استمرار عمليات الهدم في القدس الشرقية رغم أزمة السكن



القدس, إيرين
يضيف التهديد بهدم مبان سكنية في القدس الشرقية ضغوطاً جديدة على أزمة السكن في المدينة، حيث يواجه المئات من الأشخاص احتمال فقدان منازلهم، في الوقت الذي يقول فيه السكان الفلسطينيون أنهم يتعرضون للتمييز خلال عملية التخطيط للمدينة.


وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية بناء الجدار الفاصل منذ عقد من الزمن، كثيراً ما كان الفلسطينيون الأكثر فقراً من سكان القدس الشرقية يختارون الانتقال إلى جانب الجدار الواقع في الضفة الغربية.

وفي أواخر عام 2013، استصدرت السلطات الإسرائيلية أوامر من إحدى المحاكم تفيد بأن عدداً من المباني في رأس شحادة ورأس خميس - وهما من الأحياء الفلسطينية الواقعة داخل حدود بلدية القدس ولكن يفصلها الجدار العازل - مهددة بالهدم لأنها بُنيت من دون تراخيص.

وقال شادي البالغ من العمر 26 عاماً والذي يملك شقة مهددة بالهدم في رأس خميس: "نظراً لكل ما يحدث هنا، أحاول أن أبيع المنزل. إذا جاء شخص الآن ودفع 150,000 شيكل (43,000 دولار) نقداً [سأوافق على البيع] وأخرج من هنا".

الضغط الاقتصادي

ولأن العديد من السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية يفضلون العيش على الجانب الإسرائيلي من الجدار - غالباً للحصول على فرص التعليم والرعاية الصحية والوظائف - فقد ارتفع الطلب على المساكن هناك، لكن القيود الشديدة التي تفرضها بلدية القدس على البناء في الأحياء الفلسطينية التي تقع داخل الجدار تتسبب في نقص المعروض من المساكن وارتفاع هائل في أسعارها في القدس الشرقية.

وفي سياق متصل، غضت السلطات الإسرائيلية الطرف عن البناء في الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية التي تقع خلف الجدار الفاصل لفترة طويلة، ولكن هذه المناطق غير مخططة وتعاني من نقص في البنية التحتية والخدمات العامة، وعدم كفاية جمع القمامة، بالإضافة إلى نقص في المياه والكهرباء.

وعلى الرغم من ذلك، تمتلك هذه الأحياء ميزة كبيرة تجتذب السكان، وهي أن المنازل هناك أرخص من تلك الكائنة على الجانب الإسرائيلي من الجدار. ولأنها لا تزال ضمن حدود المدينة، يمكن لهذه المجموعة من سكان القدس الحصول على هويات إسرائيلية أيضاً لأنهم من دونها يصبحون عديمي الجنسية.

وأوضح شادي أنه في حين تتراوح أسعار المنازل بين 500,000 و600,000 شيكل (143,000 إلى 172,000 دولار) في شعفاط وبيت حنينا، وهما من الأحياء المرغوبة بشدة في القدس الشرقية الفلسطينية على الجانب الغربي من الجدار، إلا أن ثمن شقته التي تقع في رأس خميس لا يتعدى 120,000 شيكل (34,000 دولار).

وقد انتشرت أبراج الشقق الرخيصة في جميع أحياء القدس الشرقية الفلسطينية التي تقع خارج الجدار.


نظراً لكل ما يحدث هنا، أحاول أن أبيع المنزل
"هنا، عليك أن تدفع 50,000 [شيكل] نقداً، ومن ثم 2,000 [شيكل] كل شهر لمدة أربع سنوات. أما هناك، [على الجانب الإسرائيلي من الجدار]، فيدفع المرء ما بين 6,000 و7,000 [شيكل] شهرياً [كإيجار]،" كما أوضح شادي العاطل عن العمل في الوقت الحالي، مضيفاً أنه عندما يعمل يصل أجره إلى حوالي 5,000 شيكل في الشهر، أي ما يزيد قليلاً عن الحد الأدنى للأجور في إسرائيل.

سياسات التخطيط

وقالت ناشطة محلية خلال حوار مع وكالة معاً الإخبارية الفلسطينية أن حوالي 15,000 شخص قد يفقدون منازلهم إذا نفذت إسرائيل مخطط الهدم في رأس خميس ورأس شحادة. ولكن تقديرات معظم المنظمات غير الحكومية تشير إلى أعداد أقل من ذلك بكثير؛ وترى ساري كرونيش من المنظمة غير الحكومية الإسرائيلية "بمكوم - مخططون من أجل حقوق التخطيط" أن العدد الذي يواجه خطر التشريد يتراوح بين عدة مئات و 1,500شخص.

مع ذلك، أفادت كرونيش أن "عدد الوحدات السكنية المشيدة من دون ترخيص أكبر من [عدد الوحدات التي] تلقت أوامر هدم حتى الآن"، مما يجعل من الصعب معرفة العدد النهائي للمتضررين.

ويؤكد ناشطون أن أوامر الهدم - وكذلك السياسات التي تمنع الفلسطينيين من الحصول على تراخيص بناء في المقام الأول - تنبع من المحاولات الإسرائيلية للحفاظ على التركيبة السكانية الخاصة في القدس. وأشارت كرونيش إلى أن إسرائيل أعادت رسم الحدود البلدية بعد أن احتلت القدس الشرقية في عام 1967، مضيفة أن المبدأ التوجيهي للحدود الجديدة كان "إضافة أكبر قدر ممكن من الأراضي وأقل عدد ممكن من [الفلسطينيين]"؛ وبالتالي أصبحت النسبة الجديدة لليهود الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين في القدس 30:70.

"ومنذ ذلك الحين، اتخذت حكومات إسرائيلية مختلفة قرارات تجعل التخطيط يحافظ على هذه النسبة،" كما أوضحت كرونيش. وتتم ترجمة هذا إلى سياسات تشجع على توسيع الأحياء اليهودية ولكنها تحد من نمو المناطق الفلسطينية.

وقالت كرونيش في تفسيرها لتلك السياسات: "إنها مثل النزوح السلبي. لم يتم تخطيط الأحياء الفلسطينية على نحو كاف قط. تم تخطيط بعضها، ولكنه كان تخطيطاً مقيداً". وعلى سبيل المثال، تشمل المخططات الإسرائيلية للأحياء الفلسطينية في كثير من الأحيان تخصيص الأراضي التي تضم بالفعل المنازل وغيرها من المباني لأغراض سكنية. وأضافت كرونيش أن المفارقة تتمثل في "استبعاد حتى المنازل الموجودة بالفعل من خطة تخصيص المناطق السكنية في بعض الأحيان".

وغالباً ما تركز الخطط الإسرائيلية على وجود مساحات خضراء في المناطق الفلسطينية، بغض النظر عن احتياجات السكان أو كيفية استخدامهم للأرض.

كما يعامل الإسرائيليون الأحياء الفلسطينية على أنها "ريفية" على الرغم من تحولها إلى مناطق حضرية على نحو متزايد، وذلك لأن حقوق البناء في المناطق الريفية محدودة وتشمل فرض قيود على كل من عرض وارتفاع المباني. ولا تواكب المخططات في تلك المناطق النمو السكاني الفلسطيني.

وتجعل هذه السياسات مجتمعة عدد تراخيص البناء قليل جداً في الأحياء الفلسطينية. وحتى الأشخاص القلائل الذين يحصلون على تراخيص بناء يتعين عليهم دفع ضرائب ورسوم بلدية هائلة مرتبطة بتلك التراخيص - وهي نفقات تفوق بكثير قدرات معظم سكان القدس الشرقية - مما يساهم في استمرار تدفق الناس إلى المناطق التي تقع خارج الجدار.

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت بلدية القدس أن المناطق الفلسطينية في المدينة قد أُهملت تاريخياً، لكنها استثمرت 3 مليون شيكل في إعادة تقسيم أحياء القدس الشرقية في عام 2011 وحده.

وقال متحدث باسم البلدية في بيان مكتوب: "خلال ولاية رئيس البلدية نير بركات، بذلت بلدية القدس جهوداً كبيرة لتحسين جودة حياة السكان العرب في المدينة. ويهدف رئيس البلدية بركات إلى سد الفجوة التي تعمقت بسبب عقود من الإهمال في أجزاء من المدينة".

وعلى الرغم من أن السياسات الإسرائيلية تدفع الفلسطينيين إلى الانتقال إلى جانب الجدار العازل الكائن في الضفة الغربية، إلا أن تلك الحركة لا تغير التوازن الديموغرافي العام في المدينة. لكن بعض سكان رأس خميس يعتقدون أنه سيتم تسليم مناطق القدس التي تقع خلف الجدار إلى السلطة الفلسطينية في نهاية المطاف.

مخاوف أمنية

وتعتبر أزمة السكن في القدس والتهديدات الإسرائيلية بهدم المباني في رأس خميس "جزءاً من السياسة"، حسب اعتقاد رياض جولاني، الذي يبلغ من العمر 40 عاماً، وهو أحد المقيمين الآخرين الذين يواجهون احتمال تعرض منزلهم للهدم.

وقال جولاني أن "[الإسرائيليين] حولوا هذا المكان إلى غابة. لا يوجد أمن هنا". ويشكو هو وغيره من المقيمين من انتشار تجارة المخدرات وتعاطيها في ذلك الحي ومن أن السلطات الإسرائيلية تفضل عدم التدخل.

"لدينا أطفال هنا، لا تزيد أعمارهم عن 14 أو 15 عاماً يتعاطون المخدرات أمام الشرطة... يمكننا أن نجرب ذلك. يمكننا أن نضع شيئاً يشبه المخدرات في أكياس ونذهب إلى نقطة تفتيش [شعفاط]، وأن نخرج المال أمام الجنود، ولكن هل سيأتون إلي أو إليك؟ لا، لأنهم لا يهتمون. إنهم لا يكترثون بما يصيب العرب".

كما أبلغ السكان أنه كثيراً ما تتعرض المنازل والشركات للسرقة، ولكن الشرطة الإسرائيلية لا تأتي للمساعدة.

ويعيش سعد أبو عصب البالغ من العمر 58 عاماً في نفس المبنى الذي يقيم به جولاني، ويقول أنه يفضل رأس خميس على الشقة التي كان يستأجرها في مدينة القدس القديمة، حيث كان يعيش مع زوجته وأطفالهما الخمسة في غرفة واحدة.

وتذكر أنهم كانوا يقولون لبعضهم: "هلا أسديت لي معروفاً، أريد أن أدخل، تحرك قليلاً، لا بد أن أذهب إلى الحمام". وأضاف بعد تفكير في وضعه الحالي قائلاً: "يتحدث الإسرائيليون الآن عن الهدم هنا، ولكن لماذا يدعون [الإسرائيليين اليهود] يبنون المساكن في [المستوطنة الإسرائيلية] بيزغات زئيف ولا يسمحون [لنا] بالبناء هنا؟"

مع ذلك، وحتى في ظل هذا التهديد بالهدم الذي يلوح في الأفق، لا يزال ازدهار قطاع الإسكان خارج الجدار العازل مستمراً.