البالونات والنقانق - محاولة فهم تجارة المخدرات العالمية



                                             الصورة: صور الأمم المتحدة/فيكتوريا هزو
عمل متنقل: شرطة هايتي تضبط شحنة مخدرات أثناء عبورها الحدود                    
نيويورك, 18 مايو 2014 (إيرين)
ماذا حول غينيا بيساو وبلدان غرب أفريقيا الأخرى إلى طرق لتهريب المخدرات إلى أوروبا منذ أكثر من عقد من الزمان؟ ولماذا انتقلت حروب المخدرات من كولومبيا إلى المكسيك؟

أحد الأسلحة الرئيسية في ترسانة أولئك الذين يعارضون سياسات حظر المخدرات هو تأثير "البالون" -  والتي تتمثل في أنه إذا تم إيقاف منتجي ومهربي وتجار المخدرات من قبل وكالات إنفاذ القانون في منطقة ما، فسوف يظهرون ببساطة في مكان آخر، ولن يحققوا شيئاً سوى "الإزعاج المؤقت للمشاركين" في هذه التجارة، كما ذكر بيتر رويتر، مؤلف بحث بعنوان قدرة تجارة المخدرات على التنقل، وهو جزء من تقرير إنهاء حروب المخدرات الذي صدر مؤخراً عن مشروع السياسة الدولية لمكافحة المخدرات التابع لكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ومؤسسات المجتمع المفتوح.

ومحاولة تحديد السبب والنتيجة ليس بالأمر السهل في هذه الصناعة السرية، نظراً لوجود العديد من العوامل المركبة في شبكة الاتجار بالمخدرات المعقدة والمتغيرة باستمرار.

ويخاطر جميع اللاعبين في تجارة المخدرات غير المشروعة بالتعرض للمنع - من تدمير المحاصيل، إلى مصادرة المخدرات، وإلقاء القبض على تجار وأباطرة المخدرات، الذين بدورهم يعتمدون على مجموعة من العوامل الأخرى لنجاح عملهم، مثل المسؤولين الفاسدين والحظ والاختراق الفعلي للأسواق في بلدان الطلب، على سبيل المثال.

وقد يكون هناك عدد من الأسباب التي تجعل المتاجرين يفضلون شحن المخدرات إلى أحد البلدان دون غيره. فقد تكون تكاليف الرشوة في كوستاريكا أعلى منها في هندوراس، على سبيل المثال، ولكن إذا كان احتمال ضبط المخدرات أكبر في هندوراس منه في كوستاريكا، فستكون كوستاريكا هي المسار المفضل.

وقد تكون للروابط الأسرية عبر الحدود والصلات بالمسؤولين الأهمية ذاتها في تحديد طرق الشحن. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن "المخدرات تسافر عبر نفس قنوات التجارة والمرور العادية"، بحسب وصف رويتر، فإن الجغرافيا ليست هي العامل الحاسم في جميع الأحوال.

وأشار رويتر إلى الدور الذي تلعبه نيجيريا في الاتجار بالمخدرات، على الرغم من أنها تبعد كثيراً عن أي منتج رئيسي أو دول مستهلكة للكوكايين أو الهيروين. وعزا ذلك جزئياً إلى حقيقة أن "النيجيريين يقبلون بحماس كبير على المشاريع الجديدة، ويخضعون لحكم الحكومات الفاسدة منذ فترة طويلة، وعدد كبير من السكان يقيمون في الخارج، والمجتمع المدني ضعيف، والأجور المحلية متدنية للغاية، ولديهم روابط تجارية جيدة إلى حد معقول مع بقية دول العالم".

وقد يكون لأنماط الهجرة تأثير أيضاً، ويمكن أن تفسر تلك الأنماط دور تركيا كطريق عبور لتهريب الهيروين إلى أوروبا الغربية، فإلى جانب قربها النسبي إلى أفغانستان، يعيش 5 مليون مواطن تركي هناك.

هل أدت الحملة الأمنية في جزر الأنتيل إلى تحويل طريق عبور المخدرات إلى غينيا بيساو؟

يتوخى رويتر الحذر بشأن التشدق بتأثير البالون، لكنه يستشهد بفتح طرق تهريب المخدرات في غرب أفريقيا كاستجابة محتملة "للحملة الهولندية على الطريق الحالي من جزر الأنتيل الهولندية إلى مطار سكيبول في أمستردام" في بداية القرن الحالي، مما دفع التجار لإيجاد طرق جديدة إلى أوروبا.

الحظر يخلق جائزة لكل من يستطيع أن يجد وسائل فعالة لاختراق الحدود. ولذلك من المنتظر أن يربحوا الكثير من المال. إن الابتكارات تحدث بسرعة البرق لأن الثمن مناسب
فعندما بدأت السلطات الهولندية تصادر الكوكايين من جزر الأنتيل في عام 2003 - باستخدام أسلوب "التركيز على المخدرات"، بدلاً من "التركيز على المذنب"، الذي أدى إلى إلغاء جوازات سفر ناقلي المخدرات بدلاً من اعتقالهم – انخفضت أعداد الناقلين الذين تم اكتشافهم بسرعة.

مع ذلك، واصل الكوكايين التدفق إلى البلاد بكميات هائلة. ثم تضاعفت كمية الكوكايين المضبوطة في غرب أفريقيا خمس مرات خلال الفترة من 2003 إلى 2007.

وخلال فترة قصيرة، أغرق الكوكايين دولة غينيا بيساو الصغيرة الفقيرة بعد إفساد حكومتها الهشة بسهولة.

وسرعان ما تبعتها غانا، وتمت مصادرة كميات كبيرة من الكوكايين هناك في عام 2007.

"هل جاء فتح طريق غرب أفريقيا رداً على إغلاق قناة التهريب عبر جزر الأنتيل الهولندية؟ كان التوقيت مناسباً إلى حد كبير،" حسبما ذكر رويتر في تقريره.

واليوم، أجبرت زيادة جهود المنع في تركيا، التي تعتبر مصدر طريق البلقان، مهربي الأفيون على إيجاد طرق جديدة من باكستان وإيران عبر شرق وغرب أفريقيا، قبل أن تصل إلى وجهتها في أسواق أوروبا، وفقاً لمصدر في مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. مع ذلك، لا يستخدم مصطلح "تأثير البالون" ليس على نطاق واسع من قبل المنظمة.

حركة العنف المرتبطة بالمخدرات

وأكد دانيال ميخيا، مدير مركز البحوث المعني بالمخدرات والأمن في جامعة الأنديز في كولومبيا، بشكل لا لبس فيه أن "تأثير البالون"، يفسر انتقال العنف المتعلق بالمخدرات من كولومبيا إلى المكسيك.

ووصف في حوار صحفي دراسة بعنوان "لماذا ينهار الحظر الصارم؟ وجهة نظر بلدان الإنتاج والعبور حول إنهاء حروب المخدرات" (شارك في تأليفها باسكوال ريستريبو)، بأنها "أول محاولة رسمية لقياس ما يسمى التضخم أو آثار النزوح".

وتبين خبرة تهريب المخدرات في أمريكا اللاتينية أنه "عندما ينجح بلد ما (محلياً) في مكافحة إنتاج المخدرات والاتجار بها - وهذا هو الاستثناء وليس القاعدة - تنتقل (منظمات الاتجار بالمخدرات) إلى بلدان أخرى تجد بها بيئات أكثر ملاءمة لإدارة عملياتها"، كما أشار مؤلفا الدراسة.

واستشهدا بالأبحاث الحديثة التي تبين أن الزيادة بنسبة 200 بالمائة في حجم سوق المخدرات غير المشروعة في كولومبيا خلال الفترة من 1994 إلى 2008 تفسر الزيادة بنسبة 25 بالمائة في معدل جرائم القتل هناك - 3,800 جريمة قتل إضافية سنوياً تقريباً كنتيجة مباشرة للاتجار بالمخدرات والجهود المبذولة للتصدي له.

وقال ميخيا خلال حواره مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نحن نرى أن سياسات المنع الناجحة التي تم تننفيذها في كولومبيا، بدءاً من عام 2007، أرغمت تجارة الكوكايين على الانتقال إلى المكسيك وأمريكا الوسطى، مما أدى إلى زيادة العنف في هذه البلدان".

وأضاف أن الحملة الأمنية في كولومبيا قلصت الكوكايين المعروض من هذا البلد بنسبة 50 بالمائة، مما رفع سعره في الولايات المتحدة والأسواق الدولية بنسبة 50 بالمائة. وأكد أن "هذا أدى إلى زيادة إيجارات السوق المرتبطة بتجارة الكوكايين وزيادة العنف بين العصابات التي تقاتل الآن للسيطرة على التجارة [غير القانونية] التي ارتفعت قيمتها". كما أشار ميخيا إلى أن تأثير البالون قد أدى إلى زيادة بنسبة 46 بالمائة في جرائم القتل المتصلة بالمخدرات في المكسيك.

وفي السياق نفسه، يصر آخرون، مثل سانهو تري، مدير مشروع سياسة مكافحة المخدرات في معهد الدراسات السياسية في واشنطن، على وجود تأثير البالون أو "تأثير النقانق"، الذي يقول أنه واضح في الجانب المتعلق بزراعة المخدرات من هذه السلسلة. فعندما تم القضاء على مزارع الكوكا في البيرو وبوليفيا في تسعينيات القرن الماضي، على سبيل المثال، انتقلت الزراعة ببساطة إلى كولومبيا، كما أشار تري. ثم جاءت خطة كولومبيا، وهي برنامج واسع النطاق يحظى بدعم من الولايات المتحدة للحد من إنتاج الكوكايين والاتجار به في هذا البلد، لتدفع تلك الزراعة ببساطة إلى العودة إلى البيرو.

"تأثير الهيدرا "

واستشهد تري باستعارة أخرى، وهي "تأثير الهيدرا"، لشرح كيفية ابتكار المتاجرين لأساليب للتغلب على المنع والحظر، حيث ينشئون طرقاً جديدة (رؤوس) كلما تم قطع الطرق القديمة. وكلما زادت جهود منع وتحريم المخدرات القوية، ارتفعت قيمة الجائزة التي يفوز بها من ينجح في نقلها عبر الحدود المكسيكية إلى أيدي متعاطي المخدرات في الولايات المتحدة، وبالتالي يتجلى إبداع المتاجرين.

وتجدر الإشارة إلى أن وجود أنفاق تحت الأرض تربط بين البلدين أمر معروف جيداً، ولكن تري يشير إلى ابتكارات أخرى، مثل أنابيب خاصة تحت الأرض تم تصنيعها باستخدام مثاقيب التكسير الهيدروليكي لنقل المخدرات عن طريق الهواء المضغوط. 


وتشمل الوسائل الأخرى لنقل المخدرات عبر الحدود مجموعة واسعة من الأساليب التي تعتمد على تقنيات حديثة أو منخفضة كوصنع عبوات أصغر حجماً للمرور من خلال ثغرات يبلغ قطرها "4 بوصة" في السياج الحدودي؛ واستخدام المقاليع لقذف الحزم فوق الأسوار؛ وحتى استخدام الغواصات، كما أفاد تري.

وحذر من أن "الحظر يخلق جائزة لكل من يستطيع أن يجد وسائل فعالة لاختراق الحدود. ولذلك من المنتظر أن يربحوا الكثير من المال. إن الابتكارات تحدث بسرعة البرق لأن الثمن مناسب"، مضيفاً أنه "من الصعوبة بمكان سحق السوق السوداء عندما يكون الطلب مرتفعاً" لأن "آثاراً جانبية ضارة تنتج عن ذلك".


ويرى أن السبيل الوحيد للخروج من هذه المعضلة هو اللجوء إلى سياسات يعتبرها العديد من السياسيين غير بديهية، مثل تخفيف القيود على المخدرات القوية لخفض الأسعار، والتركيز على خفض الطلب على المخدرات في المقام الأول.

"نحن بحاجة إلى معالجة صادقة وفعالة ووقاية وبرامج تثقيف. ليس هناك بديل عن بناء مجتمع صحي. عندما يكون لديك فقر ويأس واغتراب، عندئذ يلجأ الناس إلى التداوي الذاتي،" كما أفاد تري، الذي يعتقد أن انخفاض معدلات تعاطي المخدرات في هولندا، على الرغم من القوانين الليبرالية الخاصة بالاتجار في المخدرات، يمكن أن يعزى إلى "وجود شبكات أمان اجتماعي قوية".