نيروبي, أكتوبر 2013 (إيرين)
يتم إرسال الهيروين من أفغانستان، أكبر منتج في العالم، عبر الحدود إلى طاجيكستان ومنها إلى روسيا، أكبر مستهلك في العالم. ويتم إرسال الميثامفيتامين من بنين عبر مصر إلى اليابان. ويتم شحن حاويات من الكوكايين المصنع في دول الأنديز من البرازيل إلى غرب أفريقيا، حيث يتولى المهربون النيجيريون إعادة تصدير تلك المخدرات إلى أوروبا الغربية. ويتم تهريب المهاجرين من إثيوبيا والصومال إلى اليمن والمملكة العربية السعودية. تشكل مجموعات الجريمة المنظمة تهديداً متزايداً للمواطنين في الدول الهشة. وبينما انخفض عدد ضحايا النزاعات المسلحة إلى أدنى مستوى تاريخي، وهو حوالي 50,000 سنوياً وفقاً لبحث صدر في عام 2012، لم يتم اتخاذ إجراءات ملموسة لمكافحة خطر جماعات الجريمة المنظمة بفعالية في جميع أنحاء العالم.
وبينما تنظر الأمم المتحدة إلى ما وراء الموعد النهائي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية (MDGs) وهو عام 2015، يطالب الكثيرون بإدراج أهداف الأمن والعدالة في جدول أعمال ما بعد عام 2015، وإعادة صياغة الخطاب الحالي حول الجريمة العابرة للحدود. وترى منظمات حقوق الإنسان أن "التحرر من الخوف" والتصدي للجريمة المنظمة ليس مجرد قضية أمن شخصي، بل هو مشكلة تنموية أيضاً.
ما هو التحرر من الخوف؟
إن التحرر من الخوف يتطلب وجود "دولة تحتكر العنف المشروع،" حسب ستيفن إليس، كبير الباحثين في مركز الدراسات الأفريقية بجامعة لايدن، والذي أضاف خلال حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أنه "مفهوم حديث وليبرالي للكيفية التي ينبغي أن تكون عليها الدولة الجيدة حقاً".
كان تقرير التنمية البشرية لعام 1994 قد قدم تعريفاً واسع النطاق لأمن الإنسان على أنه "التحرر من الخوف والتحرر من العوز." وعلى الرغم من أن لهذه العبارة جذور تعود إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن هذا التقرير أثار نقاشاً جدياً حول الأمن البشري وصلته بالتنمية البشرية.
وفي المقال التحليلي الذي تم تقديمه العام الماضي إلى فريق عمل منظومة الأمم المتحدة المعني بخطة التنمية للأمم المتحدة لما بعد عام 2015، قال مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان (OHCHR) أن "هناك حاجة إلى نموذج إنمائي جديد موجه إلى تأمين التحرر من الخوف والعوز للجميع دون تمييز."
من جانبه قال آدم إدواردز، مدير مركز الجريمة والقانون والعدالة بجامعة كارديف ، في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية أن "توجيه أسئلة حول ما يشكل الخوف لمن وفي أي سياقات من المرجح أن يشحذ فهمنا التحليلي لتضارب المصالح الذي يولد الخوف في المقام الأول." ومن ثم، فإن هذا يمكن أن يساعد على صياغة سياسات لمكافحة تلك المخاوف.
ولكن ليس هناك إجماع على الاعتقاد بأن هذه المصطلحات مناسبة لتنفيذ عمل هادف. حيث قال ديزموند أرياس، الأستاذ المشارك في جامعة جورج ميسون، لشبكة الأنباء الإنسانية: "في المطلق، من المستحيل ألا يشعر الإنسان بالخوف. إنك تشعر بالخوف حتى في المجتمع الآمن نسبياً. وإنه لشيء جيد أن يكون لديك قدر ضئيل من الخوف."
أما فاندا فلباب براون، كبيرة الباحثين في معهد بروكينغز، فأخبرت شبكة الأنباء الإنسانية أنها ليست متأكدة من أن هذا مفهوم مفيد، مضيفة أن "التحرر من الخوف أمر غير واقعي على الإطلاق، وأيضاً مطلق للغاية،" ولذلك، فمن المستحيل تحقيقه على أرض الواقع. وأشارت إلى أن "الصيغة التي أود أن أراها هي تحسين الأمن البشري وتعزيز العلاقة بين المواطنين والحكومات."
الخوف والتنمية
تلعب الجريمة المنظمة دوراً كبيراً في أي نقاش حول الأمن البشري أو التحرر من الخوف، ولكن جيمس كوكين، رئيس مكتب جامعة الأمم المتحدة في نيويورك، يعتقد أنه "من المهم ألا نغفل التحرر من العوز." وأضاف في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية أنه "عند تفكيك العلاقة بين الجريمة المنظمة والعنف والتنمية، يصبح الجزء المتعلق بالعوز معقداً للغاية."
وأكد كوكين أن "العديد من العصابات الإجرامية تقدم خدمات للمجتمع"، بمعني أن فهم الحرية من العوز والصلة بين الجريمة والتنمية أمر بالغ الأهمية. كما أن إنفاق جزء من الأموال التي تحصل عليها العصابات الإجرامية من الأنشطة الإجرامية لدعم التنمية هو وسيلة تستخدمها جماعات إجرامية لكسب القبول في مدنهم وقراهم، وفقاً لإيمانويل كويسي آنينغ، مدير كلية الشؤون الأكاديمية والبحوث في مركز كوفي عنان الدولي للتدريب على حفظ السلام. وأضاف خلال حواره مع شبكة الأنباء الإنسانية "إنهم ينظرون إليهم ليس كمجرمين ولكن كمطورين إنمائين" في أجزاء كثيرة من غرب أفريقيا، "فالأمر لا يتعلق فقط بالجريمة، وهذه ليست مجرد قضية أمن بشري. إنها مسألة تنمية."
ولكن الطرح القائل بأن تجار المخدرات والجماعات الإجرامية يضخون المال مرة أخرى في المجتمع لا يحظى بقبول الجميع. ويرى إليس أن "كميات كبيرة من أموال المخدرات تخصص لتمويل حملات سياسية. ولا أرى أي دليل على أنها تستخدم لبناء المدارس والطرق."
التوصيف المضلل للجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية
أفاد إليس أن بعض هذا الارتباك، وكذلك الاعتقاد بأن الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية آخذة في التزايد، ينبع من حقيقة أنه في السنوات الأخيرة "بدأوصف أنواع معينة من السلوكيات، التي كانت تسمى سابقاً بأسماء أخرى، بأنها جريمة منظمة عابرة للحدود الوطنية."
وقد استخدمت منطقة غرب أفريقيا كنقطة عبور الهيروين إلى الولايات المتحدة منذ عام 1952، وفقاً لبحث أجراه إليس، ويقوم المهربون بنقل السلع المقلدة وغير المشروعة في المنطقة منذ فترة طويلة جداً. وأضاف إليس قائلاً: "قبل 20 عاماً، لم يكونوا يهربون الكوكايين،" وكان ينظر إليهم على أنهم أقل خطراً على السلام والاستقرار الدوليين، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الصلة بينهم وبين الجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهاب العالمي لم تكن موجودة آنذاك.
وبالنظر إلى ما وراء التحول البحت في الدلالات اللفظية، تكمن مخاطر جسيمة تتمثل في الوصف المضلل لأعمال الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، وفي توسيع التعريف ليشمل كل شيء من الإرهاب وتهريب المخدرات غير المشروعة إلى الفساد، لأن هذا يوصم مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة بأنهم مجرمين، ويدفعهم إلى العيش على هامش المجتمع.
ويعتقد كوكين أن مصطلح الجريمة المنظمة هو "وصف يخلق إشكاليات لأنه يحمل الكثير من الدلالات، ويقودنا إلى استجابة قائمة على إنفاذ القانون، وهو أمر ضروري ولكنه ليس كافياً." ويرى أيضاً أنه يؤدي إلى تآكل استعداد المجتمع الدولي والجهات الفاعلة الأخرى للتعامل مع هذه الجماعات، التي يوفر العديد منها بعض السلع والخدمات للمجتمع.
ويشير الخبراء إلى أن النهج العسكري قد فشل في القضاء على هذه المشكلة، كما هو الحال في "الحرب على المخدرات" في أميركا اللاتينية. وأضاف ارياس، الأستاذ في جامعة جورج ميسون: "في حين أنك توقف بعض المجرمين، فإنك لا توقف الجرائم نفسها." وبالتالي، يتم تجاهل القضايا المنهجية الضاربة بجذورها والتي تخلق الظروف المواتية لارتكاب الجرائم.
وفي السياق نفسه، يشير أحد التقديرات إلى أن التكلفة السنوية للحرب على المخدرات تتجاوز 100 مليار دولار. وخلال فترة الست سنوات التي قضاها الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون في الحكم، قُتل ما يقرب من 60,000 شخص نتيجة للحرب على المخدرات، وهذا العدد لا يشمل الآلاف من المفقودين.
محلية ولكنها عالمية
يمكن وصف عصابات الجريمة المنظمة بأنها محلية بعمق وعالمية للغاية في آن واحد. فمن جهة، تعمل عصابات المخدرات والجماعات الإجرامية الكبيرة عبر القارات بشكل فعال للغاية، وتنقل البضائع غير المشروعة في جميع أنحاء العالم، ولكن نفس هذه التجارة تعتبر في كثير من النواحي محلية إلى حد كبير.
وأوضح ارياس أن "ما تراه ليس تنظيماً واحداً يقوم بذلك، بل سلسلة من الشبكات المترابطة التي تعمل في بلدان متعددة."
ومن جهته، أفاد جوناثان سبنسر، مدير وحدة أبحاث العدالة الجنائية في جامعة مانشستر، أنه "من المهم ألا ننظر إلى الجماعات المنظمة عبر الوطنية على أنها شيء مختلف عن مجموعات الجريمة المنظمة المحلية. إن الشبكات هي المهمة." وهذا يعني أن الاستجابة تحتاج إلى التركيز على التصدي للشبكات عبر الوطنية، التي تتوسط بين جماعات الجريمة المنظمة، بالإضافة إلى مكافحة الجريمة المنظمة على المستوى المحلي.
التصدي للجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية
يقول الخبراء أن تعزيز قوات الشرطة هو أمر حيوي في المقام الأول، "وخاصة في بلدان مثل تلك الموجودة في أفريقيا، حيث لا تحتكر الدول العنف. ينبغي مساعدة الدول على احتكار العنف،" كما أكد إليس.
وقالت فلباب براون "إنك بحاجة إلى وجود قوات شرطة دائمة تركز على رفاه المجتمع." وترى أيضاً أن تدابير بسيطة على المستوى الشعبي، مثل تسيير دوريات الشرطة في الشوارع تعد خطوة حيوية باتجاه الحد من سطوة شبكات الجريمة والسيطرة على العنف.
وعلى المدى الطويل، سيكون خلق مؤسسات قوية واقناع المواطنين بالقيام بدور نشط داخل الدولة أمراً بالغ الأهمية. "يمكنك محاولة دفع البلاد نحو إدراك الحاجة إلى إشراك مزيد من الأشخاص في الحكومة وعملية صنع القرار،" كما أوضح دافين أوريغان، الباحث المشارك في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، الذي يرى أن الإصلاحات الديمقراطية ضرورية للتصدي للجريمة المنظمة. وأضاف قائلاً: "نحن بحاجة إلى التركيز على الشرعية."
ولكن بناء هذه المؤسسات يمكن أن يصبح معقداً للغاية في البلدان التي ترتفع فيها مستويات الجريمة المنظمة. وحذرت فلباب براون من وجود "الكثير من التعاون بين المنظمات الإجرامية والشبكات السياسية."
كما ينبغي على المجتمع لعب دور تعاوني، ومساعدة الحكومات على بناء سياسة فعالة. "لقد ساعد التعاون القوي بين الدولة والمجتمع على تحسين أداء الشرطة،" كما أشار ارياس، لأنه يحث المجتمعات المحلية على المشاركة. وقالت فلباب براون "إنك تحتاج إلى الأمن البشري بطريقة تربط المواطنين بالدولة."
ومع ذلك، فإن تحسين رفاهية المواطن ببساطة ليس هو الحل للتصدي للجريمة المنظمة. وتاريخ الجريمة المنظمة في كثير من الحالات يبين أن الجماعات المهمشة من قبل المجتمع والتي تحصل على فرص أقل هي الأكثر ميلاً لتشكيل عصابات إجرامية. وأشار ارياس إلى أن عصابات الجريمة المنظمة في الولايات المتحدة "في العشرينات خرجت من رحم حظر الخمور والهجرة الجماعية. لديك كل هذه الأعداد الكبيرة التي لا تتحدث الإنجليزية جيداً بالضرورة والمهمشة لأسباب دينية."
وبالتالي، فإن التصدي للجريمة المنظمة والعنف قد لا يتطلب رفع المستويات الاجتماعية والاقتصادية بصفة عامة بقدر ما يتطلب التأكد من أن جميع شرائح المجتمع تشعر بإدماجها بنفس القدر. وأضاف ارياس أن "الفقر وحده ليس تفسيراً لهذه الأنشطة."
الأمم المتحدة وجدول أعمال ما بعد عام 2015
"في حين يتم قبول الترابط بين الأمن والعدالة والتنمية من حيث المبدأ على أعلى المستويات، توجد خلافات كبيرة حول كيفية إدراجها بشكل عملي في هذه العملية،" حسب روبرت موغا، مدير الأبحاث ومنسق برنامج الحد من العنف في معهد إيغارابي، في ورقة معلومات أساسية أعدت للعرض على اجتماع خبراء عُقد في شهر يونيو الماضي لاستعراض إطار المساءلة عن الصراع والعنف والكوارث في خطة التنمية لما بعد عام 2015.
تجدر الإشارة إلى أن جدول أعمال التنمية لما بعد عام 2015 يتميز بكونه قادراً على تحديد أهداف معينة - وخاصة الحد من العنف، الذي من المرجح أيضاً أن يقلل من معدل الجريمة وتصورات الناس من الخوف. وكتب موغا في ورقة بحثية أعدت لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن "الأهداف القابلة للقياس يمكن أن تشمل خفض الوفيات الناجمة عن العنف إلى النصف، أو تحسين تصورات السلامة للجميع." ولكنه أضاف أن الأحكام الدقيقة لتلك الأهداف ستكون أقل أهمية من ضمان كونها محددة وطموحة وقابلة للدفاع عنها.
وعلى الرغم من أن الربط بين التنمية والجريمة أمر بالغ الأهمية، ينبغي على المجتمع الدولي أن يكون شديد الحذر بشأن كيفية تنفيذ هذه البرامج. ومن المفارقات أن توفير المساعدات والموارد يمكن أن يرسخ شبكات الجريمة. وحذرت فلباب بروان من أن "ضخ الأموال ببساطة يعتبر بمثابة إيجار، أو مورد ينهل منه السياسيون والعصابات. إننا بحاجة إلى التفكير في التنمية الاجتماعية والاقتصادية من منظور الإجرام."
ولكن ينبغي أن لا ينحصر التركيز في البلدان النامية فقط، حيث يتم الآن إنشاء البضائع غير المشروعة ونقلها. و أوضح إليس أن "حقيقة أن هناك خرق للقانون على نطاق عالمي، وأن هذا ممكن من خلال النظام المالي العالمي، تعتبر مشكلة كبيرة." يمكن للنخب السياسية وعصابات المخدرات وقادة الجماعات الإجرامية "غسل الأموال من خلال البنوك الدولية بسهولة شديدة." ولذلك فبالإضافة إلى تقوية الدول الهشة، هناك حاجة لوقف إيداع الأرباح الناتجة عن الاتجار غير المشروع في أي مصارف في جميع أنحاء العالم.
ويرى موغا أن الأمن والعدالة من المبادئ المستقلة التي تستحق المحافظة عليها. وأضاف أنها "من الحقوق المنصوص عليها في المعايير والقواعد الدولية، والتي يحق لجميع المواطنين التمتع بها. وعلى الرغم من وجود حساسيات سياسية مشروعة ومرتبطة بكلا الموضوعين، فإن هناك قبولاً متزايداً لحقيقة أن الأمن والعدالة يستحقان موقعاً بارزاً في جدول أعمال التنمية لما بعد عام 2015.