ارتفاع معدلات الإصابة بالإيدز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الصورة: إلفرت بارنز/فليكر
تم تنظيم فعاليات لرفع الوعي في جميع أنحاء العالم ضمن فعاليات اليوم العالمي للإيدز
دبي, 3 ديسمبر 2014 (إيرين)

ترتفع معدلات الإصابة الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية والوفيات المرتبطة بالإيدز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من أي مكان آخر في العالم.

وبينما أحيا العالم ذكرى اليوم العالمي للإيدز هذا الأسبوع، حذر الخبراء من أن وصمة العار الثقافية والنظم القانونية العقابية تؤدي إلى التخلي عن العديد من المرضى غير القادرين على الحصول على العلاج والدعم، مما ينتج عنه فقدان غير ضروري للحياة وزيادة مخاطر انتقال العدوى.

ووفقاً لأحدث البيانات المتاحة من برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز (UNAIDS)، يوجد 230,000 شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية في الـ21 دولة التي يشملها تعريف المنظمة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA).
ولا يزال معدل الانتشار هذا، الذي يبلغ 0.1 بالمائة، منخفضاً للغاية بالمقارنة مع أجزاء من جنوب قارة أفريقيا، حيث يصاب واحد من كل أربعة أشخاص بفيروس نقص المناعة البشرية. ولكن في حين أن أكثر المناطق تضرراً تنجح الآن في الحد من معدلات الإصابة الجديدة والوفيات المرتبطة بالإيدز، وزيادة الوصول إلى العلاج، فإن العكس يحدث في الشرق الأوسط.

ففي عام 2013، شهدت المنطقة وفاة 15,000 شخص بهذا المرض، أي بزيادة قدرها 66 بالمائة عن عام 2005، وعلى الرغم من تراجع الإصابات الجديدة على مستوى العالم بنسبة 38 بالمائة منذ عام 2001، فإنها قد ارتفعت في منطقة الشرق الأوسط خلال نفس الفترة. 

وقالت شيرين الفقي، الناشطة البارزة في مجال مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية ونائب الرئيس السابق للجنة العالمية المعنية بفيروس نقص المناعة البشرية والقانون، أن "المستوى المطلق لانتشار فيروس نقص المناعة البشرية في المنطقة ليس هو الشيء الذي ينبغي أن نشعر بالقلق إزاءه - على الرغم من خطورته - بل إن منحدر منحنى النمو هو الذي يبعث على القلق".

وأوضحت أنه "في الوقت الحالي، أصبح فيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وباءً يتركز بين مجموعات سكانية رئيسية معينة - مثل الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، والعاملات في مجال الجنس، والأشخاص الذين يتعاطون المخدرات. إنهم يشاركون في ممارسات وسلوكيات مدانة اجتماعياً ودينياً، وفي الغالبية العظمى من بلدان المنطقة، تعتبر تلك الممارسات الثلاث غير قانونية".

"تعيش هذه المجموعات السكانية في الظل، وتجد الحكومات صعوبات في التعامل معهم لأنه حتى لو مدت وزارة الصحة يداً إليهم، فإن وزارة الداخلية قد تمد اليد الأخرى وتضعهم في السجن،" كما أشارت الفقي، مؤلفة كتاب الجنس والقلعة، الذي يستكشف الحياة الجنسية في العالم العربي.

وصمة العار تصيب الفئات المعرضة للخطر

ولا توجد إحصاءات موثوقة تماماً بشأن معدلات الإصابة، بسبب وصمة العار المتعلقة بالسلوكيات التي تعرض الناس للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز في منطقة الشرق الأوسط، وحتى برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز لا يقدم سوى نطاقاً يتراوح بين 160,000 و330,000 شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية.

وفي حديث إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال بول غالاتويتش، الأستاذ المساعد في مدرسة الصحة العامة التابعة لكلية طب نيويورك والمدير التنفيذي لمنظمة الاستراتيجيات الصحية (HCS)، وهي منظمة استشارية في مجال استراتيجيات مكافحة الأمراض تتخذ من نيويورك مقراً لها: "من الصعب جداً أن نعرف معدلات الإصابة والانتشار الفعلية لأن الناس يخشون إجراء اختبارات إذا كانوا في تلك الفئات المعرضة للخطر لعدة الأسباب، من بينها أنه قد ينتهي بهم المطاف في السجن".

من جانبه، اعترف الدكتور علي فيض زاده، مستشار المعلومات الاستراتيجية الإقليمي في برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوجود ثغرات في المراقبة.

المستوى المطلق لانتشار فيروس نقص المناعة البشرية في المنطقة ليس هو الشيء الذي ينبغي أن نشعر بالقلق إزاءه - على الرغم من خطورته - بل إن منحدر منحنى النمو هو الذي يبعث على القلق"
"لم تتمكن سوريا ولبنان والعراق، بالإضافة إلى عدد قليل من الدول الآخرى في المنطقة، من توفير أي تقدير لحجم وباء فيروس نقص المناعة البشرية، وفي حالتي سوريا والعراق، لا يوجد حتى أي تقرير عن العدد الفعلي للأشخاص الذين يتلقون العلاج،" كما أفاد.

وأضاف أن "برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز يدعم إصدار البلدان لتقارير سنوية مقابل التقرير العالمي عن التقدم في مكافحة الإيدز، وكذلك التقديرات الخاصة بوباء فيروس نقص المناعة البشرية ... [لكن] بعض الدول إما غير راغبة أو غير قادرة على تقديم مثل هذه التقارير".

كما حذر غالاتويتش من أن الصراعات، مثل تلك المندلعة في سوريا وليبيا، والضغط الذي تفرضه على البلدان المجاورة من خلال تدفقات اللاجئين، تعد سبباً محتملاً لارتفاع معدلات انتقال العدوى العلاجي المنشأ (انتقال العدوى عن طريق الوسائل الطبية).

وأوضح أنه "عندما يكون لديك تفكك اجتماعي كبير - كما هو الحال في سوريا وليبيا والى حد ما لبنان - فإنه يمهد الطريق لزيادة انتقال العدوى العلاجي المنشأ".

"عندما ينهار نظام صحي، تنهار أيضاً مكافحة العدوى، ومن المرجح أن تنتشر إعادة استخدام الإمدادات الطبية، وهذا يخلق مخاطر كبرى فيما يتعلق بانتقال العدوى،" كما أضاف.

وبالإضافة إلى - وبسبب - ضعف المراقبة ووصمة العار المرتبطة بفيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط على حد سواء، تصبح تدابير الحد من الانتشار، مثل التعليم واستخدام الواقيات وتبادل الإبر، محدودة في العديد من البلدان.

محدودية توافر العلاج المضاد للفيروسات القهقرية

لقد أصبح العلاج المضاد للفيروسات القهقرية على المستوى العالمي متاحاً الآن لنحو 40 بالمائة من الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، ولكن لا يحصل على العلاج سوى أقل من 20 بالمائة من المرضى في العديد من بلدان الشرق الأوسط، وهذا واحد من أدنى المعدلات في العالم وعامل مساعد في الزيادات الحادة في الوفيات المرتبطة بالإيدز، بحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز.

وتجدر الإشارة إلى أن جيبوتي والمغرب هما الاستثناءان الوحيدان، حيث يوفر البلدان العلاج لما بين 20 و40 بالمائة من البالغين والأطفال المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية.
  


                                                                                                                                                                    الصورة: زورياه/ فليكر
أنظمة الرعاية الصحية المهترئة في مناطق النزاع تزيد من مخاطر تعرض الناس لانتقال فيروس نقص المناعة البشرية أثناء تلقي العلاج الطبي 


كما يعتبر تهميش السكان المتضررين الأقل استعداداً وقدرة على التعبير عن مطالبهم بتوفير العلاج جزءاً من المشكلة.

ولكن وفقاً لتقرير نشره المكتب المرجعي للسكان (PRB) في واشنطن في يونيو 2014، "غالباً ما يؤدي نقص التمويل، وسوء الإدارة، وعدم كفاية الخدمات الصحية، والأزمات السياسية والصراعات المستمرة إلى نقص متقطع في الأدوية (نضوب المخزون)" وهو ما "يجعل العلاج المضاد للفيروسات القهقرية أكثر بعداً عن متناول المرضى".

من جهتها، وصفت الفقي ضعف تغطية العلاج المضاد للفيروسات القهقرية في المنطقة بأنه "مؤسف"، وقالت أن "ما يجعل الأمر غير مقبول بشكل أكبر هو أن البلدان في هذه المنطقة أكثر ثراءً بكثير من نظيراتها في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، التي تدير معدلات علاج أعلى من ذلك بكثير ولديها عدد مصابين أكبر بكثير".

مع ذلك، وعلى الرغم من ضعف سجل المعالجة بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن بعض الحكومات، بما في ذلك المغرب وسلطنة عمان، قد حازت على الثناء لتوسيع نطاق برامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية الخاصة بها.

كما تمت الإشادة بمنظمات المجتمع المدني في بلدان مثل تونس والمغرب ولبنان والجزائر لعملها في مجالات التوعية والدفاع عن حقوق المرضى.

وعلى مستوى السياسات، أقر مجلس وزراء الصحة العرب الإطار الاستراتيجي العربي لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز (2014-2020)، بعد اعتماد البرلمان العربي للاتفاقية العربية للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية وحماية حقوق الأشخاص المصابين به في مارس 2012. وحتى البلدان المحافظة بشكل كبير، مثل المملكة العربية السعودية، لديها الآن برامج حكومية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية.

وقال فيض زاده أن برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز يساعد البلدان في المنطقة على الحصول على الموارد المالية اللازمة لتوسيع نطاق توفير العلاج المضاد للفيروسات القهقرية بها، كما يعمل البرنامج مع منظمات المجتمع المدني من أجل "زيادة ثقافتها" حول حقوق العلاج.

تطورات إيجابية

وأبرزت الفقي إنشاء الشبكة الإقليمية/العربية لمكافحة الإيدز (RAANA)؛ ومجموعة مينا روزا (MENA-Rosa)، وهي أول مجموعة إقليمية مخصصة للنساء المصابات بفيروس نقص المناعة البشرية، فضلاً عن ظهور مجموعات دعم المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية (LGBT)، باعتبارها بعض التطورات الأكثر إيجابية في السنوات الأخيرة.

وأضافت قائلة: "أعتقد أنها عملية طويلة"، مشيرة إلى نمو برامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية، على الرغم من السياق الثقافي والديني في المنطقة، وإلى أن "الكثير من الأشخاص شديدي الذكاء يعملون على التصدي لهذه القضايا داخل المنطقة".

ومن بين المشاريع البحثية المختلفة الجارية في المنطقة، سيقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) خلال الفترة من أكتوبر إلى يناير بتنفيذ التنميط الاجتماعي والاقتصادي للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في مصر والجزائر وتونس، ودراسة مدى توافر خطط الحماية الاجتماعية لهذه المجموعات السكانية.

ويهدف المشروع إلى تعزيز الوعي باحتياجات الحماية الاجتماعية المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية والضغط لتوفير حزم حماية اجتماعية إضافية من خلال مناصرة ودعم السياسات.

ويشمل تصنيف برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البلدان التالية: الجزائر والبحرين وجيبوتي ومصر وإيران والعراق والأردن والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وعمان والأرض الفلسطينية المحتلة وقطر والمملكة العربية السعودية والصومال والسودان وسوريا وتونس والإمارات العربية المتحدة واليمن.

الجدير بالذكر أن 88 بالمائة من عدد حالات الإصابة في هذا الإقليم توجد في خمس دول فقط، هي إيران والسودان والصومال والجزائر والمغرب. 




[ لا يعكس هذا التقرير بالضرورة وجهة نظر نشطاء بلاحدود ]