أحمد عمر اسحاق، مهاجر صومالي: "لم أتصور مطلقاً أن ينتهي بي الحال في البحر" .

الصورة: إيرين
المسار الذي سلكه أحمد عمر اسحاق من الصومال إلى مالطا


جوهانسبرج, 13 نوفمبر 2013 (إيرين)
فرّ أحمد عمر اسحاق، 31 عاماً، من الصراع الدائر في الصومال في يناير 2012، وكان هدفه هو مجرد الانتقال إلى مكان آمن، لكنه اكتشف أن تحقيق هذا الهدف أصعب مما يتصور. فعلى مدار الـ 16 شهراً الماضية، قطع نحو 5,000 كيلومتر بواسطة الشاحنات والحافلات والقوارب بل حتى الاختباء في صندوق إحدى السيارات، وتكبد في سبيل ذلك الاعتقال، والضرب وتطقعت به السبل في الصحراء الكبرى.
 جاء ذلك في حديث له مع شبكة (إيرين) عبر الهاتف من مالطا، حيث قال:
"أنا من مدينة مقديشو وقد غادرت البلاد للكثير من الأسباب - منها غياب الأمن والقتال القبلي. في البداية، أردت فقط أن أذهب إلى أقرب بلد رغبة في التمتع بالأمان، فانتقلت إلى كينيا حيث أقمت في نيروبي لمدة شهرين، ولكن دون أي أوراق أو وثائق رسمية، ولذلك لم أستطع أن أفعل أي شيء. لم أتمكن من الاستمرار هكذا، وكنت أخشى أن تعتقلني الشرطة الكينية. ولذلك ذهبت إلى الحدود الأوغندية بواسطة الشاحنات ومن هناك ذهبت إلى كمبالا حيث مكثت لشهر واحد. ولكن الحياة كانت صعبة جداً هناك لأنني لم أكن أعرف أي شخص ليقدم لي يد العون. أخبرني أحدهم أن أجرب الذهاب إلى ليبيا لسهولة التوجه لأوروبا من هناك.
عبور الصحراء
عبرت إلى جنوب السودان واستقللت حافلة إلى جوبا، ومن هناك توجهت في قارب أعلى نهر النيل صوب الحدود مع السودان، ثم ركبت حافلة إلى الخرطوم. وبدأت عندها رحلتي لعبور الصحراء الكبرى. دفعت 360 دولاراً وكان هناك 80 صومالياً يتزاحمون داخل 12 سيارة لاند كروزر تسافر في قافلة لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال. نفد منا الماء، وكانت الشمس حارقة. وفي الصحراء، أقمنا لمدة ثلاثة أسابيع لدى مهرب كبير يعمل بين البلدين [السودان وليبيا]. أخبرني المهرب أن أتصل بوالدي وأن أطلب 800 دولار. بعدها مرضت وأوشكت على الموت تقريباً. كنا 200 شخص هناك، توفي منهم خمسة. وبعون الله، تعرفت على رجل صالح بيننا، رفيق صومالي أعطاني 200 دولار من نقوده ليدفع لي.
جئنا من هناك إلى ليبيا مع المهربين، ولكن قبل أن نصل إلى منطقة الكفرة [قرب الحدود الجنوبية الشرقية لليبيا]، التقينا بالميليشيات. ألقوا القبض على المهربين وتركونا هناك في وسط الصحراء. كنا 99 فرداً، ومكثنا هناك لمدة 24 ساعة من دون ماء أو طعام أو ظل قبل أن ترجع الميليشيات مرة أخرى إلينا. قاموا بوضعنا في شاحنة واصطحابنا إلى الكفرة. وهناك أودعونا السجن لمدة أربعة أشهر حيث تعرضنا للضرب يوماً بعد يوم.
وفي يوم ما، أخبرتهم أنني أرغب في الذهاب إلى المرحاض. كانت البوابة الرئيسية مفتوحة ولم يكن هناك حارس في ذلك الوقت، فتمكن أربعة منا من الهروب. لم نكن نعرف إلى أين نهرب، فذهبنا فقط إلى المدينة واختبأنا في مبنى تحت الإنشاء. ثم ذهبنا إلى ناحية من المدينة حيث يعيش الأفارقة، وقد ساعدونا وقدموا لنا الطعام .
اتصلت بوالدي وأصدقائي فأرسلوا لي 500 دولار، دفعتها لأحد المهربين مقابل أن يأخذني إلى بنغازي. اصطحبني إلى الصليب الأحمر هناك حيث زودوني بغطاء ومكان للنوم. ومكثت هناك لمدة أسبوعين، وبعد ذلك أخذ المهربون مجموعة منا إلى طرابلس في سيارة خاصة. ألبسوني ملابس امرأة ليبية وطلبوا مني تغطية وجهي حتى لا تستجوبني الشرطة. وفي أحيان أخرى، كان يضعونني في صندوق السيارة.
وفي طرابلس، أوقفتني الشرطة طلباً للوثائق الرسمية، وعندما تحدثت إليهم بالإنجليزية بدلاً من العربية، ضربوني بالعصي وبمؤخرة بندقية واستولوا على بعض المال مني وأمروني بالذهاب. وفي المرة التالية التي استوقفوني بها، سُجنت لمدة شهرين. وأخيراً، حضر السفير الصومالي ونجح في الإفراج عنا.
عبور البحار
بعد أسبوعين، قررت أن أركب على متن قارب متجهاً إلى أوروبا. لم أكن أرغب في البقاء في ليبيا لأن الحياة هناك كانت كالجحيم. دفع الآخرون 400 أو 500 دولار للمهربين، لكنني لم أدفع لأنني لم أكن أملك المال. فأخبرتهم أنني تعلمت في المدرسة كيفية الإبحار واستخدام البوصلة فوثقوا بي. لم يكن الأمر صحيحاً، ولكن عندما كنت في طرابلس دخلت على شبكة الإنترنت وبحثت عن كيفية استخدام نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) وأي الأوضاع والإعدادات يجب أن تستخدم لذلك .
كنا 55 صومالياً في زورق مطاطي. وقد زودونا ببوصلة ونظام تحديد المواقع الجغرافية واخبرونا بالاتجاه الذي يجب أن نقصده، ثم وضعونا في البحر، وطلبوا منا المغادرة. كنا نسعى للذهاب إلى مالطا لأن البحر كبير جداً وواسع وكانت مالطا أقرب مكان يمكن الوصول إليه. وبالقرب من طرابلس بحوالي 160 كيلومتراً، بدأ الماء يتجمع بالزورق. بدأ الجميع يصرخ. أراد بعض الناس العودة إلى ليبيا، ولكنني قلت لهم أن يستمروا في إزاحة الماء خارجاً وانتظار مرور سفينة. ولكن لم يأت أحد لنجدتنا. وبعد حوالي 10 ساعات، جنح بنا الزورق خارج طرابلس، بالقرب من الحدود مع تونس. رأتنا بعض الميليشيات وسألونا من أين أتينا وإذا كنا نحاول الذهاب إلى إيطاليا. ثم ضربونا وأخذونا إلى مقر اعتقال حيث قضينا ثلاثة أسابيع. وكانت بعض النساء حوامل ويعانين من الغثيان والقيء، فشعر بعضهم بالأسف لحالنا، وقرروا أن يطلقوا سراحنا، ولكنهم حذرونا من أنهم لو رأونا في البحر مرة أخرى فسوف يقتلوننا.
وعدت إلى طرابلس مرة أخرى، وبعد مرور شهر، عثرت على مهرب آخر لديه زورق. كان علي أن أعود إلى البحر مرة أخرى. كان زورقاً مطاطياً أيضاً، ولم يكن معنا إلا البسكويت والقليل من الماء، وقد نفدوا بعد يومين فقط. فشربت بعضاً من مياه البحر لأنني كنت أشعر بعطش شديد. وبعد ثلاثة أيام وثلاث ليال في عرض البحر، وصلنا بأمان إلى أراضي مالطا.
اصطحبونا لمقر الاحتجاز في مركز مفتوح، كان مكاناً لطيفاً حيث استقبلتنا مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وقامت بتسجيلنا. طلبت الحصول على وضع لاجئ، وبعد البقاء هناك لمدة ثلاثة أشهر، حصلت على الحماية. والآن استقر في المدينة وأحصل على القليل من المال من الحكومة وأقوم ببعض أعمال الترجمة الفورية.
مالطا بلد صغير، وأنا معجب بالمكان، ولكنني أريد الانتقال إلى بلد آخر بطريقة قانونية، حتى يتسنى إعادة توطيني في بلد مثل أمريكا. فقد غادرت الصومال بسبب حركة الشباب، والكثير من المشاكل، ولكنني لو علمت أن الوضع سيكون هكذا، لما غادرت أبداً. لم أتصور مطلقاً أن ينتهي بي الحال في البحر أو أن أقطع هذه المسافة في النهاية من أجل الحصول على الحماية والفرص."