تقارير- (ASF)
اكدت الجمعية العامة للامم المتحدة عند اعتمادها الاعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة في عام 1994 على "ان العنف ضد المرأة انتهاك لحقوق الانسان والحريات الاساسية ويعوق ويلغي تمتع المرأة بهذه الحقوق والحريات الاساسية". وركزت في الاعلان على ان "للمرأة حقا في التمتع على قدم المساواة مع الرجل، بكل حقوق الانسان وحرياته الاساسية، وفي حماية هذه الحقوق والحريات، وذلك في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية او أي ميدان آخر.
ومن هذه الحقوق الحق في الحياة، والحق في المساواة، والحق في الحرية والامن الشخصي، والحق في التمتع المتكافئ بحماية القانون، والحق في اعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، والحق في شروط عمل منصفة ومؤاتية والحق في ان تكون في مأمن من التعذيب او المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة".
ظاهرة العنف ضد المرأة لاتزال مشكلة متفشية بشكل وبائي. فبين كل ثلاث نساء في العالم تتعرض واحدة على الأقل في حياتها للضرب أو الاغتصاب أو لأنواع أخرى من الاعتداء والإيذاء، وغالباً ما يكون المعتدي شخصاً من ذويها. وقد يكون هذا العنف أكثر خروق حقوق الإنسان انتشاراً في عالمنا اليوم، يهدم حياة الأشخاص ويمزق المجتمعات ويبطئ وتيرة التنمية. فالإحصائيات المتوافرة تظهر صورة مروعة للعواقب الاجتماعية والصحية للعنف ضد المرأة، إذ يعتبر العنف سبباً رئيساً للوفاة وللإعاقة بالنسبة للنساء اللواتي تراوح أعمارهن بين 15 و44عاما.
وتشير دراسة للبنك الدولي اعدت عام 1994 أن أخطار الاغتصاب والعنف المنزلي تفوق أخطار السرطان وحوادث المركبات الآلية والحروب والملاريا.
واعتبر الامين العام للامم المتحدة بان كي مون خلال اطلاق الحملة العالمية للقضاء على العنف ضد المرأة في شابط 2008 بعنوان "فلنتحد لانهاء العنف ضد المرأة" بأن "العنف الموجه ضد المرأة مسألة لا تحتمل الانتظار". واضاف "ان هذه الحملة هي من اجل النساء والفتيات اللواتي يحق لهن العيش بمنأى عن العنف، حالا ومستقبلا. واضاف "حينما نعمل من اجل القضاء على العنف الموجه ضد المرأة، نعبئ اعظم مورد انمائي لنا الا وهو:
الامهات اللواتي يربين الاطفال، والمشرعات في البرلمان، والمنفذات، والمفاوضات، والمدرسات، والطبيبات، والنساء العاملات في صفوف الشرطة، وحافظات السلام وغيرهن". فحملة الامين العام التي انطلقت مع بداية عام 2008 ستتواصل حتى عام 2015 لتصادف التاريخ المحدد لتحقيق الاهداف الانمائية للالفية.
وجاء في رسالته لهذا العام بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة (25 تشرين الثاني) ان العنف ضد النساء لم يعد مقتصرا على النساء في حالات الحروب والنزاعات. فكل امراة عرضة لخطر الاعتداء غير ان اللواتي يعشن في مناطق النزاعات المسلحة يواجهن خطرا اكبر.
والعدد الحقيقي لضحايا الاعتداءات غير متوفر. كما ان معظم النساء تتجنب اللجوء الى المحاكم الموجودة لحمايتهن. وشدد بان كي مون ان بعض البلدان "تعامل النساء بقسوة وحشية مرتين: الاولى اثناء ارتكاب الجريمة نفسها والثانية في نظام العدالة حيث قد يواجهن تهما ملفقة بـ "الزنا" وامكانية انزال العقاب بهن لاحقا".
وعلى الصعيد الوطني، دعا الامين العام الحكومات بالتزام تعهداتها بحماية النساء من خلال سن تشريعات شاملة، وتحسين الخدمات المقدمة للضحايا واشراك الرجال والفتيان في معالجة هذه المشكلة. كما طالبها بانفاذ القوانين وعدم التغاضي عن العنف المرتكب ضد المرأة اوالتسامح معه او تجاهله والتصدي للافلات من العقاب. وقال ان مسؤولية انهاء العنف ضد المرأة يقع على عاتق الجميع اذ "يجب علينا فرادى ان نجهر بالموضوع في اسرنا، واماكن عملنا، ومجتمعاتنا، حتى تتوقف اعمال العنف ضد المرأة".
وفي موضوع سبل مكافحة العنف ضد المرأة في المنطقة العربية، عقد معهد الدوحة الدولي للدراسات الاسرية والتنمية بين 19 و20 من الشهر الحالي، في العاصمة القطرية، ندوة حول "اثر العنف على كل من النساء والاسرة". وشارك في هذه الندوة عدد من المسؤولين في الامم المتحدة والوكالات التابعة لها بالاضافة الى ممثلين عن المنظمات غير الحكومية والمنظمات الاقليمية وقضاة وخبراء.
ورأى الامين التنفيذي للجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا بدر عمر الدفع خلال الندوة بانه من الضروري القيام بالمزيد من العمل لمناهضة العنف ضد المرأة في المنطقة العربية. واعتبر اللقاء "خطوة باتجاه كسر حاجز الصمت الذي حجب هذا الموضوع عن النقاش العلني لفترة من الزمن".
واشار الى ان موضوع العنف ضد المرأة لم يعد من المواضيع المحرمة في معظم البلدان العربية، بل اصبح قضية علنية، وموضوع بحث وتدقيق ومساءلة وادانة على صعيد الحكومات والمجتمعات، "اما اهم مظاهر العنف في البلدان العربي فهي الربعة: العنف الاسري، والختان، وجرائم الشرف، والعنف في ظل الاحتلال والنزاعات المسلحة".
وعدّد الامين التنفيذي بعض التحديات التي تحول دون انهاء ظاهرة العنف ضد المرأة منه "عدم انفاذ القوانين المعتمدة التي تدعو الى معاقبة مرتكبي العنف وردعهم، وتأخر المحاكم في النطق بالحكم ضد مرتكبي جرائم العنف؛ وندرة الاحصاءات والدراسات التي تبيّن مدى تعرض المرأة للعنف، وخاصة العنف الاسري".
العنف التي تتعرض له النساء: العنف المنزلي والاسري
يشمل العنف المنزلي والعنف الاسري أعمال الإكراه الجسدي والجنسي ضد النساء في المنزل أو داخل الأسرة أو في علاقة جنسية. وتتعرض النساء لخطر العنف في العلاقات الجنسية أكثر مما تتعرض له في أي علاقة أخرى. وتشير دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية سنة 2005 في عشر دول، أن اكثر من 50% من النساء في بنغلاديش وأثيوبيا والبيرو وتانزانيا بلّغن عن تعرضهن للعنف الجسدي والجنسي من طرف شريك حميم.
وتصل هذه النسبة إلى 71 % في المناطق القروية لأثيوبيا. وفي دولة واحدة فقط (اليابان) بلّغت أقل من 20 في المئة من النساء عن حوادث العنف المنزلي. وجاء في دراسة سابقة لمنظمة الصحة العالمية أن نسبة النساء اللواتي تعرضن للاعتداء الجسدي من طرف شركائهن أو شركائهن السابقين تبلغ 30% في المملكة المتحدة و22 % في الولايات المتحدة.
وتشير العديد من الدراسات التي أنجزت في مختلف أنحاء العالم،بأن نصف النساء ضحايا الاغتيال يُقتلن من طرف أزواجهن أو شركائهن الحاليين أو السابقين. وتتعرض النساء للقتل من طرف أشخاص معروفين لديهن ويمُتن من جراء العنف المسلح والضرب والحروق وأنواع أخرى من الاعتداء.
وتظهر الدراسة المعمقة للأمين العام بشأن جميع أشكال العنف ضد المرأة إلى أنه إلى حدود 2006، كان لدى 89 دولة نوع من الحظر القانوني على العنف المنزلي0 60 دولة كانت تتوفر فيها قوانين خاصة ضد العنف المنزلي.كما أن عددا متزايدا من الدول عملت على وضع خطط عمل وطنية للحد من العنف ضد النساء، وهو ارتفاع ملحوظ مقارنة مع سنة 2003 عندما قام صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة بدراسة دقيقة حول قوانين منع العنف، ووجدت الدراسة أن 45 دولة فقط لديها قوانين خاصة ضد العنف المنزلي، ومع ذلك فلا يزال العنف ضد النساء متفشيا بشكل ملحوظ جداً.
العنف الجنسي
على الرغم من أن المرأة أكثر عرضة للعنف من قبل شريك حياتها منها للعنف من أشخاص آخرين، فإن ارتكاب العنف الجنسي على يد شخص غير شريكها أمر شائع في أوساط كثيرة. وحسب الدراسة المعمقة للأمين العام لسنة 2006 "يشير العنف الجنسي على يد غير الشريك إلى عنف يرتكبه قريب للمرأة أو صديق أو رجل معروف لديها، أو جار، أو زميل عمل، أو غريب.
ومن الصعب تحديد مدى انتشار العنف على يد شخص غير الشريك لأن العنف الجنسي يظل في كثير من المجتمعات مسألة تجلب العار الشديد للمرأة، وفي الغالب لأسرتها أيضاً".
وتشير التقديرات إلى أن واحدة من بين خمس نساء من العالم ستكون في حياتها ضحية الاغتصاب أو محاولة اغتصاب. ففي دراسة عشوائية تم إجراؤها على نحو 1200 تلميذة في الصف التاسع في جنيف، سويسرا، 20% من الفتيات صرحن أنهن تعرضن مرة واحدة على الأقل لحادث الاعتداء الجسدي والجنسي.
وتبين الدراسة المتعددة الأقطار حول العنف المنزلي التي أجرتها منظمة الصحة العالمية سنة 2005 أن ما بين 10 و12 في المئة من النساء في بيرو وتانزانيا تعرّضن للعنف الجنسي من طرف غير الشركاء بعد سن الخامسة عشر.
كما تشير دراسات أخرى تستند إلى السكان أن 11.6 في المئة من النساء في كندا بلّغن عن العنف الجنسي على يد غير الشريك في حياتهن، وأن ما يراوح بين 10 و20% من النساء في نيوزيلاندا وأستراليا تعرضن لأشكال مختلفة من العنف الجنسي من طرف أشخاص غير شركائهن، بما في ذلك اللمس الجنسي غير المرغوب فيه ومحاولة الاغتصاب.
الممارسات التقليدية المؤذية
تشكل الممارسات التقليدية المؤذية نوعا من أنواع العنف. ويتم ارتكابها ضد النساء في بعض الدول والمجتمعات منذ زمن طويل حتى أصبحت تعتبر جزءاً من ثقافتها. وتشمل هذه الخروق ختان الأنثى، وجرائم المهر، والقتل باسم "الشرف"، والزواج المبكر. وهي ممارسات تؤدي إلى الوفاة والإعاقة والأضرار البدنية والنفسية لملايين النساء كل سنة.
يقصد بختان الأنثى أشكال عديدة من عمليات البتر المرسخة في بعض التقاليد والتي تمارس على النساء والفتيات. وتعتبر جزءاً من طقوس الخصوبة أو بلوغ سن الرشد. ويبرر ختان الأنثى أحياناً بكونه طريقة لضمان العفة. وتشير تقديرات على أن أكثر من 130 مليون فتاة وامرأة يعشن اليوم قد مررن بعملية الختان، معظمهن من إفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط.
قتل الأنثى المتصل بالمهر
يعتبر قتل الأنثى المتصل بالمَهْر ممارسة وحشية حيث تتعرض المرأة إلى القتل من طرف زوجها أو عائلة زوجها بحُجة أن عائلتها غير قادرة على الاستجابة لمتطلباتهم المتعلقة بالمهر، وهو مبلغ تدفعه أسرة المرأة إلى عائلة العريس عند خِطبتها أو زواجها كهدية لعائلتها الجديدة. وقد يتجاوز المهر في بعض الأحيان دخل الأسرة السنوي.
يوجد المهر أو ما يشابهه في ثقافات العالم بأسره، غير أن القتل بسبب المهر منتشر بكثرة في جنوب آسيا. وتشير الإحصاءات الرسمية للجريمة في الهند أن نحو 6822 امرأة قُتلن في سنة 2002 بسبب هذا الشكل من أشكال العنف. كما أشارت دراسات أجريت على مجتمعات محلية صغيرة إلى أن طلبات المهر لعبت دوراً كبيراً في حرق النساء حتى الموت ووصف حالات الموت هذه بأنها عمليات انتحار.
القتل بما يدعى على "خلفية الشرف"
في العديد من المجتمعات جرى قتل النساء ضحايا الاغتصاب، ونساء بتهمة ممارسة الجنس قبل الزواج، أو بتهمة الخيانة الزوجية وذلك على أيدي أقربائهن، لأن الاعتداء على عِرْض المرأة ينظر إليه كإهانة لشرف العائلة.ويقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن عدد ضحايا القتل باسم "على خلفية الشرف" في العالم قد يصل إلى 5000 امرأة في السنة.
وجاء في التقرير السنوي لعام 2006 للمقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة أن جرائم القتل باسم "على خلفية الشرف" تقع في باكستان وتركيا والأردن وسوريا ومصر ولبنان وإيران واليمن والمغرب ودول أخرى من دول البحر الأبيض المتوسط ودول الخليج. كما يحدث هذا النوع من الجرائم أيضا في دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة في أوساط الجاليات المهاجرة.
الزواج المبكر
تحدث حالات الزواج المبكر في كل أنحاء العالم خاصة في إفريقيا وجنوب آسيا. ويعتبر الزواج المبكر نوعاً من أنواع العنف الجنسي، إذ إن الفتيات يُجبرن على الزواج وعلى العلاقات الجنسية، مما يضر صحتهن ويزيد خطر إصابتهن بفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، ويحرمهن فرصة إكمال تعليمهن.
ويبرر الآباء والأسر عادة زواج الأطفال بكونه ضمانا لمستقبل أفضل لبناتهم. فغالباً ما يزوجونهن في سن مبكرة لضمان وضع اقتصادي آمن لهم ولبناتهم. ويزيد عدم الاستقرار والنزاعات والأزمات المجتمعية تفاقم ظاهرة الزواج المبكر، حيث يعتبر الزواج المبكر في العديد من الدول الإفريقية التي تعاني النزاع والتي توجد فيها نسبة مرتفعة من اختطاف الفتيات على أنه وسيلة لضمان حماية هؤلاء الفتيات.
الاتجار بالنساء والفتيات
يدخل في نطاق الاتجار استخدام الأشخاص ونقلهم باستعمال الخداع والإكراه والتهديد، حيث تفرض عليهم وضعية من العمل القسري والرق والاستعباد. وهكذا يُنقل الأشخاص إلى قطاعات مختلفة من الاقتصاد غير النظامي بما في ذلك الدعارة والخدمة المنزلية والزراعة وصناعة الألبسة والتسول.
وفي غياب إحصائيات دقيقة في هذا المجال، تشير التقديرات إلى أن عدد الأشخاص المتجر بهم يراوح بين 500.000 ومليوني ضحية سنويا، بل قد يصل إلى أربعة ملايين في تقدير بعض المنظمات. ورغم أن الاتجار بالبشر لا يميز بين امرأة ورجل ولا بين فتاة وصبي، فإن معظم ضحاياه من الإناث.
فمختلف أشكال التمييز الجنسي تجعل النساء والفتيات أكثر عرضة للفقر من غيرهن مما يزيد احتمال استهدافهن من طرف المهربين الذين يستدرجونهن بواسطة الوعود الكاذبة بتشغيلهن وتوفير فرص التعليم لهن. فقد ارتبط التهريب دوما بالجريمة المنظمة حيث أصبح تجارة مربحة تراوح مداخلها السنوية بين 7 و12 مليار دولار أميركي.
الجرائم ضد النساء في ظل النزاعات المسلحة
يتشكل معظم ضحايا النزاعات المسلحة الراهنة من المدنيين، حيث إن نحو 70% من ضحايا النزاعات المسلحة الأخيرة لم يكونوا من المقاتلين وكان معظمهم من النساء والأطفال. وأصبحت جثث النساء جزءا من مشهد المعارك بالنسبة لمن يستعملون الترهيب تكتيكا حربيا، حيث يلجؤون إلى اغتصابهن وإهانتهن وإرغامهن على الحمل والاستغلال الجنسي والرق. وقد كان النظام الأساسي لروما سنة 1998 الصادر عن محكمة الجنايات الدولية أول معاهدة تعتبر العنف على أساس الجنس بمثابة خرق خطير للقانون الدولي.
كما أن اليوم ما يقارب نصف المدانين من طرف محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المحاكم الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا سابقا، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، والمحكمة الخاصة لسيراليون، يواجهون اتهامات بالاغتصاب والاستغلال الجنسي.