ملاحقة شبكات تهريب المهاجرين

الصورة: مجاهد صفاءالدين/إيرين
مهاجرون يتسلقون سيارة أحد المهربين على الحدود بين زيمبابوي وجنوب أفريقيا

جوهانسبرج, 8 يناير 2014 (إيرين)
عندما يتم اكتشاف جثث لمهاجرين في الصحراء أو طافية فوق سطح البحر أو في حاويات شاحنات عديمة التهوية، غالباً ما يتضمن رد المسؤولين إطلاق دعوات لاتخاذ المزيد من الإجراءات ضد المهربين. فعلى سبيل المثال، قالت سيسيل كينج وزيرة الاندماج الإيطالية في أعقاب وفاة أكثر من 300 مهاجر غرقاً وهم يحاولون عبور البحر المتوسط في أكتوبر 2013، أن "خلف هذه المآسي... هناك أشخاص يتاجرون في البشر ويزدادون ثراءً على حساب أُناس يفرّون من الحرب والجوع"، وحثّت على زيادة عدد الدوريات بغية ملاحقة المهربين.
ويعكس مثل هذا التصريح الذي أصدرته كينج التصور السائد على نطاق واسع من أنه يمكن استخدام عبارتي عصابات "الاتجار في البشر" و"تهريب المهاجرين" بالتبادل لوصف شبكات إجرامية غامضة تنهب اليائسين والسُذّج. ولكن عدداً قليلاً من الباحثين في مختلف أنحاء العالم الذين يدرسون تهريب المهاجرين يرون أن الحقيقة غالباً ما تكون أقل شراً وأكثر تعقيداً.
في البداية، لا بد من التوضيح أن المهربين يختلفون عن المتجرين في البشر- كون المهربين يقدمون خدمات يرغب المهاجرون في دفع ثمنها عن طيب خاطر. ويقول التعريف الوارد في بروتوكول تهريب المهاجرين، الذي يُشكل جزءاً من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، أن الخدمة يجب أن تشمل مساعدة شخص ما للحصول على دخول غير قانوني إلى بلد آخر مقابل "منفعة مالية أو مادية أخرى".

وقد ارتفع الطلب على مثل هذه الخدمات في ظل قيام الدول حول العالم بتعزيز حدودها خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، الأمر الذي زاد صعوبة دخول المهاجرين وطالبي اللجوء المحتملين تلك الدول بشكل قانوني.

وفي بيان صدر بمناسبة اليوم الدولي للمهاجرين (18 ديسمبر)، أشارت المنظمة الدولية للهجرة إلى وجود "ارتباط مباشر بين تشديد الرقابة على الحدود وزيادة عمليات تهريب البشر"، ووصفتها بأنها بمثابة تجارة تدر نحو 35 مليار دولار سنوياً.

كما أفادت المنظمة الدولية للهجرة أن ما لا يقل عن 2,360 مهاجراً لقوا حتفهم وهم يحاولون عبور الحدود خلسة في عام 2013- وهو العام الذي سجل عدداً قياسياً من الوفيات في صفوف المهاجرين. وذكرت المنظمة أنه ما لم يقم المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة أسباب الهجرة غير النظامية، فإن المزيد من المهاجرين سوف يفقدون حياتهم على أيدي مهربي البشر والمتجرين بهم".

هل يمكن اعتبار المهربين حُماة؟

تشكك جابرييلا سانشيز، عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية التي تبحث قضية تهريب المهاجرين في عدد من الدول، في فكرة أن المهاجرين الذين يلجؤون لخدمات المهربين يعرضون أنفسهم لخطر أكبر. وفي هذا الصدد، قالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) في اتصال هاتفي من مرصد عبور الحدود، وهو مركز بحثي في جامعة موناش في ملبورن بأستراليا: "معظم الأشخاص الذين يلقون حتفهم وهم يعبرون الحدود يموتون وهم يتحركون بمفردهم". وأضافت أن "معظم هؤلاء الأشخاص يموتون بسبب التعرض لعوامل أخرى، وليس بسبب العنف".

وأضافت أن المهاجرين عادة ما ينظرون إلى المهربين "كحُماة"، وكأشخاص بإمكانهم أن يزيدوا من فرصهم في عبور الحدود بنجاح. "بالطبع، هناك مستوى ما من المخاطر، ولكن الناس يحسبون مخاطرهم... والمهاجرون واللاجئون ليسو جهلة أو سذج،" كما أفادت.

معظم الأشخاص الذين يلقون حتفهم وهم يعبرون الحدود يموتون وهم يتحركون بمفردهم
وغالباً ما يعتمد مستوى الخطر الذي يتعرض له المهاجرون على مقدار المال الذي يستطيعون دفعه. فمن المرجح أن يصل أولئك الذين يستطيعون شراء تذاكر الطيران، ودفع مبلغ مقابل الحصول على تأشيرات وجوازات سفر مزورة، ورشاوى لموظفي الجمارك وموظفي الهجرة، إلى وجهتهم بسلام. غير أن المهاجرين الذين يستخدمون الطرق البرية والخطوط البحرية الأطول والسفر مع مهربين مرتبطين أو غير مرتبطين ببعضهم البعض- أو ما وصفه مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة بأنه يشبه الأسلوب التجاري المعروف بالدفع "أولاً بأول" - فإنهم يواجهون أعلى درجة من المخاطر، فقد تتقطع بهم السبل أو يتعرضون لسوء المعاملة.

مزيد من الانتهاكات من قبل المهربين
وقد أصبحت الطرق من غرب وشرق أفريقيا إلى أوروبا، ومن القرن الأفريقي إلى الشرق الأوسط، مع بحرها الغادر ومعابرها الصحراوية، أكثر خطورة في السنوات الأخيرة. ويلجأ المهربون على نحو متزايد إلى ابتزاز المهاجرين بحيث يطلبون منهم أن يدفعوا مبالغ أكثر من تلك المتفق عليها، وفي كثير من الأحيان يتم ذلك عن طريق احتجازهم خلال الطريق أو حتى عند وصولهم إلى الوجهة المقصودة، وإجبارهم على الاتصال الهاتفي بأقاربهم ليطلبوا منهم المال تحت التهديد بالتعذيب. وقد وردت تقارير عن حدوث مثل هذه الانتهاكات، التي تطمس الخط الفاصل بين التهريب والاتجار بالبشر، من السودان واليمن وصحراء سيناء في مصر وليبيا.

تعليقاً على هذه الانتهاكات، قال يتنا جيتاشيو، المتخصص الإقليمي في هذا الشأن في مكتب منظمة الدولية للهجرة لمنطقة أفريقيا الشرقية والجنوبية الواقع في بريتوريا: "ما يحدث في الوقت الحالي أمر غير مسبوق...حتى وقت قريب، لم نكن نشاهد إساءة معاملة المهاجرين على يد المهربين. إنها تجارة وينبغي أن يخافوا على سمعتهم".



من جانبه، يتوقع كريستوفر هوروود، المنسق الإقليمي لأمانة الهجرة المختلطة (RMMS) التي نشرت تقريراً في يونيو عام 2013 بشأن تهريب المهاجرين بين القرن الإفريقي واليمن، أن الأعداد الكبيرة من المهاجرين من إريتريا وإثيوبيا قد قادت إلى زيادة الطلب على خدمات المهربين، ومن ثم إغراء المهربين لابتزاز مبالغ مالية أكبر من المهاجرين عن أي وقت مضى. وفي هذا الصدد، قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "المبالغ كبيرة جداً في حالة الإثيوبيين والإريتريين لدرجة أنها أصبحت لا تقاوم".

ويرى سانشيز أن المهاجرين الذين يعانون من مستويات العنف الأعلى هم الذين يسافرون مع "مهربين غير معروفين". ويضيف أن "معظم الأشخاص يسافرون مع مهربين معروفين لديهم وموصى بهم من قبل آخرين". 

ومع ذلك، خلال الطرق الطويلة في نظام "ادفع أولاً بأول"، مثل طريق الهجرة من إريتريا إلى إسرائيل أو من الصومال إلى جنوب أفريقيا، عادة لا يعرف المهاجرون سوى المهربين الذين يأخذونهم في المحطة الأولى في رحلتهم. وبعد ذلك، ربما يسافرون بمفردهم لجزء من الطريق أو يتم تسليمهم من مهرب لآخر من خلال ما يصفه هورهوود بأنه "سلاسل غير رسمية" أو "تحالفات فضفاضة" تختلف عن الشبكات الأكثر تنظيماً المعهودة في عمليات الاتجار في البشر.


عقبات أمام الملاحقة القضائية
من غير الواضح مدى سوء المعاملة التي يتعرض لها المهاجرين على يد المهربين، حتى في أشهر الطرق التي تعرف بخطورتها. وفي هذا الإطار، قال سانشيز، الذي يرى أن أغلبية المهاجرون لا يعانون من سوء المعاملة على أيدي المهربين إن "معظم القصص التي نسمعها هي قصص أشخاص مرّوا بتجارب سيئة مع أحد المهربين. لكننا لا نسمع في الغالب قصص من الأشخاص الذين لم يعانوا من إساءة المعاملة".

هؤلاء المهاجرين الذين يعانون من إساءة المعاملة نادراً ما يقومون بالإبلاغ عن ذلك، لا سيّما إذا كانوا قد وصلوا إلى وجهتهم ويسعون لتفادي السلطات. عدم تقديم شكاوى رسمية من قبل المهاجرين قد أضاف إلى الصعوبات المتعلقة بالملاحقة القضائية للمهربين، الذين قد يصعب مجرد تحديدهم.

من جانبه، قال خالد كوسر، نائب مدير مركز جنيف للسياسات الأمنية، الذي أجرى أبحاثاً مستفيضة حول عمليات تهريب المهاجرين: "خلافاً للاتجار في البشر، التهريب لا يتم بواسطة محترفين، بل يتم عن طريق أشخاص لديهم وظائف أخرى. هؤلاء ليسو مجرمين متمرسين، ولكن أشخاص يجنون أموال إضافية".

يتفق مع هذا الرأي سانشيز الذي يقول إنه "لا يوجد تعريفاً للمهرب". ويضيف: "المهربون الذي التقيت بهم في ولاية أريزونا [قرب حدود الولايات المتحدة مع المكسيك] كانو مراهقون يقودون الراغبين في الهجرة عبر الصحراء.. كانت هناك أم عزباء تعيش مع أطفالها الثلاثة تقوم بإيواء المهاجرين خلال الليل... وجدات يقدمون الطعام للمهاجرين". المهاجرون أيضاً قد يساعدون في مثل هذه العمليات بالطهي في منزل آمن، وقيادة القوارب أو السيارات مقابل مبالغ زهيدة. و في بعض الأحيان قد تتسبب هذه الأعمال في إلقاء القبض عليهم بتهمة التهريب.

تجريم المهاجرين
ويرى سانشيز أن "تحديد من يقوم بالتهريب يمثل إشكالية حقيقية، فنحن نفكر في التهريب على أنه قد أصبح أكثر ترتيباً وتنظيماً، ولكن ما نراه في الواقع هو توجيه التهم إلى المهاجرين واللاجئين... فمعظم الأشخاص الذين يُحاكمون بتهمة التهريب هم من المهاجرين أنفسهم".

وغالباً ما لا يوجد، حتى لدى الدول الموقعة على البروتوكول المعني بمكافحة التهريب، تشريعات محددة لاستهداف عمليات تهريب الأشخاص. وتأكيداً لهذا، أوضحت سامانثا مونديتا، المستشارة القانونية الإقليمية لدى مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة في أفريقيا الجنوبية، أن معظم الدول في منطقتها تعتمد على قوانين الهجرة التي "لا تميل إلى الوصول إلى الضالعين الأساسيين في الجريمة [التهريب] والأشخاص الذين يعملون على استمراريتها"، والتي 
تستخدم في كثير من الأحيان لتجريم المهاجرين.

ويتفق معها في هذا الرأي جيتاشيو من المنظمة الدولية للهجرة، حيث قال: "لا توجد أي محاولة لملاحقة المهربين، الأمر يتمحور فقط حول دخول المهاجرين بطريقة غير نظامية"، مضيفاً أن افتقار سلطات إنفاذ القانون المحلية إلى القدرات والموارد يعرقل أيضاً الجهود المبذولة للتحقيق في عمليات التهريب.
لا توجد أي محاولة لملاحقة المهربين، الأمر يتمحور فقط حول دخول المهاجرين بطريقة غير نظامية
وقد أنشأ مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة نظاماً للإبلاغ الطوعي في آسيا يتيح للدول في المنطقة جمع وتبادل البيانات المتعلقة باتجاهات التهريب والشبكات العاملة في هذا المجال. لكن لا يوجد مثل هذا النظام في أفريقيا الشرقية والجنوبية، بل تعاني هاتين المنطقتين من "ضعف التنسيق على الصعيد الإقليمي في هذه القضايا"، وفقاً لما قالته مونديتا.

ويمثل الدور الذي يلعبه الفساد في تيسير كل مرحلة تقريباً من عملية التهريب عقبة رئيسية أخرى. وفي ورقة نشرها مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة مؤخراً، ذكر المؤلفون أن "تهريب المهاجرين لا يمكن أن يتم على نطاق واسع بالشكل الذي يحدث في كثير من الأحيان دون وجود تواطؤ بين المسؤولين الفاسدين والمجرمين".

وغالباً ما يكون المهربون قادرين على دفع الرشاوى للخروج من ورطتهم، ووجود مزيج من الفساد والعقوبات الخفيفة للعدد القليل من المهربين الذين يُحاكمون يجعل التهريب "نشاطاً جذاباً للغاية" للمجرمين، كما يرى هوروود.

السماح بحرية الحركة

وأشار العديد من الباحثين الذي تحدثت معهم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) إلى أن الرادع الأكثر فعالية في مواجهة عمليات التهريب قد يكون من خلال عدد أقل، وليس أكثر، من الضوابط الحدودية. ويرى كوسير أن "الدول تميل إلى التركيز على أمن الحدود، وهذا لا ينجح على ما يبدو...فالنتيجة غير المقصودة لسياسة تشديد القيود على الهجرة هي المزيد من الهجرة غير المشروعة".

ومن الملاحظ أن هناك طلباً قليلاً على المهربين في منطقة أفريقيا الغربية، حيث يسمح بروتوكول بشأن حرية حركة الناس الذين يعيشون في الدول الأعضاء بالسفر داخل المنطقة دون تأشيرات. وقال هوروود أن "التهريب لا يمكن أن ينتعش إذا لم تكن هناك قيود".

من جهته، قال سانشيز: "نحن بحاجة لبحث تأشيرات الدخول وجوازات السفر، ولا نحتاج إلى بحث المزيد من إجراءات التجريم أو الردع...نحن بحاجة إلى مراجعة الآليات التي تسهل التنقل".

مع ذلك، يرى الخبراء أن تبني مثل هذه الآليات في المستقبل القريب أمراً مستبعداً في ظل وجود الحساسيات السياسية التي تغذي المناقشات حول الهجرة غير النظامية في جميع أنحاء العالم. وطالما ظلت المشاعر الجماهيرية المناهضة للهجرة، فسوف تواصل الحكومات اتخاذ التدابير التي تجعل دخول المهاجرين إلى دولها بشكل قانوني أكثر صعوبة، ما يسهم بدوره في استمرارية الطلب على المهربين.