جوهانسبرج, 12 أبريل 2014 (إيرين)
يمكن لنشر الأقمار الصناعية وغيرها من التقنيات الجديدة المساعدة في توقع تفشي الأمراض ومنحنا مزيداً من الوقت لإعداد استراتيجيات للتصدي لها، وفقاً للاقتراح الوارد في تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، والذي يستشهد بأمثلة عن كيفية استخدام معلومات الطقس في المعركة ضد مسببات الأمراض القاتلة.ويقول التقرير أن نظام الإنذار المبكر في بوتسوانا الذي يعتمد على بيانات الأمطار يمكنه توقع تفشي الملاريا قبل حدوثه بمدة تصل إلى أربعة أشهر، إذ أن تفشي مرض الملاريا يرتبط بوجود اختلافات بين سنوية وموسمية. وفي سنغافورة، يستطيع نموذج قائم على الطقس التنبؤ بتفشي حمى الضنك قبل 13 شهراً من وصول الوباء إلى ذروته، مما يمنح السلطات الوقت الكافي لاتخاذ المزيد من التدابير للسيطرة على المرض.
وتجدر الإشارة إلى أن تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يركز على آثار تغير المناخ والتكيف معه والضعف الناجم عنه.
ويقول علماء وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أنه من الممكن التنبؤ بتفشي أمراض مثل فيروس إيبولا. وقد وجدوا أن تفشي المرض يتزامن مع فترة جفاف شديد يليها موسم مفاجئ رطب للغاية. ويمكن استخدام بيانات الأقمار الصناعية الخاصة بنمط الطقس المؤدي إلى انتشار الإيبولا كإنذار مبكر لتفشي المرض في المستقبل، كما يقولون.
ولكن ديارميد كامبل لندرم، أحد المؤلفين الرئيسيين للفصل المتعلق بصحة الإنسان في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يقول أن بحث ناسا ليس مدرجاً في التقرير، وليس هناك أي دليل قائم على الملاحظة يشير إلى أن تغير المناخ يؤدي إلى زيادة خطر تفشي الإيبولا. ولكن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن "الطرق الأحدث، مثل استخدام صور الأقمار الصناعية، تعطينا وقتاً أطول للاستعداد للظروف المناسبة لانتقال العدوى. وحينئذ يمكننا أن نقلل الكثير من المخاطر الصحية الناجمة عن تغير المناخ".
وكامبل لندرم، الذي يشغل أيضاً منصب قائد فريق الصحة وتغير المناخ في قسم الصحة العامة والبيئة في منظمة الصحة العالمية، يرحب بجهود الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لتسليط الضوء على صحة الإنسان في تقريرها الجديد.
وتعتبر المخاطر الصحية المباشرة والواضحة المرتبطة بتغير المناخ، مثل ارتفاع عدد حالات حمى الضنك والملاريا والكوليرا والإسهال، راسخة، ولكن على الحكومات الآن أن تفكر بشكل غير تقليدي، كما يقول العلماء، لأنه قد يكون لأي تأثير على صحة الإنسان آثار بعيدة المدى.
مفاهيم جديدة
وتظهر مصطلحات جديدة في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. ففي سياق الصحة، يدرس "التكيف الانتقالي" التركيز الذي يتجاوز المشاكل الحالية خلال محاولة التكيف، ليصل إلى النظر في الكيفية التي يمكن بها تغيير الأعباء الصحية وتأثير تغير المناخ على التدخلات القائمة. ويسلط التقرير الضوء على المثال المتعلق بالحفاظ على معايير سلامة الأغذية في ظل ارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار الغزيرة. وهذا سيتطلب تفاعلاً أفضل بين صحة الإنسان والسلطات البيطرية، ومراقبة الأمراض التي تنقلها الأغذية، والموارد اللازمة للكشف عن مسببات الأمراض والملوثات في الأغذية.
الطرق الأحدث، مثل استخدام صور الأقمار الصناعية، تعطينا وقتاً أطول للاستعداد للظروف المناسبة لانتقال العدوى
ويتضمن "التكيف التراكمي" تحسين خدمات الصحة العامة والرعاية الصحية للنتائج المرتبطة بالمناخ، مثل إدخال برامج التطعيم ضد فيروس الروتا في الولايات المتحدة، "وهو مسبب أمراض شائع وحساس لتغير المناخ"، والتي ساعدت على تأخير الحالات والحد منها بشكل كبير.ويقول كامبل لندرم أن تغير المناخ له عواقب بعيدة المدى على كل جانب من جوانب الحياة - الغذاء والماء والهواء والحكم. ولم يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على الصحة والتعليم وإنتاج الغذاء والطاقة والمياه فحسب، بل إن جميع هذه القطاعات وغيرها قد أثرت على بعضها البعض. وينبغي على البرامج الصحية أن تدرك هذه الآثار المشتركة بين القطاعات.
إحصاءات مثيرة للقلق
وتوضح الأرقام المثيرة للقلق الواردة في دراسة جديدة لمنظمة الصحة العالمية أن سبعة ملايين شخص لقوا حتفهم في عام 2012 بسبب تلوث الهواء. كما تبين دراسة أخرى لمنظمة الصحة العالمية استشهد بها تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الملوثات التي تغير المناخ تكلف العالم 1.9 تريليون دولار سنوياً، إذا أخذنا في الاعتبار الأموال التي يتم إنفاقها على التدخلات الصحية. وأظهرت الدراسات وجود علاقة بين تلوث الهواء وأمراض القلب والسرطان، بالإضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي، مثل الربو.
ويبين تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن تلوث الأوزون في ازدياد أيضاً، مما يشكل خطراً كبيراً على معدل الوفيات بين البشر. ومن الجدير بالذكر أن الأوزون هو غاز يحمي الأرض من الأشعة الضارة عندما يتواجد فى الطبقات العليا من الغلاف الجوي، ولكنه ضار عندما يكون قريباً منا. كما أن وجود المزيد من غازات الاحترار، مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2) والميثان، يعني تكوين المزيد من الأوزون. وإذا تمت السيطرة على مستويات ثاني أكسيد الكربون، فسيصبح من الممكن إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح في جنوب آسيا، وفقاً لدراسة استشهدت بها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
"إن التركيز على التكيف أمر هام، ولكننا لا نريد أن نعطي انطباعاً بأننا نستطيع حل كافة المشاكل عن طريق التكيف. إننا بالفعل بحاجة إلى خفض الانبعاثات، وإلا فإن الأضرار البيئية والمخاطر الصحية الناجمة عنها ستتجاوز قدرتنا على التكيف،" حسبما أفاد كامبل لندرم. ومن هنا جاءت الحاجة إلى أن يقول المهنيون الصحيون كلمتهم بشأن القضايا المتعلقة بوسائل النقل العامة أو الطاقة.
وفي هذا الصد، يحاول تقرير أطلس، وهو جهد تعاوني بين منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، إعداد خريطة توضح احتمال انتشار أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك في محاولة للمساعدة في الوقاية من تلك الأمراض و/ أو علاجها.
وأظهرت إحدى الدراسات التي أوردها تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنه بحلول عام 2050، سيكون أكثر من نصف سكان العالم، الذين من المتوقع أن يصل عددهم إلى 8.5 مليار نسمة في ذلك الوقت، عرضة لخطر الإصابة بالملاريا، التي تقتل حالياً ما يقرب من مليون شخص سنوياً.
وفي سياق متصل، تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن معدل الإصابة بحمى الضنك ازداد 30 ضعفاً في السنوات الـ50 الماضية. وتبين المراجعة الشاملة للبحث أن مساحة كوكب الأرض المعرضة لخطر حمى الضنك سوف تزيد في معظم سيناريوهات تغير المناخ. وبعد ما يزيد قليلاً عن عقدين من الزمن، سترتفع معدلات الإصابة بالإسهال أيضاً بنسبة تتراوح بين 8 و11 بالمائة في المناطق المدارية وشبه المدارية، وفقاً للهيئة.