الاستغلال الجنسي للأطفال في مختلف أنحاء العالم



بلاحدود - تقارير
استخدام الأطفال (دون سن الثامنة عشرة) لإشباع الغريزة الجنسية لدى الآخرين ليس بالأمر الجديد. فمنذ ‏أن بدأ الإنسان تدوين الحياة البشرية، كانت هناك تقارير عن كيفية قيام الكبار ـ الذين كانوا عادة من ‏الرجال وإن كانوا في بعض الأحيان من النساء ـ باستغلال الأطفال من أجل المتعة، أو باسم الدين، أو ‏لإرضاء نزعات مَرضية، أو في محاولة لاستغلال علاقة من علاقات السلطة, أو لمجرد اعتقادهم أنهم ‏سيفلتون من العقاب.‏
  •  أشارت دراسة الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2006 بشأن العنف ضد الأطفال إلى ما ذكرته ‏منظمة الصحة العالمية من تعرض 150 مليون من البنات و73 مليون من الأولاد دون الثامنة ‏عشر لجماع جنسي قسري أو لأشكال أخرى من أشكال العنف الجنسي والاستغلال التي تضمنت ‏اتصالاً جسديا؛‏
  • ومما يدعو إلى الفزع أن هذه الدراسة المتعلقة بالعنف صرَّحت بأن مرتكبي العنف الجنسي ضد ‏البنات غالبا ما يكونون من أعضاء الأسرة الذكور (الإخوة أو الأعمام أو الأخوال)، ويليهم في هذا ‏الصدد أزواج الأمهات والآباء وأعضاء الأسرة من الإناث؛
  • يتعرض الأطفال للعنف الجنسي في بيئات تعليمية، حيث ورد أن المدرسين يقايضون الدرجات ‏بممارسة الجنس؛ وأيضاً في مؤسسات الرعاية والاحتجاز، حيث يستخدم العنف الجنسي بوصفه ‏عقوبة من العقوبات أو باعتباره وسيلة لفرض علاقة من علاقات القوة؛
  • وفي عام 2000، تضمنت تقديرات منظمة العمل الدولية أن 1,8 مليون طفل يتعرضون للاستغلال ‏الجنسي فيما يتصل بالبغاء أو إنتاج المواد الإباحية؛
  • وفي أيار/مايو 2006، كانت قاعدة بيانات المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، التي تتضمن صوراً ‏للاعتداءات على الأطفال، تحتوي على أدلة فوتوغرافية تثبت حدوث استغلال جنسي لما يزيد عن ‏‏000 20 طفل من أجل إنتاج صور إباحية للأطفال، وكانت غالبية هذه الصور من الصور ‏الجديدة، مما يدل على وقوع استغلال منذ وقت قريب أو وجود استغلال قائم ومستمر؛
  • وقد أكدت الاجتماعات الإقليمية التي عقدت من أجل إعداد هذه الدراسة المتصلة بالعنف أن ممارسة ‏الجنس بالإكراه في إطار الزواج قسراً أو في وقت مبكر منتشر أيضاً في كثير من الدول. وتقول ‏تقارير اليونيسف أن ما يقدر بـ 82 مليوناً من البنات بكافة أنحاء العالم، بعضهن لم يتجاوزن سن ‏العاشرة، سوف يتزوجن قبل عيد ميلادهن الثامن عشر؛
  • وقد بينت هذه الدراسة كذلك أن المجتمعات الدينية والقبلية في العديد من القارات تواصل تبرير ‏الاستغلال الجنسي للأطفال على يد زعماء القبائل أو القسس بأسباب تتعلق بالطقوس الدينية أو ‏المراتب الاجتماعية أو الشؤون الرعوية للكنائس.‏
على الصعيد العام
في عام 1996، وقعت حادثتين منفصلتين كان من شأنهما أن وضعتا قضية الاستغلال الجنسي للأطفال في ‏صميم البرامج الحكومية والسياسية.‏

فالاهتمام العالمي باختفاء بنتين بلجيكيتين في الثامنة من عمرهما، وهما جولي لو جون و ميليسا روسو، ‏واكتشاف جثتيهما في آب/أغسطس من ذلك العام قد أفضيا إلى القبض على مغتصب سبقت إدانته، وهو ‏مارك دوترو، وإزاحة الستار عن قصة من قصص اختطاف البنات والاعتداء عليهن والاتجار فيهن ‏لأغراض جنسية عبر قارة أوروبا.‏

وفي نفس هذا الشهر، اجتمع المئات من ممثلي الحكومات ومندوبي الأمم المتحدة والناشطين في مجال ‏حقوق الطفل، فضلاً عن الباحثين والأطفال والشباب ومسؤولي وسائط الإعلام العالمية، في ستوكهولم في ‏السويد لعقد المؤتمر العالمي الأول المعني بالاستغلال الجنسي للأطفال لأغراض تجارية.    
 ‏
وفي ستوكهولم، سدّت التفاصيل المتعلقة باستغلال الأطفال جنسياً بغية الربح ما وجد من ثغرات لدى ‏الجمهور فيما يتصل بتصور كيفية قيام أشخاص من قبيل دوترو بالعمل، واحتمال وقوع أطفال من كافة ‏أنحاء العالم ضحية لمن يبحثون عنهم لإشباع الغريزة أو لتحقيق الربح. واتفق المندوبون في هذا الاجتماع ‏على مخطط من مخططات العمل وهو ’جدول أعمال استوكهولم‘ وأيضاً على التزام شامل ودعوة للكفاح ‏يتمثلان في ’إعلان استوكهولم‘. ‏

ومنذ ذلك الوقت، ذاع الكثير عن جرائم الاستغلال الجنسي ومرتكبيها؛ بالإضافة إلى العوامل التي تعرض ‏الأطفال للمخاطر وكيفية الحد منها؛ وكذلك تلك الآليات والمقومات والعمليات التي من شأنها أن تيسر ‏الاستغلال وما يمكن الاضطلاع به للقضاء عليها؛ وتوزيع المسؤوليات في الحركة العالمية لإنهاء تلك ‏الانتهاكات البشعة لحقوق الأطفال.‏

وفي عام 2001، يراعى أن المؤتمر العالمي الثاني، الذي انعقد بيوكوهاما في اليابان، كانت قد سبقته ‏سلسلة من الاجتماعات الإقليمية أفضت إلى وضع خطط للعمل متعلقة بكل جهة. وقام المندوبون ذوو ‏الصلة باستعراض التقدم المحرز في مجال تنفيذ جدول أعمال استوكهولم، وأيضاً بتعزيز تمسكهم بـ’التزام ‏يوكوهاما العالمي‘.‏

وفي عام 2008، سيعقد اجتماع عالمي مرة أخرى من أجل تبادل الدروس والتجارب، والتحقق من مدى ‏التقدم المحرز، وتدعيم الالتزامات والقدرات، والبحث في صور الاستغلال الجنسي فيما وراء حدود ‏الأشكال التجارية التي تناولتها المؤتمرات السابقة، وتقوية عملية مكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال بكل ‏صوره. وفي الفترة من 25 إلى 28 تشرين الثاني/نوفمبر، سينظم في ريو دي جانيرو بالبرازيل المؤتمر ‏العالمي الثالث المعني بمكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال والمراهقين.‏

جرائم الاستغلال الجنسي ومرتكبوها
قد يحدث الاستغلال الجنسي للأطفال في أي مكان ـ في المدارس أو أماكن العمل أو المجتمعات المحلية ‏أو شبكات الحواسيب، ومن الممكن لأي شخص أن يكون من القائمين بالاستغلال في هذا الصدد ـ من ‏قبيل المدرس أو ذي القرابة أو الزعيم الديني أو صاحب العمل أو العامل في مجال تقديم المعونة أو القرين ‏أو مروج المواد الإباحية.‏

ويتسم الاستغلال الجنسي بواحدة من خاصتين اثنتين، وهما الرغبة في الربح أو استغلال علاقة من ‏علاقات القوة بين طفل وكهل يعتمد عليه.‏

وبعض الكبار يستغلون علاقتهم بالطفل من أجل المتعة أو السيطرة، لا من أجل الربح الشخصي. وكثيراً ‏ما يكون هؤلاء معروفين لدى الطفل: مثل أعضاء الأسرة أو أصدقاء العائلة أو المدرسين أو المدربين ‏الرياضيين أو مقدمي الرعاية، بما في ذلك من يقدمون أعمال الرعاية الأبرشية.‏

الأشخاص الذين لهم ميل جنسي للأطفال يتصيدونهم لإشباع انحراف جنسي لديهم يدفعهم إلى تركيز ‏انتباههم على الطفل دون سن البلوغ. وهم كثيراً ما يتجهون إلى البحث عن غيرهم ممن يشاركونهم هذا ‏الميل بهدف تشكيل نواد معهم أو تكوين مجتمعات على شبكة الإنترنت، حيث يمكنهم أن يشعروا بالأمان ‏وأن يجدوا مبرراً لأفعالهم بوصفها "أفعالاً عادية".

 وشبكة الإنترنت والخفاء الذي تكفله التكنولوجيا المتنقلة ‏قد وفرا ملاذاً آمناً جديداً لقيام هؤلاء المشتهين للأطفال بالبحث عنهم والتهيؤ لهم والتقرب منهم، فضلاً عن ‏تبادل الصور الإباحية للأطفال مع من هم على شاكلتهم من القائمين بالاستغلال.‏

وثمة آخرون يقومون باستغلال الأطفال جنسياً من أجل الربح، أو يدخلون في عمليات تجارية لشراء ‏خدمات جنسية من الطفل. 

ومن بين هؤلاء، القوادون وأصحاب المواخير وغيرهم من الوسطاء الذين ‏يعملون في صناعتي الترفيه والسياحة كموظفي الفنادق والمرشدين السياحيين والعاملين في الحانات ‏والمطاعم. وتتضمن هذه الفئة أيضاً من يجندون الفتيات اليائسات والمخدوعات للعمل في مجال البغاء في ‏إطار وعد بتوفير العمل أو تهيئة حياة أفضل، ثم يقومون ببيع هؤلاء الفتيات أو الاتجار بهن في سوق ‏الاسترقاق الجنسي، وغالبية الجناة في هذا الشأن من النساء.‏

والزبائن الذين يشترون الجنس من الأحداث يدخلون في هذه الفئة. ومن بين هؤلاء، يوجد أشخاص ‏مولعون جنسيا بالأطفال يقومون بدفع مبلغ ما من أجل التقرب من طفل غاية في الصغر بهدف جنسي ـ ‏وأحياناً يتولى هؤلاء الدفع لطرف ثالث أو للطفل ذاته، ذكراً كان أم أنثي، من أجل اقتراف أفعال جنسية.

‏والكثيرون من مستغلي الجنس ليسوا مع هذا من مشتهي الأطفال، ولكنهم من زبائن البغايا العاديين الذين ‏يختارون شراء الجنس من أحداث صغار. وهم يبررون سلوكهم في غالب الأمر بالحصول على شيء ‏‏"مخالف"، ويقولون لأنفسهم وللآخرين إن هؤلاء الأطفال يمكن استغلالهم لأنهم أجانب، أو نشطون قبل ‏الأوان، أو فاسدون، أو من الأشرار.‏

والظاهرة المعروفة باسم ’السياحة بدافع ممارسة الجنس مع الأطفال‘ ترجع إلى ذلك التبرير الذاتي ‏المنحرف، فالقائمون بهذه السياحة يعزون عادة سلوكهم الإجرامي لأسباب تتصل بكون ’أطفال هذا البلد ‏يحبون ذلك أو يفعلون ذلك أو قد اعتادوا على ذلك أو يتوقعون ذلك‘.‏

ويجب أن لا ننسى سائقي سيارات الأجرة ووكلاء النقل وموظفي الأمن والهجرة المنحرفين، وحتى أولئك ‏الذين ينتجون أو يوفرون وثائق مزيفة أو مزورة (من قبيل شهادات الميلاد الزائفة أو المسروقة التي ‏‏’تثبت‘ أن الطفل أكبر من سنه الفعلي)، فهؤلاء يستفيدون بطريقة أو بأخرى من استغلال الأطفال جنسياً.‏

ومنذ مجيء خدمات الإنترنت والهواتف المحمولة وما يصاحبها من قدرات التحميل والتبادل، يلاحظ أن ‏إنتاج وبيع المواد الإباحية للأطفال قد أصبحا من الأعمال التجارية المربحة. ومن يعتدون على الأطفال ‏جنسياً أو يقومون بتصويرهم أثناء الاعتداء عليهم لبيع صورهم يعدون من بين من يستغلون الأطفال من ‏الناحية الجنسية. ونفس الوضع ينطبق على مصممي مواقع شبكة الإنترنت، التي تشكل محلات من محلات ‏الاتجار غير المشروع في صور الاعتداء على الأطفال.‏

ومن يدفعون مبلغاً ما من أجل النظر إلى الصور الإباحية للأطفال لا يقومون بمجرد النظر، بل إنهم ‏يمارسون الاستغلال كذلك. وهم يشكلون حلقة في سلسلة الاستغلال، ويتعرضون في غالبية البلدان ‏لملاحقات قانونية باعتبارهم من مرتكبي الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال.‏

العوامل التي تعرض الأطفال للمخاطر
يرى الكثيرون أن الفقر يشكل السبب الأساسي للعنف الجنسي ضد الأطفال, والفقر يعد في الواقع وفي ‏الكثير من الأحيان عاملاً هاماً من عوامل استغلال الأطفال جنسياً. ومع هذا، فإن ثمة أطفالاً كثيرين ‏يعيشون في نطاق الفقر ولا يقعون ضحية لمستغلي الجنس، ولابد أن هناك عوامل أخرى تدفع بالطفل إلى ‏التعرض لهذا الاستغلال الجنسي. ومجمل القول، أن الفقر كثيراً ما يكون ذا صلة، ولكنه ليس من العوامل ‏المحددة بصفة دائمة.‏

وهذا ما يسمى في غالب الأمر’الفقر مع عامل آخر‘، حيث يوجد ’عامل إضافي‘ يفضي هو والفقر إلى ‏زيادة هشاشة موقف الطفل. وقد يكون هذا العامل متمثلاً في تمزق الأسرة، من قبيل وقوع العائل فريسة ‏للمرض أو فقده لعمله، أو موت واحد من الأبوين أو كلاهما بسبب مرض الإيدز وترك الأطفال دون دعم ‏على يد الكبار، وقد يكون العامل قيد النظر من العوامل الخارجية مثل زيادة تكاليف الغذاء أو الوقود ‏وارتفاع أسعار السلع الأساسية تبعاً لذلك وترك الأسر في وضع مترد من الناحية الاقتصادية.

 والأحداث ‏من هذا القبيل، وهي أحداث تقلل من دخل الأسرة ومن قدرتها على المواجهة، تدفع بالأسر إلى البحث عن ‏طرق للبقاء وتوحي إلى من ينتظرون استغلال مواطن الضعف هذه بأن الأطفال قد أصبحوا ثمرة حان ‏قطافها.‏

والعنف العائلي يعد أيضاً من عوامل زيادة الضعف، فالأطفال قد يهربون من المسكن المعرض للعنف ‏ليعيشوا بالشارع، حيث يتزايد انهيار موقفهم أمام الاستغلال والعنف والاتجار. والكثير من الأطفال الذين ‏يندرجون في تجارة الجنس كانوا قد تعرضوا للاستغلال في بداية الأمر من قبل أحد الأقرباء، وكان هذا ‏الانتهاك بمثابة عامل محدد فيما يتعلق بفرارهم من المسكن ووقوعهم في نهاية المطاف فريسة للاستغلال ‏الجنسي التجاري.‏

والأطفال الخارجون عن نطاق التعليم، سواء بسبب عدم قيدهم بالمدارس على الإطلاق أم بسبب تخلفهم ‏عنها، معرضون للمخاطر أيضاً، فالفرص المتاحة أمامهم ضئيلة، والمستغلون على استعداد للاستفادة من ‏ذلك. ‏

‏’الطلب‘ على ممارسة الجنس مع الأطفال
إن ثمة أهمية للاعتراف بأن العوامل السالفة الذكر تجعل الأطفال أكثر ضعفاً أمام الاستغلال، ولكن ‏الحقائق تشير أيضاً إلى وجود من هم على استعداد لانتهاز هذا الضعف المفضي إلى الجريمة، مع قدرة ‏هؤلاء الأشخاص على ذلك ورغبتهم في القيام به. وفي ميدان الاستغلال الجنسي التجاري للأطفال، كثيراً ‏ما يسمى هذا الأمر في مجمله ’الطلب‘ على ممارسة الجنس مع الأطفال، وإن كان هذا الطلب يشكل ‏مفهوماً معقداً.‏

والطلب لا يشير إلى مجرد من يشترون الجنس من حدث صغير، بل إنه يشير أيضاً على نحو هام إلى ‏أولئك الذين يسعون إلى الاستفادة من الاستغلال القائم. ومن النادر أن يكون هؤلاء الساعين للربح من ‏الأطفال أنفسهم، بل إنهم من القوادين وأصحاب المواخير ومنظمي الرحلات والمتّجرين والوسطاء وغيرهم ‏ممن ينتفعون من عوائد الاستغلال. وفي بعض الأحيان، قد يندرج في هذه القائمة بعض من الأفراد من ‏أسرة الطفل ذاته. ولابد من تفهم الطلب ومواجهته بشكل تام بهدف إحراز التقدم في ميدان الحد من ‏الاستغلال الجنسي للأطفال.‏

وعندما يتعلق الأمر بمن يستغلون الطفل جنسياً لإشباع غريزة شخصية، لا لتحقيق ربح ما، يلاحظ أن ‏الاستغلال يتصل في هذا الشأن بمسألتي السلطة والسيطرة، إلى جانب الرغبة في فرض إرادة المنتهك عن ‏طريق الإساءة للشخص الذي يثق فيه ويهتم بأمره ويشعر بواجب الطاعة والاحترام نحوه. وهذا يتطلب ‏القيام بتصور آخر والأخذ بمجموعة مستقلة من الإجراءات اللازمة للاضطلاع بما ينبغي من مواجهة ‏وتغلب.‏

ماذا يمكن عمله؟
هناك حكومات كثيرة لا تدري مدى نطاق مشكلة الاستغلال الجنسي في بلدانها. وهذه الحكومات بحاجة ‏إلى الاستثمار في مجال تقدير حجم تلك المشكلة. فالأمور القابلة للقياس هي وحدها التي تحظى بما يلزم ‏من ميزانية وتخطيط، وبدون المعرفة الواجبة في هذا الشأن لن يكون هناك تحد فعال لهذا الانتهاك البشع ‏لحقوق الأطفال.‏

لقد سُجّل تقدم كبير في ميدان وضع تشريعات وطنية في شتى أنحاء العالم من أجل تناول موضوع ‏الاستغلال الجنسي للأطفال. ومع هذا، فإن التشريعات القائمة لا تغطي كلها مختلف صور هذا الاستغلال. ‏وفي العديد من البلدان على سبيل المثال، لا تزال القوانين تسمح بشراء ومشاهدة المواد الإباحية للأطفال. ‏ومع ذلك، فإن هذا الطلب على تلك المواد يسهم مباشرة في الاستمرار في استغلال الأطفال جنسياً من أجل ‏تصوير هذه الأفعال الاستغلالية وبيع شرائط الفيديو والصور ذات الصلة.

ومن جراء ذلك، يراعى أن من ‏يشاهدون هذه المواد إنما يشاركون في واقع الأمر في الاستغلال الجنسي للأطفال. ومن الواجب أن ‏يُضطلع بالمزيد من أجل جعل القوانين الوطنية في مستوى المعايير الدولية السارية في هذا الشأن.‏

وعلاوة على هذا، فإن وضع تشريعات سليمة ليس سوى خطوة أولى. فلابد لتنفيذ القوانين على نحو فعال ‏أن يحظى أيضاً بالأولوية. وبدون الاضطلاع بالتنفيذ اللازم، يلاحظ أن القوانين تصبح خالية من المعنى. ‏والتنفيذ الفعال يتطلب رصد الموارد من قبل الحكومات.‏

ورغم ذلك، فإن مكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال لا تتوقف على مجرد ما يوجد من قوانين وطنية وما ‏يتوفر من قدرات لتنفيذها، فالمسألة بحاجة إلى إقامة نظام لحماية الطفل يتسم بالتركيز على المنع إلى ‏جانب الاستجابة للحالات القائمة وتهيئة بيئة حامية بالفعل.‏

ومن خلال توفير بيئة تتميز بحماية الأطفال، يمكن للبلد أن يعمل على منع الاستغلال الجنسي وسائر ‏أشكال العنف والاستغلال، بما في ذلك العمالة الخطرة للأطفال، والعنف القائم في المسكن أو المجتمع، ‏ومعدلات التخلف الدراسي الكبيرة، والاتجار بالطفل.‏
وقد وردت في الدراسة التي قام بها الأمين العام في عام 2006 بشأن العنف ضد الأطفال 12 توصية ‏شاملة(1)  تتسم بالمطالبة، في مجموعها، بتهيئة نظام كامل لحماية الأطفال. ومن الحري بهذا النظام أن ‏يتضمن اهتماماً واضحاً طويل الأجل بعمليات المنع، وكذلك بالقدرة على الاستجابة لحالات الاستغلال أو ‏العنف أو الاعتداء.‏

ويتمثل تصور ونهج منظمة الأمم المتحدة للطفولة في تهيئة بيئة حامية من شأنها أن تضمن ابتعاد البنات ‏والأولاد عن العنف والاستغلال والانفصال عن الأسرة دون داع، مع وجود قوانين وخدمات وسلوكيات ‏وممارسات تتسم بالتقليل من ضعف الأطفال، وبمواجهة عوامل الخطر، وبتعزيز حصانة الطفل.‏

ونظم حماية الأطفال تتضمن مجموعة القوانين والسياسات والتنظيمات والخدمات اللازمة في كافة ‏القطاعات الاجتماعية ـ ولاسيما قطاعات الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة والأمن والعدالة ـ وذلك ‏بهدف مساندة أعمال المنع والاستجابة للمخاطر. وهذه النظم تشكل جزءًا من الحماية الاجتماعية، وهي ‏تمتد إلى ما وراءها كذلك.

 وعلى صعيد المنع، يلاحظ أن هدفها المنشود يتضمن دعم وتعزيز الأسر للحد ‏من الاستبعاد الاجتماعي، وتقليل احتمالات الانفصال والعنف والاستغلال.‏

ومن أجل حماية الطفل، ينبغي أن يُضطلع بتناول التغير الاجتماعي من خلال المناقشات المفتوحة والقواعد ‏الاجتماعية، إلى جانب مشاركة الأطفال أنفسهم. والعملية قيد النظر بحاجة إلى دعم قوي من قبل ‏المجتمعات المحلية والمدنية, فضلاً عن الحكومات أيضاً، وذلك على المدى الطويل الأجل. ومن الناحية ‏العملية، تتسم هذه النهج بشدة التداخل، فالتشريعات تسهم في تغيير القواعد الاجتماعية (وعلى سبيل المثال، ‏في المواقف المتخذة إزاء عمالة الأطفال)، كما أن الأنظمة والتدريبات الرامية إلى تقليل العنف والاستغلال ‏تتميز بالفعالية عند مساندتها من جانب الحكومة في داخل المجتمع ذاته.‏
‏_______________‏
‏1 -‏ ‏(1) في كل بلد، يلزم وضع وتنسيق خطة وسياسة وبرنامج عمل على الصعيد الوطني (لمكافحة الاعتداء على الأطفال ‏واستغلالهم جنسياً) مع صوغ أهداف واقعية ذات حدود زمنية، ودمج هذا في عمليات التخطيط الوطنية، وذلك على يد ‏وكالة يمكن لها أن تضم قطاعات عديدة مع بعضها ـ مما يدخل في نطاق المسؤوليات الرئيسية للحكومة.‏

‏2 -‏ وضع قوانين وسياسات لمنع (الاعتداء على الأطفال واستغلالهم جنسياً) في جميع البيئات ـ وهذا من مسؤوليات ‏الحكومات.‏


‏3 -‏ إعطاء الأولوية اللازمة لمنع العنف ضد الأطفال من خلال تناول الأسباب الجذرية ـ وهذا من مسؤوليات الحكومات، ‏في إطار دعم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وسائر الوكالات الاستشارية والمنفذة.‏


‏4 -‏ اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تغير المواقف التي تستوعب أو تتقبل أو تشجع (الاعتداء على الأطفال واستغلالهم ‏جنسياً)، بما في ذلك الأدوار وأعمال التمييز النمطية التي تتعلق بجنس المرء .... ـ وهذا من أدوار الحكومات ‏ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وسائر الجهات ذات التأثير على المواقف والسلوك، مثل وسائط ‏الإعلام.‏


‏5 -‏ استمرار التدريب والتثقيف لمن يعملون في مجال الأطفال من أجل إعدادهم لمنع واكتشاف ومواجهة (الاعتداء على ‏الأطفال واستغلالهم جنسياً) ـ وهذا من مسؤوليات كافة المنظمات والجماعات والهيئات التي تعمل مباشرة مع ‏الأطفال، بما في ذلك على سبيل المثال الرابطات المهنية التي تضم المدرسين والممارسين الطبيين.‏


‏6 -‏ الوصول لخدمات صحية واجتماعية تتسم بمراعاة احتياجات الأطفال وبيسر التكلفة وبجودة النوعية، وأيضاً إلى ‏مساعدة قانونية مستقلة من أجل الأطفال والأسر التي وقعت ضحية (الاعتداء على الأطفال واستغلالهم جنسياً) ـ وهذا ‏من مسؤوليات الحكومة بالدرجة الأولي (ولاسيما فيما يتصل بالموارد الضرورية لهذه الخدمات) مع توفير الدعم ‏اللازم من قبل وكالات تقديم الدعم للضحايا.‏


‏7 -‏ الالتزام النشط مع الأطفال واحترام آرائهم في كافة النواحي المتصلة بمنع ومواجهة ورصد (الاعتداء على الأطفال ‏واستغلالهم جنسياً) – وهذا من مسؤوليات كل من يعملون مع الأطفال ومن أجلهم، على جميع المستويات.‏


‏8 -‏ تهيئة قنوات مأمونة وجديرة بالثقة وميسورة ومعروفة من أجل الأطفال وممثليهم ومن إليهم بهدف الإبلاغ عن ‏‏(الاعتداء على الأطفال واستغلالهم جنسياً) ـ والقيادة الحكومية ذات أهمية كبيرة في هذا الصدد, وخاصة من خلال ‏الهيئات الإقليمية عند الاقتضاء، وذلك فضلاً عن توفير الدعم الواجب من قبل الوكالات التي تستطيع توفير الخدمات ‏المطلوبة مع القيام بالمتابعة اللازمة بشأن مستعملي هذه الخدمات.‏


‏9 -‏ تحسين عمليات المساءلة فيما يتصل بمن يرتكبون جرائم (الاعتداء على الأطفال واستغلالهم جنسياً) ـ وهذا من ‏مسؤوليات الحكومة عن طريق الفرع القضائي وفرع تنفيذ القوانين لديها، كما أنه أيضاً من مسؤوليات من يضطلعون ‏بأعباء إدارية أو من يقومون بمهام المراقبة.‏


‏10-‏ ينبغي تطبيق السياسات والبرامج من منظور يتسم بمراعاة جنس المرء، وذلك مع أخذ مختلف المخاطر التي تواجه ‏البنات والأولاد في الاعتبار ـ وهذا من مسؤوليات كافة من يتولون وضع أو تشكيل أو تدعيم أو تنفيذ السياسات ‏والبرامج التي ترمي إلى منع الاعتداء والاستغلال الجنسيين وحماية الأطفال ومساندة الضحايا، أو من يعملون مع ‏مقترفي هذه الجرائم.‏


‏11-‏ النهوض بنظم جمع البيانات والإعلام من أجل تحديد الأطفال المعرضين للمخاطر، وتقديم المعلومات اللازمة فيما ‏يتصل بالسياسات والبرامج، مع تقصي التقدم المحرز ـ وهذا من مسؤوليات الحكومة بصفة أساسية، وذلك في إطار ‏دعم وكالات من قبيل منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة اللتين تتسمان بالخبرة في ميداني جمع  ‏المعلومات والتقصي.‏


‏12-‏ التصديق على جميع المعاهدات والالتزامات الدولية ذات الصلة وتنفيذها ـ وهذا من أدوار الحكومات والمنظمات ‏الإقليمية، وعلى وكالات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني أن تقوم بدور هام فيما يتصل بشؤون الدعوة وتوفير ‏الدعم الواجب لصانعي القرارات على الصعيد الحكومي في هذا المجال.