تقارير (انسانية) لبنان.
قبل عامين، عندما بدأ تدفق اللاجئين السوريين عبر الحدود، فتحت العائلات اللبنانية منازلها لهم. لكن خلافاً لما يحدث في الأردن وتركيا والعراق، حيث يتم إيواء مئات الآلاف من اللاجئين في المخيمات، استضافت الأسر اللبنانية غالبية اللاجئين في بداية تدفقهم إلى البلاد، بل أن بعضها استضاف ما يصل إلى 6 عائلات لاجئة. ولكن مع طول أمد الصراع الدائر في سوريا وزيادة عدد اللاجئين في لبنان، تضاعف العبء على مضيفيهم اللبنانيين.
|
واليوم، يوجد أكثر من 425,000 لاجئ سوري في لبنان يستأجرون المنازل أو الشقق بينما تستضيف الأسر اللبنانية 6 بالمائة منهم فقط، وفقاً لمسح أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وقد قضت مراسلة شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) يوماً مع أسرة لبنانية مضيفة، لتقدم هذه الصورة لعائلة تحاول تحقيق التوازن بين الواجب والتضحية.
جمعت سلسلة من التحولات المصيرية بين هاتين العائلتين - اللبنانية والسورية – اللتين لم يعرف أفرادهما بعضهما البعض من قبل.
التقت العائلتان قبل 15 عاماً عندما تقاسمتا سيارة أجرة على الطريق إلى سوريا، حيث اعتادت العائلة اللبنانية التسوق لشراء منتجات أرخص. فجمعت الصداقة بينهما وأخذتا تلتقيان مرة واحدة أو مرتين كل عام في سوريا منذ ذلك الحين.
وعندما بدأت اسرائيل قصف لبنان في عام 2006، خلال الحرب مع حزب الله اللبناني، فرت العائلة اللبنانية إلى سوريا، حيث استضافهم أصدقاؤهم الجدد لمدة شهر كامل.
لكن بعد ست سنوات، تبدلت الأحوال.
في صباح يوم خميس مشمس، تعد حنان إفطاراً لبنانياً بسيطاً يتكون من الخبز والخضروات للضيوف في قرية سعدنايل السنية الصغيرة، التي تقع في وادي البقاع في شرق لبنان.
تجلس هدى، 7 سنوات، وبسيمة، 14 عاماً، وجديهما صديقة ومحمد على أرضية غرفة المعيشة، استعداداً لتناول الطعام.
تستضيف حنان الأسرة المكونة من سبعة لاجئين سوريين في بيتها المتواضع المكون من غرفتي نوم منذ 7 أشهر. خرج والدا الطفلين، فادية وحسام، منذ الصباح الباكر، مثل كل يوم، للبحث عن فرصة عمل في المدن المحيطة بالقرية في وادي البقاع. أما طفلهما الثالث، كمال البالغ من العمر 10 سنوات، فقد ذهب لجلب الماء من الخارج.
عندما تعرض حيهم قرب العاصمة السورية دمشق للقصف في ديسمبر 2012، اتصلت فادية وحسام بالأشخاص الوحيدين الذين يعرفانهم في لبنان، فاستجابت حنان على الفور.
وعن ذلك قالت: "إنه لأمر مؤسف. لم يكن لديهم مكان يذهبون إليه. لم أستطع أن أرفض. فرفض مساعدتهم يعد إثماً".
لدى علي، زوج حنان، زوجة ثانية، ولذلك ينام في المنزل مرة كل يومين، ولم يعد أطفالهم الخمسة يقيمون فى هذا المنزل أيضاً. أعطت حنان غرفة نومها للزوجين السوريين الشابين، بينما تتقاسم هي الغرفة الثانية مع الجدين والأطفال الثلاثة.
تقضي صباحها مع الجدين، وتقطع دردشتهما كل خمس دقائق لجمع الغسيل المعلق على حبل الغسيل، وإعداد القهوة، ورعاية الحديقة، ومراقبة الأطفال اللاجئين الذين يلعبون في الحقل المجاور (وصلوا إلى لبنان بعد موعد التسجيل في المدرسة).
يساعد الجميع في القيام بالمهام المنزلية، حتى صديقة، التي تعاني من التهاب المفاصل وآلام الساق. تساعد فادية في الطهي والتنظيف بعد عودتها من رحلة البحث عن عمل. ولكن بالنسبة لحنان، هذا هو الجزء السهل من العمل، حيث همست قائلة: "اعتدت على طهي الكثير من الطعام لضيوفي، ولذلك لا أمانع الطهي لعشرة أشخاص. الجانب اللوجستي ليس صعباً، بل الجانب المالي. نحن نكافح للحصول على طعام يكفي الجميع".
نفدت أموال الأسرة السورية، ولذلك تعيش حنان وزوجها وضيوفها السبعة على المال القليل الذي يتقاضاه زوجها كمعاش، ومن تأجير حظيرة الخيول الخاصة بهما، ومن الثوم الذي يزرعانه في الفناء الخلفي، والذي يقايضانه بالخضروات.
لقد توقفوا عن تناول اللحوم تماماً تقريباً، ولم تعد حنان وزوجها يشتريان ملابس أو أشياء جديدة للبيت.
وقالت حنان: "لا أريد أن أقول لهم أن الوضع صعب، لأنني أخشى الله. في عام 2006، عندما مكثت في دارهم كان الأمر مختلفاً، فقد مكثت مع الجدين لمدة شهر واحد فقط".
في حوالي منتصف النهار، يبدأ الضيوف في الوصول. يأتي الجيران أولاً، ثم أصدقاء ابن حنان الذين يدخنون الشيشة، وبعضهم جنود لبنانيون؛ ثم صديقاتها هي. يقضون الوقت تحت ظلال الأشجار في الحديقة، وتدفق القهوة لا ينقطع. ولا تتوقف مثل هذه الزيارات حتى وقت متأخر من فترة بعد الظهيرة.
يدردش الجميع حول كل شيء ولا شيء، وعندما يتطرق النقاش إلى الوضع في سوريا، تقفز حنان من مقعدها وتختفي داخل المنزل، وتبحث عن مهمة جديدة تشغل بها وقتها. يبدو أن المناقشات تشعرها بعدم الارتياح، ولكنها لا تعترف بذلك. لقد سئمت تلك المحادثات على أقل تقدير، ولمحت إلى ذلك قائلة: "إنهم يقضون النهار بأكمله في الحديث عن سوريا".
في الثانية ظهراً، تصل الحافلة المدرسية التي تقل أطفال الجيران، الذين ينضمون إلى الأطفال السوريين ويطاردون بعضهم البعض في جميع أنحاء الحقل. وبعد وقت قصير من وصولهم، تعود فادية بعد ساعات من البحث عن وظيفة. وتقول إنها لا تستطيع أن تستقل الحافلة كل يوم، وفي بعض الأحيان تمشى لعدة كيلومترات.
تطمئن على أولادها، ثم تذهب فوراً لمساعدة حنان في المهام اليومية. وبعد قليل يصل زائر جديد.
جاء ممثل محلي للحزب السياسي السني تيار المستقبل (الذي يوزع قسائم الغذاء في بعض الأحيان على اللاجئين السوريين، لكنه لم يحضر أياً منها هذه المرة).
وأفاد أنور شوباص قائلاً: "إنهم محظوظون لأنهم وجدوا عائلة مضيفة. هناك الكثير من اللاجئين السوريين الذين لا يملكون شيئاً، ولا حتى سقف فوق رؤوسهم".
اندهشت فادية قليلاً من زيارته وحاولت الابتعاد عنه. لقد حاولت الإبقاء على وجود عائلتها سراً قدر الإمكان - ربما لخوفها من الاستياء المتزايد تجاه اللاجئين في لبنان. وهي لا تصرح أبداً بآرائها حول الأمور السياسية.
قال شوباص أن "سعدنايل كانت دائماً مجتمعاً مضيافاً، ولكنني الآن أشعر بتنامي العنصرية. يعاني الكثير من اللبنانيين من صعوبة الأوضاع ولا يحصلون على أي مساعدة. إن الوضع [هنا] ليس سيئاً كما هو الحال في بعض القرى، حيث تم فرض حظر تجول على السوريين، ولكن الناس بدؤوا يفقدون الصبر".
ولا يبدو أن هذه العائلة اللبنانية المضيفة تمثل استثناءً.
ربما تكون حنان تخشى الله، ولكن زوجها علي لا يتردد في التحدث عن استيائه علناً عندما يعود للمنزل في وقت لاحق من فترة ما بعد الظهر، حيث قال: "عندما أنام هنا، أضطر إلى النوم على الأريكة في غرفة المعيشة. أريد أن أنام في نفس السرير مع زوجتي مرة أخرى. إذا استمر هذا الوضع لأكثر من شهرين آخرين، سوف أقيم خيمة للأسرة في الحديقة. وإذا كانوا سيمكثون لفترة طويلة، سوف أبني لهم بيتاً دائماً".
ثم توقف قليلاً للتمعن في الأمر.
وأضاف: "بالطبع ينبغي علينا مساعدتهم، وكما يقول المثل العربي: 'أحسن إلي قيراطاً أحسن إليك قيراطين'. ولكننا سنحتاج إلى خصوصيتنا في مرحلة ما".
بحلول الرابعة والنصف مساءً، يبدأ الضيوف في المغادرة. لا يزال الأب السوري، حسام، خارج المنزل، وزوجته تأمل أن يكون سبب التأخير عثوره على وظيفة.
وبينما يأخذ الجد محمد قيلولة في غرفة المعيشة، تتناول فادية وحنان الغداء معاً. ولاستيعاب التدفق المستمر من الزوار، ينبغي عليهم تناول الطعام على فترتين. اليوم، ستتناول النساء الطعام أولاً. عادة ما يأكلون مع الرجال، ولكن هذا التغيير في الظروف يجعلهما تضحكان. وتقول فادية أن "التقاليد الدمشقية القديمة تحتم أن يأكل الرجال قبل النساء. والآن نفعل العكس".
وبينما لا تبدو فادية وحنان مرتاحتان لحديث بعض الزوار عن السياسة، فإن المناخ السائد أثناء الغداء أكثر استرخاءً.
يعود حسام في نهاية المطاف، ولكنه لا يزال بدون عمل. إنه محبط، ولكنه يخفي شعوره.
وقال: "إنني أبحث عن وظيفة منذ خمسة أشهر وحتى الآن لم أجد أي شيء. إن معدل البطالة مرتفع في هذه المنطقة، وهم يعطون اللبنانيين أولوية في العمل قبل التعاقد مع السوريين ... يمكنني أن أقوم بأي وظيفة، طالما كانت لا تتطلب جهداً بدنياً كبيراً لأنني أعاني من مشاكل في القلب".
يتجاذب أفراد العائلتين أطراف الحديث على الشرفة الأمامية حتى غروب الشمس.
وفي الليل، يشاهدون مسلسلاً درامياً - ويحرصون على تشغيل التلفزيون فقط بعد انتهاء نشرات الأخبار. تحاول حنان صرف أذهانهم بأفكار أكثر بهجة.
"لا نريد متابعة ما يجري في سوريا،" كما أوضحت، مضيفة أن "للأحداث تأثير عاطفي شديد يمنع الأسرة السورية من الحديث عنها. عندما تستضيف أسرة سورية، عليك أن تكون حذراً ورقيقاً بشأن موضوعات الحديث. كما ينبغي عليك التحلي بالصبر أيضاً". وعلى ما يبدو، يجب أن تتناول الكثير من القهوة أيضاً.