نظام اللجوء في بلغاريا يصيب السوريين بالاكتئاب.


صوفيا, 24 أكتوبر 2013 (إيرين)
يعيش 380 مهاجراً وطالب لجوء في ظروف معيشية مزرية داخل مدرسة مهجورة خارج العاصمة البلغارية صوفيا. إنهم جزء من موجة جديدة من المهاجرين وطالبي اللجوء، معظمهم من الأكراد الفارين من سوريا، الذين دفعوا نظام اللجوء عديم الكفاءة في بلغاريا إلى نقطة الانهيار.

تعاني هذه المنشأة من مشاكل في السباكة، ورائحة مياه الصرف الصحي تنتشر في الممرات، وتم تقسيم الفصول الدراسية السابقة لكي تتقاسمها عدة عائلات. كما أن الجدران متعفنة، والنوافذ محطمة، والكهرباء غير منتظمة. وعلى الرغم من برودة الطقس، لم يتم تشغيل التدفئة المركزية حتى الآن. 
بالإضافة إلى ذلك، فإن مواقد الطبخ نادرة الوجود، ولا توجد ثلاجات لحفظ الأطعمة. وعلى الرغم من أن الصليب الأحمر البلغاري يتبرع ببعض المواد الغذائية على فترات متباعدة، لا تبادر الحكومة بتوفير أي شيء بشكل منتظم.

والمدرسة التي تعرف باسم مرفق فراجدبنا، هي واحدة من ثلاثة مراكز استقبال تم افتتاحها مؤخراً لاستيعاب الزيادة الكبيرة في عدد طالبي اللجوء في الأشهر الأخيرة.

ووصف بوريس تشيشركوف، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بلغاريا، الظروف المعيشية في المدرسة بأنها "رهيبة،" أما لجنة هلسنكي البلغارية (BHC)، فكانت لهجتها أشد حدة بعد زيارة المرفق.

وقالت في بيان أثار غضباً شعبياً عارماً أن "هذه المعاملة التي يلقاها اللاجئون ليست فقط مثالاً ذو دلالة رمزية على البيروقراطية وعدم الاكتراث باحتياجات الناس الذي تتسم به مؤسسات الدولة البلغارية، بل وتعد أيضاً معاملة لاإنسانية ومهينة وتعكس أقصى درجات القسوة من قبل ذوي الياقات البيضاء".

وفي مركز الاستقبال الكائن داخل وكالة الدولة لشؤون اللاجئين، قالت ميزغين عباس، التي تبلغ من العمر 26 عاماً، وهي معلمة لغة إنجليزية سابقة، وزوجها فرهاد، ذو الثلاثين ربيعاً أنهما أُجبرا على التخلي عن منزل ووظيفتين جيدتين في المنطقة الكردية في سوريا، وفرا مع أطفالهما بعد سماع تقارير تفيد بأن الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في قرية مجاورة تقطع رؤوس الرجال السوريين ذوي الأصول الكردية وتخطف السوريات الكرديات.

وأضافت ميزغين قائلة: "فضلنا أن نأتي إلى هنا لنعيش حياة جيدة" موضحة أنهم يأملون في الحصول على وضع الحماية حتى يتمكنوا من البقاء في بلغاريا.

وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 100 شخص يصلون إلى الحدود البلغارية مع تركيا يومياً، والأرقام تتزايد بسرعة. وفي الماضي، كانت بلغاريا تستقبل 1,000 مهاجر وطالب لجوء في المتوسط سنوياً، ولكن في هذا العام وحده، وصل أكثر من 6,500 منهم، مما جعل المسؤولين يسعون جاهدين لايجاد المساكن والأموال اللازمة لاستيعابهم.

وقد زاد عدد الوافدين بشكل مطرد منذ شهر أغسطس الماضي، وإذا استمر المعدل الحالي، فستستقبل البلاد ما بين 11,000 و 15,000 مهاجر وطالب لجوء بحلول نهاية العام، غالبيتهم العظمى من السوريين، وفقاً لتقديرات وزارة الداخلية. 

من جانبه، قال تشيشركوف من المفوضية: "إننا نرى أن الحكومة تتعرض لضغط يفوق طاقتها، وأن قدرة مراكز الاستقبال قد استنفدت... ولكننا نرى بوضوح أن السلطات أصبحت نشطة أكثر فأكثر من أجل تقليص الفجوات". 

وفي سياق متصل، يلجأ المهربون، الذين اعتادوا على توجيه المهاجرين من تركيا إلى اليونان، بصورة متزايدة إلى نقلهم إلى بلغاريا كبديل جديد، ويرجع ذلك جزئياً إلى بناء سياج حديدي بطول 10.5 كيلومتراً في واحدة من نقاط العبور الأكثر شعبية على الحدود التركية اليونانية. وتعتبر بلغاريا دولة صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن 7.5 مليون نسمة، وهي واحدة من أفقر الدول في الاتحاد الأوروبي. 

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال فاسيل مارينوف نائب وزير الداخلية: "نحن ما زلنا في بداية هذه الأزمة". 

الاحتياجات الطبية 

وعندما زارت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) مبنى المدرسة الأسبوع الماضي، لم يكن هناك مديرين مسؤولين أو موظفين طبيين في الموقع، بل وجدت ضباط الأمن والشرطة الذين يحرسون المبنى فقط (يُسمح للسكان بالدخول والخروج كما يحلو لهم). ولكن خلال عطلة نهاية الأسبوع، كان هناك مدير معين حديثاً في الموقع لاستقبال فريق من الأطباء المتطوعين. 

ووجد الفريق الطبي التابع لمبادرة عمل الخير، التي أطلقتها الجالية اليهودية في صوفيا، أنه لم يتم توفير أي رعاية طبية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، منذ نقل السكان من الحدود إلى صوفيا، على الرغم من وجود العديد من النساء الحوامل والأشخاص المسنين ومرضى السكري. وقال الكسندر أوسكار، وهو أحد الأطباء المتطوعين، أن أمراض الجهاز التنفسي منتشرة على نطاق واسع، وهو أمر شائع بين الأشخاص الذين يعيشون في أماكن مكتظة. 
ويخطط هو وفريقه لزيارة جميع مراكز الاستقبال وتوفير الرعاية الطبية الأساسية والعلاج، بما في ذلك دخول المستشفيات. كما أنهم يخططون لإجراء زيارات أسبوعية إلى العيادة المتنقلة. وأضاف أوسكار أن فريقه سيقدم أيضاً توصيات إلى الحكومة مفادها أنه "لا يجب أن تترك الناس في مثل هذه الظروف". 

ومن الجدير بالذكر أن غالبية السوريين الذين وصلوا الى بلغاريا فروا من العنف الذي اندلع في الأونة الأخيرة بين فصائل المتمردين في شمال سوريا، حيث استولت جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة على أجزاء من المنطقة الكردية. 

وفي السياق نفسه، يشعر العديد من الأكراد بالخوف من البقاء في بلد اللجوء الأول، وهو تركيا، بسبب السياسة الداخلية، حيث تشن الحركة الانفصالية الكردية التركية المعروفة باسم حزب العمال الكردستاني (PKK) حرباً ضد الحكومة التركية منذ عدة عقود. وتوفر مخيمات اللاجئين في جنوب تركيا المأوى بشكل أساسي للسوريين من الطائفة السنية. أما الأقليات الأخرى، مثل الأكراد والعلويين والمسيحيين، فقد تُركوا في معظم الأحيان دون مساعدة، أو تلقوا العون من أبناء نفس العقيدة. وأفاد بعض الأكراد السوريين الذين وصلوا إلى بلغاريا أنهم يحاولون جمع شمل أسرهم مع أقاربهم المقيمين في أوروبا الغربية. 

النوم في الأروقة 
وفي بلغاريا، يتم احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء الوافدين حديثاً - أولئك الذين لم يتقدموا بطلبات لجوء رسمية حتى الآن - في منشأة مغلقة، ويعاملون معاملة المجرمين المشتبه فيهم لأنهم عبروا الحدود بصورة غير قانونية، لكن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تصف هذه العملية بأنها "صدمة إضافية لضحايا العنف". 

وبعد تسجيل طلبات اللجوء - الذي قد يستغرق عاماً كاملاً - يتم نقلهم إلى مراكز استقبال مصممة على غرار المباني المهجعية حيث يتمتعون بحرية التنقل. ويحق لهم البقاء هناك حتى يتم البت في طلب اللجوء الخاص بهم، وربما الطعن في القرار الذي قد يستغرق فترة تصل الى ثلاث سنوات. 

ولكن قدرة البلاد في الوقت الحالي لا تتعدى 3,350 سريراً في مراكز الاحتجاز والاستقبال التي تديرها الدولة وقد وصلت بالفعل إلى طاقتها الاستيعابية القصوى، وقد تفاقم الوضع بسبب بطء إجراءات التسجيل والبت في طلبات اللجوء. ونتيجة لذلك، يعيش أكثر من 900 شخص حالياً في مركز الاستقبال الرئيسي في صوفيا، داخل وكالة الدولة لشؤون اللاجئين، الذي تم تصميمه لإيواء 600 شخص فقط. 

وأوضحت ايلينا ديميتروفا، المتحدثة باسم وكالة الدولة لشؤون اللاجئين أنه "طوال الشهرين الماضيين، ظلت جميع الغرف مشغولة، وكان الناس ينامون على أسرة مصفوفة في الأروقة". 

وأضافت قائلة: "لسوء الحظ، عددهم كبير جداً، ولا يوجد ما يكفي من المال أو الطعام أو القدرات الإدارية". 

وتخطط الحكومة لتطوير المرافق التي تعتبر دون المستوى المطلوب وافتتاح مراكز استقبال جديدة بتمويل الاتحاد الأوروبي. وقد تم افتتاح منشأة مؤقتة تتكون من عدة مقطورات الأسبوع الماضي في بلدة هارمانلي التي تقع في جنوب وسط البلاد، ومن المفترض أن تستوعب 450 شخصاً. 
 لسوء الحظ، عددهم كبير جداً، ولا يوجد ما يكفي من المال أو الطعام أو القدرات الإدارية
 
ولكن ديميتروفا ومارينوف أكدا أن الأولوية بالنسبة للحكومة هي تسريع عملية تسجيل طالبي اللجوء أو توفير الحماية الفرعية. (يتم منح حق اللجوء للفارين من الاضطهاد في وطنهم، في حين يجوز منح الفارين من النزاع بشكل عام أو من احتمال مواجهة عقوبة الإعدام أو التعذيب إذا عادوا إلى بلدانهم الأصلية ما يعرف باسم الحماية الفرعية). 

كما تخطط الحكومة لتعيين موظفين إضافيين من أجل تقليل وقت تقديم الطلبات إلى 21 يوماً، وبالتالي نقل اللاجئين من مراكز الاحتجاز بشكل أسرع – وهو تطور أيجابي رحبت به المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 

رد فعل عنيف
وفقاً لتقديرات الحكومة البلغارية، يكلف كل طالب لجوء البلاد 1,084 ليف بلغارية (758 دولاراً) شهرياً، يُنفق معظمها على الإدارة والمرفق. وعندما ذكرت وسائل الإعلام البلغارية هذا الرقم، أساء كثير من الناس فهمه واعتقدوا أنه يعني أن طالبي اللجوء يتلقون هذه الأموال نقداً بصورة مباشرة. ولكن في واقع الأمر، يحصل طالبو اللجوء المسجلون على 65 ليفا (45 دولاراً) شهرياً لشراء الطعام وتغطية النفقات الطبية وغيرها. 

وعلى الصعيد السياسي، كان هناك رد فعل يعارض وصول عدة آلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء من قبل الحزب القومي اتاكا وحزب المعارضة الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق بويكو بوريسوف، الذي يواصل الضغط على الحكومة لضبط الحدود بشكل أكثر فعالية. 

واستجابة لذلك، كشفت الحكومة في الأسبوع الماضي عن خطة لبناء سياج حديدي بطول 30 كيلومتراً على جزء من الحدود البلغارية التركية تصعب حراسته بدوريات نظراً لأنه يمر عبر غابة كثيفة في جبال ستراندجا. وتأمل الحكومة أن يضمن هذا السياج أن تقتصر نقاط الدخول على الأماكن التي يمكن الكشف فيها عن المهاجرين والقبض عليهم بشكل أكثر سهولة. وإذا لم يجد المسؤولون أي سند يبرر الحصول على اللجوء أو الحماية، يتعرض اللاجئون للسجن أو الترحيل. 

من جانبها، أوضحت زهرة عمر عبد اللطيف الوافدة من القامشلي في سوريا أن أسرتها هربت "لأن الجميع كانوا يقتلون بعضهم بعضاً، فضلاً عن اختطاف وبيع الأطفال". وأضافت أن شراء الغذاء والضروريات كان على وشك أن يصبح ضرباً من المستحيل، حتى لو كان المرء يمتلك مالاً. 

ودفعت عائلة عبد اللطيف للمهربين 2,000 دولار مقابل توصيلهم من سوريا إلى الحدود البلغارية، ومن هناك ساروا لمدة أربع أو خمس ساعات عبر طرق وعرة. والآن، وتتقاسم هذه العائلة المكونة من خمسة أفراد غرفة مع سبعة أشخاص آخرين في المدرسة السابقة. كما يتقاسمون فيما بينهم ثلاثة فرش وعدداً قليلاً من البطانيات القذرة. واشتكت عبد اللطيف من أن أطفالها الصغار - الذين تبلغ أعمارهم بين 5 سنوات و3 سنوات وسنة واحدة - يشعرون بتوعك. 

وبينما تحاول الحكومة البلغارية جاهدة إدارة ما تسميه أزمة، بادرت منظمات المجتمع المدني بالتدخل لملء الفراغ. ففي الأسبوع الماضي، وزعت جماعة أصدقاء المهاجرين أغذية بقيمة 3,000 ليف (2,098 دولاراً) وأحذية بقيمة 1,800 ليف (1,259 دولاراً) على 700 شخص يعيشون في باتروغور، وهو مركز استقبال قرب الحدود التركية. وقد ارتفع الآن عدد أعضاء مجموعة الفيسبوك هذه، التي بدأت بحوالي 40 صديقاً، إلى نحو 2,000 عضو. 

نسيان غير السوريين 


مع ذلك، يوجد عدد متزايد من المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يعيشون في الشوارع أو في أماكن إقامة مؤقتة. ويمكن لطالبي اللجوء التنازل عن حقهم في المأوى والراتب إذا أقروا بأنهم يستطيعون تغطية نفقاتهم وتقديم وثيقة تثبت أن لديهم عنواناً خارجياً. وأفادت دنيزا جورجيفا من لجنة هلسنكي البلغارية أن الأشخاص اليائسين الذين ينشدون الخروج من مراكز الاستقبال المكتظة يلجؤون في الكثير من الأحيان إلى شراء مثل هذه الوثائق من السوق السوداء. وأضاف تشيشركوف من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن العديد من المهاجرين الذين يبلغ عددهم 2,500 شخص يعيشون الآن بمفردهم، وأنهم "معرضون لخطر أن يصبحوا بلا مأوى إذا نفد ما يملكون من أموال". 
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على اللاجئين المعترف بهم مغادرة مراكز الاستقبال في غضون بضعة أيام، بمجرد قبول طلباتهم، وفي هذه الحالة لا يحصلون على رواتب شهرية ويتعرضون لخطر العوز.

ويحق للاجئين الحصول على بدل السكن لمدة تصل إلى ستة أشهر بعد انتقالهم للعيش خارج مراكز الاستقبال، لكن جورجيفا قالت أن وكالة الدولة لشؤون اللاجئين توقفت عن دفع بدل السكن في شهر يونيو الماضي لأن أموالها نفدت. وأوضحت قائلة: "لدينا العديد من العائلات في الشارع لأن لا بدائل أخرى أمامهم".

وفي يوم بارد ورطب خلال الأسبوع الماضي، تجمع ستة مهاجرين أفغان، من بينهم رجال ونساء وطفلان صغيران للغاية، حول نار للتدفئة في مبنى أسمنتي لم يكتمل بعد ولا يتوفر به ماء أو كهرباء. وقد أصبح المبنى الذي وضع المهاجرون أيديهم عليه وأسموه ساخرين "فندق ريتز"، الآن مسكناً للعراقيين والأفغان والباكستانيين والفلسطينيين والصوماليين.

وفي الليل، ينام ما يقرب من 20 شخصاً هناك على فرشات رقيقة على الأرض الباردة دون حماية من الرياح، وفقاً لمحمد علي محمد، وهو صومالي ينتظر البت في طلبه العالق داخل نظام اللجوء البلغاري منذ ثلاث سنوات.

وأوضح الصحافي البلغاري ديميتر كيناروف أن "المهاجرين الأفارقة هم الأسوأ حالاً، لأنهم يتعرضون للتمييز ويشعرون بالعزلة والتجاهل على نحو متزايد نظراً لتخصيص كافة المساعدات للسوريين".

وفي هذا الصدد، أكد تشيشركوف أن "المفوضية تذكر الجميع بأن الناس يفرون من الاضطهاد والنزاعات المسلحة من أجزاء أخرى من العالم أيضاً، ويجب ألا يكون هناك تمييز على أساس الموطن الأصلي".