الاستجابة المحلية: تنامي الأعمال الخيرية في الجنوب



نيويورك, 14 أبريل 2014 (إيرين)
دعونا من بيل غيتس وأوبرا وينفري. فلقد أصبح لدى الاقتصادات الناشئة أيضاً عمالقة محليين في مجال العمل الخيري. وأصبحت هذه الشخصيات توفر مصدر دخل من المحتمل أن يكون أفضل وأكثر واستدامة للاحتياجات الإنسانية والتنموية المحلية. 

وفي هذا الصدد، ذكرت جيني هودجسون، المديرة التنفيذية للصندوق العالمي للمؤسسات المجتمعية، أن ظهور طبقة جديدة من الأفراد الأثرياء في العديد من الدول النامية قد أدى إلى "نمو سريع للمؤسسات الخاصة والعائلية في العديد من الأسواق الناشئة." 
لم يعد تنامي العمل الخيري يقتصر على الاقتصادات الجديدة القوية فقط، بل أصبح شائعاً في أوساط نخبة عالمية في دول أفريقية لا تزال فقيرة نسبياً. 

يرجى الاطلاع على : قائمة أكبر 10 متبرعين للأعمال الخيرية في أفريقيا. 

تعتقد هودجسون أن تزايد الشخصيات الرأسمالية الخيرية على المستوى المحلي لا يعزى إلى تراجع تدفقات المعونة من الشمال إلى الجنوب فقط، ولكن يأتي أيضاً نتيجة لإدراك أوجه القصور في نموذج التنمية السائد، "الذي يتسم بالتعامل مع كل قضية بمعزل عن الأخرى، وآفاق المشاريع قصيرة المدى، والمساءلة أمام الجهات المانحة الخارجية فقط." وترى أنه ينبغي على المبادرات الممولة محلياً "أن تتبع نهجا أكثر شمولية وأطول مدى وأكثر مرونة بما يسهم في تعزيز قدرة المجتمع على الصمود والتماسك الاجتماعي." 

ولا شك أن الانخراط مع المحسنين المحليين يمثل منحنى تعليمياً حاداً لكل من المنظمات غير الحكومية والمحسنين أنفسهم. ففي حين أن المنظمات غير الحكومية معتادة على "لغة المانحين" التكنوقراطية وإجراءات الإبلاغ البيروقراطية المرهقة التي يطلبها الممولون في الخارج، نجد أن المتبرعين للأعمال الخيرية يستخدمون لغة الأعمال ويفضلون "الحلول التجارية عند التعامل مع أي مشكلة"، كما أفادت هودجسون. 

ويرى دوغان فريزر، منسق مبادرة العدالة الاجتماعية في جنوب أفريقيا، أن هناك تحد آخر يتمثل في أن كل متبرع للأعمال الخيرية يعمل بشكل مختلف، ويتعين على المنظمات غير الحكومية أن تعتاد على أسلوب كل فرد وطبائعه الشخصية. 

وأضاف فريزر أن منظمات المجتمع المدني في جنوب أفريقيا تدرك على نحو متزايد مزايا العمل مع المحسنين المحليين، فالأمر لا يقتصر على مجرد أن هناك عدد أقل من الإجراءات البيروقراطية والتقارير المرهقة. وقال: "من الأفضل أن يكون لديك شخص محلي يُقدر ويتفهم السياق المحلي ويعرف الجهات المحلية الفاعلة. وهذا من شأنه أن يجعل البرامج أكثر ارتباطاً بالدينامية الوطنية." 

في السياق ذاته، تضيف هودجسون أنه في ضوء الشكوك السائدة لدى الحكومات والمجتمعات المحلية إزاء الأجندات الخفية أو المفروضة من قبل الجهات المانحة الأجنبية، تتمتع البرامج الممولة محلياً في الغالب بقدر أكبر من المصداقية والدعم المحلي. 

حذر المحسنين المحليين بشأن تمويل برامج حقوق الإنسان 

على الجانب الآخر، يشكو البعض من أن المحسنين المحليين ليسوا مستعدين دائماً لتمويل البرامج "الحساسة سياسياً" المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي قد يُنظر إليها بعين الشك والريبة من قبل الحكومات ومُحدثي الثراء. وفي هذا الصدد، تعتقد لوسيا نادر، مديرة منظمة كونيكتاس غير الحكومية البرازيلية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، أن العمل الخيري في البرازيل لا يواكب المكانة الدولية البارزة التي تتمتع بها الدولة في المجالين السياسي والاقتصادي. 

وذكرت في مقالة نشرت مؤخراً على موقع Opendemocracy.net أنه على الرغم من أن البرازيليين لديهم تاريخ طويل من العطاء للجمعيات الخيرية، إلا أنه على سبيل المثال "لا يوجد عمل خيري منظم ومستدام لدعم جماعات حقوق الإنسان الراسخة والمتخصصة." ولم تستغل هذه الثروة من قبل المنظمات، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها لم تكن بحاجة إليها حتى الآن. 

لكن نادر تشير أيضاً إلى وجود تصور لدى العامة، في دولة يصل معدل جرائم القتل بها إلى 50,000 حالة سنوياً، بأن جماعات حقوق الإنسان العاملة في مجال إصلاح نظام العدالة، على سبيل المثال، تساهم في تمكين المجرمين. وتضيف لوسيا نادر: "ولكن هذا الأمر بدأ يتغير الآن لأن الجيل الجديد يفهم ما نتحدث عنه. وهناك إحساس متزايد بأن الدولة سوف تنفجر من الداخل إذا لم نبدأ الحديث عن هذه القضايا التي تتعلق بحقوق الإنسان." 

ويرى فريزر أن المحسنين المحليين في جنوب أفريقيا كانت تقدم مساعدات سخية على الدوام في الماضي، لكنها كانت تميل أيضاً للابتعاد عن القضايا السياسية الواضحة مثل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، مفضلين توجيه أموالهم إلى مجالات "أكثر أماناً" مثل التعليم والصحة والبيئة. 

ويشير فريزر إلى وجود توجه جديد، حيث بدأت بعض المؤسسات الخيرية المحلية، مثل صندوق الألفية ومؤسسة بيرثا، تتحرك لملء الفراغ: "لقد بدأت تدرك أن الحكومة تخفق في كثير من المجالات، وأن هناك أعمال لم تنجز في عملية التحول، وأنه ينبغي على المجتمع المدني أن يلعب دورا كبيرا في هذا الصدد." 

في أعقاب فيضان عام 2012، الذي كان أسوأ فيضان تشهده نيجيريا منذ عقود، أنشأت الحكومة لجنة برئاسة أحد أقطاب الصناعة ويدعى أليكو دانغوتي، وقدمت شركات القطاع الخاص تبرعات ضخمة لمساعدة حوالي 7 مليون شخص. وقد حددت اللجنة الرئاسية المعنية بالإغاثة من الفيضان وإعادة التأهيل لنفسها هدفاً لنفسها يتمثل في جمع نحو 640 مليون دولار لأعمال إعادة الإعمار وإعادة التأهيل الفورية والطويلة الأجل. ويشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أن اللجنة نجحت خلال حفل عشاء واحد لجمع التبرعات في جمع 70 مليون دولار ، بيد أنه لا تتوفر سوى تفاصيل محدودة عن كيفية صرف تلك المبالغ. 

وفي سياق متصل، تقول ماجا داروالا، المديرة التنفيذية لمبادرة الكومنولث لحقوق الإنسان، على الرغم من أن الهند لديها تاريخ طويل من العمل الخيري، إلا أن "فكرة دعم حقوق الإنسان، أو دعني أقول منظمات الحريات المدنية، ليست مغرية بالنسبة للجهات الممولة أو المؤسسات الخيرية المحلية." ويمكن تمويل قضايا مثل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحماية النساء والأطفال من العنف طالما تم ذلك تحت مسمى تحسين أحوال الضحايا، وليس تمكينهم من "الانتفاض للمطالبة بحقوقهم." 

ربما يكون هناك شعور سائد بين الأثرياء في الأسواق الناشئة يلقي باللائمة على الفقراء لفقرهم، كما أفادت هودجسون، مضيفة أن "هناك فلسفة قائمة على مقولة 'لقد ساعدت نفسي بنفسي، فلماذا لا يمكنك القيام بذلك أيضاً؟'" 

الاستفادة من الأثرياء في الدول النامية 
دفع نمو الأعمال الخيرية المحلية في الأسواق الناشئة منظمة هيومن رايتس ووتش إلى توسيع نموذجها القائم على الاستفادة من أصحاب الدخول المرتفعة في الدول المتقدمة عن طريق طلب التبرعات من الأثرياء في الدول النامية أيضاً. وقالت إليزابيث سولينغ، مديرة مكتب التنسيق المعني بالمؤسسات والبرامج في منظمة هيومن رايتس ووتش: "من المهم بالنسبة لنا أن لا يأتي مانحونا من دول أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية فقط." 

يرجى الاطلاع على: تنامي الأعمال الخيرية الأفريقية  

تعمل منظمة هيومان رايتس ووتش على جمع التبرعات في جنوب أفريقيا والبرازيل والهند لأنها تريد، من بين أمور أخرى، أن "يتم دعم أعمالها من قبل أناس في دول لها صوت عالمي مؤثر." وقالت سولينغ أن المنظمة واجهت تحديات مختلفة في كل دولة: "بدءاً من القوانين التي تحد من قدرتنا على جمع الأموال محلياً إلى اختلاف التقاليد المتعلقة بالأعمال الخيرية." 

وأضافت قائلة: "لقد صادفنا مجتمعات يقدم فيها الناس تبرعات للمبادرات المحلية وليس الدولية، وفي مجتمعات أخرى وجدنا الناس يفضلون تمويل خدمات مباشرة بدلاً من الدعوة إلى ضمان تقديم تلك الخدمات دون تمييز. وفي بعض المجتمعات نجد الناس يقدمون تبرعات سخية في شكل مواد غذائية أو ملابس، ولكن لا يقدمون عطايا نقدية." 

وترى هودجسون أن هناك ثمة تحول في المنظور السائد، من نهج تنموي قائم على القضايا إلى نهج قائم على الاحتياجات المجتمعية الشاملة، ويولي تركيزاً أقل على احتياجات الجهات المانحة وتركيزاً أكبر على العديد من الاحتياجات المتشابكة التي تعبر عنها المجتمعات المحلية نفسها. 

تنامي عدد المؤسسات المجتمعية 

من هذا المنظور، يمكن ملاحظة أن التوجه نحو العمل الخيري المجتمعي - الذي يشير إلى الأعمال الخيرية التي تستخدم الموارد والأصول المحلية، ليس فقط من المانحين المحليين الأثرياء، ولكن من المجتمعات المحلية نفسها، وفي نفس الوقت يسهم في تطوير المجتمع المدني - يتزايد بسرعة في الدول النامية. ويشير تقرير "العمل الخيري العالمي للاتصالات"، إلى أن عدد المؤسسات المجتمعية قد ازداد بنسبة 86 بالمائة في الفترة من عام 2000 إلى 2010، وأن الجهات المانحة المحلية تستثمر في شتى مجالات تنمية المجتمع المحلي. 

يرجى الاطلاع على: العمل الخيري بين الماضي والحاضر: النهل من تقاليد العطاء

في كينيا، شيدت منظمة تدعي جمعية ماكوتانو لتنمية المجتمع عدداً من السدود والآبار وطورت أراض زراعية من خلال تمكين السكان المقيمين من إدارة الأنشطة التنموية الخاصة بهم. 

ومن جانبها، تعتقد هودجسون أن المؤسسات الخيرية في المجتمع "عادة ما يتم تجاهلها باعتبارها هامشية وغير استراتيجية من قبل قطاع التنمية الرسمي"، في حين أنها في الواقع قيّمة للغاية - ليس فقط كاستراتيجية للتمويل، ولكن لأن "نتائج التنمية تكون أكثر ديمومة عندما يستثمر الناس في التنمية الخاصة بهم."