هل يمكن أن تكون الشريعة الإسلامية الحل بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني؟



النقاط الرئيسية
 يجري في الوقت الراهن تنفيذ الكثير من الأعمال الإنسانية في البلدان ذات الغالبيةالمسلمة حيث يرجع بعض المقاتلين إلى الشريعة الإسلامية، من بين مصادر أخرى، لتوجيه سلوكهم العسكري.
ونتيجة لذلك، كثفت وكالات المعونة والمناصرة محاولاتها خلال العقد الماضي لفهم الشريعة الإسلامية كي تستخدم أحكامها الإنسانية كأداة للتفاوض مع الجماعات المسلحة في العالم الإسلامي.

ويعد هذا الأمر مفيداً بشكل خاص في إشراك الجماعات الإسلامية المسلحة التي يرفض بعضها القانون الدولي الإنساني.
وتحاول بعض المنظمات الإنسانية توضيح بعض النقاط والحجج لتتمكن من الوصول إلى المدنيين أو حمايتهم ضمن السياق الديني، وتستعين في ذلك أحياناً بالعلماء ورجال الدين أو بعض الشخصيات الدينية الأخرى كحلقة وصل بينها وبين الجماعات الإسلامية المسلحة. ويحاول البعض الآخر، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تسليط الضوء على الروابط بين القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية من خلال توجيه الدعوات لعلماء الدين لمناقشة وجهات نظرهم في المؤتمرات.

وقد كتبت المنظمة في 2006 أنه "من أجل مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، لاسيما التأثير المتزايد للدين على السياسة، وعلى النزاع والحياة اليومية، كثفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من حواراتها مع المفكرين والأكاديميين والعلماء في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي. وكان الهدف هو وضع الأسس لمزيد من الفهم المتبادل، وتبديد المفاهيم الخاطئة وإيجاد أرضية مشتركة لحماية كرامة الإنسان أثناء النزاعات المسلحة".

وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال رونالد أوفتيرينجير، الخبير في الشريعة الإسلامية ومستشار مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن "هذه المبادرة هي للمشاركة في الحوار والبحث عن السمات المشتركة وتعد بمثابة تدريب على التغلب على المفاهيم الخاطئة من جميع الجوانب، وخلق فهم مشترك، ولكنها بالفعل تتحدث في معظم الأحيان بشكل ملموس عن كيفية تحسين إمكانية الوصول إلى الضحايا، وأنشطة الحماية، وأنشطة مساعدة ضحايا النزاعات المسلحة".

ولكن يظل هذا النهج في معظم الأحوال جهداً خاصاً بالقطاع الإنساني. وبالرغم من تحقيقه لبعض النجاحات إلا أنه يثير أيضاً بعض المعضلات الأخلاقية.

فوائد استخدام الشريعة الاسلامية
في عام 2006 كتبت ناز مديرزاده، رئيسة مشروع مكافحة الإرهاب والمشاركة الإنسانية في كلية هارفارد للحقوق، مقالاً يحاول إثبات أن حركة حقوق الإنسان الدولية فشلت في التعامل بشكل ملائم مع الشريعة الإسلامية. وقد حثت المنظمات غير الحكومية الدولية على وضع "نظرية جديدة للتعامل مع الشريعة الإسلامية".

وجادلت مديرزاده بأن الوضع الراهن خاطر بإجبار المسلمين على الانحياز إما لجانب حقوق الإنسان أو لجانب الدين، مضيفة أنه "مهما كانت الجاذبية الفعلية لحقوق الإنسان الدولية فإنه من غير المرجح أن يتم تفضيلها في النهاية".

 أخبريني بآيات من القرآن يمكنني أن استخدمها إذا ما تعرضت للخطف

ويبدو أن منظمة هيومان رايتس ووتش سمعت في عام 2007 دعوة مديرزاده وأصبحت المنظمة واحدة من أولى المنظمات الدولية الكبرى لحقوق الإنسان التي تستخدم المبادئ الإسلامية كإطار لدعوتها.

 فبالإضافة إلى استخدام حجج حقوق الإنسان التقليدية قامت المنظمة باستخدام مبررات من القرآن لكي تتحدى رفض مصر لإعطاء أتباع الديانة البهائية بطاقات اثبات شخصية على أساس أنهم مرتدين. (حكمت المحاكم المصرية في النهاية بأنه يحق للبهائيين الحصول على بطاقات اثبات الهوية المصرية).

ولكن هذا النهج استخدم من قبل الرواد العاملين في المجال الإنساني قبل ذلك بوقت طويل. فعلى سبيل المثال، قام بعض عمال الإغاثة- الذين تفاوضوا على الدخول إلى أفغانستان في ظل حكم طالبان قبل الغزو الأمريكي عام 2001- بالتفاوض باستخدام مفهوم الأمان في الإسلام أو ما يعرف بالمرور الآمن. وقد قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتواصل أولاً مع المعاهد الإسلامية في باكستان في نهاية التسعينيات عندما كانت طالبان في السلطة في أفغانستان. 

وفي الآونة الأخيرة عندما قامت حركة طالبان بمنع إحدى وكالات الإغاثة من استخدام موظفات في عيادتهم الطبية في جنوب أفغانستان، ردت الوكالة مستشهدة بعدة أشياء من بينها أهمية المرأة في القرآن. 

وقالت أشلي جاكسون التي قضت عامين تدرس التعامل مع المجموعات المسلحة في أفغانستان والصومال والسودان لصالح المجموعة السياسية الإنسانية التابعة لمعهد التنمية الخارجية أن "بعض الوكالات التي تعمل في ظل ظروف مماثلة قامت بحزم أمتعتها وغادرت. ولكن في تلك الأمثلة حين كان الناس مصرين على موقفهم واستخدموا الإسلام على الأقل كأحد أركان حججهم، نجحوا في نهاية الأمر".

وطبقاً لما ذكرته مديرزاده، فإن "استخدام اللغة المحلية" ليس بالشيء الجديد ولكن وكالات الإغاثة كانت في البداية وإلى حد ما مترددة في استخدام هذا النهج بطريقة مكثفة. 

ولكن بعض وكالات الإغاثة تبحث الآن في توظيف خبراء في الشريعة الإسلامية بين موظفيها، فعلي سبيل المثال يوجد لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر فريق صغير في جنيف مخصص لهذا الغرض علاوة على شبكة من الممثلين الذين يتمتعون بالمعرفة بتلك المسألة. كما تقوم وكالات أخرى بالاستفادة من الجهود المتجددة بين العلماء المسلمين لإحياء الفقه الإسلامي عن طريق ترجمة النصوص المكتوبة باللغة العربية الفصحى إلى اللغة الانجليزية. وقد بدأت الجامعات في مبادرات بحثية حول الإسلام والقانون الدولي الإنساني. 

وقالت مديرزاده أن "بعض تلك المبادرات كان مفيداً" مستشهدة بصحفي قال لها مرة: "أخبريني بآيات من القرآن يمكنني أن استخدمها إذا ما تعرضت للخطف".

وتعد كل من أفغانستان وباكستان والسودان وجنوب السودان والصومال وسوريا من أخطر الدول بالنسبة لعمال الإغاثة في الوقت الراهن.

وقالت جاكسون أن "أكثر بيئات العمل تقلباً هي الدول ذات الغالبية المسلمة، وأن هناك حاجة إلى كسب قبول أكبر في تلك البلدان. فالكثير من الناس يتطلعون إلى الثقافة والقيم المحلية لكي ينؤوا بأنفسهم عن التصورات السلبية للغرب". وقد أصبح ذلك مهماً بصورة خاصة في الفترة التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي يطلق عليها "الحرب العالمية على الإرهاب".

ولكن زيادة الأمن بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني في العالم الإسلامي هو واحد فقط من الفوائد المتصورة. أما الفوائد الأخرى فهي الاستفادة من حوار أكثر انفتاحاً حول المعايير الإنسانية عبر الثقافات وإدراك الجماعات المسلحة بأن القانون الدولي الإنساني متأصل في المعايير الإسلامية وتحقيق المزيد من النجاح في عمليات الإغاثة على الأرض. 

وقالت مديرزاده أن "الفهم الأكبر للشريعة الإسلامية أو حتى التعامل المباشر مع الشريعة الإسلامية قد يزيد من قدرة المنظمات الإنسانية على التفاوض من أجل الوصول إلى السكان أو زيادة فاعلية مشاريعهم".

قيود هذا النهج

ولكن استخدام الشريعة الإسلامية كأداة للتفاوض مع المسلحين يبقى بصورة كبيرة جهداً خجولاً بسبب العديد من المخاوف التي يطرحها هذا النهج بين العاملين الدوليين في الإغاثة حول العمليات والموارد ناهيك عن المبادئ والفاعلية.

وقد حذرت مديرزاده في مقال في عام 2012 في المجلة الأوروبية للقانون الدولي من أنه "للأسف حتى الآن على الأقل فإن النصوص القانونية لا تعمل على تفعيل نتائج معينة في العالم الإسلامي". 


هذا يمكن أن ينجح على المستوى التكتيكي....
 لكن بمجرد أن نبدأ النقاش فإننا نكون قد قبلنا بشكل أساسي بأن القانون الدولي الإنساني ليس كافياً في حد ذاته
وأحد العوائق التي دائماً ما يتم الإشارة إليها هي جهل المقاتلين أنفسهم بالقواعد الإسلامية للحرب. 

وقالت جاكسون أنها أدركت القيود المفروضة على استخدام الشريعة الإسلامية في التعامل مع الجماعات المسلحة عندما تحدثت مع أحد رجال الدين المحليين في أفغانستان الذي أخبرها "بأنهم يعتقدون بأنهم يقاتلون من أجل الإسلام. لكن إسلامهم غير مبني على دراية بالقرآن. فهم لا يستطيعون القراءة ولم يقرؤوا القرآن أبداً. فكيف لك أن تناقش هذه المبادئ معهم؟".

وقال أحد خبراء القانون الدولي الإنساني وهو فلسطيني قام بتدريب الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط لسنوات أن العديد من المقاتلين في سوريا هم حديثو العهد بالإسلام. وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قال: "إنهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام ماعدا ما يقال لهم.... [فمقاتلو الجيش السوري الحر] يحكون لي عن مغامراتهم الجامحة في شارع الحمرا وسط مدينة بيروت".

وعلى هذا النحو، قال الخبير أن العديد منهم يتصرف بناء على تفسيرات خاطئة للقرآن. فأثناء تدريب المقاتلين على القانون الدولي الإنساني يقوم بتذكيرهم بأن الشريعة الإسلامية تذهب إلى ما أبعد من القانون الدولي الإنساني في الحماية التي توفرها للمدنيين. كما يقول لهم: "لو أنكم تتبعون الشريعة الإسلامية بشكل صحيح فسوف تلبون متطلبات القانون الدولي الإنساني". كما يرى أنهم قد توصلوا إلى نتيجة مفادها أنهم لا يعرفون حتى الشريعة الإسلامية.

وبالنسبة لفرانسواز بوشيه سولنيه، المديرة القانونية لمنظمة أطباء بلا حدود، فإن مظاهر معينة من الدين تبدو واضحة، حيث قالت: "لا يوجد في القرآن ما يجيز أو يطلب انتهاك القوانين الطبية أو المبادئ الإنسانية".

وعندما يقوم المقاتلون باستخدام الحجج الدينية لتبرير انتهاكات المبادئ الإنسانية فإننا "نجلس مع الناس ونناقش معهم الحجج المضادة. وفي حالة عدم الاتفاق يمكننا أيضاً أن نعرض قضيتنا للحصول على المشورة القانونية المناسبة من المحاكم الشرعية. وهذا ما فعلناه في شمال سوريا".

وقالت أن منظمة أطباء بلا حدود قد تفاوضت في مسألة احترام مشافيها في المناطق التي يسيطر عليها الإسلاميون في شمال سوريا ودخلت في جدال في عدد من القضايا المتعلقة بعلاج الجرحى مع المجموعات الإسلامية المسلحة والمحاكم الشرعية حيث أشارت خلالها إلى المبادئ الإنسانية جنباً إلى جنب مع التوجيه القرآني بالرحمة والرعاية للضعفاء. 

معضلات أخلاقية

ولكن منظمة أطباء بلا حدود حريصة على عدم الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك. فمثل المنظمات الأخرى، يوجد لديها قلق من مخاطر الانخراط في نقاش قانوني مفصل جداً حول الشريعة الإسلامية أو قانون آخر أو كما وصف أحد عمال الإغاثة الدخول في نقاش مع "تفسيرات غير محدودة" والقيام "بعمل منفرد على الساحة". 

وقال أحد عمال الإغاثة الدوليين في بلد مسلم طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية عمله: "يمكنك أن تجد بعض التقارب إذا نظرت في النصوص الصحيحة وقمت باقتباس النصوص الأكثر تحرراً بين المراجع، ولكن يمكنك أن تجد الكثير من النصوص التي لا تتفق مع القانون الدولي الإنساني. فمن نكون نحن لنقول للمسلمين كيف يمكن تفسير تلك النصوص؟"



وقالت مديرزاده التي توجه المشورة لمنظمات الإغاثة بشأن قضايا القانون الدولي الإنساني ومكافحة الإرهاب أن "هناك قلقاً حقيقياً بالنسبة للعديد من المنظمات... من أنه إذا تم فتح هذا الباب مرة واحدة فلن يتمكنوا من إغلاقه ثانية"، مضيفة أن "هذا جزء معقد من القانون يمكن بسهولة لمنظمتك أن تنزلق فيه وتدخل في نقاش لا تريد أن تدخل فيه".

فعلى سبيل المثال، هل استخدام الشريعة الإسلامية في النقاش والجدال يعني قبول منظمات الإغاثة بكل ما تقوله الشريعة، وهو ما يشمل على سبيل المثال جواز قتل سجناء الحرب؟ ونظراً لأن كل مجموعة لديها تفسيرها الخاص للشريعة الإسلامية فهل يمكن لمنظمات الإغاثة أن تجيز عن غير قصد تفسيراً إضافياً للإسلام؟ وإذا قبلت تلك المنظمات الشريعة الإسلامية فلماذا لا تقبل بالتقاليد المحلية؟ هل هو منحدر زلق؟ والأهم من ذلك هل ستنتقص من عالمية القانون الدولي الإنساني؟ وهذا السؤال الأخير "يسبب التوتر للناس على مستوى الإدارة والمقر الرئيسي في تلك المنظمات" بحسب قول مديرزاده.

وطبقاً لما ذكره أوفتيرينجير، الخبير في الشريعة الإسلامية ومستشار مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن حقيقة أن العديد من عمال الإغاثة الدوليين مازالوا يشعرون بعدم الراحة في التعامل مع القضايا الدينية قد يكون حاجزاً نفسياً أو ايديولوجياً إضافياً لابد من التغلب عليه. 

وقال أيضاً أنه "لو أردنا القيام بأعمال إنسانية في هذه السياقات الحرجة فعلينا تجاوز المناهج المعتادة والطريقة التي نرى بها الأشياء وعلينا أن نتعلم رؤية الأشياء بعيون الآخرين وعلى هذا الأساس نقوم بوضع قواسم مشتركة قائمة على المبادئ الأساسية للمبادئ الإنسانية دون انحراف عنها".

ولكن بالنسبة للآخرين فإن هذا النهج محفوف بالمخاطر من الناحية الأخلاقية والاستراتيجية. 

وأضاف عامل الإغاثة الدولي أنه "يمكنك أن تجد أي شيء تريده في المفاهيم الدينية، فإذا قبلت أن القانون يجب أن يكون قائماً على وحي إلهي فلابد أن تتوخى الحذر في أفعالك. وهذا يمكن أن ينجح على المستوى التكتيكي.... لكن بمجرد أن نبدأ النقاش فإننا نكون قد قبلنا بشكل أساسي بأن القانون الدولي الإنساني ليس كافياً في حد ذاته". 

وقد واجهت منظمة أطباء بلا حدود هذه المعضلات عندما طلب منها المشاركة في تطبيق العقاب البدني في شمال مالي. فبموجب الشريعة الإسلامية، تكون عقوبة السرقة قطع يد السارق. وعندما طلب من منظمة أطباء بلا حدود تطهير الجرح وتوفير سيارة اسعاف رفضت منظمة أطباء بلا حدود القيام بذلك ووافقت فقط على علاج الشخص المصاب بمجرد دخوله إلى المستشفى.

أفضل الاستراتيجيات

وبدلاً من الاستشهاد بآيات محددة من القرآن يقترح الخبراء قبول المفاهيم والمبادئ الإسلامية العريضة والإشارة إلى مبدأ عام في القانون الدولي الإنساني - على سبيل المثال عدم مهاجمة المدنيين وإضافة أن هذا المبدأ يتماشى أيضاً مع الشريعة الإسلامية أو المبادئ الموجودة في القرآن الكريم. 

كما يقترحون الانخراط مع القيادات الدينية على المستوى الأدنى مثل أئمة صلاة الجمعة والمستشارين الدينيين للمجالس القبلية ومن قد يكون منفتحاً على التفسيرات المختلفة للشريعة الإسلامية مثل مجالس الفتوى وشورى العلماء (المشاورات بين فقهاء القانون). وبدلاً من محاولة تحديد ما تقوله الشريعة يوصون بالإشارة إلى رجال القانون الذين قاموا بالفعل بتفسيرها.

ولكن أوفتيرينجير حذر من أن الجماعات قد لا تنجح في استخدام هذا النهج إذا تم النظر إليها على أنها غير محايدة. 

والنهج الآخر هو مساعدة المقاتلين في العالم الإسلامي على الشعور بملكيتهم للقانون الدولي الإنساني.

ويشرح دليل منظمة أطباء بلا حدود الخاص بالقانون الإنساني- الذي تمت ترجمته إلى العربية ويشمل قسم عن الشريعة الإسلامية- للموظفين الميدانيين أن المبادئ الإنسانية لديها جذور في المبادئ الدينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو غيرها. 

وقال أحد عمال الإغاثة في أفغانستان أن الرسالة التي يحاول إرسالها هي أن "القانون الدولي الإنساني ليس مختلفاً وليس شيئاً جديداً".

وفي مؤشر على النجاح وبعد الحوار مع نداء جنيف واللجنة الدولية للصليب الأحمر على التوالي قامت منظمة التحرير المتحدة باتاني في جنوب تايلاند وجبهة تحرير مورو الإسلامية في جنوب الفلبين، وهما حركتان قوميتان، بنشر القوانين الأخلاقية لقواتهما والتي استشهدت فيها بالقانون الدولي الإنساني والتعاليم الإسلامية المماثلة ذات الصلة بكل مبدأ. 




وفي مثال آخر، عندما سيطرت المجموعات المتمردة الإسلامية على شمال مالي في عام 2011 وهو ما أدى إلى تقييد وصول العديد من وكالات الإغاثة إلى المدنيين، كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد أقامت بالفعل علاقة مع العلماء المسلمين هناك وخاصة المجلس الإسلامي الأعلى. ومن خلال ذلك الحوار، ناقش الطرفان إمكانية الوصول إلى المدنيين وقضايا الحماية والأخلاق الإنسانية واستطاعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر العمل مع المجلس في مرات عديدة كوسيط بين اللجنة والجماعات المسلحة. وفي نهاية المطاف، أصدر المجلس بياناً حدد فيه موقفه من قواعد المشاركة في الجهاد وتطبيق الشريعة الإسلامية. وطبقاً لما ذكره أوفترينجر فقد نجح ذلك في التأثير على سلوك المتمردين. 

وفي تصريح لشبكة الإغاثة الإنسانية (إيرين)، قال أوفتيرينجير: "هذا الحوار يتعلق برحلة مشتركة يواجه فيها الطرفان- العاملون في المجال الإنساني وعلماء الدين تحديات معينة ومن خلال الحوار يتم تحديد الوسائل لكيفية التعامل مع تلك التحديات".

من الذي يتم تثقيفه؟ الشيوخ أم المتمردون أم المجتمع المدني؟

ولكن من المهم أيضاً فهم من الذي تتعامل معه. وقال الخبير الفلسطيني في القانون الدولي الإنساني أن "بعض الناس عندما يدرسون الإسلام يفعلون ذلك بطريقة فسلفية جداً وهو ما يعقد الأمور. يمكنك القيام بذلك مع العلماء والشيوخ ولكن لا يمكنك القيام بذلك مع الرجال الموجودين في الميدان". 

وقامت كل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة أطباء بلا حدود بتنظيم مؤتمرات حول الإسلام والقانون الدولي الإنساني في اسلام آباد وصنعاء وفاس والاسكندرية والمدن الأخرى ذات الغالبية المسلمة حيث قاموا بتعريف العلماء من بلدان مثل السودان وبنجلاديش والسعودية وماليزيا بالقانون الدولي الإنساني ودعوا العلماء لتبادل آرائهم حول فهمهم للمعايير الإنسانية في الإسلام.

وقال أحد عمال الإغاثة في أفغانستان الذي قام بتنظيم تلك الندوات هناك: "إن الأمر لا يتعلق بالشريعة الإسلامية ولكننا نتبادل الآراء حول مفهوم القانون الدولي الإنساني. فعادة ما يقول العلماء المسلمون أن الأمر متشابه ولا يوجد الكثير من الفرق... وعندما يعودون إلى ديارهم يتحدثون عن هذا الموضوع في خطب الجمعة".

وخلال الفترة من 2005 وحتى 2009 حاولت منظمة هيومان رايتس ووتش على نحو مشابه أن تخلق موجة من الدعم لحماية المدنيين في الشارع في الشرق الأوسط من خلال مبادرة حماية المدنيين التي أشركت فيها نشطاء المجتمع المدني في المناقشات حول الحصانة الإنسانية من خلال تسليط الضوء على القواسم المشتركة بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني. 

وقال جو ستروك نائب مدير منظمة هيومان رايتس ووتش للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مقال كتبه عام 2010 أنه "في عملية تعزيز احترام المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني وآليات المساءلة الفعالة في المجتمعات العربية، هناك دور واضح لأشخاص قادرين على التعبير عن تلك المبادئ بلغة سوف تقنع المسلمين الآخرين ويشمل ذلك الإسلاميين والقوميين الذين يستخدمون التعابير الإسلامية والمراجع الفقهية بشكل أساسي. والعنصر الأساسي في كل من الأخلاق الإسلامية والقانون الدولي الإنساني هو فهم أنه في الحرب هناك حدود للوسائل والطرق التي يمكن للأطراف المتحاربة أن تستخدمها". وقد واصل حديثة بالإشارة إلى عناصر التقاليد الإسلامية التي تحظر الغدر والتشويه وتحدد فئات العدو التي يعطيها الإسلام حصانة من الهجوم عليها ويشمل ذلك الأطفال والنساء والعبيد والأعرج والضرير. 

ولكن استهداف المفكرين الإسلاميين أو حتى أفراد المجتمع المدني له حدود أيضاً. 
وقال الخبير الفلسطيني في القانون الدولي الإنساني أن "هؤلاء العلماء لا يحملون السلاح وهم يستطيعون إعطاءك فتوى ولكنهم ليسوا من يدير المشهد هذه الأيام". 

قواعد مقابل قواعد

ولكن في نهاية الأمر من المهم عدم المبالغة في التأكيد على الدور الذي تلعبه الشريعة الإسلامية في السيطرة على سلوك المقاتلين الإسلاميين. ففي العديد من الأمثلة يكون بيت القصيد هو النفوذ والسلطة وليس الضوابط المرتبطة بالقوانين الأخلاقية والمثل الدينية. 

وقال جيمس كوكاين الذي درس التعامل مع الجماعات المسلحة كباحث في معهد السلام الدولي قبل أن يعمل مع جامعة الأمم المتحدة في نيويورك أنه "حتى اليوم تعتمد مواقف الجماعات المسلحة من القانون الدولي الإنساني على ما إذا كانوا يرون أن المعايير داخل هذا النظام تعزز حكمهم وتعتمد بدرجة أقل على ما إذا كان السلوك محل النقاش محظور في الإسلام". 

ففي سوريا يقوم الجهاديون الذين يتبنون وجهات نظر ايديولوجية متشابهة إلى حد كبير بقتال بعضهم البعض من أجل السيطرة على الأرض. والبعض منهم أصبح أكثر اعتدالاً عندما أدركوا أن تجاوزاتهم جاءت بنتيجة عكسية. 

وطبقاً لما ذكرته أكاديمية جنيف للقانون الدولي وحقوق الإنسان فإن هذا يجعل المفاوضات مع الجماعات الإسلامية المسلحة في وضع صعب. فالتفسيرات المختلفة في الإسلام تجعل الحصول على نهج قانوني إسلامي صرف أمراً صعباً في حين من غير المرجح أن يسود النهج الذي يحض على القانون الدولي الإنساني بمفرده. 

وكتبت الأكاديمية في بيان سياسي موجز في يناير 2014 أنه عندما تقوم الجماعات المسلحة "بتأكيد سيادة القانون الإلهي على القانون الإنساني، يكون من الصعب إقناع تلك الجماعات بتغيير سلوكها من خلال النقاشات الايدولوجية أو بمجرد التأكيد على مرجعية القانون الدولي الإنساني"، ولكن البيان أشار أيضاً إلى أن تلك الجماعات ليست بمنأى عن ضغط الرأي العام. 



[ لا يعكس هذا التقرير بالضرورة وجهة نظر نشطاء بلاحدود ]