الطفرة الشبابية... فرصة ينبغي انتهازها

الصورة: الصندوق الأفريقي للأيتام
خمسة بلدان أفريقية لا تزال تشهد طفرة شبابية سكانية  
قبلنا منذ فترة مفهوم "ذروة النفط" - وهي النقطة التي يبدأ فيها إنتاج النفط في انحدار لا رجعة فيه. ونحن الآن مدعون للتفكير في أننا نقترب بسرعة أيضاً من مفهوم ما يُعرف بـ "ذروة الشباب" أو "الطفرة الشبابية" التي تعني أن عدد السكان الشباب سيصبح أكثر من أي وقت مضى في تاريخ هذا الكوكب، وعندها يصل الشباب كنسبة من السكان إلى الحد الأقصى، قبل أن تبدأ هذه النسبة في التراجع.

وتشير تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن 1.8 مليار نسمة من سكان العالم الذين تتراوح أعمارهم حالياً بين 10-24 عاماً. كما يشير في تقريره السنوي إلى أن الشباب سيكونون بمثابة قوة عظيمة تسهم في تسريع عجلة التنمية وتحسين نوعية الحياة، ولكن هذا مشروط بتسخير هذه التغيرات الديمغرافية للصالح العام.

وقد أصبحنا الآن نفهم جيداً النمط الذي يتبعه السكان على مدى القرن الماضي أو أكثر. فالتقدم في المجال الطبي يسهم أولاً في تحسين معدلات بقاء الأطفال على قيد الحياة، ومن ثم فإن عدد الأطفال والشباب في ارتفاع، كما أن البالغين العاملين يناضلون من أجل تربية عدد متزايد من الأطفال. ثم يبدأ الناس في إنجاب عدد أقل من الأطفال. في الوقت ذاته، يصل الجيل الأول من طفرة المواليد الجدد إلى مرحلة البلوغ وينضم إلى القوة العاملة، وفجأة يصبح هناك عدد كبير من البالغين الذين يدعمون عدد أقل من المُعالين، ويُتاح للأسر فرصة أن تصبح أكثر ثراء، وهذا ينعكس بدوره على المجتمع بأسره.


مرت أوروبا بهذا الانتقال منذ فترة طويلة، ثم تبعتها دول جنوب شرق آسيا، والصين مؤخراً. وقد شهدت جميع تلك الدول زيادة هائلة في مستوى الرخاء والازدهار، الذي يسمى بـ "العائد الديمغرافي". والآن تمر أفريقيا بنفس الفترة من هذا الانتقال. ويفيد تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن هناك ست دول فقط لا تزال تمر بمرحلة "طفرة الشباب" السكانية وليس الشيخوخة السكانية، وأن خمساً من الدول الست توجد في أفريقيا جنوب الصحراء. لكن من المتوقع أن ينعكس هذا الاتجاه بعد عام 2020. (الدولة السادسة هي إسرائيل، كحالة خاصة).


"العائد الديموغرافي ليس أمراً مضموناً، بل فرصة يجب انتهازها"


وفي هذا السياق، أعرب باباتوندي أوشيتيمن، مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان عن تفائله قائلاً: " لم يحدث من قبل" أن كان هناك هذا العدد الكثير من الشباب. لكنه عاد وحذر من أنه من غير المحتمل أن تتكرر مثل هذه الإمكانات للتغيير الاقتصادي والاجتماعي مرة أخرى. وفي هذا الصدد، قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "التحول الديمغرافي سيحدث، ولكنه ليس أمراً مسلماً به. يجب أن تنتهز هذه الفرصة، ويجب أن نفهم أن هذا هو الوقت المناسب لانتهاز هذه الفرصة".


وللاستفادة القصوى من القوة العاملة المحتملة، يجب أن يكون هؤلاء الشباب أصحاء ومتعلمين جيداً ويحصلون على أجر جيد. وغالباً ما يكون أول رد فعل للحكومات التي تواجه هذا النوع من التحول الديموغرافي هو التركيز على توفير فرص العمل. ولكن ريتشارد كولودج، محرر تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان يرغب في أن يرى تحولاً في التركيز من القلق بشأن معدل البطالة، إلى تمكين الشباب من إيجاد طرقهم الخاصة في المساهمة. وتعليقاً على هذه النقطة، قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين):"لقد وصلنا إلى المرحلة التي يتعين علينا حث الناس على التفكير بهذه الطريقة ...فقد أصبح لدينا هذه الفئة الكبيرة من السكان الشباب، فهل نقوم بالأشياء الصحيحة التي تُمكّنهم من تحقيق إمكاناتهم بدلاً من النظر إليهم كمسؤوليات؟ يتعين علينا أن ننظر إليهم كأصول، وبدلاً من أن ننظر إليهم على أنهم يمثلون مشكلات، علينا أن نعتبرهم إمكانات. ولكن لن يحدث أياً من هذه الأمور تلقائياً".
وبينما يركز العمل الرئيسي لصندوق الأمم المتحدة للسكان على مجال الصحة الجنسية والإنجابية، فإن هذا الأمر يعني له بذل المزيد من الجهود في مساعدة الفتيات والنساء الشابات، على وجه الخصوص، لتحقيق إمكاناتهن، وتحريرهن من المشكلات الصحية الناجمة عن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، والحمل في سن مبكرة جداً، ومنحهن قوة الاختيار بشأن التعليم والعمل وبشأن متى ومن يتزوجن، وبشأن توقيت فترات الحمل وعددها. إنها رؤية نحو قوة عاملة تتمتع بصحة وتعليم جيد وثقة بالنفس، حيث تستطيع المرأة الشابة، وكذلك الشبان توفير فرص العمل الخاصة بهم وإنتاج القيمة الاقتصادية، حتى عندما لا تكون هناك فرص عمل متوفرة في القطاع الرسمي.

وترى بولين أوستيرهوف من معهد "دراسات التنمية" قرب برايتون في المملكة المتحدة أن تمكين المرأة الشابة من أن تكون منتجة اقتصادياً سوف يكون مشروعاً أوسع بكثير مما هو متصور. ففي ظل الاستثمارات اللازمة في مجال البنية التحتية مثل إمدادات المياه وتقديم المزيد من الدعم الاجتماعي، لن يتعلق الأمر بالناتج المحلي الإجمالي فقط، بل برعاية الأطفال والمسنين، ومثلها مثل الأعمال المنزلية الأخرى، فإن النساء والفتيات هن من يتحمل مثل هذا هذا العبء. وتوضيحاً لهذا قالت: "لن تكون المرأة الشابة قادرة على العمل من أجل الربح إذا كانت تقوم بالكثير من الأعمال غير مدفوعة الأجر". وأضافت: "إذا تابعت كيف يبدو اليوم بالنسبة للفتاة في البلدان النامية الآن، فسوف تلاحظ أن تحقيق عائد اقتصادي سيحتاج إلى الكثير من الاستثمارات".


وأضافت زميلتها ديتا شوبرا قائلة: "دعونا لا ننسى...أن هذا الاتجاه سوف يتراجع في النهاية عندما تتقدم القوة العاملة هذه في العمر، ومرة أخرى سيكون هناك المزيد من الأشخاص الذين يحتاجون إلى من يعيلهم. أنا مندهشة من أن موضوع تقديم الرعاية لا يُؤخذ في الاعتبار في السياسات الخاصة بتمكين النساء والفتيات، إذ لا يوجد نقاش بشأن رعاية الأطفال أو المسنين، ومن ثم هناك مخاطر من أن يتسبب عدم الاهتمام بالجانب الخاص بالرعاية في ضياع العائد الديموغرافي".


"تحرير التجارة غيّر قواعد المنافسة تماماً" 


وتنتاب بعض المتخصصين في مجال الديمغرافيا شكوك حول ما إذا كان يمكن للطفرة الشبابية في أفريقيا أن تقود إلى إنتاج هذا النوع من الطفرة في النمو التي شهدتها دول مثل كوريا الجنوبية وتايلاند. ومن بين هؤلاء ديبورا بوتس من كينجز كوليدج لندن، التي قالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لقد كان العامل الأكثر أهمية في جميع الحالات تقريباً هو تدخل الدولة ... لكن في ظل عالم يسوده طابع العولمة، وفي ظل القيود الرئيسية المفروضة على نوع المسار التنموي الذي يمكن المضي فيه، يصبح من المستحيل فعلياً على الدول الأفريقية اتباع المسار الذي اتخذته كوريا الجنوبية.


"فقد ضخت كوريا الجنوبية بالأساس أموالاً في الصناعات الثقيلة مثل صناعة السفن، ما قاد إلى إضعاف منافسيها بشكل لن يُسمح بتكراره اليوم. فقد أصبح هذا الأمر غير قانوني على الإطلاق بموجب القواعد الحالية لمنظمة التجارة العالمية. كما أن تحرير التجارة غيّر تماماً قواعد المنافسة. وبالتالي، فقدت نيجيريا، على سبيل المثال، مئات الآلاف من الوظائف جرّاء المنافسة التصنيعية مع الصين، وليس هناك أي مؤشرات على إمكانية عودة هذه الوظائف مرة أخرى. ومن ثم، يتعين على جميع هؤلاء الشباب في نيجيريا أن يفعلوا شيئاً أكثر إنتاجية مما يقومون به الآن من أجل إنتاج ما يعرف بالعائد الديمغرافي. لم تكن وظائف القطاع غير الرسمي ما دفع عجلة الاقتصادات في تايلاند وفيتنام والصين".


والمعضلة التي تواجه صناع السياسات في أفريقيا هو أن التحول السكاني يحدث الآن، حتى المتفائلون يقولون أن الحاجة إلى اتخاذ قرارات أصبحت ملحّة. وقال ريتشارد كولودج، محرر تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان: "يجب البدء في الاستثمار خلال الفترة الفاصلة بين انخفاض الوفيات وانخفاض الخصوبة حتى نتمكن من الاستفادة من مثل هذا التحول. ففي نهاية المطاف سوف يتحول السكان الصغار جداً في العمر إلى سكان متقدمين جداً في العمر، ويجب أن تخطط لذلك أيضاً. وما لم يتم اتخاذ خطوات الآن، فسوف تهدر الحصول على العائد الديمغرافي. ذلك أن الفرصة لن تظل متاحة لفترة طويلة جداً".  




[ لا يعكس هذا التقرير بالضرورة وجهة نظر نشطاء بلاحدود ]  

- ايرين