كيفية تحقيق شركة بلانتير ذات الصلة بوكالة المخابرات المركزية لمكاسب جديدة في صناعة المعونة
(وسبب شعور بعض المنظمات الإنسانية بالقلق)
يكشف التحقيق الذي أجرته شبكة الأنباء الإنسانية على مدار أشهر طويلة حول أنشطة شركة بلانتير الكتومة والمرتبطة بالاستخبارات عن محاولة التقرب إلى المنظمات الإنسانية الكبيرة والصغيرة، بما في ذلك عقد رخيص للغاية مع إحدى الوكالات الحساسة في الأمم المتحدة، ومغازلة الاستجابة الدولية لتفشي الإيبولا. ولكن عند أي مدى يعتبر هذا التقارب قد تجاوز حدوده؟
- تعاقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تتعامل مع إيران وكوريا الشمالية، مع شركة بلانتير بأسعار بخسة
- كانت شركة بلانتير قريبة من لعب دور في استجابة الأمم المتحدة لتفشي الإيبولا، ولكنها انسحبت
- تعاقد الذراع الإنساني للأمم المتحدة مع شركة بلانتير لإجراء تحليل إثبات المفاهيم في الفلبين
- استكشف "يونيكورن" وادي السيليكون القطاع غير الربحي كوسيلة لتجنب انخفاض فرص مكافحة الإرهاب
- شواغل السياسة والسرية تحد من نجاحها، فضلاً عن صراع الثقافات التنظيمية
إنه برنامج مدهش يعمل على إدماج البيانات بقوة هائلة: يتصفح البيانات في الوثائق والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وقواعد البيانات، ثم يحول هذه المعلومات إلى أشخاص وأماكن وأحداث وأشياء، ويعرض تلك الصلات على شاشة جهاز الكمبيوتر الخاص بك، ويسمح لك بالتحقق من الروابط التي تصلها ببعضها وتحليلها.
ويمكن لهذه الأداة، التي طورتها شركة بلانتير الكتومة في وادي السليكون، أن تتصدى لمجموعة من المشاكل الإنسانية: من الاتجار بالبشر وتهريب السلاح إلى إيقاف الفيضانات؛ ويمكن أن تحدث ثورة في تنسيق وإدارة الكوارث والاستجابة لها.
ولكن مجتمع المعونة العالمي يلتزم الحذر لأن شركة بلانتير تحتفظ بعلاقات وثيقة للغاية مع المؤسسة الأمنية في الولايات المتحدة، والخط الفاصل بين السياسة والعمل الإنساني يتعرض لهجوم مستمر ويتم دفعه إلى الخلف على نحو متزايد.
وبعد تحقيق دام عدة أشهر، تستطيع شبكة الأنباء الإنسانية أن تكشف مدى فزع شركاء المعونة المحتملين من هذه الصلات السياسية والأمنية، وكيفية فشل صفقة كبرى مع إحدى وكالة الأمم المتحدة الرئيسية في الآونة الأخيرة بسبب تلك الصلات.
يتم استخدام قوة تحليل البيانات القائم على تحديد الأنماط، الذي طورته شركة بلانتير، بالفعل من قبل المنظمات الإنسانية الأمريكية الرائدة، بما في ذلك مركز كارتر ومؤسسة كلينتون ومؤسسة روكفلر ومشروع إيناف المرتبط بالممثل جورج كلوني، وهو ذراع تتبع الأموال القذرة.
تقوم شركة بلانتير بتشغيل برنامج تتبع الصراع في سوريا التابع لمركز كارتر، وهو واحد من العديد من الاستخدامات غير الربحية التي توفرها هذه الشركة المتخصصة في التكنولوجيا.
"إنها أداة تحويلية،" كما أفاد أندرو برينر، من مبادرة 100 مدينة قادرة على الصمود التابعة لمؤسسة روكفلر. وأضاف أن "مشاركة شركة بلانتير في نورفوك (مدينة معرضة للفيضانات في ولاية فرجينيا) قد غير تماماً طريقة تنفيذ المدينة لأعمال التخطيط وجهود الاستجابة؛ وهذا ليس بالأمر الهين، أن تغير الطريقة التي تعمل بها مدينة كاملة".
ولكن برنامج تحليل البيانات لديه تطبيقات أخرى غير حميدة. ترتبط شركة بلانتير، التي كان من بين أول مستثمريها شركة استثمار رأس المال التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية إن كيو تل (In-Q-Tel)، بصلات وثيقة مع الأجهزة الأمنية الأمريكية - إنها في الواقع صلات وثيقة لدرجة أن هذه الشركة الخاصة التي تتخذ من مدينة بالو ألتو مقراً لهايُشاع على نطاق واسع أنها كانت وراء تتبع وتقصي أثر أسامة بن لادن.
كما تعاقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع شركة بلانتير. والتحدي الذي تواجهه الوكالة هو التحقق من اتفاقات عدم انتشار الأسلحة النووية - في إيران وكوريا الشمالية، على سبيل المثال - وقد أنفقت 500,000 دولار في عام 2014 على برنامج غوثام الذي طورته شركة بلانتير لتحليل البيانات المتاحة.
ويبدو أن من المخالف بشدة للمبدأ الإنساني، ناهيك عن الحس السليم، أن تسعى المنظمات الإنسانية إلى الشراكة مع شركة لديها جذور راسخة في العمليات السرية.
وفي أماكن عديدة في العالم، لا يكون وضع شعار شركة بلانتير على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بك من الحكمة في شيء. وهناك مصدر قلق وثيق الصلة، ولا ارادي تقريباً، من أن وجود شركة بلانتير في نفس الغرفة سيكون بمثابة دعوة مفتوحة لوكالة الأمن القومي الأمريكية لقراءة البريد الإلكتروني الخاص بك وإضافة بياناتك إلى شبكة الاستخبارات العالمية الواسعة.
لكن أندرو شرودر، مدير قسم البحث والتحليل في المنظمة الإنسانية الأمريكية الإغاثة المباشرة (Direct Relief)، وهي شريك خيري لشركة بلانتير منذ فترة طويلة، يرفض المخاوف من أن العمل مع هذه الشركة يعني تعريض بياناتك للخطر وفتح باب خلفي إلى مقر الاستخبارات الأمريكية في لانغلي بولاية فرجينيا.
"بلانتير ليست شركة البرمجيات الوحيدة التي لديها صلات بأجهزة الأمن. إن فكرة أن شركات مثل جوجل وجي بي إس ومايكروسوفت ليست لديها علاقات مع المخابرات الامريكية هي فكرة سخيفة،" كما قال شرودر، الذي عمل مع شركة بلانتير في الفلبين عندما قامت الشركة بتحليل البيانات لمشروع صحي نفذته منظمة الإغاثة المباشرة.
"أفترض دائماً أنهم إذا كانوا يريدون البيانات الخاصة بك، فسوف يجدون وسيلة للحصول عليها. لا تجيد المنظمات الإنسانية الحفاظ على أمن البيانات حتى في أفضل حالاتها. لكنني لا أرى أن أي منفعة ستعود على مجتمع الاستخبارات من معرفة المزيد عن شحنات المساعدات الطبية التي تقدمها منظمة الإغاثة المباشرة. يمكنهم أن يجدوا هذه البيانات على موقعنا على الإنترنت،" كما أشار.
وقد نفى جستين ريتشموند، الموظف السابق في شركة بلانتير، ذلك بشكل قاطع: "ليست هناك قناة خلفية بالنسبة لهم (شركة بلانتير) ... وهناك بنود في العقد تنص على عدم تقاسم البيانات مع أجهزة الاستخبارات".
لكن مستشار الشؤون الإنسانية بول كوريون لديه مخاوف جوهرية بهذا الشأن.
"غالباً ما يُنظر إلى التكنولوجيا على أنها محايدة، وهكذا يتم تسويقها لنا. ولكن واقع الأمر هو أنه عندما يتعلق الأمر بالبرمجيات، هناك افتراضات مدمجة في رموزها".
"إن الافتراضات الخاصة بأجهزة الاستخبارات ليست مطابقة لافتراضاتنا، والبرمجيات المصممة على أساس افتراضاتهم لن تخدم أغراضنا بالضرورة، حتى لو كانت الأدوات نفسها مفيدة،" كما أضاف.
واعتراضه على العمل مع منظمة مثل شركة بلانتير سياسي في جوهره، حيث قال: "السؤال هو ما إذا كان ينبغي أن تشعر المنظمات الإنسانية بنفس المخاوف السياسية الأوسع التي نشعر بها. يمكنني التأكيد بشدة أنها ينبغي أن تفعل ذلك – وأنه لا بد من أن تُترجم المبادئ الإنسانية في الواقع إلى قلق بشأن المراقبة العسكرية الصناعية ومقدمي الخدمات الخاصة بها".
من جانبه، يشير الباحث في شؤون حقوق الإنسان والتكنولوجيا توم لونغلي إلى الفضيحة التي تكشفت عام 2011، عندما كان أحد مهندسي شركة بلانتير ضالعاً في خطط لإطلاق هجمات إلكترونية على موقع ويكيليكس. تم إيقافه عن العمل، ولكن أُعيد تعيينه فيما بعد. وكتب لونغلي في رسائل متبادلة بالبريد الإلكتروني قال فيها: "ينتابني الفضول بشأن ما يتطلبه الأمر لاعتبار شركة بلانتير حليفاً غير مقبول؟"
وفي السياق نفسه، يعتقد سانجانا هاتوتوا، أحد كبار الباحثين في مركز بدائل السياسة والمستشار الخاص لمؤسسة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل السلام (ICT4Peace)، أنه لا بد أن يقع أي شخص ضحية للوهم في عالم ما بعد إدوارد سنودن: "إذا كنت قلقاً بشأن الأمن، فلا ينبغي أن تستخدم شبكة الإنترنت".
"رأيي في شركة بلانتير هو أنها توفر خدمة يُنظر إليها على أنها ذات قيمة،" كما أوضح. وإذا تم اكتشاف أمرها في أي وقت "وأن لها صلات عميقة مع البنية التحتية للاستخبارات، فسوف ينتهى أمرها كشركة، وبالتالي فإن من مصلحتها أن تعني ما تقوله حقاً".
وقال مدير منظمة غير ربحية تتخذ من جنيف مقراً لها ويقوم فريقه بتحليل بيانات الأزمات من المصادر المفتوحة: "لا أعتقد أنهم يخفون حقيقتهم. إنهم يعرضون البرمجيات الخاصة بهم بوصفها الأشياء التي تُستخدم للعثور على الأشرار".
وينصب اهتمامه على ما يلي: "لأنني لا أرى أي برنامج آخر على هذا المستوى من الأداء الوظيفي ... فإنني أريد أفضل مطرقة في يدي، وقد تصادف أنها شركة بلانتير".
والجدير بالذكر أن شركة بلانتير ليست الشركة الجديدة الوحيدة في العالم الإنساني التي مولتها شركة استثمار رأس المال التابعة لوكالة المخابرات المركزية. منظمة ريكورديد فيوتشرز (Recorded Futures)، التي تدعمها إن كيو تل وجوجل، تراقب شبكة الإنترنت من أجل "تحليل التهديدات فور ظهورها". وقد تعاقد معها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعد الصراع بين جورجيا وروسيا لمسح مواقع التواصل الاجتماعي بحثاً عن أدلة عن الأزمات المقبلة.
ولن يزداد تنسيق الشؤون الإنسانية إلا صعوبة. فالنمو المتسارع في البيانات يعني المزيد من المعلومات المجزأة، والمزيد من الأشكال، والمزيد من الأدوات، والمزيد من التعقيد، والمزيد من الإلحاح.
"إنها مشكلة برمجيات على نحو متزايد،" كما أفاد جوناثان ستامبوليس، الذي كان يشغل في السابق منصب مدير الشراكات الدولية في شركة بلانتير، وهو الآن مؤسس شركة زينسيس تكنولوجيز. وأضاف أن "التحدي يتمثل في تبسيط المعلومات وتنقيتها وتصنيفها وإدارتها ودمجها".
ويكاد العمل الإنساني، أو كما تسميه شركة بلانتير "الهندسة الخيرية"، أن يكون الجانب التطوعي من عمل الشركة، التي تُقدر قيمتها الحالية بنحو 20 مليار دولار، مما يجعلها رابع أغنى شركة مدعومة من قبل شركات استثمار رأس المال في العالم (يمتلك بيتر تيل، أحد مؤسسي شركة بلانتير، حصة كبيرة أيضاً في خدمة الإقامة Airbnb، التي تأتي في المرتبة الثالثة).
تأسست شركة بلانتير في عام 2004، وكان نشاطها الأساسي يغطي ثلاثة مجالات رئيسية هي: العقود الحكومية (مؤسسة الدفاع والأمن، ولكن أيضاً مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالات إنفاذ القانون المحلية)؛ القطاع المالي، حيث تساعد برامجها في اكتشاف الغش؛ والبحوث القانونية - أو ما تسميه "الاستخبارات القانونية" - التي تربط بين النقاط في البيانات، والتي يُقال أنها ساعدت في إدانة بيرني ميدوف، الذي أدار مخطط بونزي.
وتكسب الشركة أموالها من بيع تراخيص برمجياتها الرائدة، التي يمكن أن تُباع في شكلها العام أو يتم تعديلها حسب الطلب. لكن المكسب الحقيقي يكمن في الموظفين فائقي الذكاء الذين ترسلهم لتشغيل النظام لديك - "المهندسون الذين يتم نشرهم في المقدمة"، حسب المصطلح العسكري الذي تستخدمه شركة بلانتير.
وقال ريتشموند أن تكلفة النظام "الأساسي" بالأسعار التجارية هو 7 مليون دولار في السنة، وبعد المزايا الإضافية يتراوح السعر بين 12 و15 مليون دولار - على الرغم من أن السعر يختلف اختلافاً كبيراً بحسب النطاق والمهمة.
مع ذلك، توفر الشركة هذه الخدمات للمنظمات الإنسانية بالمجان تقريباً. ففي حالة الشراكات المقترحة مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وهو هيئة تنسيق المعونة الطارئة في الأمم المتحدة، وبعد ذلك في بعثة الأمم المتحدة للاستجابة الطارئة لتفشي الإيبولا ومقرها في أكرا، عرضت شركة بلانتير خصومات كبيرة لدرجة أن الصفقات كانت ستتسبب في مشاكل مع إجراءات الشراء المتبعة في الأمم المتحدة، كما قال مسؤولون على دراية بالتفاصيل لشبكة الأنباء الإنسانية.
"يميل العمل الخيري لشركة بلانتير إلى أن يكون أكثر اهتماماً بالمشاكل منه بما إذا كان الناس في [صناعة المعونة] يستطيعون دفع ثمنه،" كما قال شرودر.
وأضاف قائلاً: "إنهم يجدون أن هذا سيعود بفائدة كبيرة على الشركة، من منطلق التجنيد، أن مهندسيها سيعملون على حل أصعب المشاكل في العالم، مثل الاتجار بالبشر والإغاثة من الكوارث – أي خدمة القضايا الهادفة"؟
بدا اهتمام شركة بلانتير الأولي بعالم المنظمات غير الربحية منصباً على البحث عن نموذج جديد للعمل أكثر منه على الإيثار. وكانت منظمة الإغاثة المباشرة من بين شركائها الأوائل، ويصف شرودر سيناريو كانت فيه مكافحة الإرهاب، قبل ظهور ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، تبدو وكأنها في طريقها إلى الزوال، ولم تكن تمثل فرصة النمو كما هو اليوم.
"يمكنني رؤية ما نقوم به بأثر رجعي كنوع من المشروعات البحثية،" كما قال شرودر. كانوا يعرفون أن هناك "زبائن يدفعون المال" في قطاع الإغاثة في حالات الكوارث، "نحن فقط لم نكن من بينهم".
وفر إعصار هايان في عام 2013 فرصة لشركة بلانتير لتظهر للمجتمع الإنساني ما يمكن أن تفعله برامجها. كان ممثلهم الرئيسي هو ستامبوليس، الذي شغل منصب مستشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وكان يعرف فاليري اموس، رئيسة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في ذلك الوقت. "كانت هذه بالفعل طريقة دخولهم من الباب،" كما أفاد أحد مسؤولي مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
كانوا حريصين على فهم تحديات البيانات وأداروا خدمة "من وماذا وأين" بالتوازي مع تلك الخاصة بمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. كان أحد الأسئلة التي طُلب منهم استكشافه، وتمكنوا من الإجابة عليه، هو ما إذا كان توصيل المساعدات الغذائية عملية مسيسة - مع تفضيل فئات معينة. ولم يعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية عن الإجابة.
وعلى الرغم من أن ستامبوليس قال أنه لم يكن يعلم بأي قلق ناجم عن صلات شركة بلانتير بالاستخبارات، فقد أكد أكثر من موظف في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن تلك المخاوف هي التي أفشلت الصفقة بالفعل. "قال موظفو [العلاقات مع الجهات المانحة في] مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أننا يجب أن نكون حريصين وحذرين للغاية إزاء كيفية العمل معهم،" كما ذكر أحد المسؤولين، الذي يملك سنوات من الخبرة في الاستجابة للكوارث، في رسالة بالبريد الالكتروني.
"أنا متأكد من أن فكرة أنهم يمكن أن يصبحوا البنية التحتية المركزية لمعلومات المجتمع الإنساني قد راودتهم،" كما قال أحد مديري الشؤون الإنسانية في إحدى المنظمات في جنيف، مضيفاً: "إذا كان هذا هو الحال، فإنهم ليسوا على الطريق الصحيح. أعتقد أنهم استهانوا بمدى ذعرنا من الجانب المظلم".
وكان أحد الأمثلة الدالة على ذلك هو طلبه عدم الكشف عن هويته. وقد تودد إلى شركة بلانتير، وعقد اجتماعاً في مكتبهم بمدينة واشنطن، لكنهم لم يقدموا له عرضاً بعد. وقال معلقاً على ذلك: "لا بد أنهم مشغولون".
لكنه لم يرغب في ذكر اسمه أو اسم منظمته في هذا التقرير. وأضاف قائلاً: "إذا عُرف أننا نستخدم هذا البرنامج، فإن مصداقيتنا ستتحطم ونصبح عاراً على العمل الإنساني".
ويوضح هذا القلق أحد جوانب الاختلاف الثقافي بين التقاليد الإنسانية الأميركية والأوروبية، كما يتضح من احتضان شركة بلانتير من قبل نخبة المنظمات غير الربحية في الولايات المتحدة. ويرى كوريون أن العمل الخيري في الولايات المتحدة أكثر شبهاً بطريقة "ويلسون" - على استعداد للعمل بالشراكة مع أهداف السياسة الخارجية للحكومة - على العكس من القيم الأقرب إلى طريقة "دونانت" (مؤسس الصليب الأحمر) وهي الاستقلال وعدم التحيز والحياد.
وفي هذا الشأن، قال ريتشموند، وهو مهندس سبق أن "تم نشره في المقدمة"، أن شركة بلانتير لديها مشكلة أكثر أهمية: "إنها لا تفهم العالم الإنساني حقاً - لا يتكلم الجانبان نفس اللغة".
ترى شركة بلانتير التنسيق، على سبيل المثال، كعملية لوجستية كبيرة. من خلال تقديم صورة تشغيل مشتركة، يمكنك أن تجعلها عالية الكفاءة - وهذا مستوى من الأهداف المشتركة لم تعتد عليه المنظمات الإنسانية.
وقال الرجل الذي يتمني أن يكون أحد شركاء بلانتير في جنيف: "هناك فرق بين نموذج العمليات العسكرية وبيننا. لا وجود للمستوى التكتيكي بالنسبة لنا. ولست بحاجة لمعرفة مكان كل شاحنة، أو أي جسر قد تعطل. نحن نعمل على مستوى استراتيجي أكبر بكثير - هل نستهدف المنطقة الصحيحة؟"
أو كما قال ريتشموند: "إنها سيارة فيراري، لكنك لست بحاجة دائماً إلى فيراري".
أوشكت شركة بلانتير على التوصل إلى اتفاق مع الأمم المتحدة بشأن استجابتها لتفشي الإيبولا- في وقت كان يُنظر إلى الفيروس كأكبر تهديد للصحة العالمية. ولكن، في هذه المناسبة، كانت هي التي انسحبت من المفاوضات.
"لا يمكن أن تجد فوضى أكبر من هذه بحاجة إلى دمج البيانات، لكنني أعتقد أنهم شعروا بالخوف من مسؤولية وضع موظفين على الأرض بسبب المرض. لكنهم إذا لم يضعوا موظفين على الأرض، فإن العمل سيفشل،" كما قال مصدر رفيع المستوى في إدارة الدعم الميداني التابعة للأمم المتحدة.
واتفق ستامبوليس، الذي كان يتفاوض على هذا الاتفاق لكنه ترك الشركة قبل الموعد المقرر للتوقيع، مع هذا الرأي، لكنه عرض نقطة إضافية. "إن أداء هذه المهمة بشكل جيد كان سيتطلب قدراً هائلاً من التركيز والموارد،" في حين أن الشركة كانت تنمو بسرعة لا تُصدق في كثير من المجالات الأخرى المربحة.
وقد أدى عدم تركيز شركة بلانتير على العمل الإنساني المنفرد إلى قيام ستامبوليس بتأسيس شركة زينسيس تكنولوجيز (Zenysis Technologies). وقال أنه بعد قضاء عامين مع الشركة، "في محاولة للتغلب على الحواجز المؤسسية، أدركت أن تحرير إمكانات [وادي السليكون] بالفعل لحل المشاكل التي نهتم بها يتطلب إنشاء منظمة جديدة - مخصصة فقط لخدمة المجتمع الإنساني العالمي".
من جهته، قال شرودر: "مع مرور الوقت، أعتقد أن نموذج العمل الخيري في شركة بلانتير قد تغير. لقد ورثوا مجموعة من الممارسات التجارية من عملائهم الآخرين، وكانوا يحاولون معرفة كيفية تطبيقه على المؤسسات غير الربحية. وأعتقد أن ما فاجأهم هو مدى حاجتهم إلى التغيير لكي تتناسب تقنياتهم مع سياق المؤسسات غير الهادفة للربح".
وربما تكون شركة بلانتير قد قررت أنها لا تحتاج إلى صداع العالم الإنساني. ويعتقد ريتشموند، على سبيل المثال، أن صناعة المعونة تحتاج إلى شركة بلانتير أكثر بكثير من احتياج الشركة إليها - إنها مشغولة بالتهام المساحات المكتبية في بالو ألتو. ولم تتمكن شبكة الأنباء الإنسانية من الحصول على رد من الشركة على أسئلتها الكثيرة.
وعلى الرغم من أن نمو شركة بلانتير كان مذهلاً، فإنها ليست في مأمن من اضطرابات السوق الحالية. وقد يجعلها هذا أكثر انتقائية من حيث اختيار الشركاء في المجال الخيري.
ولا يزال المدير الذي يعمل في جنيف ينتظر مكالمة في صبر. وفي هذا الشأن قال: "لقد تواصلت معهم، لكنهم لم يبتلعوا الطُعم. ربما لا تحظى القصة التي نرويها باهتمامهم".
|