هل نهتم بما فيه الكفاية بالعنف الجنسي؟



جوهانسبرج, 30 ديسمبر 2013 (إيرين)
 كانت نومسا* البالغة من العمر 20 عاماً في طريقها للتسجيل في جامعة خارج بريتوريا بجنوب أفريقيا برفقة أربع من صديقاتها عندما قام رجال باختطافها. وعن تلك الحادثة قالت: "لقد حاولت مقاومتهم". لكن الرجال قاموا بسحبها إلى بناية وتناوب خمسة منهم على اغتصابها، بينما هربت صديقاتها ولم يعدن للبحث عنها. وبعدها قام الرجال بأخذ الهاتف النقال الخاص بها. 
عادت نومسا بعد ذلك إلى منزلها الذي يبعد أكثر من 500 كيلومتر عن إقليم كوازولو ناتال. وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت الطالبة أنها بعد أيام قامت بالاتصال برقمها وقام أحد الرجال بالرد على الهاتف.

وعند سؤالها حول ما إذا عرفت الشرطة أجابت: "نعم، وما يزال بإمكان الشرطة القبض على الرجال"، ولكنها لم تعرف بمن تتصل. فقامت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بمخاطبة رئيس وحدة العنف الأسري وحماية الأطفال والجرائم الجنسية في شرطة جنوب أفريقيا، وقام مسؤول منزعج بالاتصال بعدها بأسبوعين ليسأل لماذا قامت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بالشكوى وقام بتسجيل رقم هاتف نومسا المسروق.

وبعد بضعة أشهر، كانت نومسا في جوهانسبرج تزور عمتها التي كانت تحاول مساعدتها ولكنها لم ترغب في مقابلة شبكة الأنباء الإنسانية. ولم ينتج عن دليل الهاتف أي شيء ولم تقم الشرطة بالاتصال بها مرة أخرى ولم تحصل الفتاة على أي استشارة. وعلى حد علمها لا يزال الرجال طلقاء.

وقد حدثت محنة نومسا بعد أسابيع فقط من الاغتصاب الجماعي البشع لطالبة العلاج الطبيعي في العاصمة الهندية دلهي في ديسمبر 2012 والذي انتهى بموتها بسبب أصابتها بالحادث. وقد عبر آلاف الهنود عن غضبهم بالخروج إلى الشوارع لأسابيع وهو ما تصدر العنوانين الرئيسية في جميع أنحاء العالم.

أما خبر اغتصاب نومسا فحصل على فقرات قليلة في وسائل الإعلام المطبوعة. كما أنها واجهت عدم اكتراث ولا مبالاة من صديقاتها ومن الشرطة ومن وسائل الإعلام ولم يهتم أحد فعلاً بما حدث لها.

ما الذي يحدد نوع الاستجابة؟

وتبقى الأسباب التي تجعل بعض الحالات تستدعي استجابات قوية بينما لا تحصل حالات أخرى سوى على اللامبالاة محل تكهنات وتحليل. فقد أوردت وسائل الإعلام الهندية تقارير عن العشرات من حالات الاغتصاب كل أسبوع منذ حادثة دلهي، لكن لم تثير جميع الحوادث نفس الشعور بالغضب. وربما يعود سبب التعاطف مع طالبة العلاج الطبيعي إلى أن غالبية المحتجين كانوا من الطبقة المتوسطة الحضرية والعديد منهم من النساء، ولذلك استطاعوا أن يشعروا بنفس شعور الضحية. وقالت الناشطة الهندية اس اس سميثا أن "عدم الاكتراث يشل الرغبة في العمل".

وقد توصلت الدراسات الاجتماعية والنفسية إلى تفسيرات عديدة لهذه اللامبالاة. فقد أظهر "تأثير المتفرج" الذي شرحه جون دارلي وبيب لاتاني في عام 1968 أنه كلما زاد عدد المتفرجين والمارة في موقف طارئ قل احتمال أن يقوم أي منهم بالمساعدة. فالمساعدة تحدث فقط عندما يتعاطف المارة مع الضحية.

وربما يكون أفراد قوة الشرطة غير مكترثين بسبب التحيز الشخصي- الذي لا يختلف عادة عن المجتمع ككل- وغالباً ما يلوم الضحايا لكونهم في المكان "الخطأ" في الوقت "الخطأ" وبالتالي تعريض أنفسهم للخطر. وإذا كان الضحية طفل رضيع، فيتم إلقاء اللوم عندها على الوالدين.
ينبغي توظيف الثقافة والدين والتقاليد لدفع السلوكيات الإيجابية وليس لتبرير العنف
وغالباً ما يشعر الناس بأنهم أقل تأهيلاً من غيرهم وأن الآخرين في وضع أفضل لتقديم المساعدة أو أن تقديمهم للمساعدة قد يورطهم بعد ذلك في إجراءات قانونية تستغرق وقتاً طويلاً. 

وقالت زينب بانغورا، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، أن المرء لا يحتاج إلى امتلاك مهارات مثالية لتقديم الرعاية، مضيفة أن "الواقع هو أنه في أوقات الحاجة يكون المجتمع دائماً أول من يستجيب - فالجيران يساعدون جيرانهم والعائلات تساعد غيرها من العائلات". والناس بحاجة إلى معرفة ذلك.

أهمية المجتمعات 

قرر جيران وكذلك زوجة أحد الجناة الذين قاموا بالاغتصاب الجماعي في الهند قطع علاقاتهم بهذا الرجل حيث قالت زوجته آشا لأحد الصحف أنه لا بد من شنق زوجها بسبب الجرم الذي اقترفه. وقد مات هذا المتهم أثناء وجوده في الحجز.

وقام سكان سويتو- التي تضم واحداً من أعلى معدلات العنف الجنسي في جنوب أفريقيا- الذين غالباً ما يكونون هم أنفسهم ضحايا، بالتواصل مع الأشخاص الذين تم الاعتداء عليهم واستضافة الأطفال في بيوتهم بعد المدرسة للحفاظ على سلامتهم. وتعد هذه مبادرات بسيطة قام بها أفراد عاديون غير مدربين. 

وإحدى هؤلاء الأشخاص جوان أدمز التي أحدثت فرقاً على مدار 14 عاماً في حياة الأشخاص المعتدى عليهم في منطقة كليبتاون في سويتو وتأمل في الحصول قريباً على تدريب كمستشارة. 

وتتساءل ليزيل فالو، التي بدأت مركز مكافحة المخدرات والمشروبات الكحولية في جنوب أفريقيا بتمويل من مجتمع كليبتاون الفقير قائلة: "عندما نرى أي طفل يقوم بأي شيء خاطئ (الإساءة إلى أطفال آخرين أو نساء أو لا يحترم الغير) لماذا لا نوقف هذا الطفل ونقوم بتصويب سلوكه؟ لقد كان الكبار يقومون بذلك عندما كنا صغاراً".

كما ينبغي أن يكون التركيز على جعل البيئة أكثر أمناً بالنسبة للفئات الضعيفة. بالإضافة إلى ذلك، لا بد أن يكون العمل المجتمعي متحرراً - فلا ينبغي أن يضيق الخناق على حرية الحركة أو التعبير للفئات الضعيفة، ولا يجب أن يكون رجعياً كإجبار النساء على ارتداء نوع معين من الملابس.

وهناك العديد من المواقف النسائية المتعلقة بالملابس تتراوح بين عدم ارتداء أي شيء على الإطلاق إلى تمكين النساء من ارتداء النقاب، علاوة على التفضيلات الشخصية والاعتبارات الاجتماعية. 

وقالت مونيك ويلسون، وهي ممثلة مخضرمة وناشطة في مجال حقوق المرأة من الفلبين ومشاركة في حركة "في داي" (V-Day) -وهي حركة بدأتها الكاتبة المسرحية والناشطة إيف إنسلر- ومؤلفة Vagina Monologues في عام 1998 أنه من العبثي أن تطلب من النساء - ضحايا الهجمات- أن يغيرن مظهرهن لمواجهة العنف الجنسي بدلاً من استهداف سلوك الجاني. 

نحتاج إلى رؤية جديدة

الواقع هو أنه في أوقات الحاجة يكون المجتمع دائماً أول من يستجيب - فالجيران يساعدون جيرانهم والعائلات تساعد غيرها من العائلات". والناس بحاجة إلى معرفة ذلك 
ينبغي توظيف الثقافة والدين والتقاليد لدفع السلوكيات الإيجابية وليس لتبرير العنف بدورها، قالت لاكشمي بوري، نائبة المدير التنفيذي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة وهي أحدث وكالات الأمم المتحدة: "نحتاج إلى تحويل اللامبالاة العامة تجاه العنف ضد النساء إلى تعاطف عام لحقوق المرأة. ينبغي توظيف الثقافة والدين والتقاليد لدفع السلوكيات الإيجابية وليس لتبرير العنف".

وأضافت أنه "لتحقيق ذلك، من المهم إنشاء حركة تدرك وتلتزم بتغيير المواقف والمعتقدات وطرق التفكير... ونحتاج أيضاً إلى قوانين ومؤسسات وقوات أمن لتقديم خدمات الوقاية والحماية والاستجابة".


والنهج المتعدد القطاعات لن يعالج اللامبالاة فحسب ولكنه سيعالج أسبابها أيضاً. وقالت ليزا فيتين الخبيرة في العنف الجنسي أن "السلوك يتأثر بمجموعة من العوامل ... فأنت بحاجة إلى أن تأخذ بعين الاعتبار معايير السلوك الاجتماعي بين الجنسين وكيف تظهر عدم المساواة بين الجنسين. وينبغي أيضاً أن تأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية المنتجة للعنف (مثل ارتفاع مستويات عدم المساواة في الدخل) جنباً إلى جنب مع معايير السلوك الاجتماعي الخاصة باستخدام وقبول العنف بصفة عامة وتوفر ما يمكن اعتباره عوامل الإثارة مثل الأسلحة والمشروبات الكحولية والمخدرات. كما أنك بحاجة إلى أن تأخذ في الاعتبار التاريخ الشخصي للأفراد وتجارب تعرضهم للإهمال والشدائد والعنف وإذا ما شاهدوا العنف أيضاً (وهو ما يمكن تصنيفه على أساس النوع الاجتماعي).

"وأخيراً قد يكون العنف ظاهرة عالمية ولكنه دائماً ما يتأثر بالسياق الاجتماعي الثقافي وهذا هو السبب في رؤيتك للتباين في الإحصاءات في مختلف البلدان،" كما قالت.

وقد قامت منظمة الصحة العالمية بجمع قائمة بعوامل الخطر المرتبطة بالعنف الجنسي وعنف الشركاء في العلاقة الحميمة للأفراد في العائلات والمجتمعات. وهذا يشمل الاعتقاد في شرف الأسرة والطهارة الجنسية وايدولوجيات الاستحقاق الجنسي للذكور والعقوبات القانونية المتراخية للعنف الجنسي وانخفاض مستويات التعليم والتعرض لسوء معاملة الأطفال.

وطبقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن جهود منع مثل تلك الهجمات لم تكن مثمرة حيث ذكرت المنظمة أن "هناك حاجة إلى المزيد من الموارد لتعزيز الوقاية من العنف الجنسي وعنف الشريك في العلاقة الحميمة، ويشمل ذلك الحماية الأولية أي منع العنف من الحدوث في المقام الأول".

وتقول منظمة الصحة العالمية أن "هناك بعض الأدلة من الدول المرتفعة الدخل بأن البرامج المدرسية لمنع العنف في إطار العلاقات الغرامية قد أظهر فاعلية. ولكن لم يتم تقييم تلك البرامج بعد للاستخدام في البيئات الفقيرة الموارد. وهناك استراتيجيات وقاية أساسية أخرى عديدة: مثل الاستراتيجيات التي تدمج القروض الصغيرة مع التدريب على المساواة بين الجنسين، وتلك التي تعزز مهارات الاتصال والعلاقات بين الأزواج وداخل المجتمعات، والتي تحد من تعاطي والحصول على المشروبات الكحولية، والاستراتيجيات التي تقوم بتغيير معايير السلوك الاجتماعي بين الجنسين. وقد أظهرت هذه الاستراتيجيات بعض الأمل ولكنها تحتاج إلى المزيد من التقييم".

تغيير مواقف الرجال



وقد تكون البداية هي جعل الرجال على دراية بموقفهم تجاه النساء. ويقوم الناشط مايكل أوربينا بإدارة مدونة على الانترنت بها "101 طريقة يومية للرجال ليكونوا حلفاء للنساء"، حيث تقدم تلك المدونة نصائح بسيطة مثل: "كن واعياً أين تذهب عيناك عندما تمر بجوارك امرأة - قم بتغيير هذا السلوك، وقم بإزالة صور النساء شبه العاريات من خلفيات هاتفك النقال". 
وقد قامت حملة "دق جرس الباب" في الهند بإشراك ممثلي الأفلام المشهورين لكي يساعدوا في تشجيع الناس على التدخل في حالات العنف الأسري في أحيائهم عن طريق دق جرس الباب فقط.

وفي عام 1989 دخل رجل إلى جامعة البوليتيكنيك في مونتريال وقام بقتل 14 زميلة من زميلاته في الجامعة. وقد أدت المذبحة إلى ظهور حركات عديدة تركز على معالجة السلوك العنيف للرجال ضد النساء مثل حملة الشريط الأبيض (White Ribbon Campaign) التي تم إنشاؤها في عام 1991 وأدت إلى مبادرات في أكثر من 65 دولة.

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عبر البريد الالكتروني، قال تود منيرسون، المدير التنفيذي للحملة أن "أحد مزايا نموذج الشريط الأبيض هو أنه يمكن أن يبدأ في أي مكان بالحد الأدنى من الموارد. فكل ما يحتاجه النموذج هو مجموعة من الرجال ممن يملكون الالتزام بالقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي وفهم دورنا ومسؤوليتنا كرجال...والرغبة في إعادة تعريف المظاهر العنيفة الضارة للرجولة الموجودة في صميم الكثير من العنف".

ولدى الحملة أيضاً ما يزيد عن 400 من الشركاء في التحالف العالمي المسمى مشاركة الرجال (MenEngage.). وأضاف منيرسون أن "العنف مشكلة عالمية وليست ثقافية. فالتغيرات والتحولات الاقتصادية السريعة يمكن أن تؤدي إلى الظروف الصعبة حيث نرى أحياناً أكبر قدر من العنف القائم على النوع الاجتماعي. وقد أشارت دراسة حديثة لمنظمة الصحة العالمية إلى أن امرأة من بين ثلاث نساء على مستوى العالم ستواجه شكل من أشكال العنف الجسدي أو الجنسي في حياتها.

وقال منيرسون: "حتى في كندا نواجه مأساة مقتل أو فقدان ما يزيد عن 600 من نساء سكان البلاد الأصليين اللائي مازالت قضاياهن من دون حل إلى حد كبير... وغالباً ما نبدأ بسؤال الرجال عن خبراتهم الخاصة مع العنف، كضحية للعنف وكمرتكب له أيضاً. وعندما يتكلم الرجال بصراحة عن هذا الموضوع تكون تلك هي الخطوة الأولى نحو تنمية التعاطف، والتعاطف هو الخطوة الأولى نحو الرحمة".

وتعتقد سوزان سيليا سوان المدير التنفيذي لحركة "في داي" أن جهود التوعية في تزايد. وقد قامت الحركة بالبدء في حملة بعنوان (One Billion Rising) في سبتمبر 2012 الذي يوافق الذكرى الخامسة عشر للحركة وتمت المشاركة في تلك الحملة في أكثر من 200 دولة في عام 2013. وقالت سوان: "نحن ندعو لإنهاء الإفلات من العقاب المنتشر عالمياً.... وقام ناشطون من أكثر من 100 دولة بالاشتراك في حملة عام 2014 للاحتجاج خارج المحاكم وأقسام الشرطة والمكاتب الحكومية ومباني الإدارات المدرسية وأماكن العمل ومواقع الإضرار بالبيئة والمحاكم العسكرية والسفارات وأماكن العبادة والأماكن العامة من أجل المطالبة بتحقيق العدالة".

وقالت الممثلة ويلسون أن الحركة قد تطورت من خلق الوعي إلى دراسة الطرق المتعددة القطاعات للتعامل مع الأسباب الجذرية مثل القضاء على الفقر وتمكين المرأة.

وقالت بانغورا الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة أن "المبادرات المجتمعية هي السبيل لمكافحة العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات. فتلك المبادرات تقوم بكل شيء بدءاً من تقديم الخدمات الطبية إلى تعليم مهارات كسب الرزق.. وليس المهم فقط أن تحصل المبادرات على المساعدة المالية، ولكن من المهم أيضاً أن تحصل على الدعم القانوني الملائم لضمان مكان آمن يمكن من خلاله إدارة وتوفير الخدمات الحيوية".



*ليس اسماً حقيقياً