نيزيب, 2013 (إيرين)
على قطعة صغيرة من الأرض بجانب نهر الفرات المتدفق، يقف 908 منازل بيضاء سابقة التجهيز محاطة بأسوار من الأسلاك الشائكة المزدوجة وأبراج الحراسة. ويتكون كل منزل من غرفتين ونافذتين وباب وحمام صغير وهو مصمم لاستيعاب أسرة واحدة.
ويعتبر نيزيب 2 أحد المخيمين التركيين الجديدين اللذين تم افتتاحهما مؤخراً لاستيعاب العدد المتضخم للأشخاص لفارين من العنف في سوريا المجاورة. وقد وصل المخيمان إلى طاقتهما الاستيعابية وهي 15,000 شخص لكلا المخيمين خلال شهر واحد.
ويعيش حوالي 50,000 نازح سوري عبر الحدود في مخيمات مؤقتة تشمل الآلاف من الوافدين الجدد نتيجة للعنف المتصاعد في محافظة الرقة. وينتظر معظمهم الدخول إلى تركيا التي تقول أنها تقبل حالياً ما بين 500 إلى 1,500 لاجئ يومياً ولكنها تكافح من أجل ايجاد مكان لهم.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قال صوفي أتان ممثل وزارة الخارجية التركية: "ليس لدينا القدرة الاستيعابية فكيف يمكن لنا قبولهم جميعاً؟".
وكما هو حال الأردن ولبنان، تكافح تركيا لمواكبة الحمل المتزايد للنزاع في سوريا المجاورة. فقد تجاوز عدد اللاجئين في المنطقة الشهر الماضي المليون شخص.
وتعتبر مخيمات تركيا بكل المقاييس من بين أفضل المخيمات في العالم. وقد أظهرت تركيا سخاءً شديداً حيث أنفقت ما لا يقل عن 700 مليون دولار من مالها الخاص- إلى ما يصل إلى مليار دولار -لايواء اللاجئين، طبقاً لما ذكرته بعض التقديرات. وهناك ما يقرب من 200,000 سوري يعيشون في 17 مخيماً على طول الحدود بتكلفة لا تقل عن 1.5 مليون دولار للمخيم الواحد شهرياً. لكن مع التزايد المستمر للأعداد دون وجود نهاية في الأفق يتساءل المراقبون كيف ستستطيع تركيا الاستمرار في ذلك.
وقال أحد عمال الإغاثة الذي طلب عدم ذكر اسمه أن "القضية التي تثير القلق بالطبع... وقلق الأتراك كذلك هي الاستدامة".
أحدث التغيرات
وقد شهدت الأسابيع الأخيرة "تغييراً في النهج" التركي، طبقاً لما ذكره عامل الإغاثة. فقد بدأت الحكومة التركية في شهر مارس في تسجيل اللاجئين السوريين الذين يعيشون خارج المخيمات في المدن والبلدات من أجل فهم احتياجاتهم بصورة أفضل. وقد قامت حتى الآن بتسجيل أكثر من 68,500 لاجئ مع وجود 33,260 لاجئ آخر في انتظار التسجيل.
وقد أعطت الحكومة التركية في الأسبوعين الماضيين الضوء الأخضر لإحدى المنظمات غير الحكومية وهي المجلس الدنماركي للاجئين لبدء تقديم المساعدة المباشرة للاجئين الذين يعيشون خارج المخيم وهو ما كان قاصراً حتى الآن على المساعدات الخاصة التي تقدمها المنظمات غير الحكومية المحلية.
ويزداد نشاط وكالات الأمم المتحدة أيضاً داخل المخيمات. فعلى سبيل المثال، تم تمديد برنامج قسائم الطعام- الذي يقدم بالاشتراك بين برنامج الأغذية العالمي والهلال الأحمر التركي والذي يسمح للاجئين بشراء المواد التموينية باستخدام بطاقات الائتمان الالكترونية- إلى مخيمات حران وهاتاي. وسيتم مضاعفة المستفيدين من هذا البرنامج في منتصف أبريل. وتريد الحكومة تمديد البرنامج إلى جميع المخيمات في أسرع وقت ممكن لكن لا يوجد لدى برنامج الأغذية العالمي حالياً التمويل الكافي للقيام بذلك.
وقامت إدارة الطوارئ والكوارث في مكتب رئيس الوزراء (إيفاد) بتوقيع اتفاقيات مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى بما في ذلك مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أجل تقديم المساعدات والخدمات الإنسانية إلى اللاجئين.
وقامت تركيا أيضاً هذا الشهر باعتماد قانون جديد بشأن اللجوء السياسي. وسيقدم هذا القانون لأول مرة إطار عمل قانوني لقضايا اللاجئين في البلاد.
عبر الحدود
وتعتبر مخيمات اللاجئين التركية المنتشرة في ثماني أقاليم جنوبية موطناً الآن لحوالي 192,000 شخص وهو ما يمثل زيادة 30 بالمائة تقريباً منذ بداية عام 2013. وتشير التقديرات إلى وجود عدد مساو للسوريين خارج المخيمات في شقق ومنازل غير كاملة التشطيب وحتى في أكواخ. وفي بلدة ريحانلي على الحدود التركية توجد صالة أفراح مكونة من طابقين يسكن بها أكثر من 700 شخص.
وكانت سياسة تركيا بالنسبة لهؤلاء الذين لا يمتلكون وثائق سليمة الانتظار لمدة تصل إلى أربعة أشهر إلى أن يتوفر مكان في أحد المخيمات. ويكون لكبار السن والجرحى الأولوية في المخيم (السوريون الذين يدخلون بجوازات سفر لهم حرية الاستقرار خارج المخيم). وعبر الحدود هناك عشرات الآلاف من النازحين يعيشون في ظروف صعبة جداً في عدد قليل من المخيمات العشوائية التي تحصل على مساعدات إنسانية بصورة غير منتظمة وينتظرون توفر مكان شاغر.
وتخطط تركيا للانتهاء من ثلاث مخيمات إضافية في الشهر القادم. ومخيمات حران وأضنة هي المخيمات التالية المخطط الانتهاء منها بطاقة استيعابية مشتركة قدرها 40,000 شخص.
ولم ترد وزارة الخارجية على طلب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) للحصول على مزيد من المعلومات بشأن خطتها طويلة الأجل للتعامل مع تدفق اللاجئين. ولكن طبقاً لما ذكره صوفي أتان، ممثل وزارة الخارجية التركية، تتوقع تركيا أن يرتفع عدد اللاجئين في المخيمات إلى 300,000 بنهاية هذا العام.
وأضاف صوفي: "سنواصل إقامة المخيمات الجديدة لاستيعاب اللاجئين. لكن بالطبع من الأفضل أن يتم إرسال المساعدات الإنسانية إلى داخل سوريا لكي يعيشوا هناك". وتقوم الحكومة التركية بالفعل بتوفير الغذاء والخيام وأغراض أخرى إلى السوريين على الجانب الآخر من الحدود.
وبالنسبة لأويتون أورهان الباحث في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة أورسام للأبحاث، لا يوجد أمام البلاد خيار سوى الحفاظ على سياسة الباب المفتوح لأن أي سياسة معاكسة ستكون إنكاراً كاملاً لمبادئها.
لكن في وقت مبكر من الخريف الماضي عندما كان عدد اللاجئين نصف العدد الحالي، قال أورهان لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "تكلفة الزائرين السوريين ترتفع كل يوم اجتماعياً وأمنياً وأيضاً اقتصادياً".
نهج طويلة الأمد
والعديد من وكالات الإغاثة منخرطة بالفعل فيما يعرف باسم "المساعدات العابرة للحدود" وهناك مطالب عديدة لزيادة حجم تلك المساعدات بشكل كبير.
وتقترح منظمة IHH غير الحكومية التركية على الجهات المانحة الخليجية بناء مخيمات منظمة جيداً في شمال سوريا الواقع تحت سيطرة الثوار وتقديم الخدمات الشاملة لهم بما في ذلك المدارس والعيادات والمساجد والمنازل لكي تحل محل المستوطنات العشوائية الحالية الموجودة هناك التي تفتقر إلى الملجأ المناسب من ظروف الطقس.
وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قال عزت شاهين منسق العلاقات الدولية أن "هذه ليست أزمة قصيرة الأجل بل ستكون أعمق وستستمر لفترة طويلة. وحتى إذا كان هناك وقف لإطلاق النار وحتى إذا كان هناك فترة جديدة في سوريا فسيكون من المستحيل لمئات الآلاف من الناس العودة إلى منازلهم لأنه لا يوجد لديهم منازل حالياً. لابد وأن تكون هناك خطة تمتد خمس سنوات على الأقل لإيواء هؤلاء الأشخاص".
ويرى المراقبون أن هذا لم يكن التقييم الأولي التركي للنزاع في سوريا.
وقال هيو بوب المحلل في مجموعة الأزمات الدولية أن "تركيا مستمرة في إقناع نفسها بأن الأزمة ستنتهي قريباً وأن الجميع سيعودون إلى سوريا".
وكانت تركيا قد وجهت مناشدات متكررة من أجل المزيد من الأموال من الجهات المانحة لدعم استجابتها للاجئين. ولكن حتى الآن أعطت الجهات المانحة الأولوية للحكومات الأضعف في كل من الأردن ولبنان وحتى في تلك الحالة كان التمويل الدولي للمساعدات الإنسانية محدوداً.
وسيكون الحل الآخر لتركيا هو رفع الشرط الخاص بانتظار طالبي اللجوء غير الحاملين لوثائق لمكان شاغر في المخيمات الجديدة وأنها ستقبل المزيد من المساعدات من المنظمات الدولية للمساعدة في إيوائهم.
وقال أحد عمال الإغاثة الدوليين أن "بناء المخيم هو مجرد عذر فني. فإذا دخل الناس سنكون دائماً قادرين على ايجاد حلول بشأن المكان الذي سيذهبون إليه".
المخيمات الجديدة
ويشعر الكثيرون في الوقت الحالي بأن السوريين سيواصلون الاعتماد على المخيمات الجديدة التي يجري بناؤها.
أحمد فريد هو من بين الوافدين الجدد إلى مدينة نيزيب 2. فقد فريد كلا ساقيه في القتال مع الجيش السوري الحر. وكان هو العائل الوحيد لوالديه وزوجته واثنين من الأطفال. وقال فريد وهو يجلس على كرسيه المتحرك ممسكاً بابنه المبتسم البالغ من العمر ثلاثة أشهر أنه قد تم إحضاره إلى مستشفى غازي عنتاب منذ شهر مضى.
ويشيد فريد وهو خياط سابق بالسلطات التركية التي قال أنها قدمت له رعاية جيدة في المستشفى وفي المخيم لاحقاً مضيفاً أنها "قدمت كل شيء نحتاجه". وقام عمدة نيزيب بزيارته ثلاث مرات. وأضاف: " وعدني الأطباء بتزويدي بأطراف صناعية".
ومن بين الخدمات العديدة الموجودة في المخيم هناك عيادة ومرافق للطهي والغسيل وغرفة لمشاهدة التلفاز ومسجد.
يعيش صالح الحافظ وزوجته ووالداه وأطفاله الخمسة الذين تتراوح أعمارهم ما بين 4 إلى 13 عاماً في غرفتين صغيرتين ولكنهم ممتنون لتركيا حيث قالوا أن "الحكومة التركية قدمت لنا أكثر مما قدمته لنا أي دولة أخرى".
وتحصل العائلات على مراتب للفرش وأغطية وصحون وأواني للطهي وحفاضات للأطفال وسخانات كهربائية وغذاء وكلها تأتي من خلال الهلال الأحمر التركي ومنظمة إيفاد. وفي وقت الغذاء يقوم الأطفال بحمل القدور والمقالي والاصطفاف لأخذ حساء العدس والمعكرونة بصلصة الطماطم والزبادي والخبز إلى أسرهم. وفي نهاية المطاف سيكون السوريون قادرون على الطهي بأنفسهم، طبقاً لما ذكره مسؤولو المخيم.
وفي مداخل أبنية المدارس الجديدة هناك صور لأول رئيس تركي وهو مصطفى كمال أتاتورك. وقال سنجيز جونديز، مدير المخيم: "هدفنا هو جعل أقوال أتاتورك تتحقق"، مشيراً إلى الكلمات المحفورة التي تقول "ليحل السلام في بلادنا وليحل السلام في العالم".