القمة العالمية للعمل الإنساني: محفل للحديث أم حدث يغير قواعد اللعبة؟

                                                                                                                                                   الصورة: القمة العالمية للعمل الإنساني
جميلة محمود، رئيس الأمانة العامة لمؤتمر القمة العالمية للعمل الإنساني، تتحدث في جلسة المشاورات الإقليمية لأوروبا في 

بودابست في فبراير 2015 
لندن, 26 فبراير 2015 (إيرين)
تكتسب عملية الإعداد للقمة العالمية للعمل الإنساني في اسطنبول زخماً، ولكن ما الضمانات أن يتمخض عنها نتائج عملية؟

تهدف هذه العملية التي تقودها الأمم المتحدة، ومدتها عامان، إلى تشجيع حوار عالمي- يسفر عن نتائج وتوصيات واضحة - بشأن سبل تحسين الاستجابة الإنسانية. 

وفي هذا الصدد، يقول العاملون في المجال الإنساني أن المشاورات تنجح في إشراك عدد لم يسبق له مثيل من الأصوات، ولكن يخشى الكثيرون من أن العملية لا تزال تفتقر إلى إطار واضح يحول الحديث إلى إجراءات عملية.

وحتى الآن، هيمن على محادثة #ReShapeAid دعوات لاحترام مبادئ العمل الإنساني والتركيز على النهج المحلية وإيجاد تمويلات أكثر مرونة.

وهناك تنافس أيضاً لكي تحظى قضايا أخرى بالمناقشة خلال جدول أعمال اسطنبول النهائي مثل الأدوار التي ينبغي أن يقوم بها كل طرف من الأطراف ومتى ينبغي القيام بها، وحقوق النازحين داخلياً، وأهمية التوصل إلى حلول سياسية للأزمات الإنسانية.

ولكن هذه المناقشات ليست جديدة داخل الأوساط الإنسانية. وقد تحدثت (إيرين) مع مجموعة من المشاركين لتقييم ما إذا كان بالإمكان ترجمة نقاط النقاش الرئيسية إلى تغيير منهجي وذي مغزى.

ما هي الأهداف التي تسعى القمة العالمية للعمل الإنساني إلى تحقيقها؟

الهدف الأساسي 
للقمة العالمية للعمل الإنساني، المبادرة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي-مون، هو "اقتراح حلول للتحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجهنا وإعداد جدول أعمال لجعل العمل الإنساني مواكباً للمستقبل". 

وفي العادة، لا يوجد للعمليات التي تقودها الأمم المتحدة جدول أعمال محدد، إذ يمكن للأشخاص أن يطرحوا قضايا بشكل شخصي في المشاورات (شريطة أن يكونوا ضمن قائمة الضيوف) أو عن طريق نظام الرسائل عبر الإنترنت. ومن بين أولئك الذين يحضرون في مختلف المناسبات: وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية، ومنظمات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، والأكاديميون، وشركات القطاع الخاص، وممثلو الحكومات والسكان المتضررون من الأزمات أنفسهم.

وحول طبيعة هذه العملية، أوضح أليكس بيتس، مدير مركز دراسات اللاجئين في جامعة أكسفورد: "أنها عملية مبتكرة جداً، وتختلف عن الكثير من القمم والمؤتمرات الدولية، حيث لا توجد نتيجة معدة سلفاً ومن ثم فإن جدول الأعمال في حالة تطور، وما سوف تتمخض عنه في نهاية المطاف في مايو 2016 سيعتمد على ما قيل خلال هذه العملية".

وأضاف بيتس، الذي شارك في المشاورات الإقليمية لأوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا في بودابست في أوائل فبراير: "أعتقد أن الجزء المثير حقاً هو أنه من الناحية النظرية يمكن الاستماع إلى جميع الأصوات، ولكن التحدي بطبيعة الحال هو كيفية ضمان أن تسمع أصوات الجميع، وأن تحصل على تمثيل حقيقي في النتائج النهائية".

من جهته، رحب جان إيف بنوي، المدير المؤقت لمنطقة أوروبا في المجلس النرويجي للاجئين بتنوع الحاضرين. وقال أن "هؤلاء الأشخاص لا يجتمعون معاً ليومين كاملين كثيراً، وخاصة الجهات المانحة التي لا تكون على تواصل في أحيان كثيرة مع الأمم المتحدة، ومن هنا أعتقد أن المؤتمر مثير للاهتمام".

وقالت جميلة محمود، رئيس الأمانة العامة لمؤتمر القمة العالمية للعمل الإنساني لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "مهمتنا هنا، كأمانة، هي الاستماع وجمع أكبر عدد ممكن من وجهات النظر المختلفة".

وأضافت قائلة: "مهما كانت النتيجة، يجب أن تؤدي إلى تغييرات على أرض الواقع. علينا أن نعمل مرة أخرى من هناك لتحديد الأدوات والآليات الصحيحة، والحلول التي يتعين علينا أن نخرج بها لتلبية احتياجات الناس".

ما هي القضايا الرئيسية التي تمت مناقشتها حتى الآن؟

• هناك حاجة لمراجعة تشريعات مكافحة الإرهاب بحيث لا تحد من إيصال المساعدات إلى السكان في مناطق الصراع التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة.
• ينبغي أن تتلقى المنظمات غير الحكومية والمنظمات المحلية نسبة مئوية ثابتة من التمويل في حالة الأزمات – ما زالت النسبة قيد النقاش. 
• لا ينبغي أن يتم تغليب التفويض على حساب القدرات وسبل الوصول. لقد حان الوقت للسماح للمنظمات الأكثر ملائمة وقدرة على الاستجابة، بدلاً من الاعتماد على الهياكل الهرمية.
• دعـا عدد من المنظمات غير الحكومية الدولية إلى إعادة التأكيد رسمياً على المبادئ الإنسانية.
• يجب تغيير المواقف تجاه المنظمات المحلية، إذ ينبغي أن يكونوا شركاء على قدم المساواة مع المقاولين من الباطن. وينبغي أن تقبل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الكبيرة بأنه ربما يكون لدى الأطراف الوطنية معرفة وإلمام أفضل بالسياق عنهم. 
• يجب أن تكون احتياجات التمويل أكثر مرونة وأطول أجلاً، لاسيّما في حالات النزاع التي تتطور بشكل مستمر. وينبغي أن تكون المنظمات قادرة على تخطيط استجابتها على أساس الاحتياجات، وليس وفقاً لأولويات الجهات المانحة. 
• هناك دعوة لتطوير سياسة جديدة تتعلق بالنازحين داخلياً في منطقة الشرق الأوسط، على غرار "اتفاقية كمبالا" للنازحين داخلياً في أفريقيا.
• الابتكار أمر مهم ولكن الجهات المانحة بحاجة لمشاركة بعض المخاطر المالية وأن تكون أكثر انفتاحاً على الأفكار التي لم يتم اختبارها بعد. 
• ينبغي أن تشكل الحلول السياسية أولوية للحكومات ولمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بغية إنهاء الصراعات وعمليات النزوح والمعاناة الإنسانية. 
• يجب على الجهات الفاعلة في مجال الإغاثة إدراك قدرات المتضررين وطاقاتهم، بدلاً من مجرد رؤيتهم كضحايا لا صوت لهم.

ألم نسمع الكثير من هذا من قبل؟

نعم، إلى حد ما. ولكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها مناقشة الموضوعات بهذه الشفافية وبمشاركة هذا العدد الكبير من الأطراف المعنية من مختلف ألوان الطيف الإنساني في وقت واحد. 

وتعليقاً على هذه النقطة، قال بيتس: "لعل واحدة من النتائج الأكثر إثارة للاهتمام في القمة هي الحوار في حد ذاته". وأضاف أن "حقيقة وجود عدد كبير من الأطراف المعنية والرؤى تنخرط في الحوار وتستمع إلى بعضها البعض في منتدى لا تهيمن عليه الدول، هو أمر في حد ذاته فريد وقيّم".

من جانبها، أقرت جميلة محمود بأن العديد من القضايا التي أثيرت في الاجتماعات لم تكن جديدة، حيث قالت: "ربما كنا نتحدث عن هذه الأمور فيما بيننا لسنوات...ولكننا الآن نقولها بصوت عال، ونتشاور مع السكان المتضررين والجمهور الأوسع نطاقاً والقطاع الخاص والحكومات".

وأشارت إلى المناقشات بين وكالات الأمم المتحدة في مدغشقر والقطاع الخاص وحكومتها خلال المشاورات التي عقدت في جنوب أفريقيا في أكتوبر 2014. وتمخضت هذه المشاورات عن إنشاء منصة جديدة للاستجابة للكوارث، التي تم تطبيقها بنجاح بعد أشهر عندما ضربت العواصف مدغشقر.

وأوضحت أنه "من السهل على المرء أن يجلس مسترخياً ويوجه انتقادات إلى هذه العملية، ولكن مجرد رؤية مثال واحد من الواقع حول كيف قادت هذه المحادثات وهذه الطاقة وهذا الاهتمام في المشاورات الإقليمية، إلى نتائج مثمرة مثل هذه، هو بالنسبة لي سبب يدعونا للتفاؤل".    



                                                                                                                                     الصورة: إيرين
تعد المشاورات المؤدية للقمة العالمية للعمل الإنساني فرصة للعاملين في مجال الإغاثة لاستخدام جميع مصطلحاتهم المفضلة. 

ولكن هل سيؤدي محفل الكلام إلى تغيير ذي معنى؟ 

كيف ستتم ترجمة الكلام إلى عمل؟ 

هذا هو السر العظيم. يحفل ملخص المشاورات الأخيرة التي عقدت في بودابست بأفعال غير ملزمة مثل "ننظر في"، "نعزز"، "نشجع"، "ندعم" و "نهدف إلى"- التي لا تكاد تشير إلى تغير جذري في النظام وتحد سياسي. وعلى الرغم من أن التقارير النهائية الخاصة بكل حدث تحتوي على المزيد من التفاصيل، إلا أنها لا تزال مغلفة بالمصطلحات المتخصصة ويلفها الغموض.

وأوضح مايك نويز، رئيس قسم الاستجابة الإنسانية وتعزيز القدرة على الصمود في منظمة "أكشن آيد" (ActionAid) في المملكة المتحدة، مشيراً إلى المشاورات التي عقدت في بودابست: "لقد كانت هناك الكثير من الآراء حول ضرورة إعطاء المنظمات المحلية دوراً أقوى، وحول ضرورة وقف عملية السحق التي يتعرضون لها من قبل النظام، وحول 'انجاز المهام بطريقة مختلفة'، ولكن الأمر الذي لم يكن واضحاً هو ما نعنيه حقاً بـعبارة 'انجاز الأمور بشكل مختلف'؟". 

من جهته، قال مايك بنروز، المدير التنفيذي لمنظمة العمل لمكافحة الجوع (ACF)، الذي حضر أيضاً الاجتماع الأوروبي، أن المنظمات غير الحكومية قلقة بشأن كيفية إجراء المناقشة الهادفة وتطبيق ما يطلق عليه "الفلترة السياسية" بشكل مسبق.

وأكد بقوله: "ينبغي أن نتحلى بالشجاعة وأن نطرح الأسئلة الصعبة...وإذا لم نفعل هذا، وإذا قمنا بفلترة كل شيء مسبقاً وطرحنا أسئلة بسيطة وعادية، فستكون الاستنتاجات التي سنتوصل إليها عادية وسيكون فشل النظام خطأنا. ولكن إذا طرحنا أسئلة صعبة حقاً على زعماء العالم، واختاروا أن يتجاهلوها، فإن الخطأ سيكون خطأهم".

ما مدى الحرية وشمولية التمثيل التي تمتعت بها العملية حقاً؟

أعرب الكثير من الناس عن خيبة أملهم إزاء ما وصفوه بتمثيل "أقل من المتوقع" للمجتمعات المحلية المتضررة من الأزمات والأطراف الفاعلة في المجتمع المدني. كما كان هناك أيضاً تذمر في أوساط المنظمات غير الحكومية العاملة في منطقة الشرق الأوسط حول اختيار التمثيل في الاجتماع الإقليمي.

وفي هذا الصدد، قال كلاوس سورنسن، المدير العام للمكتب الإنساني للجماعة الأوروبية، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "ستكون هناك دائماً أسئلة حول من هو موجود ومن هو غير موجود، ولكن هناك نظاماً يمكن الناس من إيصال آرائهم عبر الإنترنت وهناك آلية لإدارة المدخلات التي نتلقاها من المشاركين عن بُعد، لذا يمكن القول أن هذه العملية على وجه التحديد، مقارنة بالعمليات الأخرى، تعتبر شاملة". وأضاف أن "الأمانة بذلت جهداً حقيقياً لجعل هذا النهج تصاعدياً من القاعدة إلى القمة".

وحول هذه الانتقادات، قالت جميلة محمود: "لا يمكننا أن نحضر 1,000 شخص من المتضررين في الاجتماع، وعلى أية حال هذه ليست هي الطريقة التي يريدونها في التشاور معهم". وأضافت أن المنظمات غير الحكومية كانت تعقد مجموعات نقاش متوازية بغية جمع آراء وملاحظات المجتمعات المحلية. 

ما هي الملاحظات العامة على هذه العملية؟ 

إجمالاً، هناك بعض الساخرين الذين يعتبرون القمة العالمية للعمل الإنساني "مجرد كلام ووعود غير صادقة حول التغيير"، بيد أن معظم الناس يشعرون بأنه ليس لديهم أي خيار سوى أن يبذلوا قصارى جهدهم لضمان نجاح القمة، على الأقل في بعض الجوانب. ويعترف هؤلاء بأن المنظومة الإنسانية تواجه صعوبات لدعم عبء العمل العالمي المتنامي ويأملون أن يقود النقاش إلى تغيير في الاتجاه الصحيح، حتى لو كان من غير المرجح أن يؤدي إلى تغيير جذري.

وقال بنوي أن "الجميع يتساءلون ماذا ستكون النتيجة... من غير المرجح أن تسفر عن تغيير جذري، ولكن أعتقد أن هناك إمكانية لتحقيق تغيير جيد". 

من ناحية أخرى، تسلم جميلة محمود بحجم التحدي، حيث قالت: "نحن نحتاج إلى إدارة التوقعات...لا أنظر إلى القمة كنقطة النهاية. بل أعتقد أن القمة ستمهد الطريق لتحديد المجالات الرئيسية التي تتطلب أن نحدث تحولاً فيها".

وأضافت أن القمة لا يمكن أن تمثل كل شيء لكل الناس. "لن نستطيع أن نجعل الجميع سعداء وأعتقد أننا يجب أن نتعايش مع هذا. لكن إذا كان ذلك سيؤدي إلى نتائج أفضل للناس الذين تضرروا بسبب الصراع أو الكوارث وأصبحت حياتهم المستقبلية غير واضحة المعالم، وساهمت في إحداث ولو فارق صغير في حياة هؤلاء، فإنني سأكون سعيدة بذلك".

وفيما أشاد نويز "بالرغبة في الاستماع والاستعداد للتعلم من التجربة"، لكنه حذر من أنه أياً كانت الأمور التي سيتم الاتفاق عليها في نهاية المطاف في قمة اسطنبول فسوف تكون مرهونة بالحصول على الموافقة السياسية وبالتنفيذ أيضاً. "خاصة إذا كان هناك اقتراح بإجراء تغيير هائل في المنظومة، حيث ستكون هذه العملية صعبة وسوف تستغرق وقتاً،" كما أضاف.

والجدير بالذكر أن المشاورات الإقليمية القادمة، التي تركز على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ستعقد في الأردن في الفترة ما من 3 إلى 5 مارس.

* لمزيد من المعلومات التفصيلية بشأن الموضوعات التي يتم مناقشتها، يرجى زيارة موقع القمة العالمية للعمل الإنساني.