الصورة: محمد بن خليفة/إيرين
|
طرابلس, 1 مارس 2015 (إيرين)
لطالما ظلت الدواوير في العاصمة الليبية طرابلس مكاناً لتجمُّع المصريين الذين يسعون للحصول على فرص عمل. ففي كل يوم، يجلس النجارون والبناؤون والسباكون وفنيو الديكور، بانتظار العمل، ويحمل كل رجل منهم أدوات صنعته لكي يسّهل على أرباب العمل المحتملين اختيار من يريدون منهم.
أما في هذه الأيام، تخلو هذه الأماكن من المصريين. ففي الشهر الماضي بث تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا شريط فيديو يظهر قطع رؤوس 20 رهينة من الأقباط المصريين ومواطناً من غانا. ومنذ ذلك الحين، عاد أكثر من 25,000 مصري إلى بلادهم، طبقاً لوزارة الخارجية المصرية، وتم الإفراج عن مئات المهاجرين غير الشرعيين المحتجزين في السجون. كما تحدث مصريون عن تصاعد في الهجمات، فعلى أحد الدواوير، قُتل رجل ليبي رمياً بالرصاص عندما حاول منع مجموعة من الرجال من مضايقة عمال مصريين.
ولكن بالنسبة للبعض، يجعل احتمال العودة إلى حياة الفقر في بلدهم الأم البقاء في منطقة الحرب في ليبيا خطراً هم على استعداد لتقبله.
الثأر والانتقام مرة أخرى أما في هذه الأيام، تخلو هذه الأماكن من المصريين. ففي الشهر الماضي بث تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا شريط فيديو يظهر قطع رؤوس 20 رهينة من الأقباط المصريين ومواطناً من غانا. ومنذ ذلك الحين، عاد أكثر من 25,000 مصري إلى بلادهم، طبقاً لوزارة الخارجية المصرية، وتم الإفراج عن مئات المهاجرين غير الشرعيين المحتجزين في السجون. كما تحدث مصريون عن تصاعد في الهجمات، فعلى أحد الدواوير، قُتل رجل ليبي رمياً بالرصاص عندما حاول منع مجموعة من الرجال من مضايقة عمال مصريين.
ولكن بالنسبة للبعض، يجعل احتمال العودة إلى حياة الفقر في بلدهم الأم البقاء في منطقة الحرب في ليبيا خطراً هم على استعداد لتقبله.
وتنقسم ليبيا الآن إلى برلمانين وحكومتين، حيث يوجد البرلمان والحكومة المعترف بهما دولياً في المدن الشرقية في طبرق والبيضاء، بينما توجد المؤسسات الانفصالية المنافسة، بقيادة حركة "فجر ليبيا" في العاصمة طرابلس.
والوضع بالنسبة للمصريين أسوأ في الغرب ولهذا السبب، حثّ عمر الحاسي، رئيس الوزراء في حكومة طرابلس جميع المصريين على مغادرة البلاد، وذلك وفقاً لوكالة الأنباء الليبية، معترفاً بأن السلطات الأمنية في حكومته غير قادرة على ضمان سلامة المصريين. ولا توجد أرقام مؤكدة لعدد المصريين الموجودين في ليبيا، حيث تتراوح التقديرات بين 40,000 إلى ما يزيد عن 100,000 شخص.
وقال هشام، الذي يعمل بنّاءً ويعيش في طرابلس منذ 23 عاماً، أن نحو 75 بالمائة من المصريين الذين يعرفهم في المدينة غادروها منذ بث شريط الفيديو المذكور. وأوضح أن "ما حدث كان يمكن أن يحدث لأي دولة ولكنه الآن قد وصل إلى ديارنا ... لقد رأينا الفظائع التي ارتكبت في سوريا والعراق والآن نشعر بالفظائع ذاتها".
ويعتقد هشام أن عملية القتل الوحشية التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية قد وقعت على مشارف مدينة سرت، على بُعد 280 كيلومتراً من طرابلس، التي تحتلها حالياً مجموعة من الإسلاميين الذين أعلنوا الولاء لما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية. ويذكر أن التنظيم قتل مسيحيين وأقليات أخرى في سوريا والعراق.
وانتقاماً منها لعمليات قتل المصريين، قصفت طائرات مصرية درنة - المدينة الليبية الأولى التي سيطرت عليها قوات الدولة الإسلامية. من ناحية أخرى، يخشى المصريون من جميع الأديان في الدولة أن تثير هذه الخطوة موجه أخرى من العنف ضد مواطنيهم.
وتعليقاً على هذا، قال هشام: "هناك خوف حقيقي من الثأر والانتقام ونحن نعلم أن الليبيين يخضعون للضغوط نفسها التي يخضع لها المصريون، من قبل الفصائل المتحاربة ... والخوف من الانتقام هو أحد الأسباب التي دفعت الكثيرين لمغادرة ليبيا".
من جهتها، حذرت منظمة العفو الدولية، في أعقاب بث شريط الفيديو من أن "المدنيين في ليبيا يواجهون خطر الموت في ظل خروج الهجمات الانتقامية التي تشنها جميع الأطراف عن نطاق السيطرة".
وقال رئيس الكنيسة الإنجيلية في طرابلس، القس إيبان بسكرة فاسيهار، أن بث شريط الفيديو قد أحدث صدمة في أوساط المجتمع المسيحي كله، فضلاً عن الأسر الليبية العادية. وأضاف أن "معظم الليبيين لطفاء جداً وهم مستاؤون للغاية مما حدث".
وقد اختار عدد قليل جداً من الأقباط البقاء في ليبيا. والجدير بالذكر أن آخر كنيسة قبطية أغلقت أبوابها العام الماضي وأصبح الأشخاص الذين كانوا يترددون عليها في السابق يتعبدون في السر أو يحضرون الصلوات في الكنائس الأخرى في العاصمة.
ومن بين هؤلاء آمون، الذي يتردد على واحدة من الكنائس الثلاث التي لا تزال مفتوحة في طرابلس. وقال أن الخوف لن يدفعه بسهولة إلى الفرار: "أنا أعيش هنا منذ ثماني سنوات، وأعمل في مجال النفط، والوضع جيد بالنسبة لي". وأضاف قائلاً: "ليس لديّ أي مشكلات وسوف أبقى هنا، على الرغم من أن الأسرة والأصدقاء في بلدي يضغطون عليّ لكي أعود".
ويعمد المصريون الذين ما زالوا يعيشون في العاصمة إلى عدم الظهور بقدر الإمكان، وقال هشام أنه سيفكر في ترك ليبيا إذا ازدادت الأوضاع سوء وإذا هربت المجموعة الداعمة التي يعيش معها. لقد أضحت "ليبيا القذافي" في أيام ما قبل الثورة مجرد ذاكرة باهتة. وفي هذا الصدد، قال هشام: "لقد كنا أكبر جالية غير ليبية هنا قبل الثورة ... ولكننا أصبحنا أقلية الآن تواجه التهديد من العديد من الأطراف".
وتعتبر المدن الشرقية، مثل طبرق، أكثر أمناً قليلاً بالنسبة للمصريين الذين يقولون أن هناك أدلة قليلة على وجود قوات تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة. وأوضح هشام أنه، حتى وإن كانت الحكومة المصرية تشجع مواطنيها على العودة، يواصل مئات المصريين عبور الحدود بصورة غير قانونية إلى شرق ليبيا. وقال أن "معدل الأجور لا يزال مغرياً جداً، خاصة بالنسبة للفقراء من طبقة العمالة اليدوية".
ولا يزال الاقتصاد المصري يواجه صعوبات منذ قيام انتفاضة عام 2011 التي أدّت إلى الفوضى السياسية المستمرة في البلاد. وفي حين أن الفوضى قد طالت ليبيا أيضاً، إلا أن الأجور لا تزال أعلى بكثير في هذه الدولة الغنية بالنفط. وقال أحمد، وهو بائع فاكهة في مدينة بنغازي الشرقية: "لن أعود... ليس هناك أصعب من العيش في مصر من دون مال أو غذاء أو مأوى". وقد أبقى أحمد على كشكه مفتوحاً رغم المعارك التي تستعر في المدينة طوال الأشهر الستة الماضية. وقال: "لا توجد لي حياة في مصر".
اتفاق مع مراكز الاحتجاز
ويدخل العديد من المصريين الراغبين في العمل إلى ليبيا بطريقة غير مشروعة ويخاطر أولئك الذين يقومون بذلك بإيقافهم في نقاط التفتيش وأخذهم، إذا لم تكن لديهم أوراق ثبوتية، إلى مراكز الاحتجاز والخضوع لاختبارات الدم للكشف عن الالتهاب الكبدي وفيروس نقص المناعة البشرية. ويتم نقل أولئك الذين يثبت اختبار الدم إصابتهم بأي من الأمراض السابقة أو الذين لا يمكنهم تقديم أوراق ثبوتية كافية، إلى أحد مراكز الاحتجاز المكتظة التي يبلغ عددها 19 مركزاً في الدولة، حيث يعيشون في ظروف مزرية.
وقال محمد، أحد المحتجزين السابقين في تلك المراكز أن ما يصل إلى 90 من المهاجرين كانوا محشورين في غرفة واحدة في أحد المراكز حيث يعتمد التعامل مع المحتجزين على نوعية الحراس وطريقة تعاملهم. وأضاف أنه لم تكن هناك أي رعاية طبية للمرضى. وعقب زيارة تسعة مراكز احتجاز حكومية في العام الماضي، قالت منظمة هيومان رايتس ووتش أنه يجب إغلاق مركزين فوراً، مستشهدة بالتعذيب وإساءة المعاملة والحالة السيئة لمرافق الصرف الصحي.
مع ذلك، وافقت الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها في الأيام الأخيرة على الإفراج عن المصريين الذين كانوا محتجزين بسبب دخولهم البلاد بطريقة غير مشروعة.
وعندما زارت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) مركز احتجاز كراريم في مدرسة سابقة في ضواحي مدينة مصراته، كان مئات المهاجرين يجلسون متربعين ومحشورين في فناء رملي. وقد تم تقسيمهم إلى مجموعتين: 63 محتجزاً مصرياً كانوا على وشك أن يُفرج عنهم، وعدة مئات الأشخاص من أفريقيا جنوب الصحراء، الذين لم يكن قد اتضح وضعهم. ولخوفهم من انتشار صورهم، وعلى الرغم من أنهم كانوا على وشك الترحيل إلى وطنهم، خبأ بعض المصريين الذين كانوا ينتظرون لركوب الحافلة وجوههم من المصورين، وغطوا رؤوسهم بأوشحتهم.
وأوضح أحد الحراس، مشيراً إلى الرجال الجالسين: "ليس لدى أي من هؤلاء تأشيرات، وبالتالي هم موجودون هنا بصورة غير قانونية". وأضاف: "لكن بالنسبة للمصريين، فإن حكومتهم ستعيدهم. لقد طلبت حكومتهم إعادتهم بعد نشر الفيديو". وقال أن الحافلات، التي تمولها السلطات الليبية، ستأخذ المزيد من المصريين من مراكز أخرى في الطريق إلى الحدود التونسية عبر رأس جدير.
وقال مبروك رجب، رئيس العلاقات العامة لإدارة الهجرة غير الشرعية في طرابلس لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لقد نقلنا بالفعل 250 شخصاً بالتنسيق مع السفارة المصرية في تونس، من خمسة مراكز احتجاز في غرب ليبيا، بما في ذلك 26 سيدة". وأضاف قائلاً: "نريد نقل جميع المصريين المحتجزين في مراكز هنا".
ويوفر برنامج الإعادة إلى الوطن الذي دشنته الحكومة المصرية للمحتجزين سبيلاً للهرب من قضاء فترة غير مؤكدة في السجن. ولكن ليس من المعروف بعد كم عدد الذين يقبعون في السجون غير النظامية التي تديرها الميليشيات عبر البلاد.
* تم تغيير بعض الأسماء لأسباب أمنية