وقال مارك مانلي، رئيس وحدة انعدام الجنسية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: "قد يكون من قبيل التهوين أن نقول أن هاتين المعاهدتين هما أقل معاهدات حقوق الإنسان المتعددة الأطراف شعبية. لقد كانتا منسيتين إلى حد كبير لسنوات عديدة، ويرجع ذلك في الغالب إلى أنهما تفتقران إلى وكالة تابعة للأمم المتحدة تروج لهما".ويتحمل مانلي مسؤولية متابعة مسألة انعدام الجنسية، على الرغم من أن معظم الأشخاص عديمي الجنسية ليسوا الآن، ولا كانوا في أي وقت مضى، من اللاجئين، وقد دشنت المفوضية الأسبوع الماضي خطة طموحة في محاولة لإنهاء انعدام الجنسية خلال العشر سنوات المقبلة.
وتقسم هذه الخطة القضية إلى 10 نقاط عمل، وتتصدى للأسباب الرئيسية التي تجعل الناس عديمي الجنسية في نهاية المطاف. ففي بعض الأحيان، يكون السبب هو عدم تسجيل الأطفال عند الولادة، أو القوانين التمييزية التي تمنع انتقال جنسيات أمهاتهم إليهم. ويعتبر بعضهم من ضحايا التمييز العرقي من قبل الدول التي ترفض الاعتراف بأفراد طائفتهم كمواطنين، والبعض الآخر، خصوصاً في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق، سقطوا من حسابات بعض البلدان بعد إعادة ترسيم الحدود وتقسيم الدول.
وقد تدخلت المفوضية بالفعل في بعض أكبر حالات انعدام الجنسية في العالم. ففي عام 1989، فر عشرات الآلاف من الموريتانيين السود إلى السنغال هرباً من الاضطهاد العرقي القاتل، ولم يكن عدد كبير من اللاجئين الذين هرولوا عبر الحدود النهرية يملكون أي أوراق. كانت بطاقات الهوية الموريتانية الخاصة بهم قد صودرت أو تم تمزيقها من قبل قوات الأمن أو مواطنين آخرين، الذين قالوا لهم "أنتم لا تنتمون إلى عرقية المور، أي العرب، ولذلك فإنكم لستم موريتانيين".
ويسمح لهم قانون الجنسية السنغالية السخي بالتقدم بطلب للحصول على الجنسية بعد الإقامة في البلاد لمدة خمس سنوات، ولكن العديد منهم يفضلون العودة إلى ديارهم في موريتانيا بمساعدة من المفوضية، التي وفرت لهم وثائق سفر بموجب اتفاق ينظم عودتهم. غير أن أعداداً كبيرة منهم يجدون أنفسهم الآن عديمي الجنسية على أرض الواقع. وقال مانلي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "ما ينص عليه هذا الاتفاق، إذا كنت أتذكره بشكل صحيح، هو أن جنسية اللاجئين 'مفترضة' - أي يفترض أنهم موريتانيون. مع ذلك، فإن الكثيرين منهم قد واجهوا مشاكل حقيقية في الحصول على وثائق لإثبات أنهم موريتانيون حقاً، ولذلك فمن الواضح أن هناك مشكلة".
من جانبها، قالت برونوين مانبي، وهي استشارية تعمل في هذه القضية: "لقد عاد حوالي 24,000 شخص، لكن المنظمات الموريتانية تقول لنا أن حوالي ثلثهم فقط قد حصلوا على وثائقهم". وأضافت في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "إنه وضع قياسي يجب فيه، من حيث المبدأ بالطبع، أن يكون هناك مزيد من الضغوط على الحكومة الموريتانية لتسوية الوضع - ولكن تم تدمير الوثائق، وبعد ذلك نجد أن اسم محمد يكتب باللغة الفرنسية وليس باللغة العربية، وبحرف 'إم' واحد بدلاً من اثنين".
القوانين التمييزية ضد المرأة
وفي منطقة الشرق الأوسط، أفرزت القوانين التمييزية ضد المرأة حالات كثيرة من انعدام الجنسية لأنها تسمح بانتقال الجنسية فقط من الأب إلى الأبناء - وتصبح هذه مشكلة إذا كان الأب ليس موجوداً لتسجيل أطفاله أو إذا كان هو نفسه من عديمي الجنسية. وقالت لورا فان واس، التي تدير برنامج انعدام الجنسية في جامعة تيلبورغ، أن هذا يمكن أن يكون له تأثير مدمر على جميع أفراد الأسرة.
"إن الأمر لا يؤثر فقط على الطفل عديم الجنسية، بل يؤثر أيضاً على الأم، التي تحمل الجنسية ولكنها تشعر بالذنب بسبب وضع الشخص الذي وقع عليه اختيارها لتتزوجه. كما يعاني أطفالها، وترى هي أن ذلك أنه نتيجة لاختياراتها في الحياة. وربما يكون الشبان هم الأكثر تضرراً. يُنظر إلى هذه المسألة على أنها إحدى قضايا حقوق المرأة، ولكن إذا كان الشخص شابة لم تتمكن من الحصول على الجنسية من خلال الأم، يمكنها أن تحصل عليها عن طريق الزوج في معظم الدول التي ندرسها، وسوف تنتقل جنسيته إلى أطفالها. ولكن إذا كان شاباً عديم الجنسية، فلا يمكنه الحصول على الجنسية عن طريق الزواج، ولن يحصل أطفاله على الجنسية من خلاله، وبالتالي سيصبحون عديمي الجنسية أيضاً،" كما أوضحت.
وفي بلدان مثل لبنان، التي تم إدخال نظام بطاقات الهوية فيها لأول مرة في عشرينيات القرن الماضي، ولكن لم يكترث الجميع بالتسجيل، استمر هذا النوع من انعدام الجنسية عبر عدة أجيال، مما جعل عائلات بأكملها عديمة الجنسية، وغير قادرة على السفر، ومن دون فرصة للحصول على التعليم الحكومي أو الرعاية الصحية، على الرغم من أنهم لبنانيون. يمكن حل هذه المشكلة بقليل من حسن النية، ولكن كما هو الحال في العديد من البلدان، فإن الاعتبارات السياسية - في هذه الحالة مسألة التوازن الديني والعرقي - تعني أن حسن النية قد لا يكون متوفراً.
وتوجد أمثلة مشابهة في مصر والكويت.
تغيير المواقف؟
وقال مانلي أنه يرى تغييراً حقيقياً في المواقف، حيث ترغب الحكومات بشكل متزايد في التصديق على الاتفاقيات والدخول في مناقشات حول هذه القضية وإجراء التغييرات الضرورية.
"لقد تم تحطيم المحرمات الآن، وأصبحت الحكومات تقبل بشكل متزايد الرأي القائل بأن هذه ليست قضية متروكة لتقديرها السيادي وحده، وأن قضايا انعدام الجنسية هي مصدر قلق مشروع للمجتمع الدولي ... كما ترى الحكومات أنه ليس من مصلحتها أن يكون هناك عدد كبير جداً من السكان المهمشين وغير الشرعيين في كثير من الأحيان على أراضيها ... ولا تريد وزارات الداخلية حول العالم أن يكون عشرات أو مئات الآلاف من السكان بلا وثائق. بل تريد أن تعرف من المقيم على أراضيها، وأن تكون قادرة على السيطرة عليهم".
"في السنوات الأربع الماضية، انضم عدد أكبر من الدول إلى اتفاقية عام 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية من عدد الدول الأعضاء في العقود الأربعة التالية لاعتمادها،" كما أشار التقرير الجديد الذي أصدرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ولذلك فإن المفوضية تأمل أن تؤدي حملتها إلى خفض عدد الأشخاص عديمي الجنسية في مناطق مثل الشرق الأوسط والاتحاد السوفيتي السابق.
لكن برونوين مانبي تحذر من أنه في بعض أجزاء من أفريقيا، حيث كانت تعمل، قد يؤدي الدفع إلى تسوية قضايا المواطنة إلى زيادة أعداد عديمي الجنسية في أماكن أخرى: "نيجيريا، على سبيل المثال، لديها عدد كبير من الناس الذين لا يحملون وثائق على الإطلاق، ولكن الجميع يتدبرون أمورهم بطريقة أو بأخرى، لأن هذه هي نيجيريا. ولكن هذا من دواعي القلق في سياق زيادة الجهود للحد من عدد الأشخاص الذين لا يحملون وثائق لأسباب أمنية. فبمجرد أن تتخذ إجراءات صارمة حقاً بشأن وثائق الهوية، سيجد جميع الناس الذين تمكنوا من تدبير أمورهم بقليل من المال، أو شيء من المناورة، كما يقولون باللغة الفرنسية، أن الحصول على وثائق هوية من مكان ما أكثر صعوبة بكثير، وأعتقد أنه في هذه الحالة، سوف يتم الكشف عن مشكلة انعدام الجنسية الموجودة بالفعل ولكن لم يتم تحديدها قط".
[ لا يعكس هذا التقرير بالضرورة وجهة نظر نشطاء بلاحدود ]
- ايرين