الصورة: زاك كوبلي/فليكر
|
ليكم بيتكوين Bitcoin: العملة الرقمية المشفرة التي تتأرجح قيمتها بشكل حاد في السنوات الأخيرة. ليس لها وجود مادي، ولا تشرف عليها أي سلطة، وتحتاج إلى إتصال بشبكة الإنترنت لإدارتها. قد لا يبدو هذا وكأنه وصفة لنجاح العمل الإنساني، ولكن الخبراء يقولون أن بيتكوين تقدم دروساً مهمة في إيصال المساعدات في حالات ضعف المؤسسات (أو تدميرها).
فعلى سبيل المثال، تم استخدام بيتكوين على نطاق صغير لجمع الأموال للاستجابة لتفشي فيروس الإيبولا في سيراليون. فقد تم تبادل الأموال المتبرع بها رقمياً في الولايات المتحدة ثم إرسالها إلى المنظمات غير الحكومية على الأرض.
وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية ، قال إغناسيو ماس، وهو كبير باحثين في كلية سعيد لإدارة الأعمال بجامعة أكسفورد أن "بيتكوين كعملة توفر بالتأكيد إمكانيات لصناعة المساعدات الإنسانية كموقع لجمع المال، ولكنها لم تنجح من حيث توزيع الأموال. يريد الناس عملة يمكنهم استخدامها، وفي البلدان النامية، هذا يعني العملات المحلية. إذا لم يكن هناك نظام بيتكوين محلي في الأماكن التي نحاول إرسال المساعدات إليها، ماذا يمكن لتوزيع المعونات باستخدام بيتكوين أن يفعل سوى تكرار مشكلة ويسترن يونيون التي تحاول حلها؟"
مع ذلك، أصر ماس على أن بيتكوين ليست مجرد نوع من المال، ولكنه نظام يتيح تقاسم المال: "إنها عملة معقدة ومتقلبة، وربما لن تجدي نفعاً على المدى الطويل، لكنها أيضاً بروتوكول، أو طريقة نتبادل بها المال بين الأقران". وفي ورقة بحثية بعنوان "لماذا يجب أن تهتم ببيتكوين - حتى لو كنت لا تؤمن بها"، يرى ماس أن هذه العملة الافتراضية الصالحة لمدة خمس سنوات لها "عناصر هندسية أساسية تتيح لنا إمكانية تخيل نهج مختلفة بطريقة جذرية لتصميم أنظمة الدفع الالكترونية".
وفيما يتعلق بتوزيع المساعدات، يمكن لهذه الأفكار "المختلفة جذرياً" أن تؤثر على طريقة تحويل الأموال إلى (وبين) الناس الذين هم في أمس الحاجة إليها. وقد أصبحت التحويلات النقدية الإلكترونية – التي تتم في كثير من الأحيان عن طريق الرسائل النصية القصيرة - أداة ذات شعبية متزايدة لتقديم المساعدات في السنوات الأخيرة.
وفي السياق نفسه، أفاد تقرير صادر عن البنك الدولي ومؤسسة غيتس في عام 2014 أن "التطور السريع وامتداد المنصات الرقمية والمدفوعات الرقمية يمكن أن يوفر السرعة والأمان والشفافية والكفاءة اللازمة من حيث التكلفة لزيادة الشمول المالي". ويتم الآن منح ثلث كافة المساعدات الغذائية المقدمة من قبل برنامج الأغذية العالمي في شكل مساعدات أو قسائم نقدية. ويدرج "أطلس النقد" التابع لبرنامج شراكة التعلم في مجال النقد (CaLP) 592 مشروعاً تضم أكثر من 23 مليون مستفيد في جميع أنحاء العالم.
لكن التحويلات النقدية – من الوكالات إلى الناس، أو من الحكومات إلى الناس، أو من الناس إلى الناس - تعج بحالات السرقة والتعقيدات. وباختصار، فإنها تعتمد على مؤسسات لا تعمل بالضرورة لمصلحتهم. على سبيل المثال، في بعض أجزاء من أفريقيا، حيث تهيمن شركة واحدة أو شركتان على البنية التحتية للتحويلات النقدية، يضيع ما يقرب من 12 بالمائة من الأموال في صورة رسوم تحويل. وعى الرغم من أن التحويلات النقدية عبر الرسائل القصيرة تخفض التكاليف التي تتكبدها وكالات الإغاثة، فإنها متهمة بتحويل المخاطر إلى المتلقين المستضعفين.
وهذا هو المجال الذي يمكن لبيتكوين (أو غيرها من العملات التشفيرية) أن تحدث تغييراً - لأنها لا تتطلب سوى تكاليف ضئيلة ولا تحتاج إلى مؤسسات. وتنبأ ماس بأن "بيتكوين سوف يكون لها تأثير كبير على العالم، وعلى كيفية تحويل الأموال".
من جانبه، ذكر أندريه فيريتي، مسؤول إدارة المعلومات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن "الأمور سوف تبدأ تتغير عندما تصبح الكهرباء أكثر قابلية للتنبؤ في حالات الطوارئ، وتصبح التكنولوجيا، مثل الهواتف الذكية، جزءاً من حزمة المساعدات القياسية. عندما تكون هذه الخدمات متاحة، قد يحين الوقت لاستخدام عملة تشفيرية مخصصة للمساعدات الإنسانية".
أما بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني، فإن العملات الرقمية مثل بيتكوين تثير تساؤلات عن الفعالية والكفاءة والمساءلة والاستدامة، ولكن لم يتم التوصل إلى رأي قاطع بشأن فوائد بيتكوين. وفي هذا التقرير تلقي شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) نظرة على هذه القضايا.
ما هي بيتكوين؟
تصف وزارة الخزانة الأمريكية بيتكوين بأنها "عملة افتراضية لامركزية"، وهذه التسمية تبرز الجوانب الرئيسية لها: فهي عملة ذات قيمة، وتوجد بالكامل فقط على الإنترنت. أو، كما أوضحت إذاعة أمريكية عامة تسمى كوكب المال: "كل من يستخدم بيتكوين لديه محفظة رقمية. وعند شراء شيء ما، ترسل عملاتك إلى محفظة شخص آخر، [على سبيل المثال، تاجر على الإنترنت أو شخص آخر]." إن كل عملة مشفرة وفريدة من نوعها، بمعنى أن عملية الاستبدال لا يمكن أن تتكرر.
ويوجد العشرات من برامج تحويل الأموال الإلكترونية الأخرى، ولكن بيتكوين فريدة من نوعها في بعض النواحي المهمة. وأوضح ماس أن "بيتكوين تختلف عن جميع أنظمة تحويل النقود الإلكترونية الأخرى لأنها تسمح بتبادل الأموال بأمان بين الأقران".
وأضاف قائلاً: "فكر فيها على أنها تبادل تقليدي للنقود: إذا كنت مديناً لك بعشرة دولارات وأرغب في تسديد الدين، يمكنني أن أعطيك ورقة نقدية بقيمة 10 دولار ويتم سداد الدين. تقوم [الحكومة] بتضمين تقنية في تلك السيولة النقدية مما يجعلها غير قابلة للنسخ - ونحن نثق في هذا، وبالتالي فإن عملية التبادل بيننا تكون صالحة".
ولكن المخاوف تتغير عندما تكون الصفقة افتراضية. فعندما دشن برنامج الأغذية العالمي شراكة مع ماستركارد في عام 2012، أكد البرنامج أن "خبرة وتقنية دفع الأموال التي تملكها الشركة سوف تساعد البرنامج على صقل وتحسين أنظمته التي تقدم قسائم الطعام عن طريق الهواتف النقالة أو البطاقات المصرفية للأشخاص الذين لا تتوافر لديهم فرص وصول منتظمة إلى المصارف أو الخدمات المالية" .
وهذا النوع من الخبرات ضروري لتوفير الأمن للتحويلات المالية. وأوضح ماس أن "ما يقدمه البنك أو شركة خدمات تحويل الأموال هو ضمان أن التحويل حقيقي وليس تكراراً لعملية رقمية".
ولكنه أضاف قائلاً: "إن مشكلة هذه المؤسسات الكبرى تكمن في أن لا مصلحة لها في مساعدة الفقراء. أما بروتوكول بيتكوين [الطريقة التي يتم من خلالها تبادل العملات]، فيعطي المعاملات المالية بين الأقران النوع ذاته من الأمن عن طريق ضمان أن هذا التبادل لا يمكن أن يتكرر".
لماذا نستخدم العملة الرقمية بدلاً من العملة الصعبة؟
جعل النظام النقدي عبر الهاتف المحمول في كينيا المعروف باسم م-بيسا (M-Pesa) تحويل النقود داخل البلاد أسهل وأرخص بكثير. ولكن القواعد التنظيمية التي تفرض إجراء جميع التحويلات النقدية الدولية من خلال البنوك التقليدية تحد من تطبيق مثل هذه النظم دولياً.
ولا تنتمي بيتكوين إلى أي حكومة، ولكن لا تزال شرعيتها متنوعة في جميع أنحاء العالم، واشتمل رد فعل الحكومات على كل شيء من الحظر الشامل إلى منح الإذن بحذر. ففي مارس 2014، على سبيل المثال، حظر البنك المركزي المكسيكي الاستخدام المحلي للعملات الرقمية. وفي الشهر نفسه، أصدرت حكومة الفلبين، التي تعد واحدة من أكثر البلدان المعرضة للكوارث في العالم، تحذيراً من أن القانون لا ينظم تداول عملات بيتكوين (مما يجعل تأمين الاستثمار فيها ضد الاحتيال أو الإفلاس ضربأ من المستحيل)، كما أنها متقلبة للغاية، ولكنها لم تسع إلى تقنينها. وتم إطلاق محفظة تطبيقات بيتكوين جديدة في أكتوبر مصممة لاستهداف سوق التحويلات النقدية الضخمة في الفلبين.
مع ذلك، تميل مثل هذه التقييمات إلى التركيز على قيمة العملة الرقمية المشفرة، وليس البروتوكول، أو كما قال محللو بلومبرغ: "قيمة عملات بيتكوين في فائدتها كأساس لنوع جديد من أنظمة الدفع".
وقال فيريتي من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن العملات الرقمية "يمكن أن تسهل الدفع [عبر الإنترنت] بتكلفة أقل وبقدر أكبر من الأمان والخصوصية من وسائل الدفع الالكترونية الحالية". وأشار أيضاً إلى بعض الفوائد التقنية المخصصة لصناعة المساعدات عند إجراء التحويلات النقدية - بما في ذلك "القدرة على تتبع مكان إنفاق العملة بالضبط".
وتقول شراكة التعلم في مجال النقد، وهي اتحاد منظمات تقوده أوكسفام والصليب الأحمر البريطاني ومنظمة إنقاذ الطفولة والمجلس النرويجي للاجئين ومنظمة العمل ضد الجوع (ACF): "يُنظر إلى استخدام هذه التقنية الجديدة على نحو متزايد باعتباره عاملاً حاسماً في إعداد برامج التحويلات النقدية على نطاق واسع وتنفيذ برامج التحويلات النقدية في مناطق نائية وغير آمنة ... ومفيداً لتحسين نظم الرصد والتقييم والإنذار المبكر، ومبادرات التأهب، وجمع بيانات التقييم، من بين أمور أخرى".
وفي مؤتمر إحاطة استضافه البنك الدولي والمنتدى العالمي للقانون والعدالة والتنمية في عام 2013، حذر ديفيد ميلز، وهو خبير اقتصادي، من أن بيتكوين قد تكون أكثر عرضة لاستخدامها في المعاملات غير المشروعة، وللسرقة (أقرب إلى حمل شخص واحد لكمية كبيرة من النقود)، وللهجمات الإلكترونية أيضاً. ولكن إيموري كروبر، نائب مدير السياسات الاستراتيجية في مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية في وزارة الخزانة الأمريكية، أكد أن "العملات الافتراضية ليست بالضرورة أكثر خطورة من أي نظام دفع إلكتروني آخر".
على ماذا ننفقها؟
على الرغم من الوعود بتحقيق الأمن والشفافية وسرعة التوزيع خلال الأزمات الإنسانية، سيقتصر استخدام العملة الرقمية بيتكوين على الأسواق التي تقبل مثل هذه العملات الرقمية (التجار على الإنترنت، على سبيل المثال) أو بناء ما يكفي من نقاط صرف العملات التي يمكن أن تحولها إلى نقد صالح للاستعمال.
من جهته، حذر ماس بشكل حاسم من أن "تحويل بيتكوين إلى خدمات يمكن استخدامها يتطلب إنشاء مجموعة كاملة من القدرات التكميلية".
ولكنه أكد أن تركيز صناعة المساعدات ينبغي أن ينصب على كيفية استخدام البروتوكول، وليس العملة. وأوضح قائلاً: "إذا كانت لدينا حالة تشمل إصدار عملات بيتكوين ذات قيمة بالدولار الأمريكي، على سبيل المثال، ولكن مع بروتوكول مماثل يتيح التقاسم بين الأقران ويقضي على العقبات البيروقراطية المركزية التي تشوب البنوك التقليدية، فإنها قد تصبح شديدة التأثير."
في الوقت نفسه، يثق فيريتي في أنه "بحلول الوقت الذي يصبح فيه المجتمع الإنساني مستعداً لاستخدام العملة الرقمية، ستكون شركات مثل هذه [التي تقدم خدمات ذات صلة بالعملة التشفيرية] لديها حلول ناضجة وسيتم التصدي للعديد من التحديات التي تواجه العملة التشفيرية" .
[ لا يعكس هذا التقرير بالضرورة وجهة نظر نشطاء بلاحدود ]
- ايرين