ارشيف - الألغام في اليمن.. شاهدة على حروب لا تنتهي! |
اليمن - تقارير - متابعات
أهالي 18 محافظة يمنية على موعد يومي مع الموت
خلال السنوات الخمسين الماضية كانت اليمن مسرحا لمواجهات عسكرية واحتراب داخلي لم ينقطع، وكأن هذا البلد محكوم بان يكون على موعد يومي مع الموت!
وكأن ابناءه ملزمون بدفع ثمن ما تسببه الصراعات والمواجهات حتى بعد توقفها، من دون ان يشفع ذلك التماسهم ضوءا من امل في تجاوز مآسي وويلات تلك المواجهات والحروب.
المناطق الحدودية السابقة بين الشطرين
في الشمال او الجنوب، لا فرق عند الحديث عن نطاق او منطقة جغرافية. فقد تساوى الجميع في تجرع ويلات المعارك والاقتتال حتى بعد مرور سنوات طويلة عليها، فكل يوم يدفع احدهم ثمنا لتلك الحروب المجنونة، والسبب هو الالغام الارضية والمقذوفات التي لم تنفجر.. فقد زرعت وبقيت في مناطق الصراعات التي ظلت الى اليوم تحصد ضحاياها من الابرياء!
هدايا القذافي
حدثني المحامي والناشط الحقوقي اليمني محمد علي علاو عن اعتزامه رفع دعاوى قضائية ضد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي اهدى اليمنيين اكثر من مليون لغم ارضي مضاد للافراد والدروع، وذلك ضمن شحنات اسلحة قدمها - اواخر السبعينات واوئل الثمانينات - للجبهة الوطنية التي كانت تخوض حربا لاسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح في المناطق الوسطى ( الحدودية سابقا بين شطري اليمن).
المحامي الشاب قال خلال لقائي معه في مقر نقابة الصحافيين انه لا يجد خصما لانصاف الآلاف من الاسر القروية البسيطة التي تقطن تلك المناطق من ضحايا الالغام ممن يعيشون، بعد مرور اكثر من ثلاثين عاما، في خوف دائم من الغام زرعت في مناطقهم وقتلت اراضيهم الزراعية وحولتها الى اراض بور، وتسببت في مقتل المئات واصابة مئات آخرين باعاقات وعاهات مستديمة بسبب انفجارها. اجل، لا يجد خصما سوى العقيد القذافي.
تلقيت تهديداً بدل التكريم
ورغم المساعي التي قام بها المحامي محمد علي علاو لجمع الوثائق والأدلة والشهادات الموثقة عن «هدية» الألغام الليبية، وما تسببت به من مأس وألحقته من أضرار مادية ومعنوية وإنسانية بسكان تلك المناطق القروية التي كانت مسرحاً للنزاع العسكري في تلك الفترة، فإن تحركه لم يحظ بأي مؤازرة أو دعم من قبل سلطات نظام الرئيس صالح.
هذه السلطات اعتبرت أن ما يقوم به «يسيء إلى العلاقة بين البلدين والنظامين (اليمن وليبيا)»، ووضعت عراقيل أمامه حتى لا يستمر في جهوده، بل وصل الأمر إلى تهديده بالسجن إذا استمر في جمع ملف إدانة نظام القذافي!
أبناء عمي انفجر بهم لغم في الطريق إلى المدرسة
ويضيف أن ذلك لم يمنعه من التمسك بالرسالة التي حملها، خصوصاً أنه أحد المتضررين من الألغام التي زرعت في منطقته في رداع التابعة لمحافظة البيضاء، وأسفر عنها مقتل أحد أبناء عمه قبل سنوات طويلة، وكانوا أطفالاً، عندما انفجر بهم لغم في طريق سلكوه دون دراية أنه مزروع بالألغام عند ذهابهم إلى المدرسة التي تبعد عن قريتهم عدة كيلومترات.
المحامي علاو أعرب عن أمله في أن يتمكن من استرداد بعض حقوق الضحايا ممن قتلوا أو أصيبوا بتشوهات. وهو لن يتوقف عن جمع الأدلة والشهادات والقرائن التي تدين كل الأطراف التي ارتكبت هذا القتل اليومي لأبناء المناطق الوسطى، وحتى اليوم يسقط ضحايا بسبب عشرات الآلاف من الألغام المزروعة هناك.
18 محافظة
الجمهورية اليمنية كانت من بين أوائل الدول التي وقعت على المعاهدة العالمية لحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد، عام 1998، وقد أعقب توقيعها إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الألغام في 1999 ثم إنشاء المركز اليمني التنفيذي لنزع الألغام والذي انيطت به مهام تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، «إزالة الألغام، وتوفير التوعية والتعليم حول مخاطر الألغام وتجنبها، ودعم ضحايا المتفجرات من مخلفات الحروب».
في السنوات الـ14 التي مضت منذ إنشاء المركز، أنقذت حياة عشرات الآلاف من السكان المحليين في المناطق التي زرعت فيها الألغام أو تلك التي كانت مسرحاً لمواجهات عسكرية، بعد أن تم تطهير هذه المناطق من الألغام وما تبقى فيها من قذائف ومتفجرات، حيث نجح المركز في تطهير مساحة 838.1 كلم2 من الأراضي الزراعية والسكنية من المناطق الخطرة المشتبه بها، وجود الغام ومقذوفات لم تنفجر، من بين مساحة 1.176.6 كلم2 من المناطق الخطرة المزروعة بالألغام الأرضية والمقذوفات التي لم تنفجر في 18 محافظة. والأماكن التي تم تطهيرها كانت فيها تمثل ما نسبته %71.5 من المناطق الخطرة.
سبعة آلاف ضحية
العميد الركن علي محمد القادري مدير عام المركز التنفيذي لنزع الالغام اكد لـ القبس ان هذه المشكلة في اليمن بدأت في ستينات القرن الماضي خلال فترة الحرب الاهلية لتثبيت النظام الجمهوري في ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية - شمال - وعقب نيل الجنوب - جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية - استقلالها عن بريطانيا في 1967 وخلال فترة الصراع السياسي والعسكري بين الشطرين حتى 1990 عند تحقيق الوحدة اليمنية، وان هذه المشكلة اصبحت اشد قساوة واكثر حضورا بسبب الاحداث والاضطرابات الداخلية التي تمر بها اليمن منذ عدة سنوات.
أرقام مرعبة
واوضح ان عدد الذين سقطوا ضحايا لانفجار الالغام منذ 1999 وصل إلى ثلاثة آلاف و539 ضحية في مختلف المحافظات، وان عدد الضحايا قبل1998 بلغ أربعة آلاف. واضاف أن هناك 19 محافظة ملوثة، وان امانة العاصمة صنعاء ومحافظة المحويت هما الوحيدتان اللتان رصدت المسوحات انهما خاليتان من الألغام والمقذوفات التي لم تنفجر.
مواجهات صعدة وأبين
ويشير العميد القادري الى معاناة المناطق المتضررة، وما اسفر عنها من سقوط شهداء ومصابين في مختلف المناطق والمحافظات قائلا: احداث جسيمة مررنا بها خلال الاعوام الماضية تركت ظلالها الكئيبة على مجمل الانشطة والبرامج التي نقوم بها،خصوصا مع ما جرى من مواجهات واعمال عسكرية في محافظة صعدة - شمال غرب البلاد- بين الجيش وجماعة الحوثيين وفي محافظة ابين - جنوب - مع عناصر القاعدة - ادت الى زيادة الحاجة لعمليات نزع الالغام، والتي سقط فيها ما بين مصاب وقتيل 75 شخصا من بداية 2011 حتى اليوم، فيما قتل ثمانية من فرق المسح والتطهير ونزع الالغام من العاملين في المركز وجرح عشرون آخرون، خلال قيامهم بعمليات تطهير مناطق محافظة ابين.
292 الف لغم جرى تعطيلها
ويضيف: مع ذلك فقد تمكنا منذ ان تمت استعادة محافظة ابين في سبتمبر 2012 من التخلص بأمان من اكثر من 292 الفا من الالغام والانواع المختلفة من المتفجرات حتى يونيو 2013، ونأمل ان تسير البرامج في محافظة ابين، وغايتنا هو تطهير كل مناطق ابين خلال الاشهر الثلاثة القادمة.
ويشير العميد القادري الى ان فرقا متخصصة تقوم بتنفيذ برامج في محافظة صعدة - شمال غرب- كانت مسرحا منذ منتصف 2004 لمواجهات متتالية بين القوات الحكومية وجماعة الحوثيين، حيث تعمل ست فرق متخصصة حاليا في صعدة كما تقوم فرق اخرى بعمليات المسح في خمس مديريات بمحافظة حجة ومناطق في محافظة عمران، الى جانب قيام فرق بعمليات المسح في محافظات أخرى، مشيرا في هذا الصدد الى ان فرق المسح بمحافظتي صعدة وحجة عثرت على متفجرات عنقودية!
مساعدة الضحايا
ويوضح العميد القادري في سياق حديثه لـ القبس ان المهمة لا تقتصرعلى عمليات تطهير المناطق، حيث يقوم المركز التنفيذي بعدة برامج للتوعية تركز على المجتمعات الريفية في المناطق الملوثة،لاسيما الاطفال الذين تقدم لهم ايضاحات وارشادات لتجنيبهم الوقوع في شراك الالغام الارضية والقذائف التي لم تنفجر.
واشار الى ان برامج التوعية استفاد منها نحو مليون وسبعمائة الف من سكان وابناء المناطق الموبوءه بالالغام في 935 تجمعا سكانيا في مختلف المناطق والمحافظات.
واختتم حديثه قائلا: يقدم المركز مساعدات علاجية وطبية للمتضررين، وخلال السنوات الماضية قدم المساعدة الى اكثر من 2100 شخص من الضحايا، حيث يقوم باجراء فحص طبي شامل لهم وتقديم العلاج والاجهزة الطبية بما في ذلك الكراسي المتحركة والاطراف الصناعية. وبصورة عامة فان ما نأمله ونسعى اليه هو ان يتمكن ابناء الشعب اليمني من التحرك والتنقل في اراضي وطنهم بثقة ومن دون خوف.
" القبس الكويتية "