ما الذي يحفز المواقف المناهضة للهجرة؟

الصورة: كريستي سيغفريد/إيرين

اليونان هي واحدة من الدول الأوروبية التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في المواقف المعادية

 للمهاجرين في السنوات الأخيرة..

جوهانسبرغ, 14 يناير 2014 (إيرين)
وجدت نتائج الدراسة الاستقصائية الدولية التي أجرتها شركة الأبحاث البريطانية  إيبسوس موري ونُشرت الأسبوع الماضي أن هناك مستويات متباينة جداً من القلق بشأن الهجرة في 19 دولة شملها المسح.ففي المملكة المتحدة، حدد 43 بالمائة من المشاركين مكافحة الهجرة بأنها واحدة من أهم ثلاث قضايا تثير القلق في بلدهم، مقارنة مع 32 بالمائة في أستراليا (ثاني أعلى نسبة)، و15 بالمائة في السويد واحد بالمائة في بولندا والبرازيل.ويبدو أن درجة التركيز على الهجرة في المملكة المتحدة ليس لها علاقة تُذكر بحجم سكانها المهاجرين، الذي يُقدر بنحو 7 بالمائة. ففي إسبانيا، يشكل غير المواطنين نحو 11 بالمائة من السكان، ولكن 6 بالمائة فقط من المشاركين في استطلاع إيبسوس موري اختاروا مكافحة الهجرة كمصدر رئيسي للقلق.
ومن الجدير بالذكر أن أكبر عدد من غير المواطنين الذين كانوا يعيشون في الاتحاد الأوروبي في يناير 2012، كان في ألمانيا (7.4 مليون نسمة)، حيث أعرب نحو 22 بالمائة من الناس عن قلقهم بشأن الهجرة في مسح إيبسوس موري. وكان ثاني أكبر عدد يعيش في إسبانيا (5.5 مليون)، ثم إيطاليا (4.8 مليون)، فالمملكة المتحدة (4.8 مليون)، ففرنسا 3.8 مليون)، وفقاً لإحصائيات قاعدة بيانات يوروستات التابعة للمفوضية الأوروبية. ولكن كنسبة من السكان الأصليين، جاءت لوكسمبورغ على رأس القائمة حيث بلغت نسبة سكانها من غير المواطنين 43 بالمائة. كما تضم ليختنشتاين وسويسرا وقبرص ولاتفيا نسباً عالية من غير المواطنين.

وقد حاول عدد من الباحثين اكتشاف سبب الاختلاف الكبير في المواقف تجاه الهجرة من بلد إلى آخر أو من منطقة إلى أخرى، ولكنهم لم يعثروا على أجوبة بسيطة أو نهائية.


في السياق نفسه، وجد تحليل أجراه الباحثون في إيبسوس موري أن زيادة القلق في المملكة المتحدة ارتبطت بزيادة حادة في معدلات الهجرة، بدءاً من عام 1999 تقريباً. وفي عام 2011، أعلنت المملكة المتحدة عن تلقيها أكبر تدفق للمهاجرين بين كافة دول الاتحاد الأوروبي (566,000)، تليها ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا.


مخاوف مدفوعة بالتصورات


وعلى الرغم من حدوث زيادة كبيرة في النسبة المئوية للسكان المولودين في الخارج، إلا أن الناس في المملكة المتحدة يميلون إلى المبالغة في تقدير هذه النسبة إلى حد كبير، ويصل تخمينهم في المتوسط إلى 31 بالمائة. كما أنهم يفرطون في تقدير نسبة السكان المهاجرين من طالبي اللجوء واللاجئين - وهم أقل أنواع المهاجرين شيوعاً - ويغفلون الطلاب الأجانب، الذين شكلوا أكبر فئة من المهاجرين إلى المملكة المتحدة في عام 2011.


وغالباً ما يدفع ذلك القلق بشأن الهجرة تصور أن المهاجرين يفرضون الكثير من الضغوط على الخدمات العامة، ويحصلون على استحقاقات الرعاية الاجتماعية بشكل غير عادل. كما أن ردود الفعل السلبية التي انتشرت في المملكة المتحدة في الأونة الأخيرة بسبب رفع القيود المفروضة على سفر البلغاريين والرومانيين، والسماح لهم بالبحث عن عمل في بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي اعتباراً من الأول من يناير 2014، تبدو وكأنها لا تستند إلى مخاوف من أنهم سوف ينافسون البريطانيين للحصول على فرص العمل بقدر ما تستند إلى الاعتقاد بأنهم سيأتون إلى هذا البلد للاستفادة من الخدمات الاجتماعية، في ما أصبح يُعرف باسم "سياحة الفوائد".


وليس من الواضح لماذا تبدو دول أخرى في شمال أوروبا أقل قلقاً بشأن هذا التدفق المحتمل، ولكن عن طريق المقارنة بين المواقف من الهجرة، تكشف دراسة إيبسوس موري عن فجوة أكبر في الأجيال بين البريطانيين وجنسيات أوروبية أخرى. ويقترح مقال في مجلة الإيكونوميست أن هذا ربما يكون نتيجة لاختلاف تجارب الحياة.


وقبل منتصف سبعينيات القرن الماضي، كان معظم سكان المملكة المتحدة متجانسين بالمقارنة مع أوروبا القارية. ولذلك نشأ جيل طفرة المواليد "متشككاً بشأن الأوروبيين والتنوع"، ولكن بالنسبة للأجيال اللاحقة، أصبحت "الهجرة الجماعية، والتكامل الأوروبي والتعددية الثقافية جزءاً من حياتهم اليومية".


ويشير مرصد الهجرة في جامعة أكسفورد، الذي يحلل بيانات الهجرة، إلى أن المعارضة للهجرة في المملكة المتحدة "أكثر شيوعاً بين السكان البيض المولودين في المملكة المتحدة والأقل تعليماً".


هل الاقتصاد هو السبب؟


وقد أُجريت أبحاث مكثفة حول ثلاث نظريات أساسية عن سبب هذا الوضع. أولاً، تشير نظرية الاتصال إلى أن الاتصال الإيجابي المتواصل مع أشخاص ينتمون إلى المجموعات العرقية أو الوطنية الأخرى ينتج عنه مواقف أكثر إيجابية تجاه تلك المجموعة. ثانياً، تفترض نظرية الصراع بين المجموعات أن أولئك الذين يعتقدون أن المهاجرين يشكلون تهديداً لمصالحهم أو هوياتهم أو وضعهم في المجتمع من الأرجح أن يكونوا الأكثر معارضة للهجرة. وأخيراً، تقترح نظرية المنافسة الاقتصادية أن معارضة الهجرة متجذرة في أنفس العمال المحليين الذين يضطرون للتنافس مع المهاجرين ذوي المهارات المماثلة، فضلاً عن التصور بأن المهاجرين يشكلون عبئاً مالياً على المواطنين الأصليين دافعي الضرائب.


ويقول مرصد الهجرة أن هناك "أدلة قوية جداً على صحة النظريتين الأولى والثانية، وأدلة مختلطة بشأن مختلف التفسيرات الاقتصادية".


وقد أعطت الأزمة المالية في أوروبا وتصاعد المواقف المناهضة للهجرة والتي يبدو أنها رافقت تلك الأزمة، مصداقية غير مستحقة لنظرية المنافسة الاقتصادية في السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار قال سكوت بليندر، القائم بأعمال مدير مرصد الهجرة، في رسالة بالبريد الالكتروني إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "الظروف الاقتصادية ليست قوية كعامل محدد في تشكيل المواقف كما يفترض الكثير من الناس".


كما أن النتائج المستخلصة من دراسة محددات المواقف المناهضة للهجرة في البلدان الأوروبية، التي أجرتها ايفوني ماركاكي وسيمونيتا لونغي من جامعة إسيكس، لا تقدم دعماً يُذكر للتفسيرات الاقتصادية. فلم تجد الدراسة علاقة بين ارتفاع المواقف المعادية للهجرة والمناطق التي تضم أعداداً كبيرة من المهاجرين، ولكنها وجدت أن معظم هذه المواقف ترتبط بوجود نسب أعلى من المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي.


وبشكل مخالف للحدس، وجدت الدراسة أن المستويات الأعلى من البطالة بين المواطنين ترتبط بمواقف أكثر إيجابية، في حين كانت الزيادة في معدل بطالة المهاجرين مرتبطة بزيادة في المواقف المناهضة للهجرة. وقالت ايفوني ماركاكي كبية مؤلفي الدراسة: "ما وجدناه هو أن [المواقف المناهضة للهجرة] لا ترتبط كثيراً بخصائص السكان الأصليين، بل بخصائص السكان المهاجرين". وأشارت هي ولونغي إلى أن "تهديد القيم الثقافية يبدو وكأنه يدفع نحو معارضة الهجرة أكثر من التهديد الاقتصادي".


إلقاء اللوم على وسائل الإعلام؟


وغالباً ما يتم إلقاء اللوم على وسائل الإعلام لمساهمتها في المواقف المناهضة للهجرة، ولكن من الصعوبة بمكان إثبات مدى توجيه التغطية الإعلامية لآراء الجمهور حول الهجرة أو دعمها لتلك الآراء. وليس هناك شك في أن الصحافة الصفراء في بريطانيا خصصت مساحات هائلة لقضايا مثل "سياحة الفوائد"، ولكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون استخدم هذا المصطلح أيضاً في مناسبات عديدة، ويضغط الآن من أجل تبني تشريع من شأنه أن يجعل حصول المهاجرين على المزايا الاجتماعية أكثر صعوبة.


وفي السياق نفسه، قال بليندر: "أظن أن التغطية الإعلامية والخطاب السياسي واتخاذ مواقف تهدف لتحقيق أغراض شخصية في السياسية الداخلية تلعب دوراً هاماً أيضاً في الخلافات المنتشرة في مختلف أرجاء البلاد [بشأن المواقف من الهجرة]،" مضيفاً أن الباحثين لم يتمكنوا من إثبات ذلك حتى الآن.


من جانبها، ترى ماركاكي أن السياسات والقيادة بشأن قضايا الهجرة تلعب دوراً هاماً في توجيه المواقف العامة. وأضافت أن "أقل المواقف المناهضة للهجرة تكون في الدول الاسكندنافية... ويرتبط هذا بالمؤسسات ونظم طلب اللجوء الأكثر ليبرالية".

أما في البلدان التي استغل ساستها السخط الشعبي بشأن الهجرة واستخدموه لدفع السياسات المناهضة للهجرة التي تلقى تأييداً شعبياً، فقد تضاعف هذا السخط.