نقص التمويل يهدد الاستجابة الإنسانية في محافظة الأنبار العراقية



                    الصورة: روزي ثومبسون/مؤسسة إنقاذ الطفولة
    يعيش هذا الصبي الصغير من الأنبار الآن مع عائلته في مستودع قديم في كردستان
                                     
دبي, 12 أبريل 2014 (إيرين)
تحذر وكالات الاغاثة من أن نقص التمويل يهدد عمليات الإغاثة في محافظة الأنبار المضطربة في العراق، حيث أدت الاشتباكات العنيفة إلى نزوح أكثر من 400,000 شخص في غضون ثلاثة أشهر.

وأشارت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في تقرير أصدرته يوم 3 أبريل إلى أن "وكالات الأمم المتحدة تحذر الآن من أنها ما لم تحصل على مساهمات مالية إضافية كبيرة، فقد تضطر إلى وقف العمليات في غضون شهر واحد في بعض الحالات".

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال تيتون ميترا، الذي يرأس مكتب التنسيق المتكامل للتنمية والشؤون الإنسانية في بعثة يونامي، أن ذلك يعتبر "مصدر قلق جدي جداً وحقيقي".

وبحسب الإحصاء الأخير، الذي أُجري في 2 أبريل، فرت 71,184 أسرة من منازلها بسبب القتال الذي اندلع في شهر يناير الماضي بين قوات الأمن العراقية، ومتمردين إسلاميين وغيرهم من الجماعات المتشددة. وذكرت مديرية الصحة في الأنبار في 30 مارس أن 156 شخصاً قتلوا وأصيب 741 آخرين.

وقد أطلقت الأمم المتحدة في شهر مارس نداءً طارئاً لجمع 103 مليون دولار لشراء المواد الغذائية والطبية ولوازم المأوى والمياه والصرف الصحي للنازحين داخلياً الذين من المتوقع أن يصل عددهم إلى 240,000 شخص.

ولكن في حين ارتفع عدد النازحين منذ إطلاق النداء، لم يتم جمع سوى 9 ملايين دولار لتمويل خطة الاستجابة الاستراتيجية حتى 3 أبريل. ويحذر رؤساء وكالات الإغاثة من أنه إذا لم يصل المزيد من المال قريباً، فقد يضطرون إلى إيقاف بعض عملياتهم.

"قلقون للغاية"

"نحن جميعاً قلقون للغاية بشأن وضعنا التمويلي، وخصوصاً بسبب تنامي الاحتياجات بسرعة كبيرة،" كما أوضحت جين بيرس، ممثلة برنامج الأغذية العالمي في العراق.

وأضافت قائلة: "في الوقت الراهن لدي مخزون يكفي حتى شهر يونيو، ولكن بعد ذلك، لن يكون لدي شيء ما لم تصل أموال جديدة"، مضيفة أنها قد استنفدت بالفعل كافة الآليات الداخلية للحصول على تمويل إضافي من داخل برنامج الأغذية العالمي.

وقالت في حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "الآن ليس بوسعي سوى الاعتماد على أن تبادر الجهات المانحة بتقديم العون، وأرجو كذلك أن تنضم الحكومة إلى طاولة المفاوضات. لقد تحدثنا إليهم حول هذا الموضوع".

وعلى الرغم من سرعة وحجم النزوح من الأنبار، إلا أن هذه الأزمة لم تحظ بكثير من الاهتمام من جانب المجتمع الدولي، الذي يركز على الحرب في سوريا وعلى الانتخابات المقبلة في العراق المقرر إجراؤها في 30 أبريل.

ومن الجدير بالذكر أن عشرات المنظمات غير الحكومية الدولية تعمل في الإقليم الكردي شبه المستقل في شمال البلاد، الذي يستضيف 220,000 لاجئ سوري، ولكن لا تشارك سوى حفنة منها في الاستجابة لأزمة الأنبار، على الرغم من أن عدد المحتاجين هناك يكاد يكون ضعف عدد اللاجئين السوريين.

ويرجع ذلك جزئياً إلى الحالة الأمنية غير المستقرة في الأنبار، مما يجعل وصول عمال الإغاثة إلى المنطقة محفوفاً بمخاطر جمة؛ حيث تتعرض بعض أجزاء من الفلوجة والرمادي لقصف عنيف، كما تقع الفلوجة تحت الحصار منذ عدة أشهر. وفي حين أن المساعدات تصل بكميات قليلة، لا تستطيع فرق الأمم المتحدة الوصول إلى المناطق المتضررة مباشرة، وتضطر بدلاً من ذلك إلى العمل مع الهلال الأحمر العراقي والمنظمات غير الحكومية المحلية الأخرى لإيصال المساعدات إلى هناك.

مع ذلك، يبقى التمويل المشكلة الأساسية، نظراً لتوجيه قدر أكبر بكثير من الأموال للاستجابة للأزمة السورية.

أزمة منسية

وقالت تينا يو، المدير القطري لمنظمة إنقاذ الطفولة في العراق، والتي تدعم النازحين من الأنبار في ثلاث مدن كردية هي شقلاوة وجمجمال وكلار: "تستحوذ أزمة سوريا، التي دخلت الآن عامها الرابع، على الكثير من اهتمام المجتمع الدولي، على الرغم من [أنها] نفسها تعاني من نقص في التمويل".



                                                                          الصورة:روزي ثومبسون/مؤسسة إنقاذ الطفولة
النزوح يؤدي إلى تفاقم احتياجات الأسر الضعيفة

وأخبرت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "ضخامة الأزمة السورية تتطلب أكثر من ذلك، في الواقع، ولكن هذا لا ينبغي أن يؤدي إلى إهمال أزمات أخرى. ونظراً لعدم اليقين بشأن المدة التي سوف تستغرقها هذه الأزمة [في الأنبار]، نشعر بالقلق إزاء قدرتنا على الاستمرار في الاستجابة ما لم تتم إتاحة المزيد من التمويل".

ودعا المجلس الدنماركي للاجئين (DRC) أيضاً لمزيد من الدعم من قبل المجتمع الدولي وناشد "طرفي النزاع" لضمان وصول المساعدة الإنسانية إلى السكان الأكثر ضعفاً، والتي انقطعت في بعض الحالات بسبب القتال.

من جانبه، كتب مايكل بيتس، المدير القطري للمجلس الدنماركي للاجئين في العراق، في إحدى المدونات أن "المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية والأمم المتحدة تبذل كل ما في وسعها، ولكن بشكل عام، يبقى التمويل محدوداً للغاية والاستجابة الإنسانية بطيئة والاحتياجات آخذة في التزايد".

وأضاف قائلاً: "نحن ندعو مجتمع المانحين والشركاء الدوليين للنظر إلى النزوح من الأنبار باعتباره ضرورة إنسانية أخرى تحتاج إلى اهتمام عاجل".

تحت الرادار

وفي الشهر الماضي، أعلنت المفوضية الأوروبية أنها ستزيد مساعداتها الإنسانية إلى العراق في عام 2014 بمقدار 3 ملايين يورو (4.1 مليون دولار) بسبب النزوح في محافظة الأنبار، ولكن لا يتم توجيه هذه الأموال من خلال النداء الطارئ.

وقالت كريستالينا جورجيفا، المفوضة الأوروبية للتعاون الدولي والمساعدات الإنسانية والاستجابة للأزمات، خلال حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) على هامش معرض ومؤتمر دبي الدولي للإغاثة والتطوير (ديهاد) الشهر الماضي، أن زيارتها إلى العراق قبل ذلك بعشرة أيام "أنارت الطريق".

بعض نتائج تقييم المنظمة الدولية للهجرة:
يتناثر ما يقرب من ثلثي الأسر النازحة في مواقع عديدة داخل محافظة الأنبار، بينما فر الباقون إلى محافظات أخرى.

تقل أعمار 40 بالمائة من النازحين عن 15 عاماً؛ و64 بالمائة منهم تحت سن 25 عاماً.

من بين ما يربو على 500 موقع للنازحين تم تقييمها في جميع أنحاء البلاد، كان 87 بالمائة منها موطناً لبعض الأسر على الأقل التي لم يكن لديها ما يكفي من المال لشراء الغذاء ومواد الإغاثة الأساسية.

يأوي أكثر من ثلثي تلك المواقع أشخاصاً لا يملكون مجموعة ثانية كاملة من الملابس.

يقيم أكثر من نصف النازحين المسجلين داخل الأنبار مع عائلات مضيفة، ولكن أكثر من خُمسهم ينامون في المدارس والمباني المهجورة أو الأماكن العامة.

خارج المحافظة، يعيش الناس إما في مساكن الأسر المضيفة أو موتيلات أو في منازل مستأجرة، وأحياناً تقيم خمس عائلات في مسكن واحد بغرض خفض النفقات.

في محافظة صلاح الدين، وهي المحافظة التي تستضيف ثاني أكبر عدد من النازحين من محافظة الأنبار بعد بغداد، يقيم 44 بالمائة من 7,140 أسرة في خيام داخل المباني العامة.

في كركوك، تعيش أكثر من 500 أسرة في مستوطنات غير رسمية.

"ما أدركناه هو وجود 370,000 نازح داخلياً تحت شاشة الرادار، نتيجة لاشتداد حدة القتال في الأنبار، مقارنة بنحو 220,000 لاجئ سوري كانوا هم الغرض الأساسي لرحلتنا في بداية الأمر،" كما أفادت.

في السياق نفسه، أصدرت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) هذا الأسبوع التقييم الأول من عدة تقييمات مفصلة من المخطط إجراؤها حول النازحين من محافظة الأنبار في مصفوفة تتبع النزوح الخاصة بها.

وتسلط المنظمة الضوء في تلك المصفوفة على بعض الظروف المعيشية للنازحين داخلياً - لا يملك بعضهم سوى مجموعة واحدة فقط من الملابس، وينامون في مبان مهجورة، وليس لديهم ما يكفي من المال لشراء الطعام.

"وبينما تتعرض قدرة المجتمعات المضيفة لضغوط متزايدة، يصبح المأوى مصدر قلق متزايد،" كما أشار التقرير، الذي يستند إلى بيانات تم جمعها خلال شهر مارس من 397,104 نازحاً. "وكانت احتياجات المأوى الأكثر إلحاحاً في المواقع التي تم تقييمها هي الأموال اللازمة لدفع تكاليف الإيجار والسكن بشكل عام".

من ينبغي أن يدفع؟

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، بدأت الجهات المانحة تبتعد عن العراق شيئاً فشيئاً. وشملت العوامل المؤدية إلى ذلك الأزمة المالية العالمية، وانسحاب القوات الامريكية في عام 2011، والأزمة المتفاقمة في سوريا المجاورة. ولكن الأهم من ذلك، أن الجهات المانحة شعرت بالاحباط بسبب عدم تحقيق تقدم بعد عقود من مشاريع إعادة الإعمار والتنمية، وشعرت بأن مليارات الدولارات التي يحصل عليها العراق من عائدات النفط تعني أنه قادر على تغطية نفقاته بنفسه.

لكن بعض المراقبين يقولون أن الحكومة العراقية لا تزال تفتقر إلى القدرة على صرف أموالها بشكل صحيح. ويشكك آخرون في درجة تسييس تقديم المساعدات وحتى الخدمات الأساسية من قبل الحكومة.

وفي وقت سابق من هذا العام، اقترحت الحكومة العراقية تخصيص 4 مليارات دولار لإعادة الإعمار في الأنبار، وقالت أنها ستمنح كل أسرة نازحة مسجلة من الأنبار 250 دولاراً شهرياً نقداً.

ولكن حتى الآن، كان البدء في تنفيذ هذه الخطة بطيئاً، وفقاً لتقرير يونامي، الذي استشهد بإحصاءات وزارة الهجرة والمهجرين، التي تشير إلى أن 9,867 أسرة فقط تلقت مساعدات نقدية - أي أقل من أسرة واحدة من كل سبعة.

"قد خصصت الحكومة مبلغاً ضخماً من المال لمساعدة النازحين، ولكننا لا نعتقد أن التوزيع كان سريعاً أو فعالاً بما فيه الكفاية،" كما أكد مارزيو بابيل، ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في العراق.

وأضاف قائلاً: "تلقى موظفو مكتبي تقارير عن أناس لا يغيرون ملابسهم لأكثر من شهر ونصف لأنهم لا يملكون أي مبالغ مالية. يجب التعجيل بهذه التحويلات النقدية في كل مكان لجميع الأسر، وذلك لضمان التوزيع العادل للمال".

انتشار عدم الاستقرار
وقد اندلعت أعمال العنف في الأنبار في نهاية عام 2013 بعد أشهر من تصاعد التوتر بين الأغلبية السنية وقوات الأمن التي يقودها الشيعة.

وقد تفاقم الوضع بعد تدخل مسلحين من جماعة جهادية تسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الذين يقاتلون عبر الحدود في سوريا.