الصورة:جودي هيلتون/ايرين
مفوضية الأمم المتحدة لشؤن اللاجئين ترغب في أن تكون المخيمات هي الاستثناء وليست القاعدة
على مدى سنوات، كانت صورة اللاجئين الأكثر شيوعاً هي مشهد المخيمات المترامية الأطراف والمغبرّة التي تتميز بصفوف من الخيام التي تؤوي الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الذين لا يجدون ما يشغلهم عدا الاصطفاف في الطوابير للحصول على المعونات الإغاثية.
والواقع هو أنه يعيش اليوم ما يزيد قليلاً عن ثلث اللاجئين في العالم البالغ عددهم 17 مليون لاجئ في مخيمات. أما البقية فيختارون العيش في المدن أو المجتمعات التي تتيح لهم عيش حياة أكثر استقلالية، ولكن محفوفة بالمخاطر. وقد كان المجتمع الإنساني الدولي بطيئاً في الاستجابة لهذا الواقع، ولكنه يسعى جاهداً الآن للحاق بالركب، وخاصة في ضوء الأزمة في سوريا والتي أنتجت حتى الآن أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ، يعيش معظمهم في المدن في البلدان المجاورة .
وتكافح مفوضية اللأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR))، على وجه الخصوص، لتعديل نموذجها التقليدي القائم على المخيمات لإنجاز مهمتها المتمثلة في ضمان حصول جميع اللاجئين على الحماية والمساعدة، أينما كانوا.
ففي عام 2009، أصدرت المفوضية بياناً بشأن سياسة حماية اللاجئين والحلول الممكنة في المناطق الحضرية أقرّت فيه بأن المناطق الحضرية "مكان شرعي للاجئين للتمتع بحقوقهم".
أما الآن فقد تقدمت بخطوة هامة أخرى من خلال إصدار سياسة "بدائل للمخيمات" التي تلزم الوكالة بالسعي لتوفير بدائل للمخيمات بشكل نشط كلما كان ذلك ممكناً. وهذا هو أول اعتراف رسمي من المفوضية بأن المخيمات ينبغي أن تكون الملاذ الأخير بدلاً من كونها الاستجابة الافتراضية لتدفقات اللاجئين، وقد لقيت هذه السياسة ترحيباً واسعاً من قبل مجتمع حقوق اللاجئين لأنها تمثل تحولاً كبيراً طال انتظاره في نهج الوكالة.
فما بين تأسيس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في أوائل خمسينيات القرن الماضي وتنصيب المفوض السامي الحالي أنطونيو غوتيريس في عام 2005، "كان هناك افتراض واسع النطاق داخل المجتمع الإنساني أنه يجب إيواء اللاجئين في المخيمات،" وذلك وفقاً لجيف كريسب، الرئيس السابق للسياسات والتقييم لدى المفوضية الذي علّق على ذلك في مدونة منظمة مناصرة ودعم قضايا اللاجئين "الرابطة الدولية للاجئين" Refugees International))، حيث يشغل الآن منصب المدير التنفيذي لقضايا السياسة والدعم.
تمويل المخيمات أصبح أكثر صعوبة
لم يكن إيواء اللاجئين في المخيمات فقط أكثر سهولة من ناحية الإمداد والتموين بالنسبة لمقدمي المساعدات، ولكنه كان في كثير من الأحيان الخيار المفضل للدول المضيفة التي ترى أن المخيمات تحد من التهديد الأمني الذي يشكله اللاجئون والعبء الذي يفرضونه على المجتمعات والاقتصادات المحلية. ولكن مع تحول أزمات اللاجئين إلى أزمات ممتدة بشكل متزايد، حيث يعيش أكثر من ستة ملايين لاجئ الآن في المنفى لمدة خمس سنوات أو أكثر، أصبح تمويل المخيمات أكثر صعوبة على نحو متزايد.
من جهته قال ستيفن كورليس، مدير قسم إدارة البرامج والدعم لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين: "هناك الكثير من التمويل الذي يذهب لحالات الطوارئ الجديدة، ولكن خلال أقل من 18 شهراً، إذا لم تكن حالة الطوارئ مستمرة، يحدث انخفاض في الدعم من قبل الجهات المانحة." وعندما ينخفض الدعم فإن برامج مثل التعليم الثانوي تكون الضحايا الأولى لذلك، ولكن في نهاية المطاف، حتى الخدمات الأساسية تصبح عرضة للضغط. فقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية لثلث اللاجئين الأفارقة، ومعظمهم من اللاجئين المقيمين منذ زمن بعيد في المخيمات.
الصورة/ايرين
في أكبر ست دول مضيفة للأجئين في العالم يعيش غالبيةاللاجئين خارج المخيمات
ونصت هذه السياسة على أنه: "يجب أن تمثل المخيمات الاستثناء وإلى أقصى حد ممكن، يجب أن تكون إجراءً مؤقتاً."
وأوضح كورليس من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن هذه السياسة قد جاءت نتيجة نقاش داخلي و"قناعة أن هذا هو النهج الصحيح والأكثر إنسانية. و"تتمثل الفكرة في إعطاء الناس اختياراً هادفاً ذو معنى وفرصة للعيش حياة أكثر كرامة."
ووصفت سونيا بن علي، المدير المؤسس لمنظمة اللاجئين في المناطق الحضرية Urban Refugees))، وهي منظمة غير حكومية، السياسة الجديدة بأنها "علامة فارقة" ورحبت بنهجها القائم على الحقوق. وأخبرت شبكة الأنباء الإنسانية قائلة: "تلعب هذه السياسة دوراً قوياً جداً في إظهار الكيفية التي تقر بها المفوضية أن المخيمات لا توفر الظروف المناسبة لعيش اللاجئين."
قبول الدول المضيفة للسياسة يمكن أن يكون صعباً
وأضافت أن نجاح هذه السياسة سوف يعتمد إلى حد كبير على مدى فعالية جهود الدعم والمناصرة، ولا سيما في إقناع الحكومات المضيفة أن بدائل المخيمات ليست أفضل للاجئين فقط، ولكن يمكنها أيضاً أن تحقق نتائج أفضل بالنسبة للاقتصادات المحلية والمجتمعات المضيفة .
وتابعت حديثها قائلة: "نحن بحاجة لمعالجة المخاوف [الأمنية والاقتصادية] للدول المضيفة، ولهذا فنحن في الواقع بحاجة لقاعدة أدلة."
ووافقها كورليس الرأي أن هناك حاجة لجمع المزيد من الأدلة على أن البدائل لنهج المخيمات يمكن أن تفيد المجتمعات المضيفة، على سبيل المثال، عن طريق السماح لوكالات المعونة بالاستثمار بشكل أكبر في البنية التحتية المحلية بدلاً من تمويل نظم تقديم الخدمات الموازية في المخيمات.
وقال أيضاً: "يأتي اللاجئون ومعهم أصول؛ فلديهم الكثير من الإمكانات البشرية التي يمكن أن تساعد في تحفيز الاقتصاد. ومن المهم جداً توثيق ذلك حتى نتمكن من مناصرة ودعم تلك القضية."
وقد بدأ باحثون من مشروع الابتكار الإنساني في جامعة أكسفورد هذه المهمة من خلال دراسة حديثة في أوغندا تظهر أن غالبية اللاجئين الذين حصلوا على إذن للعيش والعمل خارج المستوطنات المخصصة للاجئين وجدوا طرقاً لإعالة أنفسهم دون مساعدات.
ولكن، لا يثق الجميع في أن جهود المناصرة والدعم المستندة إلى الأدلة سوف تكون كافية للتغلب على مقاومة الدول المضيفة التي لا يتعلق قلقها غالباً بمخاوف حقيقية بشأن إثقال اللاجئين كاهل المجتمعات المحلية، ولكن يتعلق بما أطلقت عليه لوسي هوفيل، وهي باحثة بارزة في المبادرة الدولية لحقوق اللاجئين، في مقال نُشر مؤخراً وصف "السياسات الواقعية".
ففي كينيا، على سبيل المثال، أدت الأقاويل السائدة التي تتهم اللاجئين الصوماليين بأنهم يشكلون تهديداً أمنياً، إلى دفع الآلاف من الصوماليين الذين يعيشون في نيروبي إلى العودة إلى المخيمات في الأشهر الستة الماضية.
ووصف مايكل كاغان، المدير المشارك لقسم الهجرة في كلية ويليام إس بويد للقانون بجامعة نيفادا، البدائل لسياسة المخيمات أنها مشجعة لكنها "لا تزال أحلاماً."
وأضاف قائلاً: "تكمن الحلقة المفقودة في شرح الكيفية التي يمكن من خلالها إقناع الحكومات المضيفة بالسماح للاجئين بالحصول على المزيد من الاستقلالية. وما يزال من غير الواضح كيف سيكون رد فعل المفوضية عندما ترفض الحكومات المضيفة التخلي عن المخيمات. هل ستتعاون المفوضية معها؟ هل سترفض ذلك؟ هل ستمارس المفوضية ما يكفي من الضغط؟ هل ستعود المفوضية مرة أخرى لطرح الكلام العام بدلاً من المعايير؟ هذا ما لا نعرفه."
التغيير مطلوب فيما يتعلق بدعم سبل المعيشة
وأقر كورليس من المفوضية السامية أن "خلق بيئة مواتية من ناحية القانون والسياسة" سيكون ضرورياً لنجاح السياسات الجديدة، لكنه أشار أيضاً إلى الحاجة إلى "تحول جذري في طريقة إعداد برامج سبل العيش." وقال كورليس إنه بينما كان دعم سبل العيش يستخدم في الماضي "كنوع من العلاج الوظيفي، لإبقاء الأشخاص مشغولين في المخيمات"، تتجه المفوضية السامية نحو تطبيق "نهج أكثر صرامة فيما يتعلق بالتركيز على السوق." وهو ما من شأنه أن يساعد اللاجئين في الحصول على المهارات المناسبة لدخول سوق العمل في البلد المضيف أو لبدء المشاريع التجارية الصغيرة.
وأضاف كورليس أن إيصال اللاجئين إلى النقطة التي يمكنهم عندها توفير سبل المعيشة المستدامة يتطلب "دعماً شاملاً على مدى فترة من الزمن".
ففي السنوات الأخيرة، قامت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ووكالات إغاثية أخرى باختبار طرق مختلفة لتقديم ذلك الدعم للاجئين المنتشرين في كافة أنحاء المناطق الحضرية. واستطرد كورليس قائلاً: "ستكون التدخلات النقدية مهمة جداً"، وستوفر فائدة إضافية تتمثل في تحفيز الاقتصادات المحلية. وتقوم المفوضية بالفعل باستخدام التدخلات النقدية في 94 عملية في جميع أنحاء العالم. ولكن على المدى الطويل، ستكون هناك حاجة إلى العمل مع شركاء التنمية لتعزيز البنية التحتية المحلية مثل نظم الصحة العامة. وقال"هذه سياسة طموحة للغاية ويجب تنفيذها تدريجياً."
ويتم حالياً وضع الإرشادات لمساعدة الموظفين الميدانيين على التطبيق العملي لهذه السياسة وستحتاج المفوضية إلى دعم وتبني السياسة من قبل الشركاء، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة الأخرى والجهات المانحة، ولكن الأهم من كل ذلك الحكومات المضيفة.
وأشار كاغان إلى أنه خارج المخيمات، ما يحتاجه اللاجئون أكثر من المساعدات هي الحقوق: "الحق في العمل والحق في إرسال أطفالك إلى المدرسة. هذه هي الأمور التي يحتاجها اللاجئون في المدن. يجب أن تتوفر لهم هذه الحقوق ليكونوا قادرين على إعادة بناء حياتهم بكرامة. وهذا يتطلب التزاماً من جانب الحكومات."
[ لا يعكس هذا التقرير بالضرورة وجهة نظرنشطاء بلاحدود ]
- ايرين