بانكوك, 2013 (إيرين)
تذكرنا الأعداد المتباينة لضحايا الاشتباكات الأخيرة في مصر بأن الحصول على إحصاءات عن الوفيات في حالات الطوارئ لا يزال مهمة متنازع عليها ومعقدة، وفي بعض الأحيان تكون مسيسة للغاية. ومع ذلك، يقول بعض الباحثين أن بيانات الوفيات الدقيقة تساهم في تعزيز فعالية المعونة وتحسين قرارات التمويل. حيث قالت ديباراتي غوها سابير، مديرة مركز أبحاث الأوبئة الناجمة عن الكوارث في بروكسل، أن "التمويل المخصص لإنقاذ الناس في أعقاب كارثة يتحدد وفقاً لعدد القتلى"، مشيرة إلى أن عدد القتلى يكون أيضاً بمثابة مؤشر جيد عن الناجين الذين يحتاجون إلى المساعدات المنقذة للحياة.
وعلى عكس بيانات الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية، يمكن استخدام عدد قتلى الصراعات المسلحة لأغراض سياسية، وبالتالي تصبح هذه الأعداد عرضة للتلاعب أو سوء الاستخدام، وفقاً لمركز أبحاث الأوبئة الناجمة عن الكوارث، الذي يحتفظ بقاعدة بيانات "الأحداث الطارئة" عن آثار أكثر من 18,000 كارثة جماعية في جميع أنحاء العالم منذ عام 1900 حتى وقتنا هذا.
سياسة الأرقام
في الأزمة السياسية المصرية الحالية، على سبيل المثال، يتباين عدد القتلى كثيراً حسب مصدر البيانات. ففي الساعات التي تلت فض القوات الحكومية لاعتصام أنصار الإخوان المسلمين بالقوة في 14 أغسطس، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أن عدد القتلى الأولي بلغ 500 شخص، في حين قال التلفزيون الحكومي أن أربعة أشخاص فقط لقوا مصرعهم.
ثم ارتفع التعداد الحكومي منذ ذلك الحين إلى أكثر من 600 قتيل، في حين أعلنت المعارضة عن وفاة أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العدد.
وكان العديد من قتلى أحداث مصر الأخيرية قد أُرسِلوا إلى مستشفيات مؤقتة تديرها حركة الإخوان نفسها، مما جعل التحقق من الأرقام أمراً صعباً بالنسبة للأطراف الخارجية. ويستند العدد الرسمي للقتلى إلى عدد الجثث التي تصل إلى المستشفيات فقط.
دارفور
نشأ جدل كبير بشأن عدد الوفيات الناجمة عن الصراع في إقليم دارفور بالسودان، الذي اندلع منذ 10 سنوات، والذي انتهى بالتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في عام 2010. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل حوالي 300,000 شخص، في حين تقول الخرطوم أن العدد أقرب إلى 10,000 قتيل.
وفي عام 2006، نشر مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية (GAO) تحليلاً لتقديرات الوفيات في دارفور من أجل دراسة منهجية حساب عدد الوفيات. وخلص التحليل إلى أن انعدام فرص الوصول إلى بعض مناطق النزاع، وعدم دقة البيانات السكانية، وتنوع وسائل التلاعب بخط أساس معدلات الوفيات في دارفور (معدلات الوفاة في غير أوقات الأزمة) أدى إلى قصور البيانات والخلاف على تقدير عدد الموتى.
وفي السياق نفسه، ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن ما بين 98,000 و181,000 شخص لقوا حتفهم خلال الفترة من مارس 2003 إلى يناير 2005، في حين أعلنت خمس دراسات أخرى عن تقديرات تصل إلى ما يقرب من 400,000 شخص خلال الفترة من فبراير 2003 إلى أغسطس 2005. ولكن دراسة مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية توصلت إلى أن كافة الإحصاءات عن أعداد القتلى لم تكن دقيقة، على الرغم من إشارتها إلى أن بعض التقديرات كانت أكثر موثوقية من غيرها.
وخلص تحليل حديث (2010) لتقديرات الوفيات في دارفور، استناداً إلى مسوحات الوفيات بأثر رجعي، إلى أن العدد الإجمالي للوفيات "الزائدة" (تلك التي تعزى إلى ظروف الأزمة وليس الصراع المباشر فقط) في دارفور من مطلع عام 2003 إلى نهاية عام 2008 بلغ حوالي 300,000 شخص.
ومع ذلك، أقر الباحثون بأن حدود البيانات والمشاكل المتعلقة بتفسيرها التي ابتليت بها احصاءات سابقة عن أعداد القتلى لا تزال مستمرة في دراستهم.
سوريا
يمثل النزاع السوري معضلة بيانات أخرى تواجه القائمين على إحصائيات الوفيات. ففي خضم نزاع مسلح معقد مثل النزاع السوري، يمكن أن تكون أعداد الوفيات في قلب الجدل السياسي؛ حيث يرغب كل طرف من أطراف النزاع في التقليل من شأن مقتل المدنيين.
وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد أنشأ في أغسطس 2011 لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي في سوريا، ولكن انعدام فرص الوصول أعاق جهود اللجنة التي اضطرت للاعتماد في تحقيقاتها في المقام الأول على مقابلات مع أشخاص في المخيمات والمستشفيات في البلدان المجاورة لسوريا.
وهو ما علق عليه فيك أولوم، المستشار القانوني للجنة التحقيق، بقوله: "في البداية، اعتمدنا منهجية تتطلب أحد أمرين من أجل إحصاء الضحايا: فإما أن يكون لدينا شاهد عيان رأى المتوفى بالفعل ويعرف إسمه أو أن يكون الشاهد أحد أفراد الأسرة وعرف بوفاة أحد أفراد أسرته".
وأضاف قائلاً: "بالنسبة لنا، كان هذا معياراً جيداً بما يكفي لتخطي تلك الإحصاءات الملفقة أو المبالغ فيها. ومع ذلك، فإننا لم نتحقق سوى من نسبة ضئيلة من العدد الإجمالي للضحايا، لأننا لم نتمكن سوى من مقابلة نسبة صغيرة من اللاجئين".
ووفقاً لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا، وهو موقع على الإنترنت تابع للمعارضة، وصل عدد الوفيات منذ بداية الصراع إلى حوالي 69,000 شخص، في حين أن المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يديره سوري كان قد فر إلى المملكة المتحدة قبل 13 عاماً، يقدر عدد ضحايا الصراع بنحو 106,000 شخص. وتشمل تقارير المرجعين معاً الضحايا من كلا الجانبين، وهما يقولان أنهما يجمعان معلوماتهما من جماعات حقوق الإنسان والنشطاء في سوريا.
ومع ذلك، يحذر بعض الخبراء من أنه بالرغم من إمكانية بعض المصادر الموثوقة على الأرض من تقديم إحصاءات جيدة في صراع مثل الصراع السوري إلا أن ذلك يبقى تحدياً في حد ذاته.
وحسب أولوم من لجنة التحقيق، فإن أعضاء هذا المصدر "يجب أن يكونوا نشطين وقادرين على التنقل، ويجب أن تكون لديهم شبكات جيدة خاصة بهم في المنطقة التي يغطونها. ولكن وجودهم على الأرض خلال الحرب، قد يعرضهم للعديد من الضغوط، بما في ذلك التلاعب بالأرقام لخدمة أهدافهم السياسية". وأضاف أنه سيكون من الصعب "للغاية" على هؤلاء المراقبين الوصول إلى الضحايا دون الانحياز إلى أي من الجانبين.
الإحصاء القياسي لعدد الوفيات
في حالات الطوارئ الإنسانية، يمكن لجمع وتفسير واستخدام بيانات الوفيات بشكل مناسب إنقاذ الأرواح لأن قاعدة البيانات هذه تكون هي الأساس الذي يقوم عليه تخطيط الاستجابة الإنسانية، بحسب العديد من الباحثين.
ويتم تعريف معدل الوفيات على أنه "عدد الوفيات التي حدثت بين السكان المعرضين للخطر خلال فترة زمنية محددة". وفي حالات الطوارئ عادة ما يتم التعبير عن ذلك بعدد الوفيات لكل 10,000 شخص يومياً.
كما يعتبر معدل الوفيات الخام ومعدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من المؤشرات الهامة لتقييم ورصد شدة حالة الطوارئ، ويتم الإعلان عنها كل يوم.
ويشير معدل الوفيات الخام إلى عدد من الوفيات بين جميع الفئات العمرية لكافة الأسباب، بينما يشير معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى وفيات الأطفال دون سن الخامسة من العمر، من أصل 1,000 ولادة حية خلال سنة محددة.
ووفقاً للمبادئ التوجيهية الإنسانية المعروفة باسم معايير اسفير، يعتبر معدل الوفيات الخام أو معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة الذي يصل إلى ضعف معدل وفيات ما قبل الأزمة مؤشراً على وجود حالة طوارئ "كبرى" تتعلق بالصحة العامة.
ولكن أحد التحديات القديمة التي تعوق إحصاء عدد القتلى في النزاعات المسلحة هو ما إذا كان يتوجب حساب الوفيات الناجمة عن "الأسباب المتعلقة بالحرب"، بما في ذلك الموت جوعاً بسبب انعدام فرص الوصول إلى الأراضي الزراعية على جبهة القتال، أو بسبب الأمراض التي يمكن علاجها والجروح الطفيفة عندما لا يستطيع المرضى الحصول على علاج.
وقد بذلت جهود عديدة لتوحيد المنهجيات، بما في ذلك مبادرة الرصد الموحد وتقييم الإغاثة والحالات الانتقالية، وهي شبكة من المنظمات وممارسي العمل الإنساني نشرت بروتوكولاً للتغذية وتقييم الوفيات. ولكن إقناع الممارسين على الأرض بتطبيق هذه المعايير تحت الإكراه مسألة أخرى.
الموارد الشحيحة والمخاوف الأمنية تعرقل جمع البيانات
أشارت غوها سابير، من مركز أبحاث الأوبئة الناجمة عن الكوارث، أنه "في هذا الوقت، لا توجد منهجية متفق عليها أو حتى مبادئ توجيهية يمكن أن تساعد العمال الإنسانيين الموجودين على الأرض على تقدير عدد القتلى".
طوال العامين الماضيين، قام مشروع هارفارد بشأن الرصد والإبلاغ وتقصي الحقائق بإجراء بحوث عن المبادئ التوجيهية الخاصة بمنهجية التحقيق المشترك لإحصائيات الوفيات. ويستهدف هذا المشروع عمل بعثات تقصي الحقائق ولجان التحقيق المكلفة من قبل الأمم المتحدة وكيانات مثل الاتحاد الأوروبي.
ويتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه هذه البعثات في أنها لا تجمع البيانات الخام، ولكنها غالباً ما تعتمد بدلاً من ذلك على إحصاءات غير موثوق بها عن عدد الضحايا تجمعها منظمات أخرى.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أفاد روب غريس، مساعد مدير البرامج في برنامج السياسة الإنسانية وأبحاث النزاعات بكلية الصحة العامة بجامعة هارفارد، أن "لجان التحقيق كثيراً ما تعمل في ظل اتساع الولايات وشح الموارد وضيق الوقت".
"ولهذا السبب، فإنها عادة ما تفتقر إلى القدرة على إجراء فحص شامل لجميع الحوادث التي وقعت في سياق ذي صلة. وتسعى معظم لجان التحقيق المكلفة بجمع معلومات حول انتهاكات حقوق الإنسان إلى جمع معلومات عن حوادث معينة تعد رمزاً لأنماط الانتهاكات التي حدثت. وعادة ما تشمل ولايات لجان التحقيق مهمة جمع معلومات كمية دقيقة عن الوفيات".
كما تشكل القيود الأمنية مصدراً إضافياً للقلق. حيث أشار غريس إلى أن "التحديات الأخرى تشمل عدم وجود فرصة للوصول إلى الضحايا على الأرض في الحالات التي يرفض فيها البلد المضيف منح اللجنة حق الوصول على أرض الواقع، بالإضافة إلى القيود الخاصة بالوصول التي تفرضها الجماعات المسلحة التي تحكم إقليماً ما، على سبيل المثال".
أما بالنسبة لغوها سابير، فتعتبر المراجعة المنهجية لكيفية حساب الحكومات والمنظمات، بما في ذلك الصليب الأحمر والأمم المتحدة، لعدد الوفيات أمراً بالغ الأهمية. فاللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تقوم بإجراء دراسات استقصائية عن الوفيات أثناء الصراع، بل تعتمد بدلاً من ذلك على بيانات الوفيات الواردة من المراكز الصحية التي تدعمها، وفقاً لوحدتها الصحية. أما بالنسبة لبيانات الوفيات في غير فترات الصراع، فإنها تعتمد على السلطات الصحية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني المحلية، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية.
وحسب غوها سابير، فإن "مما لا شك فيه أن الحكومات والمنظمات تبذل قصارى جهدها في ظروف فوضوية للغاية، ولكن من المهم أولاً أن نعرف كيف تفعل ذلك. هذا يمكن أن يوفر نظرة ثاقبة على نوعية القيود وأيضاً فرصة للبناء على الخبرات السابقة".