اللاجئون السوريون يخشون انخفاض المعونة الغذائية في لبنان -


صور,   أكتوبر 2013 (إيرين)
يصطف عشرات الأشخاص في طابور منظم بملعب كرة سلة متهالك في جنوب لبنان ليحصل معظمهم على قطعة من الورق ثم يرحلون. ويتلقى عدد قليل منهم، ربما ربعهم، تعليمات بالانضمام إلى الصف الثاني. 

إنهم لاجئون سوريون ينتظرون استلام القسائم الغذائية الشهرية المخصصة لهم في أحد عشرات مراكز التوزيع المؤقتة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد. 

وفي الصف الثاني، يشرح اثنان من موظفي المنظمات غير الحكومية بالتفصيل أسباب حرمان مجموعة مختارة من اللاجئين من المساعدات الغذائية، ويمنحانهم استمارات طعن لملئها إذا كانوا يريدون الاعتراض على القرار. 

وقد قارب لبنان، الذي أصبح الآن موطناً لحوالي 700,000 لاجئ سوري مسجل وكثيرين آخرين غير مسجلين، على الوصول إلى نقطة الانهيار، بعد أن وصل عدد اللاجئين السوريين إلى واحد على الأقل من كل خمسة أشخاص في هذا البلد الذي يزيد عدد سكانه قليلاً عن أربعة ملايين نسمة، وذلك بسبب فرار عشرات الآلاف من الأسر السورية من الحرب الأهلية الدامية في بلادها. 


وتجدر الإشارة إلى أن البلدان المجاورة لسوريا في جميع أنحاء المنطقة تكافح من أجل استيعاب هذا العدد الهائل من اللاجئين، الذين يمثلون ضغطاً على خدمات الصحة والتعليم وغيرها من البنى التحتية. ونظراً لتدفق المزيد من اللاجئين عبر الحدود كل يوم، تضطر الأمم المتحدة إلى إعطاء الأولوية للفئات الأكثر ضعفاً بسبب نقص الأموال. 


وابتداءً من هذا الشهر، توقف برنامج الأغذية العالمي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن توزيع القسائم الغذائية على ما بين 30 و40 بالمائة من اللاجئين السوريين في لبنان، أو أكثر من 200,000 شخص، وفقاً للمفوضية. 


وكانت فاطمة، وهي أم لطفلين صغيرين، من بين أولئك الذين حالفهم الحظ. يعمل زوج فاطمة في أحد المخابز في العاصمة بيروت بأجر شهري قدره 300 دولار أمريكي، وينام في غرفة مجاورة. ولأنه لا يستطيع تحمل تكاليف استئجار منزل هناك، تعيش الأم وأطفالها في صور، على بعد 90 كيلومتراً إلى الجنوب، وهي مدينة فقيرة لا تزال تعاني من الندوب التي خلفها الهجوم الإسرائيلي في عام 2006. 


يرسل زوج فاطمة ما يستطيع من المال لأسرته، ولكن بعد دفع تكاليف المعيشة، لا يتبقى له الكثير، ولذلك تعيش فاطمة وأطفالها على الدعم المقدم من الأمم المتحدة، والذي يأتي معظمه في صورة قسائم غذائية. غير أن المعونة الغذائية الشهرية التي تبلغ قيتها 27 دولاراً للشخص الواحد لا تكفي في بلد تزيد أسعار المواد الغذائية الأساسية فيه بكثير عما كانت عليه في سوريا، إذ يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من الأرز والسكر والبندورة والخيار وغيرها من الأساسيات بين دولار واحد ودولارين لكل منها. أما اللحوم والأسماك، فغالباً ما تتجاوز تكلفتها حدود الميزانية. 


وتشكو فاطمة من أن "الأسعار في هذا البلد مرتفعة جداً" وأضافت قائلة: "لم يكونوا يقدمون لنا شيئاً يذكر بالفعل، والآن سيتوقفون عن تقديم هذه المعونة". 

يقف محمد البالغ من العمر 32 عاماً والذي ينحدر من إدلب في شمال سوريا قرب مؤخرة الصف، لكنه مصاب بالإحباط لأنه معرض لتوقف المعونة أيضاً. يحاول عمال الجمعيات الخيرية تهدئته موضحين أنه يستطيع الطعن في القرار، لكنه لا يصبر كثيراً على الاستماع لحججهم. 

ويصرخ محتجاً: "لماذا أنا؟ ليس لدي أي شيء." وأوضح أنه ترك عائلته بحثاً عن عمل في جنوب لبنان، ولكنه عاطل عن العمل منذ ستة أشهر ويقيم الآن في غرفة مع خمسة رجال آخرين. وأضاف وهو يتلف استمارة الطعن بيديه: "كنت أنوي إحضار طفليَ إلى هنا لإبعادهما [عن الحرب]، ولكنني لم أعد أعتقد أنني سأتمكن من ذلك". 


"اختيارات مأساوية" 

ويعتبر خفض المعونات أحد النتائج المترتبة على عدم كفاية الدعم المقدم للاجئين السوريين من قبل المجتمع الدولي. وقد وجهت الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية نداءً لتقديم 1.2 مليار دولار و450 مليون دولار على التوالي لرعاية اللاجئين حتى نهاية عام 2013، ولكن المنظمة لم تتلق حتى الآن سوى 44 بالمائة من قيمة ندائها في لبنان، في حين لم تحصل الحكومة على أي قدر من التمويل المطلوب، حسبما ذكرت المفوضية. 

ونتيجة لذلك، لم تعد الأمم المتحدة قادرة على تحمل تكاليف الدعم الكامل لجميع اللاجئين. وقالت نينيت كيلي، ممثلة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، أن نقص التمويل يفرض عليهم "اختيارات مأساوية" كل يوم. 


كما يجري خفض أشكال أخرى من المساعدات للعديد من اللاجئين، لاسيما مجموعات مستلزمات النظافة ومستلزمات الرضع. كانت المفوضية قد خفضت بالفعل نسبة تغطية الاستشفاء من 85 إلى 75 بالمائة في شهر أبريل الماضي، ولكن قسائم الطعام قد تكون هي الأكثر خطورة، وقد بدأت الجمعيات الخيرية تحذر بالفعل من أن معدل سوء التغذية آخذ في الارتفاع. 


ونظرياً، ينبغي أن يكون الأشخاص الذين يواجهون الاستبعاد قادرين بالفعل على إعالة أنفسهم - إما لأن لديهم وظائف أو لديهم عائلات أو أصدقاء يمكن أن ينفقوا عليهم. وتؤكد روبرتا روسو، مسؤولة الاتصالات في المفوضية، على أن "جميع الأشخاص الذين لا يمكنهم إعالة أنفسهم سيستمرون في الحصول على المساعدة". 


ولكن لدى الجمعيات الخيرية مخاوف كبيرة من أن يؤدي توقف منح القسائم الغذائية لأكثر من 200,000 شخص، إلى استبعاد الآلاف ممن هم بحاجة ماسة إلى هذا الدعم من القائمة بطريق الخطأ، وفي هذه الحالة، ستكون العواقب كارثية. ورداً على سؤال عما إذا كانت تستطيع البقاء على قيد الحياة دون مساعدة، أشارت فاطمة إلى زيها المتسخ قائلة: "هل أبدو غنية بالنسبة لك؟" 


من جانبها، قالت ريتشيل راوتلي مديرة المنح والاتصالات في المجلس الدانمركي للاجئين (DRC)، وهو واحد من أكبر المؤسسات الخيرية الدولية العاملة في لبنان: "إننا قلقون جداً من أن يتم استبعاد اللاجئين ذوي الاحتياجات المشروعة، ونشعر بالقلق أيضاً من أن الفجوات الموجودة في معلوماتنا يمكن أن تؤدي إلى أخطاء [في تحديد من يجب استبعاده]". 



في بعض أجزاء من البلاد، هناك أشخاص ينامون في الخيام، ونحن بحاجة للتأكد من أنهم يحصلون على دعم أكبر، وليس أقل
وأضاف جوزيف متى، رئيس جمعية سلام الخيرية اللبنانية، التي توفر الرعاية الصحية للاجئين في المجتمعات الهامشية خارج المدن الرئيسية: "في بعض أجزاء من البلاد، هناك أشخاص ينامون في الخيام، ونحن بحاجة للتأكد من أنهم يحصلون على دعم أكبر، وليس أقل". 

فجوات في المعلومات 


ويرجع القلق جزئياً إلى عدم وجود معلومات عالية الجودة تساعد على تحديد من ينبغي استبعاده. فعادة ما تقوم وكالات المعونة بزيارة اللاجئين بانتظام لتحليل احتياجاتهم من أجل إجراء تقييم، ولكن حجم الأزمة جعل هذا ضرباً من المستحيل، وبالتالي يستند عدد كبير من القرارات إلى البيانات الأسرية - وهي معلومات أساسية عن تكوين أو حجم الأسر وما إذا كانت تملك وظائف. 


وأفادت روسو أن "المعايير المتبعة لدينا معقدة جداً، ولكن لتبسيطها، نقول أنها تعتمد على تكوين ودخل الأسرة". وامتنعت عن إعطاء تفسير أكثر تفصيلاً لطريقة اتخاذ القرارات، لكنها شددت على أن المفوضية تحاول جعل عملية الطعن قابلة للتعديل من أجل تجنب الأخطاء. 


وفي حين أكدت روسو أنهم يبذلون قصارى جهدهم لضمان ألا يذهب أحد المحتاجين الفعليين ضحية لهذا الاجراء، تؤكد المفوضية والجمعيات الخيرية على حد سواء على أهمية عملية الطعن للحد من عدد من الناس الذين يستبعدون بشكل خاطئ، حيث يتم إعطاء كل شخص يواجه الاستبعاد استمارة طعن، مع توفير أكثر من 100 صندوق لجمع الاستمارات في جميع أنحاء البلاد. كما تقوم الجمعيات الخيرية بمساعدة اللاجئين الأميين على ملء الاستمارات. 


لكن بعض السوريين، الذين يشعر الكثير منهم بتخلي العالم عنهم بالفعل، يقولون أنهم لن يملؤوا الاستمارات بسبب شعورهم بالإحباط من بيروقراطية الأمم المتحدة البطيئة للغاية. ولخص محمد الكثير من هذا الشعور بالجمود في سؤال واحد: "ما الفائدة من ذلك؟" 


وفي واقع الأمر، لم تتمكن روسو من ضمان الرد على الطعون في غضون فترة زمنية محددة، مشيرة إلى أن "الهدف هو البت فيها في أقرب وقت ممكن، ولكنني لست متأكدة من [مدى سرعة الإجراءات]. لقد بدأنا الآن، ولكن الأمر يعتمد على عدد الطعون الموجودة لدينا لأن هناك الكثير من المتغيرات". 


ولهذه الأسباب، أكدت راوتلي من المجلس الدانمركي للاجئين أن "فريق التحقق سيقوم بزيارة الغالبية العظمى من المستفيدين المستبعدين للتأكد من حصولنا على أفضل معلومات ممكنة، ومن أننا نتخذ القرارات الصائبة. كما سيؤدي التحقق الثانوي إلى مضاعفة التأكد من عدم استبعاد الفئات الأكثر ضعفاً".