو دورة أخرى من الصراع على الأرض والملكية".
ورداً على سؤال حول تعريفه للنظام الاتحادي، أجاب أيوب سليمان جامع، 23 عاماً، الذي نشأ في ظل النزاعات العشائرية والتعصب الديني وعانى منها لسنوات عديدة، من دون تردد قائلاً إنه يعني "الانقسام".
أما ماركو زوبي، المحلل السياسي المستقل فيرى أن "إنشاء نظام اتحادي يعتمد على القبائل بدلاً من الأقاليم" أمر خطير جداً، مضيفاً أن "التوزيع الحالي للعشائر ينطوي بالفعل على ظاهرة من هذا النوع".
مع ذلك، يعترف معظم الناس في الصومال بأنه يجب أن يكون هناك شكل من أشكال المشاركة في السلطة وأن أفضل آلية لتحقيق هذا هو أي شكل من أشكال النظام الاتحادي. من ناحية أخرى، حذر فرح، المدير العام لوكالة المعادن البترولية في بونتلاند، من أنه "إذا لم يكن هناك التزام قوي من جانب الحكومة الاتحادية، فإن النظام الاتحادي لن يزدهر في الصومال".