ما أهمية تحديد هويات ضحايا إعصار هايان؟


تاكلوبان/مانيلا, 8 يناير 2014 (إيرين
أكملت السلطات في مدينة تاكلوبان، عاصمة مقاطعة ليتي بوسط الفلبين، عملية دفن جماعي للجثث المجهولة الهوية التي تم استخراجها من تحت الانقاض التي خلفها إعصار هايان. وفي تقرير نُشر يوم 7 يناير، أشارت تقديرات المجلس الوطني للحد من مخاطر الكوارث وإدارتها (NDRRMC) إلى أن العاصفة ذات الفئة الخامسة أدت إلى مصرع أكثر من 6,100 شخص، وتركت 1,700 آخرين في عداد المفقودين. وكان حوالي 5,000 من الأشخاص الذين لقوا حتفهم من مقاطعة ليتي.

وفي الأيام التي تلت الإعصار مباشرة، تناثرت جثث القتلى في الشوارع، وجابت الكلاب الطرق لالتهام اللحم البشري. ولا تزال هذه الذكريات تصيب السكان بالهلع الذين أصبحوا يغطون عيونهم في رعب كلما تذكروها. ونظراً لتدمير أو تلف معظم المرافق، كافحت السلطات المحلية والناجون لتلبية الاحتياجات المعيشة في المنطقة المنكوبة. وكان طبيب نفسي يعمل في مستشفى حكومي يسير على قدميه، وعندما أصبحت الطرق ممهدة، يركب دراجة لمسافة 10 كيلومترات يومياً لمعاينة المرضى الذين تمكنوا من الوصول إلى المركز الطبي الإقليمي في فيساياس الشرقية.
وكان لزاماً ضخ مياه الأمطار إلى خارج المقابر لمنع أكياس الجثث من الطفو. وحاولت وزارتان حكوميتان اكتشاف مكان والتعامل مع متطلبات دفن عدد كبير من الجثث فاق توقعات أي شخص، كما أوضح ألفريد روموالديز رئيس بلدية تاكلوبان في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) يوم 5 يناير، أثناء دفن الجثث لليوم الثاني. وقد تم انتشال حوالي 1,400 جثة لم يطالب بها أحد في المدينة حتى الآن.
وأضاف قائلاً: "بينما كنا نتوقع العثور على 20 جثة يومياً قبل عيد الميلاد [بعد ستة أسابيع من هبوب الإعصار]، أصبحنا نجد 70 إلى 80 جثة، ومازلنا ننتشل المزيد من الجثث".
وتجدر الإشارة إلى أنه عند انتشال الجثث لأول مرة، بعد ما يقرب من أسبوع من هبوب الإعصار في بعض الأماكن، تم دفنها في مقابر جماعية بشكل عشوائي. كما تم فحص بعض الجثث وإلصاق بطاقات تعريف بها وتسجيلها، ولكن لم يتيسر عمل ذلك للبعض الآخر.
وقالت ماريا بورشا غارسيا، التي تعيش في قرية انيبونغ، على بعد 12 كيلومتراً من تاكلوبان: "رحلنا بعد خمسة أيام لأننا لم نستطع تحمل رائحة الجثث الكريهة". توفيت شقيقتها عندما اصطدمت سفينة بالمنزل الذي كانت تحتمي به، على بعد بضعة مئات من الأمتار من الشاطئ، ودُفنت في مقبرة جماعية في سان إيسيدرو، وهي قرية تقع على مشارف تاكلوبان، بعد أسبوعين من الإعصار.
رحلنا بعد خمسة أيام لأننا لم نستطع تحمل رائحة الجثث الكريهة
وكانت جثتها واحدة من مئات الجثث التي تم "تجهيزها"، كما يقول خبراء الطب الشرعي، ودفنها بشكل مؤقت في قطعة أرض مساحتها 7 هكتارات في مقبرة قريبة اشترتها الحكومة المحلية في قرية باسبر. وتشمل عملية التجهيز وضع بطاقات تعريف على الجثث وأخذ البصمات وتصوير الموتى، وجمع عينات من الحمض النووي عندما يكون ذلك ممكناً. ثم يتم تحليل المعلومات بعد جمع عينات مرجعية من أقرب الأقرباء. ويمكن أن تستغرق هذه العملية عدة شهور، اعتماداً على عدد الجثث. وسيتم إخراج الجثث في وقت لاحق لإجراء المزيد من اختبارات تحديد الهوية.
وقالت غارسيا: "لم نر جسدها عندما تم سحبها من [تحت الحطام]، ولكننا نعرف أنها دُفنت الآن، وهذا يمنحنا بعض الراحة النفسية".

الآن فقط
وتنفذ وزارة الصحة سياسة وطنية بشأن إدارة شؤون الموتى والمفقودين في حالات الطوارئ والكوارث.
ويستخدم المكتب الوطني للتحقيقات التابع لوزارة العدل الفلبينية البروتوكولات التي أعدتها وكالة الشرطة الدولية (الانتربول)، والتي تسمى تحديد هوية ضحايا الكوارث (DVI)، وتستند إلى العلوم الشرعية المستخدمة في التحقيقات الجنائية.
وبينما هرع المسؤولون الفلبينيون للاهتمام بالأحياء، فضلاً عن الموتى، زادت الانتقادات لعملية تحديد هوية الضحايا لأنها مكلفة للغاية وتستغرق وقتاً أطول مما ينبغي، بالنسبة لجموع المكلومين.
وقد عملت منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة مع ستيفن كوردنر خبير الطب الشرعي الدولي لتنفيذ طريقة مختصرة لتحديد هوية ضحايا الكوارث، أعدتها منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهي تتداخل مع أسلوب الانتربول ولكنها لا تشمل أخذ عينات الحمض النووي على الفور.
وفي هذا الصدد، أشارت جولي هول، ممثلة منظمة الصحة العالمية في الفلبين، إلى أنه "نظراً لوجود عدد كبير من الضحايا على المستوى الذي شهدناه هنا، فإنه من الصعب القيام بعملية تحديد الهوية الكاملة في الوقت المناسب، ولكن بفضل وجود هذه المعلومات [باستخدام طريقة تحديد هوية ضحايا الكوارث المختصرة]، يمكننا تحديد هوية نحو 50 بالمائة من الجثث".
وتعتمد هذه الطريقة بشكل كبير على التعرف البصري، الذي قد لا يكون دقيقاً دائماً، ولكن يمكن حل حالات الشك عن طريق أخذ عينات الحمض النووي، كما قالت هول، التي أشارت إلى استخدام أسلوبي الطب الشرعي معاً بعد إعصار هايان.
من جانبه، دافع أنطونيو فرتيدو، الرئيس التنفيذي لقسم الطب الشرعي في المكتب الوطني للتحقيقات، عن بطء الحكومة. وأكد في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أثناء اشرافه على عملية دفن جماعية مؤخراً: "لا نستطيع اختصار هذه العملية لأنها [تتبع]... [البروتوكول] الدولي. على الرغم من أننا نود أن نختصر هذه العملية - ونشعر بالإجهاد أيضاً - إلا أننا لا نستطيع عمل ذلك".
وفي سياق متصل، أوضحت هيلينا راس، رئيسة اللجنة التوجيهية لتحديد هوية ضحايا الكوارث في الانتربول أن بروتوكولات تحديد هوية ضحايا الكوارث التي تتبعها الوكالة "لا تتعلق فقط بتحديد هوية الضحايا بشكل صحيح، ولكن أيضاً بضمان اتباع الإجراءات القانونية الواجبة لدعم المتطلبات القانونية الوطنية. على سبيل المثال، مسألة شهادة الوفاة، وتجنب النزاعات المحتملة في المستقبل".

الحاجة إلى مركزية اتخاذ القرار
والمشكلة لا تتعلق فقط بالطب الشرعي، كما أشارت جانيت غارين وكيلة وزارة الصحة، خلال حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، مضيفة أن "الفلبين لديها سياسة بشأن تحديد هوية الجثث باستخدام اختبار الحمض النووي، ولكن عند وقوع كارثة من هذا النوع، نتعامل مع آلاف الجثث، وهذا أمر صعب ويستغرق وقتاً طويلاً. كما أن الناس يريدون إنهاء حالة الترقب والغموض، ولكننا اضظررنا أيضاً للتعامل مع الأسر الذين يطالبون بإجراء اختبار الحمض النووي للتحقق الإيجابي/المؤكد من هوية الموتى".
كما دعت غارين لتشكيل هيئة لصنع القرار بشأن الكوارث الطبيعية على غرار وكالة إدارة الطوارئ الاتحادية الأمريكية للمساعدة في حل مثل هذه النزاعات. وفي ديسمبر 2013، عين رئيس البلاد عضو البرلمان بانفيلو لاكسون للإشراف على الجهات الحكومية المشاركة في جهود إعادة التأهيل والتنسيق بينها، وإدارة النفقات المتعلقة بالإعصار. وقد كرر لاكسون دعوة غارين لتحقيق مركزية صنع القرار في فترة ما بعد الكوارث.


"بالنسبة للناس هنا، كما هو الحال في بلدان أخرى، تعتبر طريقة التعامل مع الجثث ودفنها مهمة جداً،" حسبما ذكرت لين جونز، مسؤولة الصحة النفسية في الفيلق الطبي الدولي، التي ساعدت في كتابة المبادئ التوجيهية للصحة العقلية الخاصة باللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC)، التي تنسق بين وكالات الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات الإنسانية الدولية، والتي كانت تتحدث من الفلبين.
وأضافت جونز أن "ما يبحث عنه الناجون هو الاعتراف بأهمية وتفرد خسارتهم. إنهم يريدون أن يشعروا بأهمية خسارتهم. والدفن يعطي أهمية لخسارة الفرد، وهذا يساعد على إنهاء حالة الترقب والغموض".