لندن, 12 فبراير 2014 (إيرين)
زادت حدة التوتر بين المحكمة الجنائية الدولية (ICC) والاتحاد الأفريقي (AU) بسبب القضية التي تنظرها المحكمة ضد الرئيس الكيني اوهورو كينياتا، والتي تعرقلها الخلافات والتأخير منذ فترة طويلة. ولكن على الرغم من أن شطب هذه القضية يمكن أن يخفف الاحتكاك بينهما، يقول البعض أنه يمكن أيضاً أن يؤدي إلى تآكل سلطة المحكمة، التي لم تصدر حتى الآن سوى حكماً واحداً.
وفي جلسة تحضيرية يوم 5 فبراير، واصل محامو الرئيس كينياتا الضغط على المحكمة الجنائية الدولية لشطب قضيته، التي كان من المفترض أن تبدأ في 5 فبراير، لكنها تأجلت للمرة الرابعة في الشهر الماضي. وقال ممثلو الادعاء أن أحد الشهود قد انسحب وطلبوا المزيد من الوقت لجمع الأدلة.
وتعكف الآن فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية على تحديد ما إذا كان ينبغي المضي قدماً في القضية ضد كينياتا، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تشمل التحريض على القتل والترحيل أو النقل القسري والاغتصاب والاضطهاد وأفعال لا إنسانية أخرى خلال أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات الكينية في عامي 2007 و2008.
وتجدر الإشارة إلى أنه في البداية، كان هناك ستة رجال متهمين في القضية التي تنظرها حالياً المحكمة الجنائية الدولية، التي يقع مقرها في لاهاي، ولكن الآن لم يتبق سوى ثلاثة فقط، هم كينياتا ونائب الرئيس الكيني وليام روتو، والشخصية الإذاعية السابقة جوشوا أراب سانغ.
وقالت بنسودا في يناير أن أحد الشهود الرئيسيين للادعاء لا يرغب الآن في الإدلاء بشهادته وأن شاهداً آخر قد اعترف بتقديم أدلة كاذبة.
دعوات لشطب القضية
وقد ساهمت الضغوط المكثفة من جانب كينيا وحلفائها - مثل رواندا - على المحكمة الجنائية الدولية لشطب القضية في توتر العلاقات بين الاتحاد الأفريقي والمحكمة الجنائية الدولية. وفي أكتوبر 2013، دعا الاتحاد الأفريقي إلى منح رؤساء الدول الحاليين حصانة من الملاحقة القضائية، وهدد بالانسحاب الجماعي من المحكمة الجنائية الدولية.
وطالب الاتحاد أيضاً بتأجيل القضية ضد روتو، وكذلك قضية المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير. وأكدت ستيلا نديرانغو، مديرة برامج القسم الكيني في لجنة الحقوقيين الدولية، أن "الاتحاد الأفريقي سيهدأ إذا توقف سير القضية [ضد كينيا]. هذا هو الواقع".
ولم يكن المزاج أكثر ميلاً للتصالح خلال قمة الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، في أواخر يناير الماضي. فقد عبر البيان الختامي للقمة عن "خيبة أمل" من استمرار القضية ضد كينيا، وحث أعضاء المحكمة الجنائية الدولية الأفارقة على "الامتثال لقرارات الاتحاد الأفريقي بشأن المحكمة الجنائية الدولية والاستمرار في التحدث بصوت واحد".
وقال ستيفن لاموني، كبير المستشارين في قضايا الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والمواقف الأفريقية في التحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية، أن انهيار قضية كينياتا من المحتمل أن يحسن العلاقات بين أفريقيا والمحكمة.
وأضاف لاموني، الذي حضر القمة يومي 30 و31 يناير لحشد الدعم للمحكمة الجنائية الدولية أن "كينياتا تأكد من إضافة قضيته إلى جدول أعمال الاتحاد الأفريقي. وأعتقد أنه طالما استمر نظر قضية كينياتا أمام المحكمة الجنائية الدولية، سيستمر هذا التوتر بين المحكمة وأفريقيا".
وفي السياق نفسه، تأمل غريتا باربون، كبيرة الباحثين في برنامج العدالة الجنائية الدولية في المنظمة الدولية غير الربحية لا سلام بدون عدالة، في أن تمضي القضية قدماً. وقالت أن "العلاقات مع الاتحاد الأفريقي تتأثر كثيراً بقضيتي كينياتا وروتو، لكني آمل حقاً أن تستمر هاتان القضيتان، لأن أفضل شيء بالنسبة لكينيا سيكون إجراء محاكمات عادلة وتحقيق العدالة لضحايا أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات".
من جانبه، عبر ريتشارد غولدستون، وهو قاض من جنوب أفريقيا ومدعي عام سابق في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، عن اعتقاده بأن المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن يُنظر إليها على أنها ضعيفة إذا انهارت قضية كينياتا، ولكن إذا حدث ذلك بسبب ترهيب الشهود، لا يمكن لوم المحكمة الجنائية الدولية، لاسيما مكتب المدعي العام".
كان مكتب المدعي العام على حق عندما طلب تأجيل القضية، وفقاً لباربون، لأن المضي قدماً بدون أدلة كافية سيكون استراتيجية محفوفة بالمخاطر. وأضافت أن "هذه ليست القضية الأولى التي واجه فيها المدعي العام تحديات تتعلق بالشهود في كينيا، وكان القرار السليم هو طلب المزيد من الوقت".
وأضافت نديرانغو قائلة: "يمكن عمل المزيد من قبل مكتب المدعي العام. إنهم بحاجة إلى إثبات الجدية من حيث كيفية إدارتهم لهذه القضايا. إنهم يسمحون لكل هذه السلطة والخدع التي تم تنظيمها من قبل اوهورو وروتو بالتنمر عليهم... إن الطريقة التي تسير بها هذه القضايا تجعل الشك يساورك حتى في أن العنف الذي أعقب الانتخابات قد حدث بالفعل".
ساخنة وباردة
وقد بدأت العلاقات بشكل جيد بين أفريقيا والمحكمة الجنائية الدولية، التي تأسست في عام 2002. فقد دعت حكومات جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي وأوغندا المحكمة للتحقيق في جرائم وقعت في بلدانها. وبدأ المدعي العام السابق لويس مورينو اوكامبو ينظر في قضايا في كينيا وساحل العاج وأحال إليه مجلس الأمن قضايا في ليبيا والسودان.
ولكن بحلول عام 2009 - عندما تم توجيه اتهام للرئيس البشير بارتكاب جرائم حرب في دارفور - توترت العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الأفريقي. وشكا رئيس الاتحاد الأفريقي جون بينغ من أن جميع لوائح الاتهام كانت ضد أفارقة واتهم مسؤولي المحكمة بأنهم يمثلون الاستعمار الجديد. كما أدى إصدار مذكرة توقيف بحق الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في 2011 إلى تعزيز المقاومة الأفريقية.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أرجع غولدستون التغيير إلى السياسة، قائلاً: "عندما لم يتم توجيه [اتهامات] إلى القادة، كان هناك تأييد كامل. وبمجرد أن بدأ استهداف القادة، تغيرت سياسة الاتحاد الأفريقي، وذلك بسبب الأشخاص الذين يديرونه. ما يثلج الصدر هو أن كل التهديدات بالانسحاب لم تتحقق بعد".
"ويبدو أيضاً أن هناك انفصال بين القادة الذين يحمون أنفسهم والضحايا الذين يريدون أن يروا العدالة تتحقق،" كما أضاف.
لكن المحكمة الجنائية الدولية أعطت الذخيرة لمنتقديها أيضاً. فقد أصدرت حكماً واحداً فقط حتى الآن، هو إدانة زعيم الميليشيا الكونغولي توماس لوبانغا - وهي قضية أوشكت على الانهيار عدة مرات. وفي عام 2012، برأت ساحة ماثيو نغودجولو تشوي، الذي قاتل ضد لوبانغا خلال الصراع في شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ومن الجدير بالذكر أن ضعف التحقيقات، فضلاً عن التأثير على الشهود، وعدم تعاون الحكومات وعوامل أخرى كانت بمثابة حجر عثرة. وقد فشلت بعض القضايا في تخطي المرحلة الأولى من الإجراءات، وهي جلسة إقرار التهم.
وأوضح غولدستون أن الإعداد لبعض القضايا يأخذ وقتاً أطول مما ينبغي. وأضاف أن "المحكمة تسير بوتيرة بطيئة، والقضاة يعملون ببطء شديد، وليس هناك سبب في أن يستغرق صدور الأحكام عدة شهور".
وقد بدأت محاكمة لوبانغا في يناير 2009، وصدر الحكم في مارس 2012. وبدأ نظر قضية جيرمين كاتانغا، الذي حوكم أصلاً مع نغودجولو تشوي بتهمة ارتكاب جرائم في جمهورية الكونغو الديمقراطية قبل فصل القضيتين، في نوفمبر 2009، وتم تأجيل النطق بالحكم من فبراير إلى مارس 2014. وبدأت القضية المرفوعة ضد جون بيير بيمبا، نائب رئيس الكونغو السابق، في نوفمبر 2010، لكن الدفاع لم ينته من عرض قضيته حتى نوفمبر الماضي.
التركيز على أفريقيا
وقد أزعج التركيز على جرائم الحرب والمتهمين بارتكابها في أفريقيا بعض الأطراف، الذين يشيرون إلى أن تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في دول مثل أفغانستان وكولومبيا مستمرة منذ سنوات دون اتخاذ أي إجراءات.
وتقول المحكمة رداً على ذلك أنها لا تستطيع التدخل إلا عندما تكون السلطات المحلية غير قادرة أو غير راغبة في ملاحقة المتهمين قضائياً. وتقول أيضاً أنها، في كثير من القضايا التي لا تزال قيد الاستعراض، تعكف على تقييم ما إذا كان الجناة المزعومون يُلاحقون من قبل السلطات في بلدانهم".
ففي ليبيا، على سبيل المثال، يواجه عبد الله السنوسي، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية وزوج شقيقة زوجة القذافي، إتهاماً بارتكاب جرائم في سجن أبو سليم، بما في ذلك تدبير مذبحة راح ضحيتها أكثر من 1,200 سجين في عام 1996. وقرر قضاة المحكمة الجنائية الدولية في أكتوبر الماضي أنه يمكن أن يحاكم في طرابلس لأن ليبيا قادرة وراغبة في تنفيذ تحقيقاتها الخاصة.
من جهتها، قالت باربون من منظمة لا سلام بدون عدل: "لا أعتقد أن مبدأ التكامل ناجح، وعندما تكون هناك إجراءات حقيقية، تبين المحكمة أنها على استعداد للعمل مع البلدان من أجل معرفة ما إذا كان القضاء الوطني يستطيع أن يتولى المهمة. في كينيا، لم يكن هذا الاحتمال متاحاً لنا، لأنه لم تكن هناك أية تحقيقات أو ملاحقات للناس الذين كانوا يتحملون معظم المسؤولية".
وفي سياق متصل، يعترف غولدستون بأنه يتطلع إلى رؤية المحكمة الجنائية الدولية تنظر قضايا خارج أفريقيا، لكنه يشك في أن يؤدي ذلك إلى تغيير يُذكر في علاقاتها مع الاتحاد الأفريقي. وأكد أنه "إذا تعاونت كولومبيا أو أفغانستان فجأة غداً، فإن ذلك لن يحدث تحولاً كبيراً ولن يأتي دعم كبير مفاجئ من الاتحاد الأفريقي".
مسألة سياسية
لكنه أضاف أن "المشكلة الحقيقية تكمن في مجلس الأمن. ولا يوجد سبب حقيقي يمنع نظر قضايا سوريا وسريلانكا أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولكن هذه هي سياسة مجلس الأمن، والمحكمة مضطرة لقبولها".
وقال لاموني من التحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية: "ينبغي على القادة السياسيين في أفريقيا الضغط على أولئك الذين لديهم القدرة على بذل المزيد من الجهد في هذه الحالات، مثل مجلس الأمن، بدلاً من التحجج بأن عدم إجراء تحقيقات في تلك القضايا يحتم عدم إجراء تحقيقات في أي مكان آخر".
ويصر مراقبو المحكمة، مثل إليزابيث إيفنسون، وهي محامية بارزة في برنامج العدالة الدولية في هيومان رايتس ووتش، على أن المحكمة الجنائية الدولية تستجيب، مستشهدة بالقرار الذي اتخذه القضاة بأن روتو ليس مضطراً لحضور الغالبية العظمى من جلسات محاكمته. وتقول أن المحكمة الجنائية الدولية لن تنجح إلا عن طريق تجاهل السياسة والقيام بعملها.
وأضافت إيفنسون أن "الاستنتاج هنا يجب أن لا يكون أنه عندما لا تحصل المحكمة على الدعم اللازم لنظر القضايا المرفوعة ضد متهمين رفيعي المستوى في البلدان القادرة على شن هجوم سياسي، فإنها تتراجع وتنظر قضايا المستوى الأدنى فقط. بل يجب أن يكون الاستنتاج أن ولاية المحكمة الجنائية الدولية هي أن تنظر هذه القضايا الكبيرة وكيفية تحقيق ذلك".
وفي جلسة تحضيرية يوم 5 فبراير، واصل محامو الرئيس كينياتا الضغط على المحكمة الجنائية الدولية لشطب قضيته، التي كان من المفترض أن تبدأ في 5 فبراير، لكنها تأجلت للمرة الرابعة في الشهر الماضي. وقال ممثلو الادعاء أن أحد الشهود قد انسحب وطلبوا المزيد من الوقت لجمع الأدلة.
وتعكف الآن فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية على تحديد ما إذا كان ينبغي المضي قدماً في القضية ضد كينياتا، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تشمل التحريض على القتل والترحيل أو النقل القسري والاغتصاب والاضطهاد وأفعال لا إنسانية أخرى خلال أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات الكينية في عامي 2007 و2008.
وتجدر الإشارة إلى أنه في البداية، كان هناك ستة رجال متهمين في القضية التي تنظرها حالياً المحكمة الجنائية الدولية، التي يقع مقرها في لاهاي، ولكن الآن لم يتبق سوى ثلاثة فقط، هم كينياتا ونائب الرئيس الكيني وليام روتو، والشخصية الإذاعية السابقة جوشوا أراب سانغ.
وقالت بنسودا في يناير أن أحد الشهود الرئيسيين للادعاء لا يرغب الآن في الإدلاء بشهادته وأن شاهداً آخر قد اعترف بتقديم أدلة كاذبة.
دعوات لشطب القضية
وقد ساهمت الضغوط المكثفة من جانب كينيا وحلفائها - مثل رواندا - على المحكمة الجنائية الدولية لشطب القضية في توتر العلاقات بين الاتحاد الأفريقي والمحكمة الجنائية الدولية. وفي أكتوبر 2013، دعا الاتحاد الأفريقي إلى منح رؤساء الدول الحاليين حصانة من الملاحقة القضائية، وهدد بالانسحاب الجماعي من المحكمة الجنائية الدولية.
وطالب الاتحاد أيضاً بتأجيل القضية ضد روتو، وكذلك قضية المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير. وأكدت ستيلا نديرانغو، مديرة برامج القسم الكيني في لجنة الحقوقيين الدولية، أن "الاتحاد الأفريقي سيهدأ إذا توقف سير القضية [ضد كينيا]. هذا هو الواقع".
ولم يكن المزاج أكثر ميلاً للتصالح خلال قمة الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، في أواخر يناير الماضي. فقد عبر البيان الختامي للقمة عن "خيبة أمل" من استمرار القضية ضد كينيا، وحث أعضاء المحكمة الجنائية الدولية الأفارقة على "الامتثال لقرارات الاتحاد الأفريقي بشأن المحكمة الجنائية الدولية والاستمرار في التحدث بصوت واحد".
وقال ستيفن لاموني، كبير المستشارين في قضايا الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والمواقف الأفريقية في التحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية، أن انهيار قضية كينياتا من المحتمل أن يحسن العلاقات بين أفريقيا والمحكمة.
وأضاف لاموني، الذي حضر القمة يومي 30 و31 يناير لحشد الدعم للمحكمة الجنائية الدولية أن "كينياتا تأكد من إضافة قضيته إلى جدول أعمال الاتحاد الأفريقي. وأعتقد أنه طالما استمر نظر قضية كينياتا أمام المحكمة الجنائية الدولية، سيستمر هذا التوتر بين المحكمة وأفريقيا".
وفي السياق نفسه، تأمل غريتا باربون، كبيرة الباحثين في برنامج العدالة الجنائية الدولية في المنظمة الدولية غير الربحية لا سلام بدون عدالة، في أن تمضي القضية قدماً. وقالت أن "العلاقات مع الاتحاد الأفريقي تتأثر كثيراً بقضيتي كينياتا وروتو، لكني آمل حقاً أن تستمر هاتان القضيتان، لأن أفضل شيء بالنسبة لكينيا سيكون إجراء محاكمات عادلة وتحقيق العدالة لضحايا أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات".
من جانبه، عبر ريتشارد غولدستون، وهو قاض من جنوب أفريقيا ومدعي عام سابق في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، عن اعتقاده بأن المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن يُنظر إليها على أنها ضعيفة إذا انهارت قضية كينياتا، ولكن إذا حدث ذلك بسبب ترهيب الشهود، لا يمكن لوم المحكمة الجنائية الدولية، لاسيما مكتب المدعي العام".
كان مكتب المدعي العام على حق عندما طلب تأجيل القضية، وفقاً لباربون، لأن المضي قدماً بدون أدلة كافية سيكون استراتيجية محفوفة بالمخاطر. وأضافت أن "هذه ليست القضية الأولى التي واجه فيها المدعي العام تحديات تتعلق بالشهود في كينيا، وكان القرار السليم هو طلب المزيد من الوقت".
وأضافت نديرانغو قائلة: "يمكن عمل المزيد من قبل مكتب المدعي العام. إنهم بحاجة إلى إثبات الجدية من حيث كيفية إدارتهم لهذه القضايا. إنهم يسمحون لكل هذه السلطة والخدع التي تم تنظيمها من قبل اوهورو وروتو بالتنمر عليهم... إن الطريقة التي تسير بها هذه القضايا تجعل الشك يساورك حتى في أن العنف الذي أعقب الانتخابات قد حدث بالفعل".
ساخنة وباردة
وقد بدأت العلاقات بشكل جيد بين أفريقيا والمحكمة الجنائية الدولية، التي تأسست في عام 2002. فقد دعت حكومات جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي وأوغندا المحكمة للتحقيق في جرائم وقعت في بلدانها. وبدأ المدعي العام السابق لويس مورينو اوكامبو ينظر في قضايا في كينيا وساحل العاج وأحال إليه مجلس الأمن قضايا في ليبيا والسودان.
ولكن بحلول عام 2009 - عندما تم توجيه اتهام للرئيس البشير بارتكاب جرائم حرب في دارفور - توترت العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الأفريقي. وشكا رئيس الاتحاد الأفريقي جون بينغ من أن جميع لوائح الاتهام كانت ضد أفارقة واتهم مسؤولي المحكمة بأنهم يمثلون الاستعمار الجديد. كما أدى إصدار مذكرة توقيف بحق الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في 2011 إلى تعزيز المقاومة الأفريقية.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أرجع غولدستون التغيير إلى السياسة، قائلاً: "عندما لم يتم توجيه [اتهامات] إلى القادة، كان هناك تأييد كامل. وبمجرد أن بدأ استهداف القادة، تغيرت سياسة الاتحاد الأفريقي، وذلك بسبب الأشخاص الذين يديرونه. ما يثلج الصدر هو أن كل التهديدات بالانسحاب لم تتحقق بعد".
"ويبدو أيضاً أن هناك انفصال بين القادة الذين يحمون أنفسهم والضحايا الذين يريدون أن يروا العدالة تتحقق،" كما أضاف.
لكن المحكمة الجنائية الدولية أعطت الذخيرة لمنتقديها أيضاً. فقد أصدرت حكماً واحداً فقط حتى الآن، هو إدانة زعيم الميليشيا الكونغولي توماس لوبانغا - وهي قضية أوشكت على الانهيار عدة مرات. وفي عام 2012، برأت ساحة ماثيو نغودجولو تشوي، الذي قاتل ضد لوبانغا خلال الصراع في شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ومن الجدير بالذكر أن ضعف التحقيقات، فضلاً عن التأثير على الشهود، وعدم تعاون الحكومات وعوامل أخرى كانت بمثابة حجر عثرة. وقد فشلت بعض القضايا في تخطي المرحلة الأولى من الإجراءات، وهي جلسة إقرار التهم.
وأوضح غولدستون أن الإعداد لبعض القضايا يأخذ وقتاً أطول مما ينبغي. وأضاف أن "المحكمة تسير بوتيرة بطيئة، والقضاة يعملون ببطء شديد، وليس هناك سبب في أن يستغرق صدور الأحكام عدة شهور".
وقد بدأت محاكمة لوبانغا في يناير 2009، وصدر الحكم في مارس 2012. وبدأ نظر قضية جيرمين كاتانغا، الذي حوكم أصلاً مع نغودجولو تشوي بتهمة ارتكاب جرائم في جمهورية الكونغو الديمقراطية قبل فصل القضيتين، في نوفمبر 2009، وتم تأجيل النطق بالحكم من فبراير إلى مارس 2014. وبدأت القضية المرفوعة ضد جون بيير بيمبا، نائب رئيس الكونغو السابق، في نوفمبر 2010، لكن الدفاع لم ينته من عرض قضيته حتى نوفمبر الماضي.
التركيز على أفريقيا
وقد أزعج التركيز على جرائم الحرب والمتهمين بارتكابها في أفريقيا بعض الأطراف، الذين يشيرون إلى أن تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في دول مثل أفغانستان وكولومبيا مستمرة منذ سنوات دون اتخاذ أي إجراءات.
وتقول المحكمة رداً على ذلك أنها لا تستطيع التدخل إلا عندما تكون السلطات المحلية غير قادرة أو غير راغبة في ملاحقة المتهمين قضائياً. وتقول أيضاً أنها، في كثير من القضايا التي لا تزال قيد الاستعراض، تعكف على تقييم ما إذا كان الجناة المزعومون يُلاحقون من قبل السلطات في بلدانهم".
ففي ليبيا، على سبيل المثال، يواجه عبد الله السنوسي، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية وزوج شقيقة زوجة القذافي، إتهاماً بارتكاب جرائم في سجن أبو سليم، بما في ذلك تدبير مذبحة راح ضحيتها أكثر من 1,200 سجين في عام 1996. وقرر قضاة المحكمة الجنائية الدولية في أكتوبر الماضي أنه يمكن أن يحاكم في طرابلس لأن ليبيا قادرة وراغبة في تنفيذ تحقيقاتها الخاصة.
من جهتها، قالت باربون من منظمة لا سلام بدون عدل: "لا أعتقد أن مبدأ التكامل ناجح، وعندما تكون هناك إجراءات حقيقية، تبين المحكمة أنها على استعداد للعمل مع البلدان من أجل معرفة ما إذا كان القضاء الوطني يستطيع أن يتولى المهمة. في كينيا، لم يكن هذا الاحتمال متاحاً لنا، لأنه لم تكن هناك أية تحقيقات أو ملاحقات للناس الذين كانوا يتحملون معظم المسؤولية".
وفي سياق متصل، يعترف غولدستون بأنه يتطلع إلى رؤية المحكمة الجنائية الدولية تنظر قضايا خارج أفريقيا، لكنه يشك في أن يؤدي ذلك إلى تغيير يُذكر في علاقاتها مع الاتحاد الأفريقي. وأكد أنه "إذا تعاونت كولومبيا أو أفغانستان فجأة غداً، فإن ذلك لن يحدث تحولاً كبيراً ولن يأتي دعم كبير مفاجئ من الاتحاد الأفريقي".
مسألة سياسية
لكنه أضاف أن "المشكلة الحقيقية تكمن في مجلس الأمن. ولا يوجد سبب حقيقي يمنع نظر قضايا سوريا وسريلانكا أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولكن هذه هي سياسة مجلس الأمن، والمحكمة مضطرة لقبولها".
وقال لاموني من التحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية: "ينبغي على القادة السياسيين في أفريقيا الضغط على أولئك الذين لديهم القدرة على بذل المزيد من الجهد في هذه الحالات، مثل مجلس الأمن، بدلاً من التحجج بأن عدم إجراء تحقيقات في تلك القضايا يحتم عدم إجراء تحقيقات في أي مكان آخر".
ويصر مراقبو المحكمة، مثل إليزابيث إيفنسون، وهي محامية بارزة في برنامج العدالة الدولية في هيومان رايتس ووتش، على أن المحكمة الجنائية الدولية تستجيب، مستشهدة بالقرار الذي اتخذه القضاة بأن روتو ليس مضطراً لحضور الغالبية العظمى من جلسات محاكمته. وتقول أن المحكمة الجنائية الدولية لن تنجح إلا عن طريق تجاهل السياسة والقيام بعملها.
وأضافت إيفنسون أن "الاستنتاج هنا يجب أن لا يكون أنه عندما لا تحصل المحكمة على الدعم اللازم لنظر القضايا المرفوعة ضد متهمين رفيعي المستوى في البلدان القادرة على شن هجوم سياسي، فإنها تتراجع وتنظر قضايا المستوى الأدنى فقط. بل يجب أن يكون الاستنتاج أن ولاية المحكمة الجنائية الدولية هي أن تنظر هذه القضايا الكبيرة وكيفية تحقيق ذلك".
المحكمة الجنائية الدولية ما بين مؤيد ومعارض |
مؤيد بوتسوانا هي أقوى مؤيد للمحكمة في القارة الأفريقية، وترفض دعم قرارات الاتحاد الأفريقي ضد المحكمة الجنائية الدولية. وقد أدلى الرئيس ايان خاما بتصريح رسمي قال فيه أن ضحايا جرائم الحرب بحاجة إلى العدالة. وقد أبدت دول غرب أفريقيا أيضاً بعض الدعم، ويُقال أن ساحل العاج ومالي والسنغال تشعر بغضب إزاء تكتيكات لي الذراع التي تتبعها كينيا داخل الاتحاد الأفريقي. معارض تقود رواندا الهجوم ضد المحكمة الجنائية الدولية وتنتقدها بشدة، وقد وصفها الرئيس بول كاغاميه بالاحتيالية. مع ذلك، فقد سهلت رواندا نقل المتهم بوسكو نتاغاندا إلى المحكمة في لاهاي. وافق البرلمان الكيني على الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية؛ وفي الوقت نفسه، يقود كينياتا وروتو حملة قوية لتشويه سمعة المحكمة. وقد زعمت المحكمة الجنائية الدولية أن كينيا ترهب الشهود ولا تتعاون معها. استقبل الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني بحماس خبر فتح المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية أوكامبو لأول قضية ضد جيش الرب للمقاومة المتمرد في عام 2004. ولكن منذ ذلك الحين، تدهورت العلاقات وأصبح موسيفيني الآن واحداً من أشد نقاد المحكمة. الرئيس السوداني عمر البشير ليس من المعجبين بالمحكمة الجنائية الدولية، وهذا ليس بمستغرب لأنه مطلوب من قبل المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. دعمت جنوب أفريقيا في السابق المحكمة الجنائية الدولية، ونصحت البشير بعدم حضور تنصيب الرئيس جاكوب زوما، وألمحت إلى أنه قد يتعرض للاعتقال إذا جاء. مع ذلك، فقد تغير الزمن وأصبحت الآن تدعم كينيا بقوة. على الحياد لا يزال موقف نيجيريا غير محدد. فقد تعاونت مع تحقيق المحكمة الجنائية الدولية الجاري في جرائم جماعة بوكو حرام، ولكن المراقبين يشكون في استمرار حسن النوايا إذا استهدف المدعي العام القوات الحكومية. |