اللاجئون الصوماليون في طي النسيان في اليمن.


عدن, نوفمبر 2013 (إيرين)
مرت ثماني سنوات منذ أن تركت أسمهان عبد القادر علي العاصمة الصومالية مقديشيو بحثاً عن حياة جديدة في المملكة العربية السعودية، ولكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن. فمنذ البداية لم تصل أسمهان قط إلى وجهتها.

تم منح أسمهان صفة لاجئ بصورة تلقائية فور وصولها إلى اليمن على متن قارب. ثم تزوجت، وأصبحت حامل وانضمت إلى صفوف مجتمع اللاجئين الصوماليين شبه الدائمين في اليمن، والذين تقدر أعدادهم بحوالي 232,000 لاجئ بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.


وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية من روضة أطفال في مدينة عدن بجنوب اليمن قالت أسمهان: "لقد مررنا بالكثير– لم نعد نفكر في المستقبل بعد الآن– نحن نفكر فقط كيف نعيش كل يوم على حدة".

وتعيش أسمهان وهي أم لخمسة أطفال صغار على التسول الآن بعد أن هجرها زوجها – وهي طريقة شائعة بين الصوماليين للبقاء على قيد الحياة، حتى بالنسبة للذين أمضوا عقوداً في اليمن الذي يعرف بأنه أفقر دول المنطقة.


ويواجه أكبر مجتمع لللاجئين في اليمن معضلة، حيث يقول قادة المجتمع في مدينة عدن الجنوبية أن معظم الصوماليين سيعودون إلى بلادهم إذا سنحت لهم الفرصة.


وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية، قال صالح حسن من المجلس الدنماركي للاجئين أن "أعداد الوافدين الصوماليين الجدد قد تناقصت– وهذا هو حال الإثيوبيين أيضاً الآن. فالموقف في الصومال في تحسن الآن، وهم يعرفون أن فرصهم في العبور إلى السعودية قد تضاءلت بشكل كبير".


وفي حقيقة الأمر يبدو أن قليل منهم فقط استطاع أن يعبر الحدود إلى السعودية حيث شددت السعودية من موقفها تجاه الهجرة غير الشرعية، وطردت مئات الآلاف من العمالة الأجنبية، بما في ذلك اليمنيون. وقد شدد السعوديون الرقابة على الحدود وأعلنوا في وقت سابق من هذا العام عن خطط لاستئناف العمل في بناء سياج حدودي أكثر أماناً.


وقد زار اليمن وفد من الحكومة الصومالية الجديدة في إبريل، حيث التقوا بممثلي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وناقشوا احتمالات عودة اللاجئين طواعية إلى بلادهم بمجرد تحسن الأوضاع في وسط وجنوب الصومال بصورة أكبر.

والآن، تدعم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عودة بعض اللاجئين بشكل محدود من خلال برنامج العودة الطوعية إلى الوطن الذي تديره المنظمة الدولية للهجرة التي تدعم بدورها العودة إلى بونتلاند وأرض الصومال في شمال الصومال. ولكن لا توجد حزمة شاملة للعودة ويحتاج المتطوعون إلى الحصول على تصريح أمني من السلطات في المنطقتين الصوماليتين قبل السفر.

وقد أدت ثورات الربيع العربي وما نجم عنها من عدم استقرار في اليمن إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الذي كان يعاني بالفعل من صعوبات. وقد زادت معدلات الفقر من 35 بالمائة في عام 2004 إلى 42 بالمائة في عام 2009، كما أدت الأزمة السياسية في عام 2011 إلى انخفاض اجمالي الناتج المحلي بنسبة 12 بالمائة، طبقاً لما ذكره صندوق النقد الدولي. 


وكان هناك لمحات من الأمل عبر خليج عدن بأن ينتهي عقدان من أعمال العنف في الصومال. ففي عام 2012 قام أعضاء البرلمان الصومالي بانتخاب رئيس جديد في أول انتخابات من نوعها منذ عام 1967 وهي الخطوة التي ساعدت على إنهاء الفترة الانتقالية بصورة رسمية. وقامت بعثة الاتحاد الأفريقي إلى الصومال وقوات الأمن الوطني الصومالية بتمديد مناطق سيطرتهم، وفي يناير اعترفت الحكومة الأمريكية بالحكومة الصومالية لأول مرة منذ عام 1991.


ونتيجة لتلك التغيرات اتخفضت أعداد الصوماليين الذين يقومون بمخاطرة عبور البحر من القرن الأفريقي في السنوات الأخيرة من 27,350 في عام 2011 إلى 23,086 في عام 2012، طبقاً لما ذكرته بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.


كما تم تسجيل 9,709 لاجئ صومالي جديد في اليمن في الأشهر التسعة الأولى من عام 2013.


عقدان من اللجوء


وقد بدأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين العمل في اليمن في عام 1987 وتزايد نشاطها في الجنوب من عام 1992 فصاعداً بسبب بدء وصول أعداد كبيرة من اللاجئين الصوماليين.


وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية، قال شيخ أبشر حسن يوسف رئيس مجلس الجالية الصومالية في عدن أن "الحياة هنا صعبة وعندما يتصل بنا الناس من الصومال نقول لهم أن يبقوا هناك".


ولدى المجلس مكاتب في منطقة البساتين في المدينة، وهو حي فقير يعد مقراً لحوالي 20,000 لاجئ معظمهم من الصوماليين. كما أنه من أكبر تجمعات اللاجئين في المناطق الحضرية في اليمن (بالإضافة إلى صنعاء والمكلا).


وقال يوسف: "كانت الحياة أسهل منذ عشر سنوات، ولكن مع الأزمة الاقتصادية لا يوجد عمل هنا. ولا توجد وظائف. ونحن ندفع ايجاراً للسكن. وهذا يخلق صراعاً بين الأزواج لأنه نوع من أشكال الصراع من أجل العيش".


والبعض يفضل الحياة في مخيم اللاجئين في خرز في محافظة لحج المجاورة حيث يوجد حوالي 17,000 من اللاجئين وغالبيتهم من الصوماليين. وهناك يمكن أن تكون الحياة أسهل مع توافر الغذاء والتعليم والمأوى الذي تقدمه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركاؤها.


وفي المدن والبلدات هناك فرص أكثر للصوماليين للعثور على عمل في تنظيف المنازل والعمل في المزارع في المناطق الحضرية وبيع البضائع من منزل إلى منزل (نظراً لأن العديد من النساء اليمنيات يقضين معظم أوقاتهن في المنازل ومن ثم تكون فرصة البيع لهن في المنازل سانحة).

ولكن غالباً ما تكون الظروف المعيشية صعبة بالنسبة للصوماليين الحضريين. فالعديد منهم يتقاسم تكاليف ايجار المنزل عن طريق تقسيم المنازل إلى غرف منفصلة بحيث يقطن في تلك الغرف عائلات بأكملها- أحياناً تضم الوالدين وتسعة أطفال بحيث تتقاسم كل الأسر التي في المنزل دورة مياه واحدة.


وتقدم العديد من مشروعات الإغاثة في عدن خدمات أساسية للمجتمع تشمل مركزاً للأطفال المعاقين ومنزلاً للأطفال الضعفاء. ويذهب اثنان من أطفال أسمهان إلى دار حضانة تديره جمعية غير حكومية تسمى التضامن في حي البساتين، أفقر أحياء عدن. ويتم العناية في المركز بحوالي 350 طفلاً غالبيتهم من الصوماليين حيث يحصلون على وجبات يومية ونزه أسبوعية للعب في الحديقة.


وقالت سارة محمد سعيد، مديرة دار الحضانة أن "العديد من الأسر موجودة هناك منذ 10 إلى 15 عاماً ومعظمهم من الفقراء جداً. كما أن فرص الحصول على وظائف محدودة والكثير منهم يعتمد على وكالات الأمم المتحدة للحصول على مساعدات. والرجال يمضغون القات والنساء ينظفن المنازل أو يتسولن".


مولود في اليمن


وعندما يصل الوافدون الجدد للمرة الأولى إلى عدن غالباً ما يتجمعون تحت شجرة كبيرة في البساتين حيث يقوم المجتمع بتوفير إقامة مؤقتة لهم حيث يمكنهم العيش لمدة 10 أيام أو نحوه.


فر خضر أدم حسين- وهو لاجئ صومالي في الثلاثينيات من عمره- من شمال مقديشو في عام 2003. وهو يكسب ريالات قليلة من غسيل السيارات لليمنيين.


وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية قال حسين: "عندما جئنا إلى هنا لم نكن نستطيع التواصل مع اليمنيين ولكنني أستطيع الآن تدبر الأمر. الأوضاع صعبة جداً وقاسية بالنسبة لأفراد المجتمع الصومالي هنا".


وأضاف حسين: "لقد كانت الأمور جيدة جداً من قبل عندما كانت الحكومة قوية. لو أستمر الوضع على ما هو عليه سأفكر في العودة ولكنني لا أعرف فعلاً ما الذي سأفعله هناك. فنحن نتواصل مع مجريات الأمور في الوطن عن طريق مشاهدة التلفاز. ولكن في يوم من الأيام – إن شاء الله - سوف أعود إلى هناك".


ولد ابن حسين في اليمن وبخلاف والديه فهو يتحدث كلاً من اللغة العربية والصومالية بطلاقة- وهو نمط شائع بين أطفال المهاجرين الصوماليين الذين لم يروا أبداً وطن الآباء وبالتالي لديهم روابط ضعيفة بالثقافة الصومالية.


وقال نزيه أحمد علوان، المنسق الميداني لوكالة الإغاثة والتنمية السبتية في عدن: "عندما حضر الآباء إلى هنا قطعت الروابط. فالأشخاص الذين ولدوا في اليمن يحتاجون إلى معرفة ثقافتهم".

وقال عمال الإغاثة أن الحفاظ على الروابط بالثقافة الصومالية أمر أساسي لنجاح أي عودة جماعية في المستقبل. وتقوم وكالة الإغاثة والتنمية السبتية بتنظيم فعاليات موسيقية وتعليم الأغاني الصومالية والزي التقليدي "لأنهم نفسياً يحتاجون إلى الحفاظ على ثقافتهم في عقولهم" كما قال علوان، مضيفاً أن "الثقافة هي الوسيلة التي تبقيهم أقوياء".


كافح الأشخاص الذين فروا من الصومال وهم كبار من أجل تجاوز مستوى التوظيف المتدني، ولكن الصوماليين المولودين في اليمن الذين يتحدثون العربية بطلاقة أكبر كانوا قادرين على الالتحاق بالتعليم العالي ولديهم أحساس أكثر بالانتماء إلى اليمن أو لديهم ارتباط أقل بكثير بالصومال.


وقال شيخ يوسف: "هناك فجوة كبيرة بين هؤلاء الذين جاءوا هنا ويريدون أن يدفنوا في موطنهم وهؤلاء الذين ولدوا هنا. نحن نأمل أن يمنحنا الله العودة".


العودة

في دار حضانة سارة محمد سعيد في البساتين غادرت ثلاثة من الأسر في العام الماضي لكي تعود إلى الوطن، على الرغم من أنها قالت أنها لا تعرف إن كان المطاف قد انتهى بهم إلى وطنهم أم لا.

وما يزال اللاجئون الصوماليون المقيمون لفترة طويلة الذين لديهم طاقة للتفكير بشأن المستقبل على المدى الطويل يتحدثون عن العودة إلى ديارهم.


مع ذلك، ما زال وافدون جدد يصلون من الصومال حتى وان كان بأعداد أقل، كما أنهم مازالوا حريصون على محاولة الوصول إلى المملكة العربية السعودية.


ويقول عمال الإغاثة أن الصوماليين يبدون أقل ضعفاً أمام المختطفين اليمنيين الذين يعملون سراً مع المهربين الذين يلتقطون العديد من المهاجرين الاثيوبيين- لأنهم يعتبرون أكثر سلبية- بعد وقت قصير من وصولهم إلى اليمن للحصول منهم على فدية من خلال الاختطاف والتعذيب.


ولكن زيادة الرقابة على الحدود في المملكة العربية السعودية تعني أن هؤلاء العالقين في المدن الحدودية مثل حرض نالوا ما يكفي من المعاناة ويريدون العودة أيضاً.


وتستضيف الحكومة اليمنية هذا الأسبوع بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة مؤتمراً اقليمياً لوضع استراتيجية بشأن كيفية تحسين حماية اللاجئين ودعم اليمن بصورة أفضل من أجل التعامل مع تدفق اللاجئين.