اليمن: إحلال السلام أفضل طريقة لدعم الاقتصاد!


الصورة في الأعلى: جدارية مراد سبيع "المنشار" في صنعاء. مراد سبيع/إيرين
ثمة شيء غريب يحدث حالياً في اليمن: المواضيع التي عادة ما كانت غامضة وتقتصر على النخب والمتخصصين كالسياسة النقدية والأمور المتعلقة بالمصرف المركزي أضحت الآن جزءاً من الأحاديث اليومية، بل تم التعبير عنها بشكل فني في الشارع.

ومنذ أن بدأ التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية تنفيذ الضربات الجوية في مارس عام 2015 في محاولة للإطاحة بالحوثيين من السلطة، لقي قرابة 6,500 شخص مصرعهم، ومن المرجح أن تكون تلك الأرقام الرسمية أقل بكثير من الأعداد الواقعية.
ولكن الأمر الذي لا يحظى بتغطية كافية هو التأثير المدمر للحرب على اقتصاد اليمن. والجدير بالذكر أن معظم صادرات الدولة تأتي من النفط والغاز، غير أن تلك الصناعات قد توقفت.
وفي الشهر الماضي، ظهرت لوحة جدارية على حائط أمام المصرف المركزي في اليمن، الذي يُنظر إليه كمؤسسة محايدة ومستقرة نادرة في خضم الصراع العنيد في اليمن. ويعكس الخط الأحمر المتعرج الذي يظهر في الجدارية التقلبات القوية التي تعصف بالريال اليمني المتعثر.
وقد أطلق الفنان مراد سبيع، على جداريته اسم "المنشار"، ليعكس كيف يتسبب الوضع الاقتصادي في تقسيم البلد.أما مصدر إلهامه لرسم هذه الجدارية فكان عنواناً يقول أن المصرف المركزي هو الأمل الأخير لإنقاذ بلاده من التعثر الاقتصادي.
وتعليقاً على هذا، قال سبيع لشبكة الأنباء الإنسانيةعبر رسالة بالبريد الإلكتروني: "الشعب يعاني بشدة بسبب تقلب سعر صرف العملات". وقد ارتفعت الأسعار ارتفاعاً كبيراً رغم ركود الأجور، مضيفاً أن "كثير من الناس لا يقدرون على العيش في ظل هذا الوضع الاقتصادي، ولا يستطيعون شراء المواد الغذائية والحصول على الخدمات الأساسية".

العمود الأخير للاستقرار

وفي الأشهر القليلة الماضية، حذر المعلقون من أن المصرف المركزي في اليمن يعاني من مشكلات خطيرة.
وربما كان من المدهش أن المصرف المركزي لا يزال صامداً كل هذا الوقت، بعدما بلغت الحرب التي تعصف بكافة أرجاء الدولة مبلغاً من التعقيد لدرجة أنه لا يصلح تصنيفها أنها بين جانبين: لأنها تتضمن العديد من الصراعات المحلية والولاءات التي يصعب تفكيكها عن بعضها البعض.
والجدير بالذكر أن المصرف المركزي يحدد أسعار الصرف الرسمية للواردات من الدقيق والحبوب. وتمكن، حتى وقت قريب، من الحفاظ على دفع رواتب موظفي الحكومة مثل الجنود والمعلمين والأطباء، بغض النظر عن ولاءاتهم أو مواقعهم.
لكن من غير الواضح إلى متى سيتمكن من دعم بلد على شفا الانهيار الاقتصادي التام.
وحول الوضع الاقتصادي هناك، قالت ﻣروة اﻟﻧﺳﻌﺔ، الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في اليمن، لشبكة الأنباء الإنسانية :"من الواضح أن الاقتصاد والريال اليمني في حالة يرثى لها".
وأوضحت عبر رسالة بالبريد الإلكتروني أنه "عقب 15 شهراً من الصراع المكثف، من الطبيعي أن تكون احتياطيات المصرف المركزي منخفضة". وإذا ما ازداد تدهور احتياطيات النقد الأجنبي ولم يستطيع المصرف منع حدوث مزيد من التراجع لقيمة الريال "فإن المواطن اليمني العادي سيعاني بشدة، وعلى الأرجح أن يكون الفقراء هم الأشد تضرراً".
وفي الوقت الذي توجد فيه تقارير غير مؤكدة عن أن الحوثيين استهدفوا احتياطيات المصرف المركزي، تحت إدارة محافظ المصرف محمد بن همام، إلا أنه بذل قصارى جهده للحفاظ على استقرار العملة، حيث قام بتعديل سعر الصرف الرسمي لمكافحة تجارة السوق السوداء.
وفي هذا الصدد، قالت النسعة: "لقد حاول المصرف المركزي خلال 15 شهراً الماضية، حسبما تفيد جميع المؤشرات، التعامل بشكل محايد قدر الإمكان مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الصعبة جداً في اليمن".
"ولكن قدرته على المحافظة على دعم النقد الأجنبي للواردات الأساسية، والالتزامات الخاصة بخدمة الديون السيادية، ودفع الأجور لموظفي القطاع العام، تتراجع يوماً بعد الآخر".

على أرض الواقع مجدداً

وعلى الرغم من أن كل ما سبق قد يبدو أكاديمياً إلا أنه في الواقع ليس كذلك.
من جهته، أشار هشام العميسي، وهو محلل في صنعاء، إلى أن ما يفعله – أو لا يفعله المصرف المركزي – له تأثير مباشر على الحياة اليومية، والجميع يعرف ذلك.
وقال العميسي لشبكة الأنباء الإنسانية:"إنه يؤثر علينا مباشرة عبر تحديد الأسعار، والحصول على الغاز... كثير من الناس لا يملكون المال ليبدؤوا"، ومن ثم فإن أي تحرك في الأسعار يمكن أن يكون له تأثير قوي.
وأحد التأثيرات المترتبة على الأزمة في النظام المصرفي هي أن التجار الذين يسعون لاستيراد السلع في اليمن – بما في ذلك الأغذية – لا يستطيعون الحصول على الائتمان اللازم.
وهذا يعني تراجع الواردات الغذائية وارتفاع الأسعار. ففي العاصمة، وصل سعر كيس الطحين سعة 50 كجم 7,500 ريال مقارنة بمبلغ 5,000 ريال قبل بضعة أشهر. وفي مناطق أخرى مثل تعز، ارتفعت الأسعار أعلى من ذلك بكثير.
ولا شك أنه من الصعب شراء أغذية مرتفعة الثمن دون وجود راتب منتظم.
وكان جمال السنباني، رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال اليمنية السابق قد أفاد أنه حتى سبتمبر 2015 فقد زهاء 3 ملايين شخص وظائفهم بسبب الحرب.
وأولئك الذين لا يزال لديهم عمل، مثل سائقي سيارات الأجرة الذين لا يتوقف الطلب عليهم في صنعاء، يجدون صعوبة في الاستمرار عندما يشح الوقود ويرتفع سعره.
وقال سائق سيارة أجرة يدعى أحمد شمسان وهو أب لثلاثة أطفال: "من الصعب توفير المال لرعاية أطفالك بينما تحتاج أيضاً لتعبئة سيارتك بالوقود للاستمرار في العمل".
الوضع يتدهور بسرعة. في وقت سابق من هذا الشهر، وردت تقارير عن أن البنك توقف عن دفع بعض رواتب الموظفين الحكوميين، على الأقل في الوقت الراهن.
وقد يزداد الوضع سوءاً.
وقد حذرت النسعة من أنه "إذا ازدادت القيود على الواردات الأساسية مثل الحبوب والوقود والأدوية، فإن أثرها سيمتد بسرعة إلى الحياة اليومية للناس الذين بالكاد يتدبرون أمور معيشتهم".

تدهور البنية التحتية

ومن بين القطاعات الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية قطاع الصحة، الذي كان في حالة سيئة قبل الحرب.
وقد شهدت كارين كليجير من منظمة أطباء بلا حدود، المنظمة الطبية الخيرية، التي عادت مؤخراً من اليمن، نظام الرعاية الصحية في الدولة وهو يتوقف بشكل مثير للقلق.
وحول الوضع الصحي في اليمن، قالت كارين لشبكة الأنباء الإنسانية : "يمكن للمرء أن يشاهد – ببطء – توقف برامج مثل اللقاحات والأشياء التي ينبغي أن تكون مستمرة، لأن الإمدادات تنفد [من العيادات والمستشفيات[".
وإذا لم يحصل الأطباء والممرضات في المستشفيات العامة على أجورهم فسيكون الوضع خطيراً حقاً، حسبما ترى كليجير، لأن معظم العيادات الخاصة قد أغلقت والسكان المحليون يعتمدون على الرعاية الصحية الممولة من القطاع العام فقط.
وأضافت كليجير: "شاغلنا الأكبر هو تدهور النظام الصحي بسرعة. لم نعد قادرين على تحمل المزيد".

من يستطيع تقديم المساعدة؟

وفي عام 2012، تدخلت المملكة العربية السعودية لمساعدة الاقتصاد اليمني عن طريق إيداع مليار دولار في المصرف المركزي.
ولكن كطرف محارب في الصراع، يبدو الآن من غير المحتمل الحصول على مزيد من الدعم المالي من المملكة، على الرغم من أن هناك تقارير تفيد بأنه طُلب نقل المصرف المركزي إلى الرياض أو إلى عدن، التي كانت معقلاً للقوات المنحازة للسعودية.
وقالت النسعة أن صندوق النقد الدولي لا يمكن أن "يتدخل لحماية الريال".
ولكن "بإمكانه دعم برنامج تقوم بإعداده السلطات اليمنية، بحيث تكون السلطات قادرة على تحمل التزامات البرنامج وتنفيذها".
وتجدر الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي يقدم بالفعل الإقراض بشروط ميسرة للبلدان ذات الدخل المنخفض ذات الاحتياجات العاجلة.
وأضافت النسعة: "لقد تعامل صندوق النقد الدولي مع اليمن بشكل وثيق في الماضي ... وهو بالتأكيد على استعداد للمساعدة مرة أخرى بمجرد أن تسمح الظروف له بذلك".

السلام وليس النقد

والجميع يقولون، بما في ذلك النسعة، أن إحلال السلام هو أفضل طريقة لدعم اقتصاد اليمن.
وأوضحت النسعة أن "أفضل ما يمكن أن يحدث هو أن تتوصل أطراف النزاع إلى طريقة لعقد اتفاق سلام دائم، وأن يعمل جميع أصحاب المصلحة معاً لتحقيق الاستقرار وإعادة إعمار اليمن".
ولكن لا يبدو أن المحادثات التي تعقد في الكويت ستتمخض عن نتائج سريعة.
أما سبيع، رسام الجداريات، فيساوره القلق تجاه بلده، حتى وإن حصل المصرف المركزي على مساعدة:
"لا أعتقد أنه يمكن حل هذه الأزمة عبر قرار على الورق. الوضع الاقتصادي لا يتحسن خلال فترة الحرب ... يجب أن تتوقف الحرب أولاً".

تقرير :محمد علي كلفود - صنعاء
مساهمة إضافية من آني سليمرود، محررة شؤون الشرق الأوسط