العمل الخيري بين الماضي والحاضر: النهل من تقاليد العطاء



نيويورك, 14 أبريل 2014 (إيرين)
لا تزال الأشكال التقليدية والعقائدية للعطاء موجودة منذ قرون، وهي تلعب دوراً رئيسياً في تحديد أنماط العطاء لدى الشعوب. ويوجد قدر كبير من الحماس بشأن الوتيرة التي ترسخ بها العمل الخيري الرسمي في كثير من البلدان النامية، ولكن البعض يعتقد أن فهم تقاليد السكان الأصليين - وربما الاستفادة منها - يمكن أن تجعل المبادرات الخيرية أكثر استدامة على المدى الطويل. 
وذكرت جيني هودجسون، المديرة التنفيذية التنفيذية للصندوق العالمي للمؤسسات المجتمعية، في مقال لها أن "كل دولة وثقافة لديها تقاليدها الخاصة في مجال العطاء وتحقيق التكافل الاجتماعي في محيط الأسرة والأصدقاء والجيران، سواءً كان هذا التقليد هو جمعيات دفن الموتى في أفريقيا أو الجمعيات المحلية في المكسيك." 

ومن الواضح أيضاً أن العطاء يحدث في جميع طبقات المجتمع ولا يكون الانتقال بشكل رأسي فقط - من الأغنياء إلى الفقراء – وإنما بشكل أفقي أيضاً، من خلال عطاء الفقراء لبعضهم البعض. ويمكن للعطاء أن يتخذ أشكالاً عديدة - بما في ذلك النقود والعمل ونقل المهارات والأصول والوقت. 

وترى هودجسون أن الأشكال المتنوعة من العطاء ترجع بالتأكيد إلى العديد من الجذور وأن الوضع اليوم هو "نقطة التقاء مشوشة تجتمع عندها العوامل الخارجية، والتقاليد والسياقات المحلية والإفريقية." 

وعلى الرغم من أن الحركة العالمية للمؤسسات المجتمعية تعود أصولها إلى مدينة كليفلاند بولاية أوهايو في عام 1914، وأنها وصلت أخيراً إلى جنوب إفريقيا في منتصف تسعينيات القرن الماضي وإلى كينيا في عام 1997 مع تأسيس مؤسسة كينيا لتنمية المجتمع، إلا أن الواقع يؤكد أن المؤسسات المجتمعية متجذرة أيضاً في التقاليد الأفريقية القديمة المتمثلة في مفاهيم مثل أوبونتو (بمعنى "ما أنا عليه الآن يرجع إلى هويتنا الجماعية")، أو هارامبي (الشكل الكيني لجمع التبرعات من المجتمع وتعني" كلنا نتعاون سوياً")، أو إيليما (الممارسات المتبعة في جنوب أفريقيا للمشاركة مع أولئك الذين لا يملكون شيئا)، أو إيسوسو في غرب أفريقيا حيث تقوم المجتمعات المحلية بتدبير الموارد من أجل هدف محدد، وتشمل الممارسات التقليدية الأخرى مريمو (أو المساعدة المتبادلة) في تنزانيا، وباتكا في أوغندا (المساعدة في الجنازات). 

والجدير بالذكر أن مشروعاً بحثياً بعنوان المحسن الفقير (Poor Philanthropist) أجرته جامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا منذ عدة سنوات تناول الطرق العديدة التي يدعم بها الفقراء بعضهم البعض. وقد طرحت الدراسة سؤالاً حول أسباب استمرار هذا الكم من الفقر في الوقت الذي يتم ضخ مليارات الدولارات من المساعدات إلى المجتمعات الفقيرة كل عام، مما أدى إلى الاتهام بأن "الفقراء يسطون على جهود التنمية الخاصة بهم بطريقة أو بأخرى." 

"ومع ذلك، وبعيداً عن كونه عقبة في طريق تنميتهم، أثبتت أبحاثنا عن نظم العون الأساسية الموجودة في المجتمعات الأفريقية الفقيرة عمق وتعقيد القدرة على الصمود، التي مكنت المجتمعات المحلية من المواجهة والنجاة وحتى التقدم في ظل ظروف غير مواتية." 

ويرى التقرير أن "معظم الغرباء لا يلحظون الأخلاق المحلية مثل العناية بالآخرين وتقاسم الموارد" مما يؤدي إلى تجاهلها أو إهمالها في جهود التنمية. وعليه، فما لم يفهم المانحون الطرق التي يساعد الفقراء بها بعضهم البعض، لن تكون التنمية مستدامة. 

ومن جهة أخرى، تقوم منظمة تراست أفريكا (Trust Africa) ومقرها السنغال بتشجيع العمل الخيري في القارة وتدعو إلى مفاهيم مماثلة: "إن توفير موارد خيرية محلية يمكن أن يلعب دوراً محفزاً في تمكين الأفارقة من استعادة ملكية أجندتهم الخاصة، ونقل الأصوات الأفريقية والمساعدة في إصلاح اختلال توازن القوى الذي يصاحب المساعدات الخارجية،" كما تقول المنظمة. فالقارة ا|لأفريقية لديها ثقافة أسرية قوية وعطاء مجتمعي وأنظمة دعم. "ويمكن للجهود المبذولة من أجل إعادة تنشيط هذه التقاليد، وتوسيع نطاق انتشارها، أن تعطي منظمات المجتمع المدني نفوذاً أكبر لدى جهات التمويل في الخارج، فضلاً عن الحكومات الحذرة هنا في الداخل." 

إن العطاء على أساس ديني غالباً ما يكون المصدر الرئيسي لعمل الخير في الكثير من البلدان. ولأن الهيئات الدينية تقوم في كثير من الأحيان بتوجيه العطاء الخيري من خلال مجموعة من المؤسسات، فإنه لا يكون دائماً من السهل تتبع هذه التبرعات. وعلاوة على ذلك، في حين أن الدافع وراء العمل الخيري غالباً ما يكون العقيدة الدينية، إلا أن الحصيلة لا تذهب دائماً إلى المؤسسات الدينية نفسها. ويقدم العديد من المسيحيين البالغ عددهم 2.8 مليار نسمة  والمسلمين البالغ عددهم 1.6 مليار نسمة في جميع أنحاء العالم تبرعات منتظمة لأسباب دينية. 

وفي المجتمعات المسلمة، يُعد العطاء الخيري جزءاً لا يتجزأ من الحياة. ففي إندونيسيا، على سبيل المثال، وجدت دراسة أن معظم العطاء يكون لأسباب دينية. 

وتجدر الإشارة إلى أن التقليد الإسلامي الخاص بدفع الزكاة هو شكل من أشكال العطاء الإلزامي؛ بينما الصدقة عطاء طوعي، ووفقاً للقرآن يتعلق الأمر بالعطاء السري "للمحتاجين أكثر منه لغرض إعلام العامة به." وهناك نوع ثالث من العطاء وهو الوقف، الذي يعتبر شكلاً من أشكال العطاء له قيمة تتجاوز الشيء الممنوح نفسه، أو حياة الشخص الذي منحه، على سبيل المثال قطعة أرض أو مدرسة. 

وتصف منظمات مثل مؤسسة الآغاخان، التي تروج للتنمية في أفقر أجزاء آسيا وشرق أفريقيا، نفسها بأنها "وسيلة حديثة لعمل الخير التقليدي" ولديها وجود في 30 دولة. 

وفي مصر، كانت القوة الدافعة وراء إنشاء مؤسسة وقفية المعادي الأهلية في 2007، هي "إحياء وتحديث الوقف"، ووصفت  بأنها ممارسة يصل عمرها إلى 1,400 عام في "مصر الفرعونية القديمة عندما كان الرهبان يهبون الأرض لتمويل معابدهم." وتهدف هذه المبادرة إلى تحويل أنماط العطاء من النموذج الخيري، الذي وجدت مروة الدالى، مؤسسة المبادرة، أن معظم المصريين يؤمنون به، إلى نموذج يعزز الاستدامة المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية . 

أما في الهند، فيُقال أن أكثر من 80 بالمائة من السكان يقدمون هبات سنوية، لقضايا دينية في أغلب الأحوال - إما ما يُعرف باسم دان في المجتمعات الهندوسية، أو سيفا في مجتمعات السيخ، أو الزكاة (الإسلامية). بينما تقوم المنظمات البوذية مثل باهوجان هيتاي في الهند بتقديم المساعدة لنحو 150 مليون داليت (منبوذين) الذين يعيشون في فقر. "بدأ كل من البوذيين التقليديين في آسيا والبوذيين الجدد في الغرب في إيجاد تعبيرات جديدة ورسمية لُبعد الإيثار في تقاليدهم،" بحسب ما كتبه  بيتر جوزيف، مدير منظمة كارونا تراست في المملكة المتحدة. 

كما تستند التقاليد اليهودية المسيحية أيضاً إلى منح الهبات للفقراء. وتمتلك المنظمات التي تعمل على نطاق واسع مثل المعونة المسيحية (Christian Aid) أجندة عمل اجتماعي معلنة، تتمثل مهمتها في "كشف فضيحة الفقر" وتحدي "النظم والهياكل والعمليات التي تعمل ضد مصالح أولئك الذين دُفعوا إلى الفقر أو التهميش." ويبتعد العديد من الجماعات المسيحية حالياً عن النماذج التقليدية للمساعدات والإغاثة، ويتجهون إلى نهج مدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية بدرجة أكبر وتعالج الأسباب الجذرية للفقر وتضغط من أجل التغيير المجتمعي.