البعوض هو الفائز الوحيد في حرب اليمن

                                                         الصورة: كيت مابيري/إيرين

نموذج لبعوضة الأيديس الزاعجة 
تعز، اليمن, 12 سبتمبر 2015 (ASF - إيرين)
ظهرت تحليلات كثيرة حول الحرب في اليمن. ففي دقيقة تكون اليد الطولى للحوثيين ، وفي الدقيقة التالية، يتفوق التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية. ربما سيعود الرئيس اليمني السابق، أو قد يملأ تنظيم القاعدة الفراغ. ووسط كل هذه الأراء والتخمينات اللانهائية، يوجد شيء واحد مؤكد: الفائز الحقيقي الوحيد حتى الآن هو البعوض.
وعلى الرغم من أن حمى الضنك تصيب مئات الملايين من الناس سنوياً ومتوطنة في أكثر من 100 دولة، إلا أن هذا الفيروس الذي ينقله البعوض ليس خطيراً بشكل خاص. ولا تظهر أي أعراض على الغالبية العظمى من المصابين، ويحتاج معظم أولئك الذين يصابون بالمرض إلى الرعاية الطبية الأساسية فقط، مثل التقطير في الوريد، مما يخفض خطر الوفاة إلى أقل من واحد بالمائة. ولكن الأحوال السائدة في مدينة تعز، التي تقع في وسط اليمن، حولت تفشي المرض إلى أزمة.

ففي أواخر الشهر الماضي، أطلقت منظمة الصحة العالمية نداءً طارئاً لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة من أجل مكافحة "طفرة هائلة" في حالات حمى الضنك، لكن هذا النداء ذهب أدراج الرياح. وطالما استمر القتال، سيصبح تقديم الرعاية للمحتاجين في مدينة تعج بحمى الضنك ضرباً من المستحيل من الناحية العملية.

وتجدر الإشارة إلى أن تعز تقع على خط المواجهة في الحرب الأهلية في اليمن بين الحوثيين القادمين من شمال البلاد ووحدات من جيش اليمن الموالية لرئيس اليمن السابق من جهة ومجموعة من القوات الموالية للرئيس المنفي عبد ربه منصور هادي والمدعومة بحملة القصف التي تقودها المملكة العربية السعودية من جهة أخرى.

وقد اختفت الحياة اليومية: فقد أصبحت الشوارع مهجورة فيما عدا مجموعات من الرجال المسلحين وفرقعة الرصاص المتقطع من بنادق القناصة. وفر معظم السكان إلى المناطق الريفية، لكن لا يزال الآلاف منهم قابعين في منازلهم ولا يمكنهم الذهاب إلى أي مكان آخر. كما أن المدارس والجامعات مغلقة، وإمدادات المياه مقطوعة، وأبواب مستشفى الجمهورية الحكومي مغلقة لأن القذائف تتساقط بالقرب منها.

وقد ظهرت 1,243 حالة يُشتبه في إصابتها بحمى الضنك في محافظة تعز هذا العام، وفقاً للإحصاءات الرسمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، بينما تشير التقارير المحلية، بما في ذلك تلك الصادرة عن مجموعة صحية تسمى ائتلاف الإغاثة الإنسانية في مدينة تعز، إلى أن العدد الحقيقي للحالات يصل إلى 10 أضعاف ذلك وأن 15 شخصاً لقوا حتفهم.

وما يساعد على انتشار المرض عدم وجود إمدادات مياه صالحة للشرب، مما أجبر الناس على جمع أكبر قدر ممكن من المياه في حاويات مفتوحة، فخلقوا بذلك تربة خصبة مثالية هائلة لانتشار البعوض الحامل للمرض.

ومن الناحية النظرية، يمكن علاج حمى الضنك بسهولة عن طريق معالجة الجفاف والراحة، ونادراً ما تؤدي إلى الموت، ولكن النقص الحاد في المياه النظيفة والأدوية الأساسية في تعز يجعلها حالة استثنائية.

وفي هذا الشأن، قال حسن العزي، مدير مكتب الصحة الحكومي في تعز، أن مستوى العنف جعل من الصعب التحقق من النطاق الكامل للتفشي، لكن منظمة الصحة العالمية أكدت أن الوضع يبعث على اليأس.

وأكد أحمد شادول، ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، أن "محدودية فرص الحصول على خدمات الرعاية الصحية، وانهيار إمدادات المياه المأمونة والمرافق الصحية، فضلاً عن تراكم القمامة، سهلت انتشار حمى الضنك في المحافظة".

وأعلنت الأمم المتحدة أن ما يقرب من ربع المرافق الطبية في اليمن قد أغلقت أبوابها بسبب النزاع.

وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية ، قال العزي: "لا توجد كميات كافية من الدواء في تعز لعلاج مضاعفات حمى الضنك، ومعظم المستشفيات أغلقت أبوابها وخلقت هذه الأزمة".

وأضاف أن "حمى الضنك تقتل سكان تعز في الوقت الراهن، وهناك عدد كبير من الضحايا،" داعياً المنظمات الدولية إلى بذل المزيد من الجهد لتقديم المساعدة.

وقال شادول أنه لا يمكن الوصول إلى معظم الطرق في تعز، مما يعوق إرسال المساعدات الطبية.

وبالإضافة إلى التحديات المستمرة المتمثلة في القتال من شارع إلى شارع ونيران القناصة، فإن حملة القصف التي تقودها المملكة العربية السعودية والتي بدأت في شهر مارس الماضي تزيد الوضع الأمني تعقيداً أيضاً. فقد لقي 65 مدنياً على الأقل، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، حتفهم جراء الغارات الجوية على تعز في أواخر الشهر الماضي. وهرب العزي نفسه إلى الأمان النسبي في العاصمة صنعاء قبل ثلاثة أشهر.

وتُعتبر محاولة المنظمات الإنسانية لإيصال الإمدادات في مثل هذه البيئة محفوفة بالمخاطر. مع ذلك، قال شادول أن منظمة الصحة العالمية تمكنت من إدخال بعض المساعدات الطبية من خلال التنسيق المسبق مع جميع الفصائل المتحاربة. وأضاف أنها تأمل في إرسال المزيد قريباً.

أما أولئك الذين أُصيبوا بحمى الضنك في تعز، فإن أفضل رهان بالنسبة لهم في كثير من الأحيان هو الفرار من المدينة بحثاً عن السلام والمياه النظيفة.

وروى يونس جمال المقيم في تعز والبالغ من العمر 26 عاماً لشبكة الأنباء الإنسانية  ما حدث بعد إصابته الشديدة بحمى الضنك في الشهر الماضي: "كانت الاشتباكات العنيفة مستمرة في منطقتنا، وبالتالي لم يتمكن أحد من نقلي إلى المستشفى. وحتى عندما أخذني أخي الأكبر إلى المستشفى الحكومي، لم نتمكن من الحصول على الرعاية المناسبة".

وفي النهاية، اضطر جمال للسفر لمسافة 75 كيلومتراً إلى قريته لكي ينال قسطاً من الراحة والتعافي.