الصورة: شاتر فيريت/فليكر
|
لندن, 16 يناير 2014 (إيرين)
ما هو أفضل مكان في العالم لتناول الطعام؟ هذا كله يتوقف على ما تعنيه بالطعام "الجيد"، كما تظهر حسابات جديدة أجرتها منظمة أوكسفام. فالغذاء في الولايات المتحدة رخيص ووفير ومتنوع وشهي، ولكنه قد لا يكون مفيداً لك، حيث أدى الإفراط في تناول الدهون والسكر إلى إصابة 36 بالمائة من الأميركيين بمرض السكري ومعاناة 46 بالمائة من السمنة المفرطة. وعلى النقيض من ذلك، فإن الغذاء في اليابان صحي أكثر، لكنه مكلف للغاية وليس متنوعاً مثل الطعام الأمريكي.وفي الجزء السفلي من جدول أوكسفام توجد دول مثل تشاد وأنغولا، حيث يمكن أن يكون الغذاء باهظ الثمن وغير مغذي. كما يمكن أن يكون الطعام مملاً، ففي مدغشقر (الرابعة من أسفل)، يأتي 79 بالمائة من الطعام الذي يتناوله السكان من الحبوب والجذور النشوية، مع كمية قليلة جداً من اللحوم أو الأسماك أو الفواكه أو الخضروات.
وربما تكون الأرقام الأكثر إثارة للاهتمام غير تلك الخاصة بأغنى أو أفقر البلدان، ولكن تلك المتعلقة بما بينهما - وهي الاقتصادات الناشئة التي دخلت مرحلة التحول إلى الدخل المرتفع أو المتوسط. وتوجد بعض الوجبات الغذائية غير الصحية على الإطلاق في أماكن مثل فيجي والمكسيك، حيث يعاني أكثر من 40 بالمائة من البالغين من السمنة المفرطة، وليس مجرد زيادة الوزن.
والآلية ليست لغزاً؛ فالناس يزدادون ثراءً ويريدون أن يأكلوا المزيد من اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان والأغذية المقلية والحلويات والكعك، ثم يتبعون ذلك بالمشروبات الغازية. وتختلف الأطعمة المفضلة من بلد إلى آخر، لكن التحول الغذائي لا يتغير في جميع أنحاء العالم. كما أن الانتقال إلى المدن بالإضافة إلى امتلاك وقت أقل لطهي الطعام واتباع نظام حياة أقل نشاطاً يجعل التحول الغذائي سبباً لتوسع محيط الخصر واعتلال الصحة. وقد تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة في العالم النامي ثلاث مرات بين عامي 1980 و2008.
إن جداول الأعمال التجارة العالمية والاستراتيجيات الزراعية لا يعدها الأشخاص المعنيون بالصحة، بل يعدها الأشخاص المعنيون بجمع المال
ويشعر تيم لانغ أستاذ السياسات الغذائية في جامعة سيتي في لندن بأن العالم مقبل على كارثة لا يدرك أبعادها، على الرغم من وجود الكثير من الأدلة على ما يحدث. وأوضح بالقول: "لقد ظللنا ننتج بيانات ديموغرافية ووبائية مذهلة توثق المشكلة لعدة سنوات. يبدو هذا تقريباً مثل رؤية السكان يمشون على حافة منحدر بالحركة البطيئة، بينما نحن فقط نشاهدهم ونحصيهم أثناء انحدارهم قائلين: أليس هذا شيئاً فظيعاً؟"أسباب القلق
وفي سياق متصل، نشر معهد التنمية الخارجية (ODI) البريطاني في الأونة الأخيرة ورقة بحثية تحدد أسباب القلق بعنوان "النظم الغذائية في المستقبل". وإلى جانب قضايا الصحة، تدرس الورقة كيفية تلبية المطالب الغذائية لعالم أكثر ازدهاراً، وما إذا كان المعروض من اللحوم ومنتجات الألبان يمكن أن يتماشى مع الطلب، وما إذا كانت زيادة الطلب على الحبوب لإطعام الماشية ستجعل أسعار المواد الغذائية الأساسية أكثر بعداً عن متناول الناس الأكثر فقراً.
وقد توصل معهد التنمية الخارجية إلى إجابات مطمئنة على هذه الأسئلة التي تتعلق بالاستدامة. ينبغي أن يتمكن العالم من زيادة الإنتاج لتلبية الطلب، بل ومن دواعي الدهشة أنه يمكن تلبية الطلب دون الحاجة إلى الحبوب والأعلاف التي تؤدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب المخصصة للاستهلاك البشري.
ولكن المخاوف الصحية تبقى قائمة. وقد تناول التقرير خمسة اقتصادات ناشئة - هي الصين ومصر والهند والبيرو وتايلاند - حيث يحدث انتقال غذائي، ولكنه مختلف في كل بلد.
فقد زاد استهلاك اللحوم في الصين بشكل كبير. أما في الهند، حيث يوجد الكثير من السكان النباتيين، فإن زيادة الرخاء تعني القدرة على تحمل تكاليف المزيد من الحليب ومنتجات الألبان. وينفق سكان تايلاند ثروة أكبر لتناول كميات كبيرة من الفاكهة، بينما يستطيع المصريون أن يشبعوا رغبتهم في تناول الأسماك، ويستطيع سكان البيرو تحمل نفقات المزيد من الغذاء بشكل عام، ولكنهم لا زالوا يأكلون نفس مجموعة الأطعمة التي كانوا يأكلونها من قبل. ولذلك، فإن اتباع النظم الغذائية الغنية باللحوم، على الطريقة الأميركية، ليس حتمياً بأي حال من الأحوال في كل مكان.
وقال ستيف ويغينز، كاتب التقرير: "ما تراه عندما تنظر في جميع أنحاء العالم هو أن هناك تنوعاً كبيراً للغاية. ففي أمريكا اللاتينية، وخاصة المكسيك، وبعض أجزاء من الشرق الأوسط وبعض جزر المحيط الهادئ، نرى معدلات عالية جداً من زيادة الوزن والسمنة... ولكن هناك أجزاء أخرى من العالم ذو الدخل المتوسط - وخاصة في جنوب وجنوب شرق آسيا، وبعض أجزاء من شرق آسيا - تقل فيها تلك المعدلات إلى النصف تقريباً... ولذلك يجب أن تكون هناك دروس يمكن استخلاصها من البلدان الأقل إصابة بالسمنة".
اتخاذ إجراءات
وهناك أدوات سياسية متاحة للحكومات الراغبة في دفع تحول بلادها في اتجاه جيد، إذ يمكنها أن تمنع الأطعمة غير الصحية، أو ترشد استهلاكها، أو تفرض ضريبة عليها، أو توفر الدعم النقدي للأطعمة المغذية أكثر، أو تسن قوانين لتنظيم عمل الشركات المصنعة، أو تحاول تثقيف الشعب.
وتجدر الإشارة إلى أن تثقيف الشعب هو الأقل إثارة للجدل، ولكنه لم يثبت أنه فعال بالقدر المطلوب. فقد حصل الناس في أوروبا وأمريكا الشمالية على الكثير من التثقيف العام، ولكنهم لا زالوا يأكلون الوجبات السريعة. ويستشهد باري بوبكين، أستاذ التغذية في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، بكوريا الجنوبية كبلد أدار حملة إعلامية فعالة جداً، حتى اضطر في نهاية المطاف إلى فتح اقتصاده.
"أُعطيت كل امرأة متزوجة أسبوعين من التدريب على النظام الغذائي التقليدي، الذي ركز على الكثير من أطباق الخضروات... ووضعوا لافتات في كل مكان تدعو إلى تناول الطعام التقليدي. كانوا يستبعدون العمليات الحديثة والبيع بالتجزئة، وكانت لديهم مستويات منخفضة جداً من زيادة الوزن، ولكن بعد ذلك، بدأت منظمة التجارة العالمية (WTO) تفتح البلاد وتغير كل شيء. كما بدأت الوجبات الغذائية تتغير بشكل ملحوظ".
ويؤكد بوبكين أن قواعد منظمة التجارة العالمية قيدت أيدي دول مثل ساموا، التي حاولت حظر الواردات غير الصحية. وأضاف قائلاً: "حاولت بلدان غرب المحيط الهادئ منع عدد من المنتجات التي كانت أهم أسباب السمنة، ولكنها اصطدمت بمنظمة التجارة العالمية.... كانوا يحصلون من الولايات المتحدة على ذيول الديك الرومي وحفنة من المنتجات غير الصحية الأخرى التي لا نقربها قط، والتي كانت مصنوعة من الدهون الصافية، ومنعنا هذه البلدان من حظر تلك الواردات، من خلال منظمة التجارة العالمية".
وعلى الرغم من أن دعم المواد الغذائية باهظ الثمن وأصبح موضة قديمة، فقد جربته النرويج في سبعينيات القرن الماضي، وقامت بدعم إنتاج الحليب قليل الدسم لترويجه على حساب اللبن كامل الدسم، ودعمت إنتاج الدواجن أكثر من اللحوم الحمراء. مع ذلك، فإن عادات المستهلكين لم تتغير، ولكن ليس من الواضح حجم التأثير الذي حققه الدعم.
في السياق نفسه، تم استخدام مزيج من القوانين التنظيمية والضرائب الباهظة للحد من التدخين، وحقق ذلك بعض النجاح، وعلى الرغم من المقاومة الشديدة من جانب صناعة التبغ، ولكن الجهود المبذولة في قطاع الأغذية كانت أكثر تذبذباً. فعلى سبيل المثال، فرضت المكسيك، التي انتبهت مؤخراً لفداحة مشاكلها الصحية، ضريبة على المشروبات المحلاة في بداية عام 2014.
ليس بهذه السهولة
رحبت روكسانا فالديس راموس، من الجامعة المستقلة في المكسيك، بالمبادرة ولكنها ليست متأكدة من نجاحها. وقالت: "إننا لا نعرف كيف ستؤثر على المشكلة. إن شعب المكسيك حريص جداً ومعتاد للغاية على شرب المشروبات الغازية التي يفضلها. وأخشى أن الشيء الوحيد الذي سيحدث هو أنهم سوف ينفقون المزيد من المال على نفس الطعام".
وقال تيم لانغ من جامعة سيتي في لندن أن وباء السمنة هو نتيجة للعديد من العوامل: ليس فقط النظم الغذائية السيئة، ولكن أيضاً قلة ممارسة التمارين الرياضية، وزيادة تبني أسلوب الحياة الحضرية، والتغيرات في إنتاج الغذاء وتجارة التجزئة. وأضاف أن "هذه عوامل معقدة، ومحفزات معقدة، ومدخلات معقدة في تشكيل نظام الغذاء، وبالتالي فإنها تتطلب حلولاً معقدة. إنني لا أرى أي نقاط تدخل بسيطة".
"وحتى لو اضطر المرء إلى دفع ضرائب ضخمة وهائلة، ضريبة سمنة على سبيل المثال، إذا كان من الممكن أن نفعل ذلك. أو ربما نفرض ضريبة السكر. كنت أرى دائماً أن فرض ضريبة على الدعاية والإعلان قد يكون هو الإجراء الأبسط، ولكنك ستحتاج إلى كل ذلك لتحقيق تأثير على المستويات المتعددة التي تدفع هذا الوضع... ويجب أن نجري تغيرات في العالم القائم لتسهيل ممارسة التمارين الرياضية، بدلاً من بناء العالم على أساس قيادة السيارات. حسناً، هذا يتطلب إعادة تصميم المدن، وهو طلب كبير للغاية".
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال نيفيل ريغبي، منظم منتدى السمنة الدولي، أن ذلك يعني الصدام مع مصالح تجارية دولية قوية. وأضاف أنه "من الناحية العملية، يتم تحديد مجموعة الأغذية المتاحة من قبل حفنة من الشركات الكبيرة. والقرارات بشأن الطعام الذي نتناوله ليست فقط في أيدي الأفراد، من خلال اختيار المستهلك، ولا حتى في أيدي الحكومات أو منظمة الصحة العالمية. إن جداول الأعمال التجارة العالمية والاستراتيجيات الزراعية لا يعدها الأشخاص المعنيون بالصحة، بل يعدها الأشخاص المعنيون بجمع المال".