ادى الاحتجاج الدولي على الفظائع التي ارتكبتها وأعلنت عنها صراحة جماعة جهادية في العراق تطلق على نفسها اسم الدولة الإسلامية (الدولة الإسلامية في العراق والشام سابقاً) إلى دعوات لإجراء تحقيقات وإنزال العقاب بهذه الجماعة، وأكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن "العدالة ستأخذ مجراها" بعد مقتل الصحفي جيمس فولي.
وقد أثار هذا رد فعل مباشر في صورة ضربات جوية وجهتها الولايات المتحدة، وتشكيل تحالف دولي لمحاربة الجماعة. ولكن فيما عدا هذه "العدالة" العسكرية الخشنة، ما هي الآليات الموجودة لتحويل التحقيقات إلى قضايا تنظرها المحاكم وتُخضع قادة تنظيم الدولة الإسلامية رسمياً للمساءلة؟ ما هي الجرائم التي يرتكبها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية بالضبط، وربما يكون السؤال الأهم من ذلك هو هل توجد فرصة لمحاسبة مقاتلي الجماعة؟
من الذي يُجري تحقيقات؟
تفيد التقارير بأن عدة فرق من المحققين تدرس الأدلة على ارتكاب أعمال وحشية، بما في ذلك لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا، وهي لجنة تحقيق مدعومة من الحكومة البريطانية (تغطي سوريا)، وتدرس واشنطن ولندن مقترحات بتشكيل لجنة تتخذ من أربيل مقراً لها للتحقيق في جرائم تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي الأول من سبتمبر، وافق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشكل منفصل على إرسال فريق تحقيقات يتكون من 11 عضواً إلى العراق، وهو القرار الذي جاء بعد أيام قليلة من نشره لتقرير (27 أغسطس 2014) الذي اتهم أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بارتكاب فظائع جماعية وأعمال "ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية" في سوريا في النصف الأول من هذا العام.
وتشمل الجهود الأخرى للتحقيق في الفظائع التي حدثت مؤخراً في سوريا والعراق تشكيل الهيئة السورية للعدالة والمساءلة (SCJA)، والمركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC)، ولجنة العدالة والمساءلة الدولية التي يرأسها المحقق الكندي ويليام وايلي.
ما هي الجرائم التي نتحدث عنها؟
ويتهم نقاد تنظيم الدولة الإسلامية الجماعة بارتكاب قائمة طويلة من الجرائم، من بينها عمليات الإعدام العلنية، وقطع الرؤوس، والخطف والتعذيب، والاعتناق القسري للدين، والاعتداء الجنسي، وقتل الجنود الأسرى، وفرض الحصار على بعض المجتمعات.
ويخالف العديد من هذه الفظائع - التي تعلن عنها الجماعة على شبكة الإنترنت - قانون العقوبات العراقي، الذي لا تزال المحاكم الجنائية القائمة تطبقه (في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة). وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية قد يدعي خلاف ذلك، إلا أن معظم الناس يتقبلون حقيقة أن الجرائم المزعومة تجري على الأراضي العراقية وبالتالي فإنها عادة ما تخضع للقانون العراقي.
ولكن نظراً لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على حوالي ثلث البلاد، لا تعتبر التحقيقات أو المحاكمات الوطنية واقعية في الوقت الراهن. وحيث أن العراق حالياً في حالة نزاع مسلح، فإن بعض أعمال العنف التي يحظر ارتكابها في وقت السلم تصبح مسموحة بموجب القانون الدولي، وبالتالي، يمكن أن يدعي محامو التنظيم أن القواعد السائدة في وقت السلم لم تعد تنطبق على الوضع الحالي.
ماذا عن جرائم الحرب؟
وقد أصبح اتهام الدولة الإسلامية بارتكاب جرائم حرب شائعاً بشكل متزايد. وجرائم الحرب هي الجرائم العالمية التي تعرف تقنياً بأنها انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني (IHL) - الذي يعرف أحياناً باسم قانون النزاع المسلح. على سبيل المثال، نشرت منظمة العفو الدولية في 2 سبتمبر ورقة إحاطة بعنوان تطهير عرقي على مقياس تاريخي، متهمة الجماعة بارتكاب جرائم حرب وغيرها من الأعمال الوحشية.
ويتم تحديد قواعد الحرب في صكوك مثل اتفاقيات جنيف الأربع (1949) والبروتوكولين الإضافيين (1977)، والممارسة العرفية.
ولكن لتطبيق القانون الدولي الإنساني، ينبغي تحديد ما إذا كان العنف يعتبر من الناحية القانونية نزاعاً مسلحاً دولياً أو غير دولي، وهما فئتان فنيتان قطعت التقييمات الفنية التي أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) شوطاً طويلاً لإرسائهما.
وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، يوجد حالياً صراع مسلح غير دولي في سوريا (باللغة الدارجة، حرب أهلية)، الأمر الذي يعني أن مجموعة أعمال العنف في البلاد، حتى التي تقع بعيداً عن الخطوط الأمامية، قد تعتبر بمثابة جرائم حرب.
وتنطبق القوانين على سلوك قوات الدولة الإسلامية، وتفرض توفير الحماية للمدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، سواء كانت الجماعة تقبل هذه القواعد أم لا. ومن دون هذا الاعتراف القانوني بالنزاع المسلح (في مقابل أنواع أخرى من العنف)، لا يمكن إجراء محاكمات بتهمة ارتكاب جرائم الحرب.
وفي سوريا المجاورة، حيث تنشط نفس الجماعة أيضاً، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر لأول مرة في يوليو 2012 أنها تنظر إلى الوضع باعتباره نزاعاً داخلياً مسلحاً، وهذا يعني تطبيق القانون الدولي الإنساني على قوات النظام وأنشطة الدولة الإسلامية هناك.
وتستند هذه الأحكام إلى معيارين - شدة القتال وأيضاً ما إذا كانت أطراف النزاع جماعات منظمة.
والجدير بالذكر أن الأشهر الـ12 الماضية شهدت تطور الدولة الإسلامية من مجموعة عسكرية ضعيفة التنظيم، إلى جماعة تحاول بناء دولة. وقد رفع هذا تنظيم الدولة الإسلامية فوق مستوى النشاط الإرهابي الأدنى في أماكن أخرى من العالم.
وبطبيعة الحال، إذا تم تصنيف النزاع المسلح من الناحية القانونية على أنه نزاع دولي مسلح، سوف تنطبق عليه مجموعة أكبر من قواعد الحرب (على الرغم من أن الفروق بين هاتين الفئتين قد تضاءلت في السنوات الأخيرة)، بما في ذلك الحماية الرسمية لأسرى الحرب. وتتطلب النزاعات المسلحة الدولية مشاركة دولتين مختلفتين، ويرى مقاتلو الدولة الإسلامية أنفسهم كدولة ("خلافة" على حد تعبيرهم). مع ذلك، فإن عدم وجود أي اعتراف دولي يفند ادعاءاتهم في الوقت الراهن.
وهناك عنصر دولي لا شك فيه (ومتزايد) في القتال، وهو أن الأراضي التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية تضم أجزاءً كبيرة من كل من العراق وسوريا، حيث تقاتل ضد الحكومتين، وفي الآونة الأخيرة، أصبحت تحارب تحالفاً دولياً بقيادة الولايات المتحدة يضم أكثر من 50 دولة. مع ذلك، على الأقل وفقاً لقواعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وعلى الرغم من التدويل، لن يتم النظر لهذا النزاع على أنه دولي حتى تشترك فيه دول معترف بها على كلا الجانبين.
وبالإضافة إلى جرائم الحرب، هناك أيضاً فرصة جيدة لاتهام مقاتلي الجماعة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مثل التطهير العرقي/الديني، وحتى الإبادة الجماعية، نظراً لمحاولاتهم الواضحة للقضاء على طوائف مثل اليزيديين. يعرف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 االجرائم ضد الانسانية بأنها "جرائم بغيضة لأنها تشكل اعتداءً خطيراً على كرامة الإنسان أو إهانة جسيمة أو إذلال إنسان واحد أو أكثر" وتكون "جزءاً من ممارسة واسعة النطاق أو ممارسة منهجية".
ولكن هل ستتم محاكمتهم على الجرائم؟
من الواضح أن التحقيقات الجارية ليس المقصود منها أن تكون غاية في حد ذاتها. ويمكن أن يوفر عمل جهات مثل لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والفرق المدعومة من الحكومات الغربية، ومنظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش جميع الوثائق اللازمة لإثبات ارتكاب الفظائع في المحكمة، والأهم من ذلك الروابط بين تلك الأعمال البغيضة والأشخاص الذين يقبعون على قمة هيكل قيادة الدولة الإسلامية، وأبرزهم أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه خليفة للمسلمين.
والتحدي الذي يواجه أي فريق ادعاء سيكون إثبات الصلة بين كبار القادة المذنبين والفظائع التي ارتكبها مرؤوسوهم. وتدل التجارب السابقة على أنه على الرغم من أهمية جمع الأدلة خلال فترة الصراع، إلا أنه ينبغي عادة تأجيل عملية الملاحقة القضائية البطيئة حتى ينتهي الصراع.
المحاكم الوطنية
فضلاً عن الأدلة المادية الضرورية لإجراء المحاكمات، ستوفر التحقيقات أيضاً الزخم لهذه الإجراءات القضائية: وفقاً لمبدأ الولاية القضائية العالمية، يجب على الدول الموقعة مقاضاة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، حتى لو لم تحدث على أراضيها أو يشارك فيها مواطنوها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المحاكمات في بعض البلدان سوف تركز بالأساس على مواطنيها، نظراً للطبيعة الدولية لقوات تنظيم الدولة الإسلامية، الذي تشير التقديرات إلى أنه يضم 11,000 مقاتل أجنبي من 74 دولة على الأقل.
في المملكة المتحدة، اقترح عمدة لندن بوريس جونسون افتراض أن المقاتلين الجهاديين (وليس بالضرورة في تنظيم الدولة الإسلامية) مذنبين حتى تثبت براءتهم، كما يساور الحكومة البريطانية القلق من أن الجهاديين البريطانيين العائدين من سوريا/العراق سيقومون بتنفيذ هجمات إرهابية.
وستركز المحاكمات على جرائم مكافحة الإرهاب (مثل السفر إلى الخارج لتخطيط أو ارتكاب أعمال إرهابية) بدلاً من النظر في فظائع محددة بموجب القانون الدولي الإنساني. ويُعتقد أن غالبية المقاتلين الغربيين في تنظيم الدولة الإسلامية يُكلفون بمهام وضيعة بسبب افتقارهم للتدريب العسكري والتعليم الديني، على الرغم من أن أحد المواطنين البريطانيين يبدو أنه لعب دوراً بارزاً في مقاطع الفيديو التي تصور قطع رأس فولي وغيره من الأجانب.
ماذا عن المحكمة الجنائية الدولية؟
وستكون المحكمة الجنائية الدولية (ICC) التي لا يتجاوز عمرها عقدين من الزمن هي المكان الأكثر منطقية لإجراء المحاكمات. ولا تزال المحكمة تحاول الوقوف على قدميها، ولكن لديها ولاية لمحاكمة جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان.
ولكن العراق وسوريا لم يوقعا على قانون إنشاء المحكمة، وهذا يعني أن إجراء تحقيق يتطلب إحالة من مجلس الأمن الدولي. وفي عام 1998، عندما تم اعتماد نظام روما الأساسي لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، كان العراق واحداً من سبع دول فقط (من بينها الولايات المتحدة) التي صوتت ضده. ووقعت سوريا المجاورة على النظام الأساسي في 29 نوفمبر 2000، لكنها لم تصدق عليه بعد.
مع ذلك، فإن مدعي المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيقات أولية في العراق حيث يُسمح بفتح مثل هذه التحقيقات عند وقوع جرائم من المحتمل أن يقع ضحيتها مواطنو الدول التي قبلت اختصاص المحكمة. وقد أُغلقت هذه التحقيقات في 9 فبراير 2006 بسبب عدم وجود أدلة كافية، ولكن أُعيد فتحها يوم 14 مايو 2014، على الرغم من أن التحقيقات المعاد فتحها يبدو أنها تخص مزاعم ضد مسؤولين بريطانيين، وليس ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ون جانبها، دعت المدعية السابقة للأمم المتحدة كارلا ديل بونتي إلى إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولكن هذا الاقتراح قوبل باعترض من قبل الصين وروسيا في مايو 2014. ولم تدشن المحكمة حتى الآن أي تحقيقات كاملة في أي حالة خارج قارة أفريقيا.
ومن بعض النواحي، ستكون القضية ضد تنظيم الدولة الإسلامية مشابهة لواحدة من أولى القضايا التي نظرتها المحكمة الجنائية الدولية وهي القضية ضد قادة جيش الرب للمقاومة في شمال أوغندا، الذين ارتكبوا (ولازالوا يرتكبون) عمليات إرهابية مروعة ضد المدنيين في المنطقة. ويواجه زعيمه جوزيف كوني اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، على الرغم من أنه لا يزال طليقاً. وقد يتتبع المحققون أيضاً مزاعم بارتكاب فظائع من قبل قوات غير تنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك القوات الحكومية في كل من العراق وسوريا.
وبالنظر إلى أن العراق وسوريا لم يشاركا بصفة رسمية في المحكمة الجنائية الدولية، قد توفر المحاكم المخصصة حلاً آخر. وتجدر الإشارة إلى أن العراق أنشأ المحكمة الجنائية العراقية العليا الخاصة به للنظر في سلسلة مماثلة من الجرائم (التي ارتكبها مواطنون عراقيون بين عامي 1968 و2003). عادة ما تكون المحاكم الوطنية أقل بعداً عن الأحداث وتحقق درجة أعلى من وضوح الرؤية والقرب من المحاكمات.
ومن بين الحالات المماثلة السابقة الأخرى التي ظهرت مؤخراً، والتي أسستها هذه المرة الأمم المتحدة (إما وحدها أو مع بعض الدول)، المحكمتان الدوليتان لرواندا ويوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الخاصة لسيراليون، والدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا للنظر في جرائم الخمير الحمر والمحكمة الخاصة بلبنان.
هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟ وعلى الرغم من أن المحاكمات الدولية باهظة التكاليف وتستغرق وقتاً طويلاً، إلا أنها قد تساعد على فضح تنظيم الدولة الإسلامية ونزع الشرعية عنه وربما تصبح بمثابة رادع للآخرين. ويبدو أن هذه المحاكمات بعيدة المنال، وربما تكون غير واقعية، ولكن هذا مجال ناشئ وقيد التطوير والقضايا تبدو غير واقعية في كثير من الأحيان عند طرحها للمرة الأولى.
وقد أثار هذا رد فعل مباشر في صورة ضربات جوية وجهتها الولايات المتحدة، وتشكيل تحالف دولي لمحاربة الجماعة. ولكن فيما عدا هذه "العدالة" العسكرية الخشنة، ما هي الآليات الموجودة لتحويل التحقيقات إلى قضايا تنظرها المحاكم وتُخضع قادة تنظيم الدولة الإسلامية رسمياً للمساءلة؟ ما هي الجرائم التي يرتكبها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية بالضبط، وربما يكون السؤال الأهم من ذلك هو هل توجد فرصة لمحاسبة مقاتلي الجماعة؟
من الذي يُجري تحقيقات؟
تفيد التقارير بأن عدة فرق من المحققين تدرس الأدلة على ارتكاب أعمال وحشية، بما في ذلك لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا، وهي لجنة تحقيق مدعومة من الحكومة البريطانية (تغطي سوريا)، وتدرس واشنطن ولندن مقترحات بتشكيل لجنة تتخذ من أربيل مقراً لها للتحقيق في جرائم تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي الأول من سبتمبر، وافق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشكل منفصل على إرسال فريق تحقيقات يتكون من 11 عضواً إلى العراق، وهو القرار الذي جاء بعد أيام قليلة من نشره لتقرير (27 أغسطس 2014) الذي اتهم أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بارتكاب فظائع جماعية وأعمال "ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية" في سوريا في النصف الأول من هذا العام.
وتشمل الجهود الأخرى للتحقيق في الفظائع التي حدثت مؤخراً في سوريا والعراق تشكيل الهيئة السورية للعدالة والمساءلة (SCJA)، والمركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC)، ولجنة العدالة والمساءلة الدولية التي يرأسها المحقق الكندي ويليام وايلي.
ما هي الجرائم التي نتحدث عنها؟
ويتهم نقاد تنظيم الدولة الإسلامية الجماعة بارتكاب قائمة طويلة من الجرائم، من بينها عمليات الإعدام العلنية، وقطع الرؤوس، والخطف والتعذيب، والاعتناق القسري للدين، والاعتداء الجنسي، وقتل الجنود الأسرى، وفرض الحصار على بعض المجتمعات.
ويخالف العديد من هذه الفظائع - التي تعلن عنها الجماعة على شبكة الإنترنت - قانون العقوبات العراقي، الذي لا تزال المحاكم الجنائية القائمة تطبقه (في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة). وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية قد يدعي خلاف ذلك، إلا أن معظم الناس يتقبلون حقيقة أن الجرائم المزعومة تجري على الأراضي العراقية وبالتالي فإنها عادة ما تخضع للقانون العراقي.
ولكن نظراً لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على حوالي ثلث البلاد، لا تعتبر التحقيقات أو المحاكمات الوطنية واقعية في الوقت الراهن. وحيث أن العراق حالياً في حالة نزاع مسلح، فإن بعض أعمال العنف التي يحظر ارتكابها في وقت السلم تصبح مسموحة بموجب القانون الدولي، وبالتالي، يمكن أن يدعي محامو التنظيم أن القواعد السائدة في وقت السلم لم تعد تنطبق على الوضع الحالي.
ماذا عن جرائم الحرب؟
وقد أصبح اتهام الدولة الإسلامية بارتكاب جرائم حرب شائعاً بشكل متزايد. وجرائم الحرب هي الجرائم العالمية التي تعرف تقنياً بأنها انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني (IHL) - الذي يعرف أحياناً باسم قانون النزاع المسلح. على سبيل المثال، نشرت منظمة العفو الدولية في 2 سبتمبر ورقة إحاطة بعنوان تطهير عرقي على مقياس تاريخي، متهمة الجماعة بارتكاب جرائم حرب وغيرها من الأعمال الوحشية.
ويتم تحديد قواعد الحرب في صكوك مثل اتفاقيات جنيف الأربع (1949) والبروتوكولين الإضافيين (1977)، والممارسة العرفية.
ولكن لتطبيق القانون الدولي الإنساني، ينبغي تحديد ما إذا كان العنف يعتبر من الناحية القانونية نزاعاً مسلحاً دولياً أو غير دولي، وهما فئتان فنيتان قطعت التقييمات الفنية التي أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) شوطاً طويلاً لإرسائهما.
وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، يوجد حالياً صراع مسلح غير دولي في سوريا (باللغة الدارجة، حرب أهلية)، الأمر الذي يعني أن مجموعة أعمال العنف في البلاد، حتى التي تقع بعيداً عن الخطوط الأمامية، قد تعتبر بمثابة جرائم حرب.
وتنطبق القوانين على سلوك قوات الدولة الإسلامية، وتفرض توفير الحماية للمدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، سواء كانت الجماعة تقبل هذه القواعد أم لا. ومن دون هذا الاعتراف القانوني بالنزاع المسلح (في مقابل أنواع أخرى من العنف)، لا يمكن إجراء محاكمات بتهمة ارتكاب جرائم الحرب.
وفي سوريا المجاورة، حيث تنشط نفس الجماعة أيضاً، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر لأول مرة في يوليو 2012 أنها تنظر إلى الوضع باعتباره نزاعاً داخلياً مسلحاً، وهذا يعني تطبيق القانون الدولي الإنساني على قوات النظام وأنشطة الدولة الإسلامية هناك.
وتستند هذه الأحكام إلى معيارين - شدة القتال وأيضاً ما إذا كانت أطراف النزاع جماعات منظمة.
والجدير بالذكر أن الأشهر الـ12 الماضية شهدت تطور الدولة الإسلامية من مجموعة عسكرية ضعيفة التنظيم، إلى جماعة تحاول بناء دولة. وقد رفع هذا تنظيم الدولة الإسلامية فوق مستوى النشاط الإرهابي الأدنى في أماكن أخرى من العالم.
وبطبيعة الحال، إذا تم تصنيف النزاع المسلح من الناحية القانونية على أنه نزاع دولي مسلح، سوف تنطبق عليه مجموعة أكبر من قواعد الحرب (على الرغم من أن الفروق بين هاتين الفئتين قد تضاءلت في السنوات الأخيرة)، بما في ذلك الحماية الرسمية لأسرى الحرب. وتتطلب النزاعات المسلحة الدولية مشاركة دولتين مختلفتين، ويرى مقاتلو الدولة الإسلامية أنفسهم كدولة ("خلافة" على حد تعبيرهم). مع ذلك، فإن عدم وجود أي اعتراف دولي يفند ادعاءاتهم في الوقت الراهن.
وهناك عنصر دولي لا شك فيه (ومتزايد) في القتال، وهو أن الأراضي التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية تضم أجزاءً كبيرة من كل من العراق وسوريا، حيث تقاتل ضد الحكومتين، وفي الآونة الأخيرة، أصبحت تحارب تحالفاً دولياً بقيادة الولايات المتحدة يضم أكثر من 50 دولة. مع ذلك، على الأقل وفقاً لقواعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وعلى الرغم من التدويل، لن يتم النظر لهذا النزاع على أنه دولي حتى تشترك فيه دول معترف بها على كلا الجانبين.
وبالإضافة إلى جرائم الحرب، هناك أيضاً فرصة جيدة لاتهام مقاتلي الجماعة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مثل التطهير العرقي/الديني، وحتى الإبادة الجماعية، نظراً لمحاولاتهم الواضحة للقضاء على طوائف مثل اليزيديين. يعرف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 االجرائم ضد الانسانية بأنها "جرائم بغيضة لأنها تشكل اعتداءً خطيراً على كرامة الإنسان أو إهانة جسيمة أو إذلال إنسان واحد أو أكثر" وتكون "جزءاً من ممارسة واسعة النطاق أو ممارسة منهجية".
ولكن هل ستتم محاكمتهم على الجرائم؟
من الواضح أن التحقيقات الجارية ليس المقصود منها أن تكون غاية في حد ذاتها. ويمكن أن يوفر عمل جهات مثل لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والفرق المدعومة من الحكومات الغربية، ومنظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش جميع الوثائق اللازمة لإثبات ارتكاب الفظائع في المحكمة، والأهم من ذلك الروابط بين تلك الأعمال البغيضة والأشخاص الذين يقبعون على قمة هيكل قيادة الدولة الإسلامية، وأبرزهم أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه خليفة للمسلمين.
والتحدي الذي يواجه أي فريق ادعاء سيكون إثبات الصلة بين كبار القادة المذنبين والفظائع التي ارتكبها مرؤوسوهم. وتدل التجارب السابقة على أنه على الرغم من أهمية جمع الأدلة خلال فترة الصراع، إلا أنه ينبغي عادة تأجيل عملية الملاحقة القضائية البطيئة حتى ينتهي الصراع.
المحاكم الوطنية
فضلاً عن الأدلة المادية الضرورية لإجراء المحاكمات، ستوفر التحقيقات أيضاً الزخم لهذه الإجراءات القضائية: وفقاً لمبدأ الولاية القضائية العالمية، يجب على الدول الموقعة مقاضاة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، حتى لو لم تحدث على أراضيها أو يشارك فيها مواطنوها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المحاكمات في بعض البلدان سوف تركز بالأساس على مواطنيها، نظراً للطبيعة الدولية لقوات تنظيم الدولة الإسلامية، الذي تشير التقديرات إلى أنه يضم 11,000 مقاتل أجنبي من 74 دولة على الأقل.
في المملكة المتحدة، اقترح عمدة لندن بوريس جونسون افتراض أن المقاتلين الجهاديين (وليس بالضرورة في تنظيم الدولة الإسلامية) مذنبين حتى تثبت براءتهم، كما يساور الحكومة البريطانية القلق من أن الجهاديين البريطانيين العائدين من سوريا/العراق سيقومون بتنفيذ هجمات إرهابية.
وستركز المحاكمات على جرائم مكافحة الإرهاب (مثل السفر إلى الخارج لتخطيط أو ارتكاب أعمال إرهابية) بدلاً من النظر في فظائع محددة بموجب القانون الدولي الإنساني. ويُعتقد أن غالبية المقاتلين الغربيين في تنظيم الدولة الإسلامية يُكلفون بمهام وضيعة بسبب افتقارهم للتدريب العسكري والتعليم الديني، على الرغم من أن أحد المواطنين البريطانيين يبدو أنه لعب دوراً بارزاً في مقاطع الفيديو التي تصور قطع رأس فولي وغيره من الأجانب.
ماذا عن المحكمة الجنائية الدولية؟
وستكون المحكمة الجنائية الدولية (ICC) التي لا يتجاوز عمرها عقدين من الزمن هي المكان الأكثر منطقية لإجراء المحاكمات. ولا تزال المحكمة تحاول الوقوف على قدميها، ولكن لديها ولاية لمحاكمة جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان.
ولكن العراق وسوريا لم يوقعا على قانون إنشاء المحكمة، وهذا يعني أن إجراء تحقيق يتطلب إحالة من مجلس الأمن الدولي. وفي عام 1998، عندما تم اعتماد نظام روما الأساسي لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، كان العراق واحداً من سبع دول فقط (من بينها الولايات المتحدة) التي صوتت ضده. ووقعت سوريا المجاورة على النظام الأساسي في 29 نوفمبر 2000، لكنها لم تصدق عليه بعد.
مع ذلك، فإن مدعي المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيقات أولية في العراق حيث يُسمح بفتح مثل هذه التحقيقات عند وقوع جرائم من المحتمل أن يقع ضحيتها مواطنو الدول التي قبلت اختصاص المحكمة. وقد أُغلقت هذه التحقيقات في 9 فبراير 2006 بسبب عدم وجود أدلة كافية، ولكن أُعيد فتحها يوم 14 مايو 2014، على الرغم من أن التحقيقات المعاد فتحها يبدو أنها تخص مزاعم ضد مسؤولين بريطانيين، وليس ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ون جانبها، دعت المدعية السابقة للأمم المتحدة كارلا ديل بونتي إلى إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولكن هذا الاقتراح قوبل باعترض من قبل الصين وروسيا في مايو 2014. ولم تدشن المحكمة حتى الآن أي تحقيقات كاملة في أي حالة خارج قارة أفريقيا.
ومن بعض النواحي، ستكون القضية ضد تنظيم الدولة الإسلامية مشابهة لواحدة من أولى القضايا التي نظرتها المحكمة الجنائية الدولية وهي القضية ضد قادة جيش الرب للمقاومة في شمال أوغندا، الذين ارتكبوا (ولازالوا يرتكبون) عمليات إرهابية مروعة ضد المدنيين في المنطقة. ويواجه زعيمه جوزيف كوني اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، على الرغم من أنه لا يزال طليقاً. وقد يتتبع المحققون أيضاً مزاعم بارتكاب فظائع من قبل قوات غير تنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك القوات الحكومية في كل من العراق وسوريا.
وبالنظر إلى أن العراق وسوريا لم يشاركا بصفة رسمية في المحكمة الجنائية الدولية، قد توفر المحاكم المخصصة حلاً آخر. وتجدر الإشارة إلى أن العراق أنشأ المحكمة الجنائية العراقية العليا الخاصة به للنظر في سلسلة مماثلة من الجرائم (التي ارتكبها مواطنون عراقيون بين عامي 1968 و2003). عادة ما تكون المحاكم الوطنية أقل بعداً عن الأحداث وتحقق درجة أعلى من وضوح الرؤية والقرب من المحاكمات.
ومن بين الحالات المماثلة السابقة الأخرى التي ظهرت مؤخراً، والتي أسستها هذه المرة الأمم المتحدة (إما وحدها أو مع بعض الدول)، المحكمتان الدوليتان لرواندا ويوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الخاصة لسيراليون، والدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا للنظر في جرائم الخمير الحمر والمحكمة الخاصة بلبنان.
هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟ وعلى الرغم من أن المحاكمات الدولية باهظة التكاليف وتستغرق وقتاً طويلاً، إلا أنها قد تساعد على فضح تنظيم الدولة الإسلامية ونزع الشرعية عنه وربما تصبح بمثابة رادع للآخرين. ويبدو أن هذه المحاكمات بعيدة المنال، وربما تكون غير واقعية، ولكن هذا مجال ناشئ وقيد التطوير والقضايا تبدو غير واقعية في كثير من الأحيان عند طرحها للمرة الأولى.
[ لا يعكس هذا التقرير بالضرورة وجهة نظرنشطاء بلاحدود ]
- ايرين