الصورة الرئيسية: حددت الأمم المتحدة منطقة خدمات على الجانب الجنوبي من منطقة الساتر الترابي لديها القدرة على تنفيذ عمليات توزيع أكثر أمناً. الصورة: برنامج الأغذية العالمي، نوفمبر 2016 |
: سارة إليزابيث وليامز
تقطعت السبل بنحو 70,000 سوري في منطقة منزوعة السلاح على الحدود الأردنية السورية، يحصلون فيها على مساعدات محدودة للغاية ويخضعون لقيود مشددة. وقد وجدت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه في الوقت الذي تقوم فيه الأمم المتحدة بتقديم المساعدة عن طريق رافعة أو من خلال مقاول، تتخذ المنظمة غير الحكومية الأمريكية وورلد فيجن (World Vision) نهجاً مختلفاً ومثيراً للجدل حيث تستخدم ميليشيا سورية "معتدلة" للمساعدة في جلب الإمدادات.
وقد جرّبت المنظمات الإنسانية مجموعة من الحلول غير التقليدية لتقديم المساعدة منذ إغلاق الأردن لتلك المنطقة - التي تعرف باسم "الساتر الترابي" - في أعقاب هجوم يونيو الذي شنه ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية. وقد نجحت جهود الأمم المتحدة في إيصال بعض المواد الغذائية إلى أكثر من 46,000 شخص والحفاظ على الحد الأدنى من إمدادات المياه. كما تم بناء مركز خدمات في الأراضي الأردنية لتوفير الرعاية الطبية.
وتتوخى كافة الأطراف التي تحاول مساعدة السوريين العالقين الحذر فيما يتعلق باثنين من المبادئ الإنسانية، هما الحياد والاستقلال. وبما أن الأمم المتحدة لا تستطيع دخول الساتر الترابي، فقد تعاقدت مع مقاولين تم فحصهم من قبل القوات المسلحة الأردنية - التي لا تستطيع هي أيضاً دخول المنطقة - لتوزيع المواد الإنسانية وتنفيذ المهام ذات الصلة داخل المنطقة الحرام، على غرار الخطة التي نشرتها شبكة الأنباء الإنسانية بشكل حصري في شهر أكتوبر الماضي.
مع ذلك، فقد اختارت منظمة وورلد فيجن أن تدفع أموالاً لمقاول نقل تابع لميليشيا يديرها رجل الأعمال السوري راكان الخضير وتدعمها الأردن. توفر ميليشيا الخضير الحماية المسلحة، وعلى الرغم من أن هذا المسار له منتقدوه، إلا أن المنظمة غير الحكومية تقول أنه فعال ويوصل المساعدات إلى حيث يجب أن تذهب.
وبحسب أحد المصادر المطلعة، يقوم أحد المقاولين المتعاقدين مع الأمم المتحدة، وهي شركة المساعدة التقنية الأولى (FTSC)، في الواقع بدفع مبلغ من المال للمليشيا ذاتها من أجل توفير الأمن لعملية توزيع المواد الغذائية الخاصة بها.
وفي سياق متصل، قال مجيد يحيى، المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي في الأردن، لشبكة الأنباء الإنسانية أن أي ترتيبات أمنية يضطلع بها المقاول، شركة المساعدة التقنية الأولى، تخصه وحده وليس لبرنامج الأغذية العالمي علاقة بها.
وأضاف قائلاً: "من المفترض أن يقوموا بعمل الترتيبات الأمنية الخاصة بهم. لقد قلنا لهم أننا لا نستطيع توفير ذلك ... إنها لا تندرج تحت التزاماتنا. هذا هو ما تسمح لنا به الحكومة: لا يمكن أن يتم التوزيع إلا داخل المنطقة الحرام، ولا يمكننا تنفيذ التوزيع سوى عن طريق مقاول".
وقد قامت شبكة الأنباء الإنسانية بالاتصال بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة اليونيسف ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للحصول على تعليقات قبل كتابة هذا التقرير، لكنهم جميعاً رفضوا مناقشة تفاصيل الترتيبات التعاقدية عند الساتر الترابي.
منطقة غير خاضعة للقانون
يذكر أن سيارة مفخخة قد انفجرت في الركبان، المستوطنة الأكبر حجماً عند الساتر الترابي، يوم السبت الماضي، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة أكثر من 14. وكان هذا هو الانفجار الرابع في سبعة أشهر داخل المنطقة المنزوعة السلاح، وكان أيضاً بمثابة تذكرة بأن عشرات الآلاف من المدنيين قد تقطعت بهم السبل في تلك المنطقة التي تم اختراقها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في مناسبات عدة وأنها غير خاضعة للقانون ولا يمكن دخولها من قبل معظم منظمات الإغاثة.
وتجدر الإشارة إلى أن السوريين ينظرون إلى الجانب الأردني كمنارة للاستقرار: "أشعر بالخوف عندما أذهب إلى الساتر السوري بمفردي. أشعر بثقة وأمان أكبر عندما أرى الساتر الترابي الأردني، لأنه منظم وعليه حراسة. هناك أشخاص يظلون مستيقظين ليلاً لحماية المنطقة، وحماية الناس المقيمين داخلها،" كما قالت أسماء، وهي أم لأربعة أطفال تعيش في الركبان (طلبت من الشبكة الانسانية عدم استخدام اسمها الحقيقي حفاظاً على سلامتها).
مجهول /ايرين |
في منتصف عام 2014، بدأ السوريون يتجمعون عند نقطتي العبور عند الساتر الترابي، وهما الركبان والحدلات. وحصل بعضهم على إذن بالدخول، ولكن معظمهم منعوا من ذلك.
وتحت ضغط من المجتمع الدولي في مطلع عام 2016، سمح الأردن بدخول كميات أكبر من المساعدات والأفراد، ولكن بعد أن أسفر تفجير عبوة ناسفة عن مقتل سبعة جنود في 21 يونيو، توقف دخولهم وتم تصنيف الموقع على أنه منطقة عسكرية. والآن، يتجمع أكثر من 70,000 شخص على الساتر الترابي.
ولم يدخل سوى قدر ضئيل من المساعدات في السبعة أشهر التي أعقبت انفجار يونيو، ولهذا السبب يقول الخضير، قائد الميليشيا السورية المعروفة باسم جيش أحرار العشائر، أنه قد بدأ يعقد لقاءات مع منظمات الإغاثة في أواخر أغسطس - وكان يشعر بالاحباط إزاء وتيرة نظام تسليم المساعدات التابع للأمم المتحدة.
ويرتبط الشيخ راكان، كما هو معروف أيضاً، بعلاقات وثيقة مع القوات المسلحة الأردنية. وفي مقابلة مع شبكة الأنباء الإنسانية، كشف أن الأردن يدفع فاتورته، التي تشمل 300 دولار لكل مقاتل في منطقة الركبان شهرياً، وأن الأردن يمده أيضاً بالسلاح. وقال الخضير لشبكة الأنباء الإنسانية أنه قد نشر أكثر من 130 رجلاً لوقف العنف في "مخيم" الركبان ومقاومة تنظيم الدولة الإسلامية.
وقد أصبحت منظمة وورلد فيجن الشريك المفضل لدى الشيخ راكان: "شعرت بإنسانيتهم. وما يربط بين معتقداتنا أنهم يحبون النظام وأنا أحب النظام. هذا أمر مهم للغاية".
وقد بدأت علاقة العمل بينهما في شهر سبتمبر، ووصف أحد كبار مسؤولي الإغاثة جيش أحرار العشائر بأنه "الطفل المفضل الجديد في الأردن".
"دورنا هو استقبال المساعدات من الحدود ونقلها إلى المستودع وحمايتها، ومن ثم حماية فريق منظمة وورلد فيجن أثناء التوزيع،" كما أوضح الخضير.
صفقة مخادعة؟
وقد تعاقدت منظمة وورلد فيجن مع شركة أردنية ذات صلة بالخضير، وهي شركة البادية لخدمات النقل، بغرض تنفيذ الصفقة، التي تضمنت حفر بئر مياه داخل سوريا.
وقال متحدث باسم منظمة منظمة وورلد فيجن لشبكة الأنباء الإنسانية: "لدينا علاقة تجارية مع شركة البادية لخدمات النقل لتسليم البضائع إلى الساتر الترابي بهدف التوزيع. وتم دفع أموال مقابل الخدمات المقدمة كجزء من هذا العقد".
ولكن العمل بشكل وثيق مع تلك المجموعة المسلحة أثار غضب البعض في المجتمع الإنساني.
وفي هذا الشأن، قال أحد كبار المسؤولين الإنسانيين عن التعاون بين وورلد فيجن وجيش أحرار العشائر: "إن طبيعة الاتفاق بينهما مخادعة جداً. إنها بعيدة كل البعد عن ما أسميه السلوك الإنساني الطبيعي".
ووصف مسؤول إغاثة آخر إمكانية وصول منظمة وورلد فيجن إلى المحتاجين بأنها "ذرائعية للغاية"، متسائلاً: "كيف يمكنك تقديم المساعدة الإنسانية من خلال جهة عسكرية؟"
لكن منظمة وورلد فيجن دافعت عن نهجها.
وأكد متحدث باسم المنظمة غير الحكومية في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية أنه "في مثل هذه الحالات، لا توجد حلول مثالية. نحن نبذل جهداً كبيراً لاتباع البروتوكولات والمبادئ الإنسانية، ونقوم بإجراء تقييمات وفحوصات لتحديد الجهة التي نعمل معها. وفي طلبنا للوصول إلى الساتر الترابي، لم تكن هناك شروط مسبقة أو متفق عليها تخالف المبادئ الإنسانية".
والجدير بالذكر أن الخضير نفسه يبدو على دراية بالتناقضات الواضحة في اضطلاع ميليشيا بأعمال إنسانية. وقال أنه التقى مع "جميع المنظمات غير الحكومية" ولكنه شعر بالإحباط بسبب ببطء حركة معظمهم. "في الوقت الراهن، نحن في زمن الحرب، نحن في حالة طوارئ. إن تحويل العملية إلى نشاط ديمقراطي لن يسهل أو يخفف من أي شيء،" كما أخبر شبكة الأنباء الإنسانية.
من جانبها، تقول منظمة منظمة وورلد فيجن أنها وزعت 4,000 مجموعة من مستلزمات النظافة و3,000 طرد تحتوي على ملابس أطفال، وهذا جزء صغير نسبياً من الاستجابة الإجمالية لتقديم المساعدة عند الساتر الترابي.
وفي ظل لعب جيش أحرار العشائر لدور الميسر، قامت منظمة وورلد فيجن بتدريب بعض سكان الركبان على إجراء تقييم سريع لاحتياجات 600 أسرة. وقد التقت إيرين بأكثر من عشرة من هؤلاء اللاجئين الذين تم إحضارهم إلى الأردن لتلقي التدريب.
ووجدت الدراسة أن الجوع كان همهم الأكبر. وبدا أن القائمين على الدراسة الاستقصائية أنفسهم يؤكدون ما يلي: كان كافة الأشخاص يتسمون بالنحافة، بل إن بعضهم كان هزيلاً. وادعوا جميعاً أنهم فقدوا بعض الوزن أثناء وجودهم في الركبان، ولا يأكل أي منهم أكثر من وجبة صغيرة واحدة في اليوم.
مزاعم وهجمات
وبالإضافة إلى هذه المسائل الأخلاقية المتعلقة بالمبادئ الإنسانية والحياد، هناك ادعاءات خطيرة أخرى.
فقد اتهم عمر البنية، وهو ناشط في قبيلة بدوية سورية محلية، جيش أحرار العشائر بمنع بعض المدنيين من الحصول على الخدمات الطبية، والتوزيع الانتقائي لمساعدات منظمة وورلد فيجن على الأصدقاء والحلفاء، وإرسال بعضها إلى معارفهم في درعا في سوريا، حيث يمكن بيعها لتحقيق الربح.
وقال البنية أن جيش أحرار العشائر هو وكيل مدعوم من الأردن والولايات المتحدة وتم تكوينه لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وأنه قد انحرف بعيداً عن مهمته الأصلية. وتحتفظ الولايات المتحدة والأردن بقوات خاصة مشتركة قرب الركبان.
وقد نفى الخضير تلك الاتهامات، وتصر منظمة وورلد فيجن على أن المعونة التي تقدمها تخضع لمراقبة وثيقة.
"نحن واثقون من أن مجموعات مستلزمات النظافة التي تم توزيعها في اختبار التوزيع الأولي، في بداية شهر نوفمبر، قد وصلت إلى الأطفال والأسر المستهدفة،" كما أفاد المتحدث باسم منظمة وورلد فيجن في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية.
مجهول/إيرين
"نحن ننفذ أفضل رصد ممكن في مثل هذه الحالات، بما في ذلك التحقق من تحديد المستفيدين، وليست لدينا أي أدلة تشير إلى أن هذه الإمدادات - التي تضمنت حفاضات، كريم طفح الحفاض، ومعجون أسنان ومنظفات الغسيل - قد تم تحويلها عن مسارها الأصلي،" كما أضاف.
وبغض النظر عن مزايا عملية الإغاثة، فقد أصبحت هي نفسهاً هدفاً: ففي 17 ديسمبر، فجر انتحاري يستقل دراجة نارية نفسه خارج مستودع منظمة وورلد فيجن في منطقة الساتر الترابي. وتسبب الحريق في مقتل عدد من أفراد ميليشيا جيش أحرار العشائر الذين كانوا يحرسون المستودع وتدمير ما يقرب من 12,000 مجموعة ملابس أطفال قالت منظمة منظمة وورلد فيجن أن اليونيسف كانت قد تبرعت بها.
ماذا بعد؟
وقد تبدو النواحي الفنية لكيفية تسليم المساعدات متيبسة، ولكنها يمكن أن تعني الفرق بين الحياة والموت.
وتؤكد مصادر طبية مطلعة أن ما لا يقل عن 12 طفلاً قد لقوا حتفهم بسبب نقص الرعاية الصحية منذ شهر يونيو الماضي، وتتعرض النساء لخطر كبير خلال الحمل والولادة، كما أن التهاب الكبد (أ) يتفشى الآن.
وبينما تستمر عمليات وورلد فيجن المتواضعة، تواصل الأمم المتحدة تنفيذ العمليات الأكبر حجماً بالتعاون مع كل من القوات المسلحة الأردنية والمقاولين من القطاع الخاص بهدف إيجاد سبل لتوصيل المساعدات إلى منطقة الساتر، دون الدخول بأنفسهم.
استخدم برنامج الأغذية العالمي رافعة لإنزال الغذاء إلى اللاجئين في المنطقة الحرام على الحدود الأردنية السورية - شذى مغربي/ برنامج الاغذية العالمي |
ومنذ شهر يونيو، أصبحت عمليات الأمم المتحدة حتى إلى الحافة الجنوبية من الساتر الترابي متقطعة، ويتم تنفيذ أي شيء آخر داخل المنطقة عن بعد (تم تسليم المساعدات حتى برافعة)، أو من خلال مقاولين.
ولم تتمكن منظمة أطباء بلا حدود، مثل منظمات الإغاثة الأخرى، من العمل في تلك المنطقة منذ يونيو 2016. وأفاد لويس إغيلوز، الذي كان يشغل منصب رئيس مكتب منظمة أطباء بلا حدود في الأردن حتى نهاية العام الماضي، أن منظومة الأمم المتحدة لا تحقق النتائج المطلوبة. وقال لشبكة الأنباء الإنسانية: "الدعم عن بعد لا يلبي احتياجات الناس عند الساتر الترابي، وعدم وجود مهنيين طبيين مدربين هناك يمثل مشكلة".
وأضاف رئيس منظمة الإغاثة الذي وصف الصفقة مع جيش أحرار العشائر بأنها "مخادعة" أن مصدر القلق الرئيسي يتعلق بكيفية تأثيرها على الآخرين: "ما يثير قلقنا هو أن لا تشكل عملية وورلد فيجن تهديداً لبقية العمليات". ولكن عمليات كل من منظمة منظمة وورلد فيجن والأمم المتحدة تبدو غارقة في أجندات أمنية.
ويقول كبار مسؤولي الإغاثة أن الجيش الأردني كان له بالفعل تأثير قوي على اختيار المقاولين المتعاقدين مع الأمم المتحدة. وأكد أحد كبار مسؤولي الأمم المتحدة لشبكة الأنباء الإنسانية أنه بما أن تلك المنطقة هي منطقة عسكرية، لا يمكن منح المناقصات هناك إلا للمقاولين الحاصلين على موافقة مسبقة من القوات المسلحة الأردنية. ويواصل الأردن سعيه للحصول على دعم من الأمم المتحدة والجهات المانحة لمجموعة من التدابير الأمنية المتعلقة بالساتر الترابي، تتجاوز العمل الإنساني.
وتقول الأمم المتحدة أنها تتوقع تدشين جولة ثانية لتوزيع المواد الغذائية في 28 يناير. ولكن الخطط تنهار بسهولة عند الساتر الترابي.