الحملة الأمنية في شمال سيناء تصيب الحياة الاقتصادية بالشلل .

سلسلة من أربعة أجزاء تعرض أثر عمليات التمرد المسلح ومكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء في مصر .
العريش, 15 ديسمبر 2013 (إيرين)
هذا هو المقال الثالث في سلسلة من أربعة أجزاء تناقش أثر عمليات التمرد المسلح ومكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء في مصر. 
يقول السكان أن حالة شبه الحرب التي تشهدها محافظة شمال سيناء في مصر قد أصابت الحياة الاقتصادية بالشلل. فقد أصبح الكثير من أهالي شبه جزيرة سيناء الفقيرة عاطلين عن العمل منذ أن بدأ الجيش شن حملة أمنية للقضاء على الجماعات المسلحة في المنطقة، عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسى الذي ينتمي لحركة الإخوان المسلمين في شهر يوليو.  

والجدير بالذكر أن المسلحين والسكان المحليين يعتمدون على تهريب البضائع من وإلى قطاع غزة الفلسطيني المجاور كمصدر رئيسي للدخل، لكن قوات الأمن استهدفت في الأشهر الأخيرة أنفاق التهريب في المنطقة التي بلغ عددها، في ذروتها، نحو 1,200 نفق. 
وقال أحد سكان مدينة رفح الحدودية، الذي رفض الإفصاح عن اسمه خوفاً من تعرضه لإجراءات انتقامية: "لا يوجد عمل... العمل يعتمد على التهريب، والآن قد توقف كل ذلك". 
من جانبه، يقدر إيهود يعاري، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن مكاسب بدو سيناء من عمليات التهريب تصل إلى نحو 500 مليون دولار في السنة. كما أنها سهلت أيضاً نقل الأسلحة والمتفجرات من وإلى قطاع غزة.
ارتفاع الأسعار
ومنذ بدء عمليات الجيش، ارتفعت أسعار الوقود وغاز الطهي وأجرة وسائل النقل العام في السوق السوداء، وهناك نقص في إمدادات بعض المواد الغذائية.  
ويؤدي حظر التجول بعد العصر والإغلاق الواسع النطاق للطرق إلى تباطؤ وصول السلع من العاصمة المصرية القاهرة، التي تبعد أكثر من 300 كيلو متر، والعديد من المنتجات لا تصل إلى القرى القريبة من الحدود بانتظام. وفي رفح، تم إغلاق المحلات التي تقع بجوار مناطق العمليات العسكرية مؤقتاً، في حين تم إغلاق تلك التي بالقرب من مركز الشرطة بشكل دائم. 
ومنذ فترة، لم يجد بعض السكان منتجات أساسية مثل الزبادي. وقد قفز سعر كيلو البطاطس من 2.5 جنيه مصري (ما يعادل 0.36 دولار) في يونيو إلى 10 جنيهات قبيل منتصف شهر أكتوبر، على الرغم من أنه انخفض منذ ذلك الحين إلى 3 جنيهات.  
وكانت تكلفة إعادة تعبأة عبوة غاز الطهي تصل إلى 8 جنيهات قبل بدء العمليات العسكرية هذا الصيف، لكنها ارتفعت في شهر أكتوبر إلى 25 جنيهاً. وفي حين أن سعر غالون البنزين كان أقل من جنيهاً، إلا أنه بات يكلف الآن 3 جنيهات.
إضافة إلى ذلك، ينفد الوقود بسرعة من المحطات،إذ يقول السكان أنه يُشترى بكميات كبيرة ويُهرب إلى غزة في واحدة من عمليات التهريب القليلة التي ما تزال مستمرة.  
من جانبه، قال الجيش المصري أنه يأخذ الأثر المترتب على حياة المدنيين جراء عملياته في الاعتبار. وقال العقيد أحمد علي، المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نأمل ألا نعيق الحياة المدنية بقدر الإمكان...وقد طلب بعض الناس منا منع الحركة تماماً أثناء مرور سياراتنا، أو أن نعلن منطقة العمليات بين [عاصمة المحافظة] العريش ورفح منطقة حرب، ولكننا لا نريد أن نجعل حياة الناس مستحيلة".
العيش في خوف
وقد أدى فرض حظر التجول بعد العصر (الذي يبدأ في الساعة الرابعة مساء في بعض المناطق، والسادسة مساء في مناطق أخرى) إلى الحد من الحركة والنشاط في شمال سيناء، إذ يتم بموجب هذا الحظر غلق الطرق المحيطة بعشرات المباني الأمنية والحكومية في العريش بواسطة السواتر الرملية ومن خلال التواجد العسكري الكثيف.  
ويقول السكان أنه مع بدء العمليات العسكرية، مبكراً في الصباح، يتم قطع شبكات الهاتف والإنترنت حتى بدء حظر التجول. 
وقد تم تأجيل بدء الدراسة لأكثر من شهر لأسباب أمنية، وقال المدرسون في المنطقة، الذين يعيش العديد منهم في العريش، أنهم كانوا خائفين من الذهاب إلى المدارس في رفح والشيخ زويد وقرى أخرى في المنطقة. 
كما تقلصت حرية الحركة أيضاً، ففي رفح، يتنقل الناس حول المدينة ولكن بحذر شديد، ونادراً ما يغادرون منازلهم أثناء العمليات العسكرية. وبسبب حظر التجول، تبدأ الأنشطة اليومية في الانحسار قرب الساعة الثالثة بعد الظهر.
وعندما كسرت ذراع ابن عم عمرو* في أوائل شهر أكتوبر، رفضت سيارة الإسعاف نقله من قرية المهدية إلى المستشفى في العريش بسبب حظر التجول. واستغرق التفاوض مع أجهزة الاستخبارات في رفح أربع ساعات للحصول على إذن لنقله. 
ولا يزال سكان المنطقة يعيشون في خوف من عمليات التمشيط مثل تلك التي أعقبت التفجيرات التي وقعت في عام 2004 واستهدفت منتجعات سياحية في جنوب سيناء، التي قالت جماعات حقوق الإنسان المصرية أنها أدت إلى الاعتقال التعسفي لنحو 3,000 شخص. 
ووفقاً لأحد سكان مدينة رفح، فإن النمط ذاته بدأ يطبق الآن، "فهناك اعتقالات تعسفية وعمليات إطلاق نار من قناصة تابعين للحكومة، لاسيما حول الكنيسة أو برج المياه،" كما أفاد. 
إنهم يهاجمون جميع المنازل الجميلة... يقولون إنهم يبحثون عن الإرهابيين. فلماذا إذن لا يلتزمون بتعقب الإرهابيين فقط
كما قام سكان سيناء بتغيير لوحات ترخيص السيارات إلى أرقام البر الرئيسي في مصر حتى يتجنبوا المضايقات عند نقاط التفتيش، بينما لم يعد الفلسطينيون الذين اعتادوا قضاء أيام العطل في جنوب سيناء يرنادون المنطقة خشية اتهامهم بأنهم "إرهابيون".


استهداف عمليات التهريب
وقد تسبب الحد من عمليات التهريب بأضرار للحياة الاقتصادية هنا، وفي هذا الصدد، قال اللواء سميح بشادي، مدير أمن شمال سيناء، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نقوم بتدمير الأنفاق في رفح وشمال سيناء لأنها تسهم في تجارة الأسلحة غير المشروعة". 
وقال بروفيسور متخصص في اقتصاد قطاع غزة لمجموعة الأزمات الدولية، أن سلعاً تتراوح قيمتها ما بين 500 إلى 700 مليون دولار تمرر عبر الأنفاق سنوياً، ما كان يسهم في إبقاء اقتصاد قطاع غزة المحاصر واقفاً على قدميه. وقالت المجموعة أن تجارة التهريب قد ساعدت أيضاً في استمرار حكومة حركة حماس المسلحة في غزة، التي فرضت منذ أوائل عام 2012 جمارك تصل إلى 14.5 بالمائة على الأقل، على السلع التي تُجلب إلى غزة عبر الأنفاق.  
ويتم اتهام المهربين بدعم الجماعات المسلحة في سيناء، والتعاون مع حماس، المُقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين. ويقول المسؤولون المصريون والإسرائيليون أن هناك روابط قوية بين الجماعات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، بما في ذلك حركة حماس، وتلك الموجودة في سيناء، ويلقي القادة العسكريون الجدد في مصر اللوم على حركة حماس في حالة عدم الاستقرار التي تشهدها سيناء.
ويقول السكان أن الجيش يستهدف المنازل الفاخرة على اعتقاد أن أصحابها قد اكتسبوا ثرواتهم من خلال التهريب والاتجار بالأسلحة وغيرها من السلع من وإلى غزة. ويشكل الاتجار بالمهاجرين الأفارقة – وتعذيبهم في بعض الحالات للحصول على فدية – جزءاً من الاقتصاد المحلي أيضاً.
ويرى الخبراء أن هناك ارتفاعاً حاداً وواضحاً في المنازل الفاخرة في شمال سيناء التي لولا ذلك لكانت متخلفة منذ أن أضحت تجارة التهريب المصدر الرئيسي للدخل.
وقال محمد، وهو رب أسرة بدوية ثرية في قرية المهدية، التي تقع على بعد نحو 5 كيلومترات من الحدود مع قطاع غزة: "إنهم يهاجمون جميع المنازل الجميلة... يقولون إنهم يبحثون عن الإرهابيين. فلماذا إذن لا يلتزمون بتعقب الإرهابيين فقط؟"
وقال محمد أن القوات المسلحة أحرقت منزل الأسرة، الذي كان يأوي 15 شخصاً، إضافة إلى العديد من السيارات وجرار ومولد كهرباء. وأضاف أيضاً أن القوات المسلحة أطلقت النار على البيت بواسطة الدبابات. وعندما شاهدت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) المنزل، كانت الطوابق العليا محطمة تماماً.
واشتكت امرأة من أسرته قائلة: "لقد نهبوا المنزل وسرقوا مجوهراتي". وأضافت أنها أثناء اختبائها خارج المنزل، سمعت أحد الجنود يقول: "إذا كان هذا منزل مزارع، ليتني أصبح موظفاً عنده". 
وأردفت قائلة: "هذا جيشنا، ولا أريد أن يُصاب جنودنا بأي مكروه "، في إشارة إلى الهجمات التي يشنها مسلحون ضد قوات الأمن. "ولكن لماذا فعلوا هذا بنا؟"  
ويعترف محمد بأن الأسرة استخدمت إحدى الشاحنات التي أحرقها الجيش في نقل مواد بناء إلى قطاع غزة. وقال: "لكننا لسنا إرهابيين أو متطرفين".
وكانت شاحنات محترقة تصطف على الطرق الحدودية في شهر أكتوبر. وقد شاهدت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أشخاصاً يدفنون شاحنات في الرمال لتفادي أن يصيب سياراتهم الخاصة نفس المصير - كانت تلك شاحنات تستخدم على ما يبدو في نقل مواد البناء إلى قطاع غزة عبر الأنفاق.

البحث عن الأنفاق
   ويبدأ الكثير من أنفاق التهريب التي تحت الأرض وتمتد من مصر إلى غزة، أسفل منازل سكان المنطقة.  
ويقول السكان في رفح أن الجيش ينسف المنازل التي يعتقد أنها مرتبطة بالأنفاق بشكل يومي تقريباً. وقد تحدثت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) مع أسرتين قالتا أن الجيش قد اعتقد خطأً أن هناك أنفاقاً تحت منزليهما.  
وقال أسامة*، أحد سكان رفح: "يقول الجيش لوسائل الإعلام أن لدينا جميعاً أنفاقاً، ثم يأتي ويدمر منازلنا". وفي نهاية شهر أغسطس، استخدم الجيش مادة التي إن تي لنسف المنزلين اللذين كان يعيش فيهما هو وأقاربه. ويعيش أسامة الآن مع أسرته في منزل غير مكتمل في قرية المهدية.
وأوضح قائلاً: "لا أستطيع العودة إلى منزلي لإعادة بنائه. إنهم لا يعطون لك فرصة لأخذ أي شيء من المنزل قبل أن يمحوه من على وجه الأرض"، مشيراً إلى أن الجيش قد دمر أيضاً عشرة فدادين يمتلكها (أي ما يعادل 4.2 هكتار) من أشجار الزيتون.  
وينفى أسامة وجود نفق أسفل منزله، لكن سمير غطاس، مدير منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية ومقره القاهرة، يصر على أن جميع المنازل الحدودية في الجانب المصري من مدينة رفح تفتح على أنفاق وهي متورطة في تهريب الأشخاص والأسلحة. ويقول أن الجيش قد حذر على وجه التحديد السكان من أن جميع المنازل التي تمر بها أنفاق ستدمر.  
وأضاف غطاس أن "التدمير لا يتم بشكل ممنهج".