بانكوك, 17 ديسمبر 2013 (إيرين)
يقول الخبراء أن ثمة حاجة ملحة لتطوير استجابة عالمية متعددة القطاعات للأمراض الحيوانية المصدر- أي الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر - في ظل حقيقة أنها مصدر أكثر من نصف الأمراض التي تصيب البشر. وقد تحدثت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) مع مجموعة منهم للتعرف على مدى الضرر الذي يمكن أن يسببه البشر والحيوانات لبعضهم البعض، وفي نهاية المطاف كيف يمكن لكل منهم أن يسهم في إنقاذ الآخر.
وفي هذا الإطار، قالت لورا خان، الطبيبة والباحثة في جامعة برنستون في الولايات المتحدة أن "إهمال صحة الحيوانات والنظم الإيكولوجية يجعلنا نفشل في إدراك أن صحة الإنسان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالصحة الحيوانية والنظام الإيكولوجي. وقد شاركت خان في تأسيس مشروع تحت عنوان "مبادرة صحة واحدة"، الذي يربط صحة الإنسان بصحة الحيوانات والنظام الإيكولوجي.
ويحذر الخبراء من أنه في ظل وجود ما يقرب من نصف نحو 1,000 نوع من مسببات الأمراض في المواشي والحيوانات التي يُحتفظ بها كحيوانات أليفة التي يمكنها الانتقال إلى البشر، فلا شك أن سوء صحة الحيوانات يزيد من مخاطر اعتلال الصحة لدى البشر.
وقد أفاد المعهد الدولي لبحوث الماشية ومقره نيروبي في عام 2012 أن الأمراض الحيوانية المعروفة تتسبب في حدوث نحو 2.3 مليار حالة من الأمراض و 1.7 مليون من الوفيات البشرية سنوياً.
ولكن هناك فيروسات غير معروفة، يصل عددها إلى نحو 320,000 على الأقل، وذلك وفقاً لتقديرات سيمون أنتوني والباحثين المشاركين في دراسة نشرت في عام 2013.
ويرى العلماء أن منع واحتواء الأمراض الحيوانية المنشأ يتطلب أنظمة مراقبة صحية معززة للإنسان والحيوان، وتعزيز سلامة الأغذية، والحفاظ على التنوع البيولوجي- وعلى القدر ذاته من الصعوبة، إن لم يكن أكثر - تعاوناً بين علماء الأحياء والأطباء البيطريين والأطباء البشريين.
عالم متطور ومخاطر متغيرة
ويعزى جزء كبير من الأمراض الحيوانية المنشأ (حوالي 70 بالمائة يأتي من الحياة البرية) بشكل مباشر إلى أفعال البشر التي غيرت إلى حد كبير من البيئات الحيوانية، الأمر الذي يؤدي إلى تناقص قدرة الحيوانات على الصمود في مواجهة العدوى وزيادة خطر إصابة البشر بالأمراض.
وفي حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال يي جوان، وهو طبيب وأخصائي فيروسات في هونج كونج، كان أول من تتبع أثر تفشي متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد المعروفة بـاسم (سارس) في أسواق الدواجن الحيّة في شرق الصين في عام 2003: "لقد أدت التغييرات في نظم الزراعة والتسويق إلى زيادة العوامل الممرضة الموجودة في المجتمع على نحو لم يتعرض له البشر من قبل".
ومن المتوقع أن يتجاوز عدد سكان العالم 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050، مما سيؤدي إلى المزيد من الضغوط على الموارد البيئية والنظم الغذائية. وتُقدر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أنه بحلول ذلك الوقت، سوف يزداد الاستهلاك العالمي من اللحوم للشخص الواحد بنسبة 27 بالمائة (وسيحدث معظم هذا النمو في الصين والبرازيل).
وقال فريد أونجر، عالم الطب البيطري لدى المعهد الدولي لبحوث الماشية أن "التمدين [مرتبط] بتكثيف النظم الحيوانية [في المدن]، ما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض الحيوانية المصدر".
وتفيد تقديرات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إلى أنه منذ فترة الستينات وحتى عام 2010، ونتيجة للتمدين، لاسيما في الدول النامية، فقد تضاعف الاستهلاك العالمي من الحليب، في حين تضاعف استهلاك اللحوم بنحو ثلاث أضعاف والبيض بنحو خمسة أضعاف.
وقال يي أن كل مدينة في شرق الصين تستضيف في الوقت الحالي ما لا يقل عن اثني عشر تاجراً يبيعون أنواعاً مختلفة من الدواجن الحيّة في الأسواق المفتوحة. وقد تسببت الطيور القادمة من مناطق مختلفة من الصين إلى الأسواق الحضرية إلى تفشي السارس وإنفلونزا الطيور H1N1 وسلالة جديدة من انفلونزا الطيور تم تشخيصها مؤخراً تعرف باسم H7N9.
وأضاف يي أن "هناك آثاراً وعواقب مباشرة للتغييرات التي طرأت على نظم الزراعة والتسويق...وهذه توفر أيضاً مزيداً من فرص التفاعل بين البشر والحيوانات".
وعلى الرغم من أن هناك فوائد صحية لنقل الثروة الحيوانية إلى المدن والأحياء الفقيرة، فإن هناك أيضاً مسببات أمراض تتكاثر في الظروف المادية غير الصحية التي يتم فيها تربية الحيوانات، مما يزيد من فرص تعرض البشر لتلك العوامل الممرضة.
مع ذلك، فليس البشر فقط هم الذين ينظرون بحذر للحيوانات، فهناك أيضاً ما يبرر للحيوانات أن تنظر بعين الريبة تجاهنا.
انخفاض مناعة الحيوانات
وقالت كايا تومباك، مساعد برامج في جمعية الحفاظ على الحياة البرية في كندا، أن توسيع عمليات التصنيع مثل الصناعات الاستخراجية، كثيراً ما يقود لإنشاء مخيمات للعمال في الغابات البكر، ما يؤدي بدوره إلى تعريض الحياة البرية للبشر للمرة الأولى".
وقالت تومباك أن "زيادة الإزعاج البشري وفقدان الموئل يسبب مستويات مرتفعة من الإجهاد للعديد من الحيوانات. وهذا يقلل من مناعة [الحيوانات] ويجعل الأمراض أكثر انتشاراً".
ويقول علماء الأحياء أن فقدان الموائل الناجم عن التنمية هو عامل مساهم آخر في انتشار الأمراض الحيوانية المصدر.
وقد ظهر فيروس نيباه - وهو مرض قاتل ذو أعراض تنفسية يمكن أن تصيب الدماغ- في أواخر التسعينات في ماليزيا، عندما دمر السكان أجزاءً ضخمة من الغابات الاستوائية، الموئل الطبيعي لخفافيش الفاكهة، من أجل بناء مزارع للخنازير وزراعة بساتين الفاكهة.
ويعتقد الباحثون أنه مع اقتراب الخفافيش، التي تحمل هذا الفيروس، إلى مزارع الخنازير المكتظة بالسكان للمرة الأولى، تسببت في إصابة عدد من الخنازير، ومن ثم انتقل الفيروس إلى البشر.
وقد توفى، في المتوسط، نحو 75 بالمائة من المصابين.
مع ذلك، قالت تومباك أنه يمكن منع انتشار العدوى في هذه الحالات. واقترحت أن يتم تثبيت حواجز وقائية في مخيمات الصناعات الاستخراجية التي يتم إنشاؤها في الغابات للحيلولة دون وصول الخفافيش إلى الداخل، وتطبيق ممارسات جيدة للتخلص من النفايات حتى لا يتم جذب الحيوانات البرية إلى المخيمات.
وحتى عندما لا يخشى البشر والحيوانات من بعضهم الآخر، فهناك عدو مشترك محتمل-إنه ارتفاع درجة الحرارة.
وأشار إدوارد ألين، وهو عالم أبحاث في معهد لاوس للطاقة المتجددة، في مدينة فيينتيان عاصمة جمهورية لاوس، إلى أنه حتى انخفاض وارتفاع درجة الحرارة المعتدلة في نطاق 10 درجات مئوية يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الوفيات في كلتا المجموعتين.
وتفيد منظمة الأغذية والزراعة إلى أن هذه التغيرات في درجات الحرارة تقتل آلاف الحيوانات سنوياً، ويمكن أن تضر بالخصوبة وإنتاج الحليب في الحيوانات الباقية - ما يؤثر بدوره على التغذية البشرية.
عقبات
وتشير مجلة "ذا لانسيت" الطبية البريطانية إلى أنه على الرغم من وجود برامج لمراقبة الأمراض في نحو نصف مساحة سطح الأرض، إلا أن معظم البرامج الوطنية توجد بالأساس في الأماكن ذات العدد الأقل من حالات تفشي الأمراض. وأفادت في عام 2012 أن الدول ذات التنوع البيولوجي العالي للحياة البرية والكثافة السكانية المرتفعة هي "نقاط ساخنة للأمراض المعدية الناشئة"، ومع ذلك فإنه لا توجد تقريباً أي من أنظمة المراقبة الرئيسية تلك في هذه المناطق القريبة من خط الاستواء.
وفي دراسة استعراضية كثيراً ما يستشهد بها نشرت في عام 2008 في مجلة "نيتشر"، أوصت كيت جونز والباحثون المشاركون معها، "بإعادة تخصيص الموارد من أجل مراقبة أكثر تطوراً".
وبين عامي 1996 و2009، حدثت أكثر من نصف جميع حالات تفشي الأمراض المعدية الناشئة في أفريقيا- وهي قارة متخلفة في نظم الإنذار المبكر ومراقبة الأمراض-وذلك وفقاً لتقرير صدر عام 2012 عن الجمعية الملكية للعلوم البيولوجية في المملكة المتحدة.
وقالت خان من "مبادرة صحية واحدة"، أنه حتى عندما تكون هناك مراقبة كافية، قد تمنع السياسة، بما في ذلك جماعات الضغط القوية في مجال الزراعة، تحديد الأمراض الحيوانية المصدر وعلاجها بسرعة.
وأضافت خان أنه عندما تفشت حمى Q، وهو مرض معد يتسبب في حالات وفاة الأجِنَّة والإجهاض في الأغنام والأبقار والماعز، في هولندا في الفترة بين عامي 2007 و2009، كانت وزارتا الزراعة والصحة في هولندا على خلاف مع بعضها البعض، ما عرقل تقديم استجابة فعالة. وأوضحت أن وزارة الزراعة نفت في البداية أن هذا المرض الذي أصاب أكثر من ألفي شخص وأسفر عن وفاة حوالي 1 بالمائة منهم بحلول عام 2009، حيواني المنشأ. وقالت خان أن هذا الإنكار الأولي، الذي استمر حتى يونيو 2008، لمنشأ حمى Q يعني "أنه لم يتم فعل أي شيء للحيلولة دون زيادة تفشيه... وبالتالي استمر المرض في الانتشار".
تعزيز البقاء على قيد الحياة
وفي حين أن البشر والحيوانات قد يتسببان في هلاك بعضهما الآخر، فإن بإمكانهما أيضاً تعزيز البقاء على قيد الحياة لبعضهما البعض.
ففي عام 2000، كان معدل التحصين الكامل للأطفال والنساء من الرعاة الرحل في منطقتي شاري-باجويرمي وكانم في شرق تشاد، يقترب من الصفر. ومع ذلك، وفي مخيمات البدو ذاتها، تم تحصين الماشية بشكل إجباري عن طريق فرق الطب البيطري.
وقررت وزارتا الثروة الحيوانية والصحة في تشاد التعاون في تنفيذ حملات التطعيم للرعاة وماشيتهم، ما أدى لأول مرة، إلى التحصين الكامل لنحو 10 بالمائة من أطفال البدو ممن هم أقل من سنة من العمر في كافة المناطق التي نظمت فيها الحملة المشتركة.
وعلى الرغم من صدور دعوات من قبل منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية للقيام بمثل هذه الحملات المشتركة منذ عقدين من الزمن على الأقل، ما يسهم في خفض التكاليف وفي الوقت ذاته الوصول إلى المزيد من البشر والماشية، إلا أن الخبراء يقولون أنه لا يوجد تعاون كاف حتى الآن.
ويُعزى جزء من المشكلة إلى ما يُطلق عليه بـ "عقلية الصومعة" أو الانفصال الأكاديمي بحسب تعبير بيتر داسزاك، وهو عالم البيئة الذي يرأس تحالف "إكو هيلث" ومقره نيويورك، خلال جلسة في المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية للطب الاستوائي والصحة الذي عقد في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وأشار داسزاك بامتعاض إلى أن "العمل مع الحيوانات-هو الجزء السهل. لكن بالنسبة للخبراء، نحتاج إلى إعداد قاموس مخصص فقط لكي نفهم بعضنا البعض".
وقال يي: "لا أحد يتمتع بالمعرفة والخبرة اللازمة للقيام بكل شيء من البداية إلى النهاية [تحديد المرض واحتواؤه]".