خدمة "خمس نجوم" للاجئين على الطريقة الإماراتية .


مراجيب الفهود, 30 أكتوبر 2013 (إيرين)
تحت وهج شمس منتصف النهار، تبدو الكرفانات المُرتبة بعناية ناصعة البياض وسط البيئة الصحرواية المغبرة التي تحيط بها، ولم يقطع ظلالها القصيرة المتناظرة سوى قطعة عرضية من غسيل يتدلى من إحدى النوافذ.
ولكن لا يُسمع في هذا المكان أي من الأصوات العادية التي تقرنها بمخيمات اللاجئين- كأعمال البناء، وأزيز المقالي أو صياح الباعة المتجولين- وخلافاً لدوي شاحنة جمع القمامة وصوت آذان الصلاة، يخيم على المكان صمت شبه تام.
كما أنك لا تشتم رائحة الصرف الصحي، ولا ترى مجاري مفتوحة، في حين تمنحك خطوط الكهرباء القوية وأطباق الأقمار الاصطناعية المنتشرة في الأنحاء، شعوراً بأنك في مدينة راسخة وليس في مخيم للاجئين في وسط الصحراء الأردنية، لم يفتح أبوابة سوى منذ ستة أشهر فقط.

أطلق الناس على مخيم مراجيب الفهود، الذي تديره هيئة الهلال الأحمر التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، "مخيم لاجئين خمس نجوم"، وهي تسمية يحرص الموظفون والمتطوعون، والكثير منهم من الإمارات العربية المتحدة، على التقليل من أهميتها.
لكن مستوى الخدمات المرتفعة التي تقدم في المخيم ليست رخيصة وقد أثارت تساؤلات بشأن القيمة العائدة على المانح مقابل المال المدفوع واستمرارية المخيم على المدى الطويل.
شاي وقهوة على مدار الساعة
لم يدخر القائمون على بناء هذا المخيم في هذا الموقع المعزول الذي يقع على بعد نحو 80 كيلومتراً شمال العاصمة عمّان، ويشتهر باسم "المخيم الإماراتي الأردني" أي نفقات.
وخلافاً لمخيم الزعتري الرئيسي في الأردن، لا يعاني المخيم الإماراتي الأردني من فرط الزحام، إذ يأوي في الوقت الحالي قرابة الـ 3,600 لاجئ. ويوجد لدى جميع اللاجئين كرفانات بدلاً من الخيام، ويستمتعون بتوفر المياه الساخنة للاستحمام والكهرباء والشوارع المضاءة.  
صُفت الكرفانات بإتقان على مسافات متساوية، ووضع على كل كرفان رقم ورمز تعريفي. ويوجد نظام حاسوبي مركزي يحتفظ بسجل يحتوي على بيانات دقيقة لمن يسكنون المخيم وأين يسكنون وماهية المعونات التي تحصل عليها كل أسرة.
كما يحصل كل لاجئ على ثلاث وجبات ساخنة يومياً، يتم طهيها بعناية في الموقع بواسطة شركة ضيافة أردنية خاصة. ويتم توصيل عُلَب الوجبات الجاهزة المغلفة بالألومنيوم مباشرة إلى أبواب اللاجئين وذوي الاحتياجات التغذوية لظروف مثل مرض السكري تقدم لهم وجبات طعام خاصة.
وهناك قاعات يقدم فيها بوفيه للشاي والقهوة حيث يمكن لللاجئين أن يعدوا بأنفسهم ما يرغبون في غرف مجهزة بتلفزيون على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، للرجال والنساء، ومنطقة مخصصة للعب الأطفال، وملعب لكرة القدم، وسوبر ماركت، ومسجد.
وبالإضافة إلى أطباء وممرضات الرعاية الصحية الأولية العادية، يوجد بالمركز الطبي في المخيم - الذي يضم منطقة انتظار تحتوي على مقاعد مظللة- طبيب أطفال، وطبيب توليد، وصيدلي، وطبيب أسنان، وقسم للأشعة وغرفة عناية خاصة لأي شخص قد يحتاج إلى رعاية خلال الليل.
وفي شهر سبتمبر، تم افتتاح مدرسة مُجهزة بالكامل بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، ووزارة التنمية الدولية في المملكة المتحدة (DFID) تضم مساحة كافية لاستيعاب نحو 1,300 طفل في المخيم، وتوفر فصولاً تمتد من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية فضلا ًعن الألعاب الرياضية وغيرها من الأنشطة الإضافية خارج إطار المناهج الدراسية.
ومن بين الهبات المكدسة في مستودع الإمداد في المخيم ملابس جديدة – عبارة عن بدل وفساتين وأحذية للأعراس وغيرها من المناسبات الأخرى، إضافة إلى تي شيرتات من ماركة "أديداس". وهذا يختلف كل الاختلاف عن الخدمات المقدمة في مخيم الزعتري حيث تجد المدارس هناك صعوبات كبيرة في استيعاب الأطفال، وحيثما يؤدي الطلب على الاحتياجات الأساسية في بعض الحالات إلى وجود سوق سوداء قوية.
القيمة مقابل المال
ولم يستطع الموظفون في المخيم الإماراتي الأردني ولا في مقر هيئة الهلال الأحمر في العاصمة الإماراتية أبوظبي، أن يقولوا لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) كم أنفقت الهيئة على إنشاء المخيم الإماراتي الأردني – الذي تقدره بعض تقارير وسائل الإعلام في دولة الإمارات بنحو 10 ملايين دولار -أو حجم تكاليف التشغيل.
من جانبه، قال متحدث باسم هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن الهيئة أنفقت، منذ اندلاع الأزمة، 13.5 مليون دولار في دعم اللاجئين السوريين في الأردن (بما في ذلك مشروعات خارج المخيم).
وفي الوقت الذي يشيد فيه البعض بالدور الذي تقوم به الإمارات في رفع مستوى الرعاية المقدمة للاجئين، يشكك البعض في فعالية التكاليف التي يتم إنفاقها.
والجدير بالذكر أن الأردن استقبل ما يقرب من 600,000 لاجئ سوري مسجل، مما شكّل ضغطاً مالياً هائلاً على الخدمات الحكومية ودفع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية إلى تدشين عملية واسعة النطاق ولكنها تعاني من نقص التمويل.  
من ناحيتها، أعلنت الحكومة الأردنية الأسبوع الماضي أنها أنفقت حتى الآن 1.7 مليار دولار على رعاية اللاجئين وأنها تواجه صعوبات في مواكبة تطور الأوضاع. ويأوي مخيم الزعتري ما يقدر بنحو 120,000 شخص، أي ما يعادل 33 ضعف عدد اللاجئين في المخيم الإماراتي الأردني.
 لدى الوكالات المسؤولة عن المخيم الإماراتي الأردني طريقتها الخاصة في إنجاز المهام... ولكني أعتقد أنه بإمكاننا أن نتعلم من بعضنا البعض
وقال كارستن هانسن، المدير القطري للمجلس النرويجي للاجئين في الأردن، الذي يدعم بعض البرامج التعليمية في المخيم الإماراتي الأردني أن "المخيم الإماراتي الأردني يحظى بموارد جيدة جداً ومبني بشكل جيد مقارنة بمخيم الزعتري. لقد قاموا بعمل رائع، حيث تم تركيب نظام صرف صحي مغلق وشبكة مياه. كما يقدم المخيم ثلاث وجبات ساخنة يومياً".
ولكنه أفاد أن "هناك أشياءً تثير التساؤل، فعلى سبيل المثال، عندما ترى أن المال لا يتدفق على أماكن أخرى في الوقت الذي يتم فيه إنفاق أموال كثيرة على عدد قليل من اللاجئين في المخيم الإماراتي الأردني - أكثر بكثير للشخص الواحد مقارنة بمخيم الزعتري".
التميز سبيلاً للوقاية
وتقول هيئة الهلال الأحمر الإماراتي أنها أنشأت مخيمها هذا بناء على خبرتها في عمليات المعونة في أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك اليمن وكوسوفو وليبيا.
وفي هذا الصدد، قال سيف علي الظاهري، مدير عام المخيم في حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نحن نعرف احتياجات الناس".
وأضاف: "نعم، يمكننا إيواء عدد أكبر من الناس إذا أنفقنا مبالغ أقل، غير أننا لن نتمكن من تزويدهم بنفس مستوى الخدمات". واستطرد قائلاً: "هب أن لدينا 10,000 أو 20,000 شخص هنا والبنية التحتية لم تستوعب كل هذا العدد، عندئذ سيصبح الجميع مرضى. وبالتالي نحن ننفق بهذا الشكل لأننا نريد أن يكون هؤلاء الناس في أيد أمينة".
وخلال جولة في المخيم المسيّج بشكل محكم، قال سيف الكعبي، وهو طبيب يشرف على المرافق الصحية في المخيم الإماراتي الأردني لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن المخيم لم يشهد تفشي الأمراض وذلك بفضل البنية التحتية "الممتازة".
"في الواقع، يمكن إنفاق المزيد من الأموال على علاج الناس، لكن أليست الوقاية المبكرة أفضل؟"
 وأضاف الكعبي، الذي أخذ إجازة من عمله في طب الطوارئ في مستشفيات إماراتية في أبوظبي والعين للتطوع في الأردن: "الناس يقولون أشياء عن هذا المخيم دونما يكبدوا أنفسهم عناء المجيء إلى هنا. ورسالتي لهم هي: تعالوا إلى هنا وشاهدوا بأنفسكم الواقع، وعندها سوف تفهمون ما يجري".  
من ناحية أخرى، تقول الحكومة الأردنية أن دولة الإمارات تدير المخيم وأن لها الحرية في إدارته بالطريقة التي ترغب بها.
وحول هذا الموضوع، قالت فداء غرايبة، مدير وحدة تنسيق المساعدات الإنسانية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي في الأردن: "إنها أموالهم...إنهم كرماء للغاية، ونحن نثمن كثيراً الدعم الذي قدموه لنا".
وقال اللاجئون الذين تحدثت إليهم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، بصحبة موظفين من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، أنهم يحبون المخيم. ومن بين هؤلاء، مها، وهي سيدة في الأربعين من عمرها وأم لستة أطفال جاؤوا من حمص منذ ثلاثة أشهر، حيث قالت: "كل شيء هنا جيد. إنهم يقدمون لنا كل شيء: الملابس والطعام والدواء و كل شيء... ابني لديه وظيفة، ونحن سعداء بوجودنا هنا".
أضاف زوجها، عبد المنعم، البالغ من العمر 47 عاماً ويعمل ميكانيكياً: "لقد جئنا إلى هنا لأننا... سمعنا الناس يتحدثون عنه عندما وصلنا إلى الأردن. كان الجميع يقولون أنه جيد ويقدم مستوى جيد من الغذاء والمأوى.  
"يقيم ابن عمي في مخيم الزعتري ... لكنه يقول أنه مزدحم جداً. نعم، هنا أفضل بالتأكيد. هنا المساحات أوسع والخدمات أفضل".
قواعد
وعلى الرغم من كافة الامتيازات المتوفرة في المخيم الإماراتي الأردني، إلا أن هناك قواعد يتعين اتباعها إذ يحظر على أي رجل أعزب الإقامة في المخيم المخصص للأسر فقط. ويتم تشجيع الأسر الضعيفة على الذهاب إلى المخيم الإماراتي الأدرني بدلاً من مخيم الزعتري، هو مخيم أضخم ويعاني من مشاكل تتعلق بالجرائم والسلامة.
ولا يسمح بالطبخ الخاص – كما أن لا حاجة له، كما قيل لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) - حيث يتم بالفعل تقديم جميع وجبات الطعام والوجبات الخفيفة - ولا يسمح بوجود سوق مفتوحة لبيع وشراء السلع والخدمات.
وحول هذا الأمر، أوضح الكعبي قائلاً "لقد تمت مناقشة الموضوع ... في مخيم الزعتري لديهم سوقاً مفتوحة ولكن من الذين يصبحون أثرياء؟ عدد قليل جداً فقط من الناس، ومعظمم الناس يتم استغلالهم".
إضافة إلى ذلك، يسمح لشخص واحد فقط من كل أسرة بالعمل، حيث يتم تقديم طلبات إلى لجنة مركزية، التي تقوم بدورها بتصنيف مهاراتهم وتقييم مدى مناسبتها للمناصب الشاغرة. وفي حين أن الكثيرين يشتغلون بأعمال التنظيف وغيرها من الأعمال اليدوية، إلا أنه تم أيضاً منح المدرسين والعاملين في المجال الطبي وظائف في المدرسة والمستشفى الموجودين في المخيم.
وفي حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال محمد، وهو فني مختبر وأب لخمسة أبناء، من محافظة درعا جنوب سوريا، أنه سعيد بأنه وجد عملاً، رغم أنه يتقاضى 25 ديناراً أردنياً فقط في الأسبوع (أي ما يعال 22 دولاراً)، وهو أقل بكثير من راتبه القديم في مستشفى حكومي في سوريا.  
مع ذلك، من الواضح أن المخيم الإماراتي الأردني ليس للجميع. وتشير المنظمة الدولية للهجرة، المسؤولة عن نقل اللاجئين من مركز الاستقبال الحدودي إلى مخيمات اللاجئين المختلفة، أنه تم إرسال 4,504 لاجئاً إلى المخيم الإماراتي الأردني منذ 2 أكتوبر. وهذا يعني أن قرابة 900 لاجئ – أي ما يقرب من خمس سكان المخيم- قد غادروه منذ ذلك الوقت - إما عادوا إلى سوريا (كما يفعل اللاجئون عبر المنطقة بشكل دوري)، أو انتقلوا إلى مخيمات أخرى أو ذهبوا للعيش في المدن والبلدات الأردنية.
كما أن المخيم غير ممتلئ بعد، فمن بين 770 كرفاناً في المرحلة الأولى من المخيم، كان هناك 71 كرفاناً شاغراً في مطلع أكتوبر. وهناك 2,200 كرفان إضافي موجود بالفعل في الموقع وجاهز للاستخدام للمرحلة الثانية، بمجرد الانتهاء من أعمال السباكة والكهرباء. وعندما فتح المخيم أبوابه في شهر أبريل، ذكر أن طاقته الاستيعابية القصوى سوف تصل إلى 25,000 شخص.
وقالت فداء غرايبة من وزارة التخطيط والتعاون الدولي في الأردن، أن أولئك الذين يبحثون عن كسب المال قد يفضلون العيش في مخيم الزعتري، ولكن "بالنسبة للأرامل أو الأسر التي تعولها سيدات ولديها الكثير من الفتيات وكبار السن أو ذوي الإعاقة، فأعتقد أن المخيم الإماراتي الأردني هو أفضل مكان للإقامة والأكثر ملاءمة".
الاستمرارية
ولكن إلى متى يمكن أن يدوم هذا الحال؟  فقد أدارت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي مخيماً مماثلاً للنازحين داخلياً في اليمن وصف أيضاً بأنه من فئة الـ "خمس نجوم" نظراً لتوفر الوجبات الساخنة والكهرباء والمرافق الصحية الممتازة.  
لكن بعد مرور أربع سنوات من الافتتاح الكبير لمخيم "المزرق 2"، وبعد فترة من مغادرة موظفي هيئة الهلال الأحمر الإماراتي للموقع، قطعت الكهرباء ونهب جزء كبير من البنية التحتية للموقع. ووجد النازحون أنفسهم مع كرفانات لا يقدرون على صيانتها ومعدات طبية لا يستطيعون استخدامها.
وفيما يتعلق بمدى استمرارية المخيم، قال الظاهري: "العلم عند الله". وقال متحدث باسم هيئة الهلال الأحمر الإماراتي أنها سوف تستمر في دعم المخيم الإماراتي الأردني واللاجئين السوريين "طالما اقتضت الضرورة".
ولطالما كانت وكالات المعونة الغربية متشككة من نهج الجهات المانحة في دول الخليج. ولكن في ظل تنامي أهمية الدور الذي تقوم به الجهات المانحة الخليجية في حالات الطوارئ اليوم، بات الطرفان يعملان معاً على نحو أوثق. ولعل المخيم الإماراتي الأردني، حيث تتعاون العديد من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية في كثير من المشاريع، خير مثال على ذلك.
وختاماً قال هانسن من المجلس النرويجي للاجئين: "لدى الوكالات المسؤولة عن المخيم الإماراتي الأردني طريقتها الخاصة في إنجاز المهام... ولكني أعتقد أنه بإمكاننا أن نتعلم من بعضنا البعض".