هل سيكون التمويل الخاص متاحاً لبرامج التكيف مع تغير المناخ؟



جوهانسبرغ, ديسمبر 2013 (إيرين)
كان الالتزام بتوفير مصادر ثابتة ويمكن التنبؤ بها لتمويل برامج التكيف مع المناخ من القضايا التي أجبرت المفاوضين على بذل جهد إضافي خلال محادثات الأمم المتحدة حول المناخ التي أجريت مؤخراً في وارسو، نظراً لإصرار البلدان الفقيرة على أن الأموال المتاحة لمساعدتهم على التكيف مع تغير المناخ يجب أن تأتي من مصادر عامة.

ومنطقهم بسيط، إذ لا يمكن تحقيق ربح من خلال مساعدة البلدان الفقيرة على التكيف مع تأثير المناخ المتقلب، فلماذا إذن سيبادر أي كيان خاص بتمويل مبادرة لن تساعده على كسب المال؟


مع ذلك، فإن صندوق المناخ الأخضر - وهو أكبر صندوق تم تأسيسه بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) لتمويل أنشطة التخفيف والتكيف على حد سواء - قد أفسح المجال لانشاء مرفق يتبع القطاع الخاص ويقوم بتوفير التمويل اللازم للقيام بذلك.

وفي سياق متصل، وجدت دراسة جديدة صدرت خلال محادثات وارسو وأجراها العالمان كلاريس كهلر سيبرت واديس دزيبو، وهما من معهد استكهولم للبيئة (SEI)، أن هناك بعض جهود التكيف التي من غير المرجح أن يمولها القطاع الخاص.

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت كهلر سيبرت، التي كانت من بين الكُتاب المساهمين في إعداد تقرير خاص أصدره الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بشأن إدارة مخاطر الظواهر المتطرفة والكوارث للنهوض بعملية التكيف مع تغير المناخ (SREX)، أنهما درسا تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) إلى البلدان الأربعة الأقل نمواً في قارة أفريقيا من أجل إدراجها في الدراسة.

ووجدا أولاً أن "أقل من 1.5 بالمائة من المجموع العالمي لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر [تذهب إلى أقل البلدان نمواً في أفريقيا] - و[ثانياً] أنه لا يكاد أي من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الضئيلة هذه يرتبط بأولويات التكيف مع تغير المناخ في ذلك البلد".

تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر تتعارض مع جهود التكيف

وكان الاستثمار الأجنبي المباشر الخاص في كثير من الأحيان يدخل في منافسة مباشرة مع جهود الدولة للتكيف مع تغير المناخ. ففي إثيوبيا على سبيل المثال، تم توجيه معظم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المشاريع الزراعية الواسعة النطاق التي تتنافس مع صغار المزارعين على الموارد المائية، بينما تعطي إثيوبيا الأولوية في مجال التكيف والتنمية لضمان حصول الجميع على موارد المياه.

وفي سيراليون، لاحظ العلماء توتراً بين الاستثمار الأجنبي في الأراضي الزراعية، التي تستخدم لإنتاج الوقود الحيوي، والجهود المحلية لزيادة الإنتاج الغذائي.

ويقول الباحثون أن هناك بعض السلع العامة التي لا يمكن أبداً تمويلها من قبل القطاع الخاص، مثل بناء قدرات المجتمع المحلي، على سبيل المثال، لأنه "لا يدر ربحاً، ولا يعتبر جزءاً من نماذج الأعمال التجارية التقليدية".

كما أشار الباحثون إلى أن السؤال الذي ينبغي على المرء أن يسأله هو: "ما هو الذي يتم بالفعل الالتزام به كتمويل لبرامج التكيف مع المناخ - ليس فقط من حيث الكمية، ولكن من حيث الأدوات المالية ومصادر التمويل - وهل يمكن لهذه المبالغ والأدوات أن تلبي احتياجات التخفيف والتكيف؟"

ويرى سيبرت ودزيبو أن "جزءاً من المشكلة قد يكون أن التمويل الخاص لأنشطة التكيف مفهوم واسع، وغالباً ما يكون غير محدد. فعلى سبيل المثال، هل نناقش الجهات الفاعلة الخاصة المحلية أو الأجنبية، وهل تمول تكيف عملياتها وسلاسل القيمة الخاصة بها، أم تلك الخاصة بالمجتمعات التي تعمل فيها؟"

هذه هي الأسئلة المهمة إذ من المتوقع أن تقدم الدول الغنية 100 مليار دولار سنوياً اعتباراً من عام 2020 فصاعداً لمساعدة الدول الفقيرة على التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها.

تدفقات القطاع الخاص المتغيرة في كل مكان

وقال جان كوالزيغ مستشار سياسة تغير المناخ في منظمة أوكسفام أن التمويل الخاص لم يكن مطروحاً على الطاولة في وارسو، ولكنه أُثير أثناء اجتماع مائدة مستديرة ضم بعض وزراء مالية البلدان المتقدمة، وفي برنامج مدته عام واحد درس تمويل برامج المناخ الطويلة المدى في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.


جزء من المشكلة قد يكون أن التمويل الخاص لأنشطة التكيف مفهوم واسع، وغالباً ما يكون غير محدد. فعلى سبيل المثال، هل نناقش الجهات الفاعلة الخاصة المحلية أو الأجنبية، وهل تمول تكيف عملياتها وسلاسل القيمة الخاصة بها، أم تلك الخاصة بالمجتمعات التي تعمل فيها؟"
وأضاف أنه في كلا المنبرين "حاولت الدول المتقدمة تحويل دفة النقاش من الحاجة إلى زيادة التمويل العام إلى الحديث بشكل شبه حصري عن التمويل الخاص".

وأضاف كوالزيغ أن من الواضح أن التمويل الخاص له دور يؤديه، ولكنه يتعلق بتغير أنماط الاستثمار في جميع البلدان والتوجه "نحو التنمية المنخفضة الكربون التي تملك القدرة على التصدي لتغيرات المناخ، وعند تحويل اقتصادات بأكملها، نحن نتحدث عن تحويل التدفقات المالية للقطاع الخاص".

واتفق معه سفين هارملينغ، منسق مناصرة برامج تغير المناخ في منظمة كير الدولية، وهي منظمة غير حكومية، على أن "هدف تعبئة القطاع الخاص لا يمثل مشكلة في حد ذاته، بل هو في الواقع ضروري، ولكن ينبغي القيام به بالطريقة الصحيحة، أما الصورة التي تقترحها بعض البلدان الآن، فإنها تبدو وكأنها تصرف الانتباه عن عدم القدرة على جمع المال العام. إن حجم أزمة المناخ يجبرنا على رفع مستوى التمويل العام بشكل كبير من أجل تلبية احتياجات التكيف الخاصة بالفئات الأكثر ضعفاً، وتحويل استثمارات القطاع الخاص بعيداً عن الاقتصادات التي تلوث البيئة بالكربون".

الخسائر

وقال كوالزيغ أنه فيما يتعلق بقضايا تمويل برامج تغير المناخ الأوسع نطاقاً في وارسو، "فشلت البلدان الفقيرة في خلق مزيد من الوضوح والقدرة على التنبؤ بتمويل برامج المناخ حتى عام 2020، الذي تحتاج إليه الدول النامية من أجل تخطيط نشاطاتها المتعلقة بالمناخ".

ولكن على الأقل، التزمت الدول الغنية بعقد اجتماعات وزارية كل عامين لمراجعة التزاماتها، وبتقديم تقارير كل عام حول نية الدول المتقدمة لتوفير 100 مليار دولار كل عام اعتباراً من عام 2020 فصاعداً - وهي خطوة هامة، ولكنها بالطبع غير كافية، كما أشار هارملينغ.

وتجدر الإشارة إلى أن آمال الجميع الآن معلقة على قمة المناخ التي دعا إليها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والتي ستعقد في سبتمبر 2014، بهدف اقناع البلدان بزيادة التزاماتها من أجل توفير الأموال وتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

وأكد هارملينغ أن "البلدان المتقدمة يمكن أن ترسل إشارة قوية تبعث على الثقة إذا استغلت هذا الحدث [قمة سبتمبر 2014] لوضع قدر كبير من المال على الطاولة من أجل صندوق المناخ الأخضر، الذي سيتم تأسيسه برأس مال مبدئي يتراوح بين 10 و15 مليار دولار".