الصورة: ديفيد سوانسون/إيرين
|
لندن, 22 يناير 2014 (إيرين)
تعتبر الآثار المترتبة على تغير المناخ واضحة ومدمرة بالنسبة لجزر المحيط الهادئ، مثل بالاو وتوفالو وكيريباتي. وقد بدأت هذه الحكومات بالفعل التخطيط لمستقبل تضطر فيه شعوب بأكملها للانتقال نظراً لاختفاء جُزرهم بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. ولكن تغير المناخ يهدد سبل الحياة بطرق أكثر دهاءً أيضاً، مما يجعل الأسر في جميع أنحاء العالم مضطرة لإيجاد طرق لمواجهة هذه المشكلة بأنفسهم.وقال أوكتافيو رودريغيز، من سوكري في كولومبيا، أن "الأمطار كانت كثيفة جداً في الآونة الأخيرة. فمنذ عدة سنوات، كان موسم الأمطار يستمر لمدة شهرين، هما نوفمبر وديسمبر، وكان منسوب المياه يتراوح بين 20 و30 سنتيمتراً.
أما الآن، فقد تجاوز المترين خلال الستة أو السبعة أشهر الماضية. إننا لم نر شيئاً كهذا من قبل. لا نريد لمغادرة أرضنا، فهنا يوجد ماضينا وذكرياتنا وأجدادنا. لا نريد الانتقال إلى مناطق أخرى، ولا نعرف ما يمكن القيام به هناك. سوف نصبح مجرمين وندخل في حلقة مفرغة من الفقر. هذا ما يحدث في المدن".
وكان رودريغيز واحداً من العديد من الأصوات التي تم الاستماع إليها في سلسلة "قصص مؤثرة"، وهي مجموعة جديد من المقابلات الشخصية التي أجرتها شبكة التوعية ومعلومات المناخ (Climate Outreach and Information Network)، والتي تكشف عن المناقشات الجارية في المناطق المتضررة من تغير المناخ. وتدور القضية بالنسبة للكثيرين حول كيفية تعديل أسلوب حياتهم دون التخلي عن كل شيء يعرفونه.
الابتعاد أكثر عن الوطن
وقد يكون الرعاة قادرين على تغيير المراعي، أو الابتعاد أكثر عن قاعدتهم الرئيسية لفترات أطول كل عام، ولكن هندو أومارو إبراهيم من تشاد، يشعر بالقلق من أن يكون تأثير- حتى هذه الاستراتيجيات - محدوداً. وقال: "نحن وحيواناتنا مضطرون إلى الهجرة بشكل مستمر للبقاء على قيد الحياة، على الرغم من كل المخاطر التي ينطوي عليها ذلك. هذه هي طريقتنا في التكيف. لقد كنا دائماً نتقنها، ولكن إذا لم يتم عمل شيء لضمان سلامة المساحة والأنشطة الخاصة بنا، فإننا سنواجه خطر إجبارنا ذات يوم على التخلي عن طريقتنا في الحياة".
في الوقت نفسه، يعمل ميغيل، وهو مزارع من هويوتليبان في المكسيك، بعيداً عن داره لتعويض الحصاد الفاشل. وأشار إلى أن "الأمطار تأتي متأخرة الآن، بالتالي فإن إنتاجنا يتناقص. الحل الوحيد هو الرحيل، على الأقل لفترة من الوقت. أعمل لمدة تتراوح بين ثلاثة وخمسة أشهر كل عام في وايومنغ [في الولايات المتحدة]، وهذا هو المصدر الرئيسي لدخلي. ولكن أن أترك قريتي إلى الأبد؟ لا، لقد نشأت هنا وسأبقى هنا".
إن فعاليتنا مساوية لقوة عزمنا. وبالتالي، فمن الأهمية بمكان أن يتولى دافعو الضرائب الذين يدركون أهمية هذا الأمر زمام المبادرة، ليس فقط بناءً على اعتبارات الإيثار، ولكن لأنه يؤثر علينا جميعاً
وفي السياق نفسه، يوضح العمل الذي أجراه مركز بحوث الهجرة في جامعة ساسكس، بالتعاون مع وحدة بحوث اللاجئين وحركات الهجرة في العاصمة البنغالية دكا أن هذا النوع من الاستجابة شائع جداً، حيث يسافر بعض أفراد الأسرة للعثور على عمل موسمي أو ينتقلون إلى المدينة لبضعة أشهر أو أكثر لكسب المال. ومن المرجح أن تبدو الهجرة الناجمة عن تغير المناخ مؤقتة ومحلية إلى حد ما، ومبالغة في الأنماط القائمة، بدلاً من التحرك الدائم عبر الحدود الدولية.
أزمة أم فرصة؟
وغالباً ما يستخدم المال الذي يكسبه المهاجرون لدعم الأسر في الوطن. وقد يمكنهم من القيام باستثمارات - كما هو الحال في بناء التحصينات للحماية من الفيضانات، أو الري، أو أشكال جديدة من سبل العيش - للتخفيف من آثار تغير المناخ.
ومن جانبه، قال دومينيك نيفتون، أحد أفراد فريق البحث في جامعة ساسكس، أن هذا النوع من الهجرة يمكن أن يكون أمراً إيجابياً. وأوضح أن "التأطير بدأ حول النظر إلى الناس على أنهم ضعفاء وضحايا. إنه يرى المهاجرين كأناس تأثروا، أو كأمر سيء. ومع مرور الوقت، بدأ يُنظر إليه كنوع من التكيف. وأخيراً، ظهرت القدرة على الصمود، والآن يُنظر إلى المهاجرين وتحويلاتهم على أنهم يبنون قدرة المجتمع على الصمود".
لكن نيفتون يشعر بالقلق من أن الحكومات ما زالت تميل إلى رؤية الهجرة من الريف إلى الحضر كنشاط سلبي من جميع النواحي، ومن أنها غالباً ما تضطر إلى وضع حواجز لإعاقة هذه الحركة، ولكنها إذا أدركت بدلاً من ذلك أنه سلوك مفيد، يمكنها أن تفعل أكثر بكثير لمساعدة المهاجرين، مثل تحسين ظروف العمل في القطاعات التي يجد فيها المهاجرون فرص العمل وتوفير التدريب على المهارات المطلوبة في المدن.
وقال أن بنجلاديش، حيث كان الفريق يعمل، لديها تاريخ طويل من الهجرة. "وبغض النظر عن تقلب المناخ وتغيره، يرى الناس ذلك على أنه أحد قواعد السلوك. من جهة، نحن نقول أننا لا نريد نزوح الناس، ولكن هل نقول أنه في سياقات معينة، ربما تساعد الهجرة الناس على التكيف مع قضايا المستقبل؟ ما تريد القيام به هو... دفع الناس إلى موقف تتوفر فيه الظروف للاستفادة [من الفرص]، وإخراجهم من حالة النزوح،" كما أضاف.
مخاطر النزوح
وتحدث نيفتون الأسبوع الماضي في اجتماع عقد في لندن وحضره أيضاً مفوض بنجلاديش السامي في المملكة المتحدة محمد ميجارول كوايس، الذي يعتبر واحداً من كبار الدبلوماسيين في بلاده، ويمتلك خبرة كبيرة في المفاوضات الدولية حول المناخ والبيئة.
ويشعر كوايس بالقلق من أن التأكيد على فائدة السلوك التكيفي يمكن أن يحجب حقيقة أنه، بالنسبة لبعض الناس، لا توجد طريقة للتكيف لأن منازلهم ببساطة سوف تختفي. وسوف يشمل هذا الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الساحلية المنخفضة في بنجلاديش وعلى الأرض التي تنجرف عندما تغير الأنهار مسارها.
وأكد أن "هذه المسألة لا تتعلق بالناس الذين يتخذون الهجرة خياراً. إذا كان لديك نزوح، فإنه نزوح بالجملة، لأنه لا يوجد مكان للإقامة والوصول إلى الفرص بعيد المنال.ز. سيكون هناك أشخاص يتنافسون على الفرص في مناطق متجاورة ومكتظة بنفس القدر... وهذه الحركة من شأنها دفع الناس إلى الانتقال إلى مناطق أبعد، وسيكون هناك حتماً حركة عابرة للحدود، وارتباط بتهريب الأسلحة والاتجار بالبشر وتهريب المخدرات وما إلى ذلك".
ويرى كوايس أن الأشخاص الذين يضطرون إلى الانتقال بسبب تغير المناخ هم ببساطة نازحون. وما يزعجه هو أنه في حين أن هؤلاء الأشخاص يحصلون على وضع النازحين داخلياً في بلدهم، إلا أن الاتفاقيات الدولية لا توفر لهم أي حماية عند عبورهم الحدود الدولية، على عكس أولئك الذين ينتقلون هرباً من الاضطهاد أو العنف.
ويقبل كوايس الرأي القائل بأن المناخ السياسي قد لا يكون مواتياً لخلق ألية دولية جديدة ملزمة يمكن، عن طريق توفير الحماية، أن تشجع على المزيد من الهجرة، لكنه يقول أن هناك حججاً أخرى يمكن تقديمها لمساعدة هؤلاء المهاجرين.
وأضاف في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "إن فعاليتنا مساوية لقوة عزمنا. وبالتالي، فمن الأهمية بمكان أن يتولى دافعو الضرائب الذين يدركون أهمية هذا الأمر زمام المبادرة، ليس فقط بناءً على اعتبارات الإيثار، ولكن لأنه يؤثر علينا جميعاً. وإذا لم يحدث ذلك، فسيكون علينا أن نلجأ إلى ما أسميه جدول أعمال الأمننة".
ويشجع كبح جماح الهجرة على تهريب البشر والأنشطة غير المشروعة الأخرى، على سبيل المثال. وأضاف كوايس قائلاً: "اذا قمت بأمننة [القضية]، سترى الأموال تتدفق، لأن اللاعبين الكبار عادة ما يرون التهديدات الأمنية على أنها أكثر أهمية من القضايا الإنسانية".
في الوقت نفسه، يسهر محمد راشد وجيرانه في كوميرا شار في بنجلاديش طوال الليل، ويملأهم القلق. "لقد فقدنا المساجد والمدارس والمحلات التجارية والمزارع. ونحن نخاف من البحر الآن. إنه يقترب تدريجياً من منازلنا، وعندما ننام، نشعر بالخوف. إن المد يرتفع أكثر ويقترب أكثر كل عام. وقد لا تكون هذه القرية موجودة في العام المقبل،" كما قال.