أربعة أسباب تجعل الأزمة في اليمن وخيمة إلى هذا الحد



                                                             الصورة: المقداد مجلي/إيرين
آثار القصف الذي يشنه التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن
 ASF -  إيرين
تتزايد التحذيرات من جسامة الكارثة الإنسانية التي تتكشف في اليمن يوماً بعد يوم. فقدتوقع المقرر الخاص للأمم المتحدة تشالوكا بياني يوم الأربعاء الماضي حدوث "نزوح هائل وأزمة إنسانية"، قائلاً أن "على المجتمع الدولي الاستعداد لأسوأ السيناريوهات".

وفي اليوم التالي، حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من أن عدداً لا يحصى من المدنيين يواجهون البؤس وسط التدهور السريع للوضع الأمني وتفاقم الأزمات الإنسانية.

وفيما يلي أربعة أسباب تجعل محنة المدنيين في اليمن شديدة إلى هذه الدرجة:

1. كانت هناك أزمة قبل هذه الأزمة


أشارت تقارير عديدة عن هذا الصراع إلى الأزمة الإنسانية كما لو كانت شيئاً جديداً، ولكنها ليست كذلك.

كان اليمن بالفعل أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية قبل فترة طويلة من اندلاع الاضطرابات الحالية. وكان ثلثا السكان بحاجة إلى مساعدات، في حين لا يحصل نصف السكان الذين يبلغ عددهم 26 مليون نسمة على مياه نظيفة. ووصل سوء التغذية إلى معدل مماثل للمعدلات السائدة في العديد من البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وفي أواخر العام الماضي، أوقفت المملكة العربية السعودية، التي شعرت بالغضب من استيلاء المتمردين الحوثيين على العاصمة صنعاء، المساعدات النقدية التي كانت تحول دون انهيار الاقتصاد اليمني.

وفي حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال تروند ينسن، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في اليمن: "كنا نشعر بالفعل بقلق بالغ إزاء الأزمة المالية من قبل. أما الآن، فلدينا بلد يتهاوى بسرعة في نواح كثيرة".

ولم يكن العديد من اليمنيين ببساطة يملكون أي مدخرات أو مخزونات تكفي لبقائهم على قيد الحياة عندما أغلقت الشركات أبوابها وجفت مصادر الدخل.

"وحتى قبل الأزمة الأخيرة، كان مجمل الاحتياجات الإنسانية في اليمن مماثلاً للبلدان التسعة في منطقة الساحل مجتمعة. كما كان لديه ضعف عدد الأشخاص المصنفين على أنهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد،" كما أوضح بان كي مون.

2. العديد من الجبهات والقليل من الحقائق


يعد هذا الصراع معقداً ويشمل أطرافاً مختلفة مدعومة من جهات أجنبية بينما يغير اللاعبون الرئيسيون انحيازاتهم، مما يؤدي إلى تعقيد الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض واندلاع القتال على عدة جبهات مختلفة.

وبحسب التقارير الواردة، قادت الدبابات والعربات المدرعة هجوم المتمردين على مدينة عدن الجنوبية، التي كان الرئيس اليمني المعترف به دولياً، عبد ربه منصور هادي، قد فر إليها في البداية قبل لجوئه إلى المملكة العربية السعودية.

وقد اندلعت حرب شوارع في وسط المدينة عندما قوبل هجوم الحوثيين الذي استمر لمدة ثلاثة أسابيع بمقاومة شرسة من قبل الميليشيات المدعومة من هادي. في الوقت نفسه، تتعرض العاصمة صنعاء منذ أكثر من أسبوعين لقصف جوي من قبل قوات التحالف التي تقودها السعودية، التي تأمل في إعادة هادي إلى السلطة وسط مخاوف من أن المتمردين يتلقون دعماً من إيران.

كما اندلعت اشتباكات بين الحوثيين والموالين لهادي في محافظة شبوة شرق البلاد، في حين استغل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أيضاً هذه الاضطرابات للتوغل في وسط اليمن. 

في الوقت نفسه، يجد اليمنيون الفارون من العنف أنفسهم محاصرين بين هذه الجبهات المختلفة، ولم يتبق سوى طرق هروب قليلة بعد إغلاق الموانئ وتقييد حركة النقل الجوي.

ولا يزال من غير الواضح العدد الدقيق للمحتاجين أو الأماكن التي يتواجدون بها.

وكانت الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة قد أجلت جميع الموظفين الأجانب تقريباً، ولا يستطيع الباقون منهم في كثير من الأحيان السفر لتقييم الوضع الإنساني بسبب انعدام الأمن على نطاق واسع.


         الصورة: منظمة أطباء بلا حدود
                          فريق منظمة أطباء بلا حدود في عدن يعالج جريحاً في المستشفى التابع للمنظمة                
ويصعب الحصول على الإحصاءات الأساسية اللازمة لتقييم الوضع والمساعدة في التجهيز للاستجابة، وحتى عدد القتلى متروك لتخمينات عدد من المصادر التي تعطي بارامترات مختلفة.

وتقول منظمة الصحة العالمية أن 614 شخصاً لقوا مصرعهم في الفترة من 19 مارس إلى 5 أبريل، بينما ذهبت تقديرات وزارة الصحة اليمنية إلى أبعد من ذلك وحددت عدد القتلى بأكثر من 1,000. ويؤكد المتمردون الحوثيون سقوط 1,000 قتيل و15,000 جريح.

وتنطبق القصة ذاتها على عدد النازحين، حيث تقدر الأمم المتحدة نزوح حوالي 100,000 شخص، بينما يقول خبراء آخرون أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك بكثير. وكان اليمن يستضيف أكثر من 250,000 لاجئ ومليون مهاجر حتى قبل الصراع الحالي.

وقال هاجر معلم، المدير القطري لمنظمة العمل ضد الجوع (المعروفة باسمها الفرنسي المختصر ACF)، أن المعلومات الموثوقة عن أماكن المحتاجين شبه معدومة في بعض أجزاء من البلاد. وأضاف أن الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية تحاول إجراء تقييم، ولكنها ببساطة قد تفشل في العثور على الكثير من الأشخاص اليائسين.

والشيء الواضح الوحيد هو عدم قيام أحد بعمل ما يكفي لحماية المدنيين. ففي حادث مثير للقلق بشكل خاص، تعرض مخيم النازحين الذي أُنشئ في شمال اليمن للقصف - من قبل التحالف الذي تقوده السعودية بحسب بعض المزاعم - مما تسبب في فرار حوالي 600 أسرة بعد مقتل عشرات المدنيين، من بينهم العديد من النساء والأطفال.

3. إيصال المساعدات يزداد صعوبة

لا تستطيع المساعدات الوصول من خلال جميع الطرق الممكنة تقريباً إلى الناس الذين هم في أمس الحاجة إليها.

فالعنف ذاته يمنع منظمات الإغاثة من القيام بعملها. وفي عدن، وصلت حدة القتال إلى درجة لا يستطيع الناس معها حتى نقل الجرحى إلى المستشفيات.

وفي هذا الصدد، قالت ماري إليزابيث إنغري، رئيسة بعثة منظمة أطباء بلا حدود في اليمن، أن مستشفى المنظمة في عدن كان يستقبل في البداية حوالي 50 جريحاً في اليوم الواحد، ولكن بعد تزايد حدة القتال، انخفض هذا العدد بسرعة لأن الوضع غير آمن بالقدر الكافي لكي يتحرك الناس في أرجاء المدينة، وسيارات الإسعاف، التي أصبحت هي نفسها مستهدفة على نحو متزايد، غير قادرة على الوصول إلى الجرحى.

"في الأيام القليلة الماضية، استقبلنا عدداً قليلاً جداً من الناس،" كما أفادت إنغري في حديث إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) يوم الخميس.

كما يصعب إيصال المساعدات إلى اليمن عن طريق البحر، فمعظم الموانئ إما تخضع لسيطرة المتمردين الحوثيين وتستخدم بشكل مباشر في القتال، أو تحاصرها قوات التحالف الذي تقوده السعودية.

وفي يوم الخميس، انتشر خطاب على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي يدعي أن وكلاء سفينة تحمل قمحاً يشكون منعها من الدخول إلى الميناء من قبل السفن الحربية. وقد قررت العديد من خطوط الشحن الدولية الآن عدم تسليم شحناتها على الإطلاق.

4. نقص الغذاء والوقود والمياه النظيفة واللوازم الطبية


تثير مشكلة النقل البحري احتمال حدوث نقص واسع النطاق في المواد الغذائية، لاسيما أن اليمن يستورد أكثر من 90 بالمائة من الحبوب الرئيسية. وعلى الرغم من عدم توفر المال، إلا أن تكلفة السلع ترتفع ارتفاعاً هائلاً. ففي عدن، على سبيل المثال، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بالفعل بنحو 20 بالمائة، وفقاً للأمم المتحدة.

ولكن الطعام هو واحد فقط من العديد من الضروريات التي يخشى المدنيون في اليمن من احتمال نفادها. فقد أفاد معلم من منظمة العمل ضد الجوع أنه "بسبب النقص الحاد في النفط، لسنا قادرين على توفير نفس القدر من [المساعدات]. لقد أصبحت فرقنا عاجزة. وحتى في المناطق التي لا يزال الوصول إليها ممكناً، لا يوجد وقود".

وتشعر منظمات الإغاثة بالقلق أيضاً من أن قدرتها على الاستجابة ستكون محدودة إذا ما قاربت المياه النظيفة والمستلزمات الطبية على النفاد.

وأضاف معلم أن "المياه مشكلة تواجه [النازحين] في الجنوب على وجه التحديد. ونخشى من أنه إذا لم يتم اتخاذ تدابير في الأيام المقبلة ... يمكن أن يحدث تفشي للكوليرا والملاريا وغيرها من الأمراض".

وقد فر بالفعل العديد من العاملين الصحيين الأجانب، الذين كان النظام الصحي يعتمد عليهم بشكل كبير، خوفاً من انتشار العنف.

وقالت إنغري من منظمة أطباء بلا حدود: "لم يكن لدينا ما يكفي من العاملين في المجال الطبي، [ناهيك عن] المؤهلين. نحن بحاجة إلى ممرضين".

ومن دون عودة غير مرجحة إلى المفاوضات، لا يوجد أمل يذكر في تجنب حدوث أزمة إنسانية واسعة النطاق.

وقد كرر بان كي مون يوم الخميس دعوته جميع الأطراف لاستئناف مفاوضات السلام بوساطة الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى نهاية لهذه الأزمة، محذراً من أن "آخر ما تحتاج إليه المنطقة وعالمنا هو المزيد من الفوضى والجرائم التي شهدناها في ليبيا وسوريا".